ليس صحيحا ان النائب البناني ميشال عون تغيّر وانه كان قبل سنوات قليلة معاديا للنظام السوري وصار الان تابعا له. عون لم يتغير. كان اداة سورية ولا يزال اداة سورية. قد يكمن الفارق في انه كان في الماضي اداة غير مباشرة يستخدمها النظام السوري لتحقيق مآربه في لبنان، في حين صار الآن اداة عند الادوات السورية والايرانية. ربما كان عون يعتبر ذلك ترقية تليق بحامل رتبة عسكرية نذر حياته من اجل الاساءة الى لبنان واللبنانيين وتهجير اكبر عدد ممكن من المسيحيين من وطنهم الصغير.
لا فارق بين الدور الذي لعبه عون عندما كان في قصر بعبدا وفي مرحلة ما قبل دخوله القصر في العام 1988 من جهة وبين الدور الذي يلعبه هذه الايّام من جهة اخرى. في الفترة التي امضاها في قصر الرئاسة اللبناني كرئيس لحكومة موقتة مهمتها محصورة في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل التي انتهت ولايته، فخرج من الرئاسة في الوقت المطلوب خروجه منها، بدا همّ القائد السابق للجيش اللبناني محصورا في كيفية الوصول الى رئاسة الجمهورية باي ثمن كان. حتى لو كان ذلك على جثث مسيحيي لبنان ومسلميه الذين تسبب بتهجير عشرات الآلاف منهم خلال وجوده في قصر بعبدا.
قبل ذلك، اي قبل ان يخوض حربه مع quot;القوات اللبنانيةquot; التي كانت وقتذاك ميليشيا وليس حزبا ساسيا كما الحال الآن، اطلق مدافعه في اتجاه المناطق الاسلامية في بيروت فتسبب بقتل اطفال ورجال ونساء ابرياء في منطقة اليونسكو في بيروت وغيرها من المناطق.
اثلج هذا التصرف الارعن صدر النظام السوري الذي لم يكن يفوت فرصة لتشجيع كل من يساعد في زيادة الشرخ بين المسيحيين والمسلمين او بين المسيحيين انفسهم حتى لو كان ذلك بواسطة دبابات وذخائر حصل عليها ميشال عون من صدّام حسين. كل ما كان مطلوبا هو ان يستمر ميشال عون في ممارسة جنونه. وعندما لم تعد لديه ذخيرة يستخدمها ضدّ المسيحيين والمسلمين، تولت دمشق عن طريق عملائها المعروفين في لبنان تزويده بالذخائر والمحروقات كي يتابع حروبه العبثية. فعل ذلك، الى ان جاء وقت القطاف، فدخل السوريون قصر بعبدا ووزارة الدفاع في الثالث عشر من تشرين الاول- اكتوبر 1990 بفضل عبقرية ميشال عون الذي فرّ الى مقر السفارة الفرنسية متخليا عن الجنود والضباط الذين كانوا يواجهون القوات السورية الزاحفة في اتجاه منطقة بعبدا وحتى عن افراد عائلته.
قبل ذلك، في خريف العام 1989، تخلّص السوريون، كنظام طبعا، من الرئيس المنتخب الشهيد رينيه معوض بعدما منعه عون نفسه من الوصول الى قصر بعبدا بما يوفّر حدّا ادنى من الحماية لشخصه. كان الهدف السوري واضحا ويتمثل في الاتيان برئيس خاضع لدمشق والتاكيد لكل من يعنيه الامر ان اتفاق الطائف ينفّذ حسب القواعد السورية فقط وليس اتفاقا بين اللبنانيين يحظى بغطاء عربي ودولي.
