لا يمكن الا الترحيب بالحوار بين السوريين، الى اي جهة انتموا. اي حوار من اي نوع كان يبقى افضل من المواجهة وسفك الماء، حتى لو قاطع قسم كبير من ممثلي الشعب السوري الحوار. فالحوار مهمّ ومفيد متى كان على اسس واضحة بعيدا عن اي وصاية من فريق على آخر. من هذا المنطلق، يشكّل اللقاء
التشاوري الذي دعا اليه النظام وشاركت فيه شخصيات عدة خطوة الى امام، خصوصا ان عددا لا باس به من الذين اتيحت لهم فرصة القاء كلمات تحدث صراحة عن ضرورة الانتهاء من الدولة الامنية والقمع، بما في ذلك التوقف عن اطلاق النار على المتظاهرين، واقامة نظام جديد مختلف يقوم على الديموقراطية وتبادل السلطة.
بغض النظر عن الموقف الذي اتخذه المقاطعون الكثر للحوار الوطني الذي دعا اليه النظام، وهو موقف قد يتبين بعد ايام قليلة انه ربّما كان صائبا، سيظل السؤال المطروح في شأن المرحلة الانتقالية في سوريا ومن سيتولى نقل البلد الى الديموقراطية في ظل دستور جديد يقر بحق المواطن بممارسة حرياته والتمتع بحقوقه. هل النظام الحالي على راسه الرئيس بشّار الاسد قادر على القيام بهذه النقلة النوعية ام لا... على الاصحّ هل هو مؤهّل لذلك؟
من يقرأ جيدا الخطاب الذي القاه نائب رئيس الجمهورية السيد فاروق الشرع في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني يكتشف ان كل ما يحاول النظام عمله هو الاكتفاء بكلام عن الشكليات تفاديا للبحث في الازمة العميقة التي يعاني منها النظام. يبدو من كلام الشرع، ابن درعا التي ترفض اي حوار معه، ان هناك رهانا لدى قادة النظام على ان ما يجري حاليا في سوريا مرحلة عابرة. من الواضح ان هناك رهانا على تجاوز المرحلة عبر توفير بعض الحريات والتظاهر بان النظام تغيّر في انتظار اليوم الذي تتوفر فيه الفرصة للانقضاض مجددا على كل الهيئات والشخصيات التي توّلت تعبئة المواطنين خلال الثورة الشعبية التي تشهدها سوريا حاليا.
لذلك، تحدث كل من له علاقة ما بالنظام عن اهمية المحافظة على الوضع الراهن من جهة وتأكيد قدرة الرئيس السوري على قيادة المرحلة الانتقالية من جهة اخرى. هناك تجاهل تام لواقع يتمثل في ان مطالب الشعب السوري تجاوزت هذه المرحلة وانّ المطلوب اكثر من اي وقت احذ العلم بذلك وايجاد ترتيبات تمهد للانتقال الى مرحلة جديدة مختلفة جذريا. انها مرحلة مختلفة عن كل ما هو قائم في البلد منذ العام 1963 تاريخ تولي حزب البعث السلطة اثر انقلاب عسكري، ثم انقلاب الرئيس الراحل حافظ الاسد على الذين شاركوه في السلطة حتى العام 1970 حين نفّذ انقلابه على رفاق الدرب، وكانوا في معظمهم من السذّج مقارنة به.
ما تبدو سوريا في حاجة اليه في هذه المرحلة يتجاوز الشكليات، خصوصا ان معظم المنتمين الى النظام ما زالوا يتحدثون عن quot;مقاومةquot; وquot;ممانعةquot; وquot;مؤامرة خارجيةquot; لتبرير القمع الذي استخدم في مواجهة الشعب السوري. لقد استقبل اهل حماة السفير الاميركي في دمشق بالورود. هل يمتلك النظام ما يكفي من الشجاعة لمواجهة هذه الحقيقة وطرح الاسئلة المترتبة على مثل هذا الحدث؟ الاكيد ان اهل حماة ليسوا معجبين بالسياسة الاميركية الاّ انهم على استعداد لعمل اي شيء من اجل التخلص من النظام الحالي.
