لماذا الهرب من العدالة في بلد ما؟ لماذا هناك هاربون من العدالة في لبنان؟ ليست المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي انشأها مجلس الامن التابع للامم المتحدة بموجب القرار الرقم 1757 وتحت البند السابع سوى محاولة لتحقيق العدالة. هل ينجح المجتمع الدولي في جعل منطق العدالة يشمل لبنان انطلاقا من تحديد الجهة التي نفذت اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، على راسهم النائب باسل فليحان، ومن يقف وراء تكليف هذه الجهة تنفيذ الجريمة في الرابع عشر من شباط- فبراير من العام 2005؟ ذلك هو السؤال الكبير. هل لبنان جزء من العالم المتحضر ام لا؟ هل هو بلد حرّ سيّد مستقل ام مجرد quot;ساحةquot;؟ في النهاية ان المحكمة الدولية، في حال تحقيق الهدف المرجو من قيامها، تقطع الطريق على كل هذه الاسئلة واي اسئلة اخرى من هذا النوع.
جاء القرار الظني الصادر عن المدعي العام في المحكمة الدولية ليؤكد ان هناك نية حقيقية لاخراج لبنان من دوامة الاغتيالات ووضع حدّ للظلم الذي يتعرض له الوطن الصغير منذ تلك الساعة التي حوله فيها العرب، جميع العرب للاسف الشديد، الوطن الصغير الى كبش فداء يعوض عن تقصيرهم في اتخاذ موقف واضح يتلخص بسؤال في غاية البساطة: هل في استطاعتهم خوض حرب مع اسرائيل لاستعادة الاراضي المحتلة في العام 1967 ام لا؟
كانت نتيجة العجز العربي اجبار لبنان على توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 وهو اكبر جريمة ارتكبت في حق هذا البلد الذي امتلكت قيادته ما يكفي من الشجاعة لتفادي دخول الحرب في العام 1967. كانت النتيجة ان لبنان حافظ على اراضيه في حين خسرت الاردن، التي اجبرت على خوض الحرب، الضفة الغربية والقدس الشرقية فيما خسرت مصر سيناء وقطاع غزة وسوريا هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل في ظروف لا تزال الى الآن غامضة...
اخيرا ثار اللبنانيون على الوضع القائم في بلدهم منذ العام 1969. ثاروا على السلاح غير الشرعي الذي كان فلسطينيا ثم صار ايرانيا ابتداء من العام 1982. ما يجمع بين السلاحين الفلسطيني والايراني في لبنان هو النظام السوري الذي اخذ على عاتقه اغراق الارض اللبنانية بالسلاح والفوضى منذ ما قبل توقيع اتفاق القاهرة. ما الهدف من الهجمة على لبنان؟ هل لبنان هدية يقدمها، هذه الايام، النظام السوري للنظام الايراني كي يضمن وجود نفوذ له خارج اراضيه وتاكيد انه لا يزال يمتلك اوراقا اقليمية على حساب الشعب اللبناني؟
تأتي المحكمة الدولية لتضع حدا للعبة قديمة تجاوزها الزمن. انها لعبة تقوم على غياب من يحاسب الانظمة التي تستند في كل ما تقوم به من اجل الحفاظ على نفسها على فكرة الغاء الآخر. الغى النظام السوري حماة في العام 1982. يكتشف هذا النظام في السنة 2011 انه الغى نفسه وان الغاء حماة، وقبل ذلك وبعده الشعب السوري، لم يكن حلا. لا تزال لعنة حماة تلاحق كل من قتل طفلا في المدينة. لا تزال لعنة لبنان تلاحق كل من ارتكب جريمة على ارض هذا البلد بدءا بجريمة اغراقه بالسلاح تحت شعار اسمه quot;المقاومةquot;.
لنفترض انه كان هناك ما يبرر quot;المقاومةquot; قبل العام 2000 تاريخ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الامن. ماذا حصل بعد ذلك؟ كل ما في الامر ان السلاح استخدم ولا يزال يستخدم لاخضاع لبنان وقتل اللبنانيين من العرب الشرفاء الذين رفضوا بقاء بلدهم quot;ساحةquot; الى ما لا نهاية... وبضاعة تصلح لابتزاز العرب وغير العرب وسط تاييد اسرائيلي لا حدود له لمثل هذا الدور يلعبه الوطن الصغير!
من يقف حاليا ضد المحكمة الدولية، انما يمارس لعبة مكشوفة. ملخص اللعبة ان هناك من يريد تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري والجرائم الاخرى التي تلتها او سبقتها. المحكمة نهاية للعبة. كان رفيق الحريري على حق. اكد له احدهم له قبل 48 ساعة من تفجير موكبه ان النظام في بلد معين معروف جيدا سيلجأ الى الى اغتياله. كان جوابه هل النظام في هذا البلد quot;مجنونquot;؟ يبدو ان النظام الذي لعب دورا في توفير غطاء لعملية الاغتيال وشارك فيها بطريقة او باخرى مجنون الى حد كبير. من يفرض التمديد لاميل لحود رغم صدور القرار 1559 مجنون حتما. لم يفهم هذا النظام شيئا عن التغييرات التي طرأت على العلاقات الدولية والتي كانت لها انعكاساتها على الشرق الاوسط. ما نشهده حاليا تاكيد لكون رهان رفيق الحريري على لبنان في محلّه. لم يخذل اللبنانيون من اعاد بناء بيروت واعاد لبنان الى خريطة المنطقة ودفع من دمه ثمنا لذلك.
يتبين كلّ يوم ان لبنان صيغة متقدمة وانه عصي على انظمة تصدر اليه السلاح من اجل تدمير مؤسساته وتعتقد ان في استطاعتها البقاء في منأى عن انعكاسات الغرائز المذهبية بعدما فعلت كل شيء من اجل اثارتها في هذا البلد الجار او ذاك!
باتت المحكمة الدولية امرا واقعا. اي كلام يشكك في المحكمة لا يصدقه غير السذج الذين لا يعرفون شيئا عما يدور في العالم. لن ينفع في الاساءة الى المحكمة اي كلام عن ارتباطها بالولايات المتحدة واسرائيل. الاهمّ من ذلك كلّه ان هناك من لا يريد استيعاب ان الشرق الاوسط دخل مرحلة جديدة فرضها صمود الشعب اللبناني ومقاومته للاغتيالات ولسياسة قائمة على الانتهاء من الآخر. لبنان يرفض السلاح ويرفض خصوصا الانقلابات. مثلما انتصر على كل المحاولات الانقلابية التي كان اغتيال رفيق الحريري احداها، سينتصر على المحاولة الانقلابية الاخيرة الهادفة الى جعله دولة منبوذة عن طريق فرض حكومة بواسطة السلاح المذهبي الذي تستخدمه ميليشيا تابعة مباشرة للنظام الايراني.
لو لم يصمد الشعب اللبناني ويقاوم لما كانت المحكمة الدولية. دفع لبنان غاليا من اجل الوصول الى القرار الاتهامي. انها الحقيقة التي بدأت تظهر... وهذا ما يفسر ظهور الهاربين من العدالة بالطريقة التي ظهروا بها!