اذا وضعنا جانبا الاخطاء الكثيرة التي ارتُكبت في السنوات الست الماضية، اي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، يمكن القول ان من افضل ما فعلته حركة الرابع عشر من آذار في الايام القليلة الماضية تركيزها على السلاح ومدى خطورته على لبنان واللبنانيين ومستقبل اولادهم. فالسلاح في اساس كل علّة في لبنان وذلك منذ العام 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم الذي استخدم لاقامة مربعات امنية فوق الاراضي اللبنانية. كانت تلك المربعات الامنية تحت سيطرة المسلحين الفلسطينيين، ومنظمات تابعة للاجهزة السورية وحتى العراقية والليبية في مرحلة ما. ما لا يمكن تجاهله في اي لحظة ان مصدر معظم السلاح الذي يدخل لبنان هو الاراضي السورية وان لا هدف من ارسال السلاح الى لبنان، بغض النظر عن الجهة التي ستستخدمه، سوى تقويض مؤسسات الدولة اللبنانية وايجاد شرخ بين اللبنانيين، حتى بين ابناء الطائفة الواحدة والمذهب الواحد.
بقي الامر على هذه الحال حتى العام 1982 عندما راحت تلك المربعات الامنية تنتقل تدريجا الى سيطرة ميليشيا مسلحة ايرانية ذات عناصر لبنانية اسمها quot;حزب اللهquot;. ذلك لا يعني ان في الامكان تجاهل ان عدوى السلاح غير الشرعي انتقلت الى المسيحيين الذين وجد من يشجعهم في السبعينات والثمانينات على تشكيل ميليشيات عادت عليهم بالويلات، خصوصا عندما اختاروا المواجهة مع المسلحين الفلسطينيين من دون دعم من شركائهم في الوطن من المسلمين الذين لم يعوا في تلك المرحلة من تاريخ لبنان خطورة السلاح غير الشرعي ومعنى دعم الوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية، بما في ذلك بيروت...
من حسن حظ المسيحيين ومعظم اللبنانيين المنتمين الى الطوائف الاخرى انهم ادركوا اخيرا ان السلاح يشكل الخطر الاكبر على لبنان وعلى العيش المشترك وعلى قدرة الوطن الصغير على المقاومة والصمود في جه العواصف العاتية التي تضرب المنطقة. بالطبع، هناك استثناء مسيحي اسمه النائب ميشال عون، وهو قائد سابق للجيش بلغت به قلة الحياء تبرير اغتيال الميليشيا الايرانية ضابطا طيارا في الجيش اللبناني اسمه سامر حنا تجرأ على التحليق بطائرته التابعة للجيش اللبناني فوق الاراضي اللبنانية! ولكن ما العمل عندما يكون هناك لبنانيون مسيحيون لا يريدون ان يتعلموا شيئا من المآسي التي مر فيها بلدهم؟ ما العمل عندما لا يكون لدى ميشال عون من طموح سوى لعب دور الاداة او الاداة لدى الادوات باي ثمن كان؟
سينتصر لبنان في المواجهة مع السلاح غير الشرعي. ستنتصر ارادة اللبنانيين على المنادين بتغليب ثقافة الموت على ثقافة الحياة. ماذا يؤكد ان الانتصار اللبناني على السلاح سيتحقق عاجلا ام آجلا؟ الجواب انه في العام 1969، لم يكن هناك سوى زعيم لبناني واحد يقف ضد اتفاق القاهرة والسىلاح غير الشرعي. كان اسم هذا الزعيم ريمون اميل اده. لم يتجرّأ اي مسلم او مسيحي على مجاراته على الرغم من ان كثيرين كانوا من رأيه لكنهم فضلوا السلامة والاستسلام امام المزايدات والمزايدين على الموقف الوطني الصريح الذي يتفق مع منطق الدولة ولا شيء آخر غير الدولة.