ما شهدته حماة دليل على مدى الوعي الذي يمتلكه السوريون لطبيعة النظام والشعارات الفارغة التي يرفعها. فـquot;المقاومةquot; وquot;الممانعةquot; ليستا سوى مقاومة وممانعة بالكلام. في واقع الحال انهما رمز لسياسة تقوم على الابتزاز والتخريب في كل المنطقة العربية. انه وهم الدور الاقليمي الذي لا وجود له سوى لانّ اسرائيل لا تمانع في ان يبقى النظام السوري قادرا على ممارسة دوره الحالي على كل صعيد في المنطقة بدءا بمتابعة تسهيل وصول الاسلحة الى لبنان!
في النهاية، لا معنى لايّ كلام عن اصلاحات في سوريا يتولاها النظام في حال لم يتخلّ عن شعاراته المضحكة- المبكية من نوع quot;المقاومةquot; وquot;الممانعةquot; وquot;الصمودquot;. تبين بعد الذي حصل في حماة لدى زيارة السفيرين الاميركي والفرنسي للمدينة ان النظام في واد والشعب في واد آخر. لا هدف لهذه الشعارات سوى تمكين النظام من متابعة ممارسته لعملية الهروب الى امام واللعب في الوقت ذاته على التناقضات العربية- العربية كما حصل في السنوات القليلة الماضية عندما دخل على خطّ التنافس بين السعودية وقطر. استفاد من ذلك لبعض الوقت، الى ان جاء اليوم الذي ارتدت تلك الألاعيب عليه بعدما تبين انها دليلعلى قصر نظر لا اكثر. هل يمكن لنظام يسعى بالفعل الى اصلاحات في سوريا نفسها ان يدعم عملية تخريب منظمة في لبنان تعتمد على السلاح الفلسطيني في قواعد عسكرية سورية داخل الاراضي اللبنانية وتشجيع ميليشيا مذهبية ايرانية على فرض حكومة من لون معيّن على الشعب اللبناني؟ كيف يمكن لنظام يشكو من اثارة الغرائز المذهبية في سوريا ان يتصرف بالطريقة التي يتصرف بها خارج حدوده حيث لا همّ له سوى دعم المجموعات الميليشيات المذهبية المسلّحة اكانت شيعية او سنّية؟
هذه ليست الطريق الى الاصلاحات في سوريا. انها الطريق الاقصر لتاكيد ان النظام السوري غير قابل للاصلاح وانه عاجز عن اخذ العلم بان العملية الاصلاحية كلّ لا يتجزّأ. لا يمكن على سبيل المثال وليس الحصر القبول بتعددية حزبية في سوريا والعمل على نسف كل ما له علاقة من قريب او بعيد بما بقي من حياة ديموقراطية في لبنان والاصرار على ممارسة لعبة عفا عنها الزمن تعود بالضرر على السوريين واللبنانيين في آن.
من يزرع الريح يحصد العاصفة. لا يمكن للنظام السوري الشكوى من البضاعة التي يصدرها الى خارج اراضيه. هذه البضاعة لم تعد صالحة، خصوصا انها باتت مرشحة للعودة الى المكان الذي انطلقت منه. يفترض بالقيمين على النظام ادراك ذلك قبل اي شيء آخر، في حال ارادوا اقناع العالم ان في استطاعتهم اجراءات اصلاحات من اي نوع كان. كلّ ما تبقى كلام بكلام وشعارات لا علاقة لها بالواقع من قريب او بعيد بمقدار ما انها تظهر للمرة الالف ان شعار quot;المقاومةquot; الذي يتحدث عنه المسؤولون السوريون ليس سوى دليل على ان هذا النظام مصمّم على مقاومة الاصلاحات من اي نوع كان وامتلاكه مناعة ليست بعدها مناعة حيالها.