يصعب فهم طبيعة المؤتمر الذي دعت اليه ايران اخيرا دعما لما تسميه quot;الانتفاضةquot; الفلسطينية خارج اطار المتاجرة المستمرة بالشعب الفلسطيني لا اكثر ولا اقلّ. بالنسبة الى ايران القضية الفلسطينية تجارة رابحة نظرا الى انها تستخدمها للمزايدة على العرب واظهارهم في مظهر العاجزين. انهم بالفعل عاجزون ولكن مع فارق انهم تعلّموا، في اكثريتهم الساحقة، ان رفع الشعارات الكبيرة من نوع تحرير فلسطين الى البحر الى النهر، او من النهر الى البحر لا فارق، يشكل اكبر خدمة يمكن تقديمها لاسرائيل. مثل هذه الشعارات الفارغة لا تسيء الى الفلسطينيين وقضيتهم فحسب، بل تساعد ايضا في تحويل جلاد الشعب الفلسطيني الى ضحية، فيما تصبح الضحية هي الجلاد...
يحتار المرء من اين يبدأ لدى محاولته فهم الاسباب التي تدعو طهران الى التوظيف في مثل هذا النوع من المؤتمرات. هل المطلوب سرقة القضية الفلسطينية من الفلسطينيين انفسهم بعد النجاح في سرقتها من العرب؟ هل المطلوب دعم النظام السوري الذي سعى دائما الى تكريس حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة ومقاتلة اسرائيل حتى آخر لبناني وفلسطيني... فيما جبهة الجولان هادئة لا يعكرها عبور عصفور لخط وقف النار القائم منذ العام 1974 احتراما لاتفاق فصل القوات الذي توصل اليه النظام السوري مع اسرائيل بفضل المساعي الحميدة لهنري كيسينجر؟
هل المطلوب سحب البساط من تحت السلطة الوطنية الفلسطينية التي سعت الى الحصول على مقعد لفلسطين في الامم المتحدة، فواجهت غضبا اميركيا ليس بعده غضب؟ هل المطلوب تعويم شخصيات فلسطينية اكل الدهر عليها وشرب لا مآثر لها سوى المشاركة في الحرب الاهلية اللبنانية وقتل مسيحيين على الهوية وتدمير فنادق في بيروت عن بكرة ابيها؟
هل المطلوب تحويل الانظار عن الثورة السورية، وهي ثورة شعب قرر اخيرا التخلص من نظام استعبده واخذ منه حريته وكرامته وحرمه من العيش الكريم؟ ام ان المطلوب في نهاية المطاف تأكيد الهيمنة الايرانية على المنطقة بفضل المشاركة في الحرب الاميركية على العراق التي انتهت بتحويل اجزاء من هذا البلد المهم الى مستعمرة ايرانية بكل ما لكلمة مستعمرة من معنى؟
يبدو واضحا ان ما تحاول ايران عمله من خلال مؤتمر مثل مؤتمر طهران هو توجيه رسالة فحواها انها صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة في المنطقة وانها مرجعية كلّ من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين. لبنان مستعمرة ايرانية بدليل ان رئيس مجلس النوّاب اللبناني السيد نبيه برّي الذي شارك في مؤتمر طهران القى خطابا مغايرا لكلّ ما يؤمن به اي لبناني يمتلك حدا ادنى من المنطق والوطنية. لم يكن خطاب الرئيس برّي سوى دعوة مكشوفة الى بقاء لبنان quot;ساحةquot; يستخدمها النظام في ايران لعقد صفقات مع quot;الشيطان الاكبرquot; الاميركي او quot;الشيطان الاصغرquot; الاسرائيلي على حساب كلّ ما بقي من عروبة حضارية في المنطقة... وعلى حساب اللبنانيين، في طليعتهم اهل الجنوب الذين ذاقوا الامرّين من السلاح غير الشرعي منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 من القرن الماضي!
كلّ ما في مؤتمر طهران مزيف. الشعارات مزيّفة. المشاركون مزيّفون. ليس بينهم من يستطيع اقناع زوجته بما يقوله. المشكلة في مكان آخر. المشكلة عربية. لا وجود لزعيم او مسؤول عربي يقول بالفم الملآن ان لا هدف لمؤتمر طهران سوى احراج العرب كلّ العرب واظهارهم في مظهر المتخاذل عن نصرة القضية الفلسطينية.
المؤسف ايضا انه لا يوجد بين العرب من يقول لايران ان استخدامها لسلاح اثارة الغرائز المذهبية في العراق او لبنان في مستوى خطورة ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل في حق الفلسطينيين. لا يوجد بين العرب من يقول لايران ان الفلسطينيين جرّبوا السلاح وكانت النتيجة ما حلّ بغزة اخيرا. لا يزال قسم من غزة مدمّرا. لا تزال غزة محاصرة. لا يزال بعض اهلها في العراء منذ بداية العام 2009.
المؤسف اوّلا واخيرا انه لا يوجد بين العرب من يقف ويقول لايران ان آخر ما يمكن ان تتحدث عنه هو الحرية والاحتلال. لا يحق للنظام فيها الحديث عن الحرية نظرا الى ان لا وجود لها في هذا البلد العريق الذي يتطلع شعبه الى يوم يستعيد فيه كرامته.
اما بالنسبة الى الاحتلال، كيف يمكن للنظام في ايران الحديث عن الاحتلال ما دام يرفض اي مفاوضات في شأن الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة منذ العام 1971. احتلت ايران الجزر الثلاث ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى في عهد الشاه. ذهب الشاه في العام 1979. لم يتغيّر شيء في الموقف الايراني من احتلال الجزر الثلاث. لا تزال ايران الفارسية تتطلع الى العرب بازدراء.عشية افتتاح مؤتمر طهران، خرج مسؤول ايراني بتصريح يؤكد فيه ان الجزر ايرانية quot;الى الابدquot;. قبل ذلك، كان هناك في طهران من يدعو الى ان تكون البحرين محافظة ايرانية!
المؤسف اكثر من ذلك كله، ان هناك عربا شاركوا في مؤتمر طهران. ربما كان الهدف من مشاركتهم التمييز بين احتلال واحتلال، بين احتلال حلال متى كان ايرانيا واحتلال حرام متى كان غير ايراني!
بالنسبة الى هؤلاء، القضية الفلسطينية تجارة والشعب الفلسطيني سلعة. الى متى تستمر هذه المهزلة؟ الى متى يستمر الصمت العربي في مواجهة الابتزاز؟
- آخر تحديث :
التعليقات