الآن، هناك اكثرية لبنانية مع منطق الدولة. هذه الاكثرية من كل الطوائف والمناطق نزلت الى الشارع واخرجت القوات السورية من لبنان في العام 2005. هذه الاكثرية انتصرت في انتخابات 2005 وانتصرت في انتخابات 2009 التي كانت استفتاء على السلاح غير الشرعي ورفض الرضوخ له. رفض اللبنانيون السلاح غير الشرعي لانهم يعرفون تماما ان quot;حزب اللهquot; ليس سوى ميليشيا مذهبية لا همّ لها سوى اعادة لبنان الى نظام الوصاية مستخدمة الغرائز المذهبية.
في النهاية، لا وجود لمنطقين عندما يتعلق الامر بمصير دولة. هناك منطق الدولة وهناك منطق اللادولة. لا يمكن لاي دولة التعايش مع منطق السلاح غير الشرعي. فالسلاح غير الشرعي يعني استمرار الاغتيالات في لبنان ويعني السيطرة على قرار الحرب والسلم الذي يفترض ان يكون في حوزة المؤسسات الشرعية، على راسها مؤسسة مجلس الوزراء. السلاح غير الشرعي يعني قبل اي شيء آخر السعي الى منع ذهاب العدالة الدولية الى النهاية في اتجاه كشف من اغتال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005 ومن اغتال بعد ذلك سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم ووسام عيد وفرنسوا الحاج وسامر حنا ومن حاول اغتيال مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق وسمير شحاده.
هناك الف سبب وسبب لوقوف لبنان واللبنانيين ضد السلاح غير الشرعي الموجه الى صدور المواطنين العزل خدمة لثقافة الموت التي تنادي بابقاء لبنان quot;ساحةquot; ولا شيء آخر غير quot;ساحةquot; للمحور الايراني- السوري. هذا المحور الذي يستخدم اللبنانيين وقودا من اجل عقد صفقات على حساب الوطن الصغير واهله. لا حاجة الى الدخول في اي اجتهادات سياسية من اي نوع كان. يكفي طرح سؤالين في غاية البساطة. هل من هدف لدى النظام السوري سوى التوصل الى صفقة مع الولايات المتحدة واسرائيل على حساب لبنان؟ هل من هدف لدى النظام في ايران سوى تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة على حساب كل ما هو عربي فيها اكان ذلك في لبنان او خارج لبنان؟
لم تعد لعبة السلاح تنطلي على احد. كل ما هو مطلوب من السلاح اخضاع لبنان في خدمة مشروع يصب في تكريسه quot;ساحةquot;. لم يتغيّر شيء منذ العام 1969. ربما كان الجديد الوحيد ان السلاح يستخدم في العام 2011 لفرض حكومة على اللبنانيين اسمها حكومة quot;حزب اللهquot;. انتقل quot;حزب اللهquot; ومن خلفه ايران، الى مرحلة اكثر تطورا في سياق عملية فرض ارادتهما على اللبنانيين وتاكيد ان بيروت ميناء ايراني على البحر المتوسط.
هل هذا مشروع ممكن التحقيق؟ لا شيء مستبعدا اذا اخذنا في الاعتبار ان الحليف الاول للسلاح غير الشرعي في لبنان كان دائما اسرائيل التي اصرت في العام 1976 لدى دخول الجيش السوري الاراضي اللبنانية بضوء اخضر اميركي على بقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان خارج السيطرة السورية. كانت حجة اسرائيل وقتذاك ان quot;هناك حاجة بين وقت وآخر للاشتباك مع الفلسطينيينquot;. هل تنتصر اسرائيل مرة اخرى على لبنان بواسطة السلاح غير الشرعي الذي يرفع شعار المقاومة؟ كان في الامكان القول ان ذلك وارد لولا انه يتبين يوميا من المحيط الى الخليج ان ثقافة الموت لا يمكن ان تنتصر على ثقافة الحياة...لا في لبنان ولا في تونس ولا في مصر ولا في ليبيا ولا في سوريا ولا في ايران لاحقا!