في السنة 2011، يستمر ميشال عون في حروبه على لبنان. انه ممثل في حكومة quot;حزب اللهquot; التي وُضع على رأسها الرئيس نجيب ميقاتي. يكاد القائد السابق للجيش اللبناني ان يحتكر التمثيل المسحي في الحكومة التي فرضها المحور الايراني- السوري على لبنان عن طريق ميليشيا مسلحة مذهبية تحرك ميشال عون كدمية لا اكثر. لكنّ مثل هذا الوجود العوني في الحكومة لا يمكن الاّ ان يطمئن احرار لبنان الذين اخرجوا القوات السورية من الاراضي اللبنانية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005.
تكفي عودة الى احداث الماضي القريب للتاكد من المواقف التي يتخذها ميشال عون تدعو الى التفاؤل في المستقبل. فالرجل لم يتخذ يوما موقفا صائبا. كل رهاناته كانت رهانات خاطئة. راهن على الاسرائيليين في العام 1982 ثم راهن على السوريين في عهد امين الجميّل وذهب الى حدّ كتابة عبارة انه quot;جندي في جيش حافظ الاسدquot; في مناسبة زيارته لمشق يوما. راهن بعد ذلك على صدّام حسين. وكان النظام السوري المستفيد الاوّل من ذلك الرهان.
الان، بات معروفا جيدا كيف انتهى نظام صدّام حسين في العام 2003. وبات معروفا جيّدا كيف سينتهي النظام السوري الذي يعتمد على اشخاص في مستوى ميشال عون وما شابه ذلك. ربّما كان النظام في دمشق يعتمد في رهانه على قول مأثور لجورج برنارد شو ينطبق تماما على النائب المسيحي اللبناني:quot;انه لا يفقه شيئا، لكنّه يتوهم انه يعرف كل شيء. هذا مؤشر اكيد لمستقبل سياسيquot;.
يبدو رهان النظام السوري على ميشال عون ورهان ميشال عون على النظام السوري بمثابة رهان على لذيذين. لا لشيء سوى لان الجانبين لا يمكن الا ان يخرجا خاسرين نظرا الى انهما ينتميان الى عالم آخر. وهذا في مصلحة احرار سوريا واحرار لبنان. المسألة مسألة وقت لا اكثر. سوريا تمتلك شعبا عظيما لا يمكن ان يقبل باقلّ من استعادة كرامته وحريته. هذا ما لم يفهمه عون يوما وهذا ما لا يستطيع ان يفهمه اشباه الاميين في المنطقة.
ما الذي يمكن توقعه من نظام سوري في مواجهة يومية مع شعبه، نظام لا يدرك حتى ان زمن الاصلاحات ولّى وان ليس امامه سوى الرحيل... وان زمن القتل من دون حساب لم يعد من هذا الزمن؟
وما الذي يمكن توقعه من قائد سابق للجيش اللبناني يبرر اغتيال ميليشيا مذهبية مسلحة لضابط طيار في الجيش اللبناني اسمه سامر حنّا لمجرد ان حلق في طائرة هليكوبتر فوق الاراضي اللبنانية؟
ليس كافيا ان يحصل ميشال عون على ترقية كي يتحسن اداؤه السياسي في سبيل تدمير لبنان والقضاء على مؤسساته. لا يزال اسمه مرتبطا بالهزائم والكوارث التي تسبب بها للبنان واللبنانيين. ربما من حسن حظ لبنان هذه المرة انه دخل في حلف معلن مع النظام السوري. فعل ذلك بعدما بدا ان النظام انتهى بسبب رفض الشعب السوري له اوّلا. لايشبه حلف ميشال عون مع النظام في دمشق غير ذلك الذي اقامه في الماضي مع مغفل اسمه صدّام حسين لم يعرف يوما شيئا عمّا يدور في هذا العالم وعن توازنات القوى فيه وفي المنطقة. هنيئا لميشال عون بالترقية التي حصل عليها وحولته من اداة الى اداة لدى الادوات. انها ترقية يستحقها بالفعل. وهنيئا للنظام السوري به ذلك ان كلا منهما يستأهل الآخر بالفعل...