بداية لا يمكن الاختلاف على أنّه لا يدافع عن الديكتاتور والمستبد والقاتل إلا من هو على شاكلته في الاستبداد والقتل والتحكم في رقاب البشر حسب مصلحته. وكذلك لا يمكن أن يدافع عن اللص إلا سارق مثله، فالطيور على أشكالها تقع، والمثل العربي يقول: (قل لي من هو صديقك، اقول لك من أنت). والدليل على ذلك أنّ هناك محامون شرفاء يرفضون الدفاع عن القتلة والمجرمين والمستبدين، لأنّ مهمة المحامي هي محاولة تبرئة موكله، فكيف يحاول تبرئته وهو يعرف أنّه قاتل ومجرم ولص. وفي المقابل هنالك محامون يطيرون من بلادهم بالعشرات للدفاع عن المستبدين والقتلة، كما شاهدنا ذلك سابقا حيث مئات المحامين هرعوا للدفاع عن الديكتاتور البائد صدام حسين، وحاليا حيث عشرة محامين كويتيين، تطوعوا ووصلوا للقاهرة فعلا للدفاع عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، فكان ردّ شباب ثورة يناير المصرية هو الاستياء والغضب الشديد من هذا التصرف الذي لا مبرر له لأنّه قد تمّ تعيين العديد من المحامين المصريين للدفاع عنه، وهذا حق يكفله له القانون. وقد برّر المحامون الكويتيون فعلتهم هذه بأنها (بادرة امتنان لدعم مبارك لتحرير الكويت أثناء الحرب مع العراق)، وهي حجة غير منطقية، وإلا لماذا لم يشكلوا وفدا آخر لدعم طاغية دمشق، فقد قام حافظ الأسد عام 1991 بنفس عمل حسني مبارك، وأرسل فرقا من جيشه البعثي لمحاربة جيش صدام البعثي أيضا. و بالعكس طالب حوالي ثلاثين نائبا كويتيا في مطلع أغسطس الماضي حكومة بلادهم بسحب السفير الكويتي من دمشق وطرد السفير السوري من الكويت احتجاجا على عمليات القمع الأسدية للشعب السوري المطالب بحريته وكرامته.

فتوى إيرانية من طغاة لدعم طاغية
وضمن سياق دعم كل ديكتاتور ومستبد لأمثاله، نشط فقهاء الملالي الإيرانيين المستبدين المصادرين لحرية الشعب الإيراني، لإصدار الفتاوي الدينية لدعم طاغية سوريا الأسد المتوحش على الشعب السوري فقط، فقد أصدر من يقدّم نفسه في إيران بأنّه (مرجع إيراني)، ناصر مكارم شيرازي، فتوى دينية لدعم نظام الأسد معتبرا أنّ (دعم استقرار سوريا واجب ديني). وهذا صحيح من ناحية استقرار وأمن الشعب والوطن، وليس استقرار واستمرار هيمنة نظام قمعي منذ عام 1970 في سوريا، ومنذ عام 1979 في إيران التي شهدت منذ ثلاثة أعوام مظاهرات عارمة لا تقل عن ضخامة المظاهرات المصرية والسورية، إلا أن نظام الملالي واجهها بالرصاص الحي والقمع الذي أودى بحياة العشرات وألاف من المعتقلين، رغم أنّ تلك المظاهرات كان يقودها فقهاء في مرتبة علي خمئني مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وليس بعيدا ولا مستغربا على نظام ملالي طهران القمعيين وفقهائهم الداعمين لهم مستعملين الفتاوي، أن يدعموا النظام السوري بكل الوسائل لأن زوال طاغية حتما يؤثر على باقي الطغاة، كما لاحظنا تدحرج كرة ثلج الثورات العربية التي أزالت علي زين الهاربين، ثم حسني اللامبارك، ثم اللاعلي اللا عبدالله اللاصالح، ثم عميد الطغاة العرب ومجنون ملوك أفريقيا اللامعمّر القذافي، والكرة تقترب من حظيرة أسد سوريا. وكل هذا سيؤثر على بقاء نظام الملالي في إيران، حيث مصادرة الحريات والديمقراطية لا مثيل له في أعتى البلدان الديكتاتورية، وحسب كافة التقارير الدولية المحايدة فلملف حقوق الإنسان لدى نظام ملالي طهران من أسوأ الملفات في العالم.

إدعاءات إيرانية مغرضة
ولمزيد من التضليل والتغطية على مصادرة حريات الشعب الإيراني، وأسوأ ملف في ميدان حقوق الإنسان في العالم، إدّعت بعض مصادر النظام القمعي الإيراني في بداية الثورات العربية، أنّ هذه الثورات تستلهم التجربة الإسلامية الإيرانية، وهي إدعاءات مرفوضة وكاذبة، لأنّ هذه الثورات العربية انطلقت ضد الديكتاتورية والاستبداد والفساد، فلا يمكن أن تكون قدوتها تجربة ديكتاتورية مثل تجربة الملالي منذ عام 1979، حيث القمع والجلد والقتل والشنق، والاعتقالات وفي الغالبية تحت عنوان التجسس للدول الغربية. ودليلنا على ذلك أنّ غالبية الأحزاب الإسلامية الفاعلة خاصة جماعات الإخوان المسلمين تشارك في هذه الثورات وتدعمها. وفي حين يطالب فقهاء الملالي بدعم نظام الأسد، ينشط الإسلاميون في العديد من الدول العربية خاصة الأردن والكويت ومصر لدحره ودعم الشعب السوري في نضاله لإسقاط هذا الطاغية. فلو كان إسلاميو وثوار الأقطار العربية يستلهمون تجربة الملالي الإسلامية، لحذو حذوهم في دعم طاغية سوريا، إلا انّ موقفهم هو عكس موقف ملالي إيران تماما، وهذا يعني أنّ هولاء الملالي وممارساتهم ليست قدوة للثورات العربية ولا الأحزاب الإسلامية العربية.

فساد نظام الملالي وفضيحة quot;مستر إكسquot;
يدّعي نظام الملالي منذ عام 1979 وتحديدا بعد إيصال أحمدي نجادي تلميذ الحرس الثوري لمنصب رئاسة الجمهورية في أغسطس 2005، أنه نظام الشفافية والعدالة حيث لا فساد ولا محسوبيات فيه، لأنّه نظام يستوحي مبادىء الإسلام الحقيقية. ومن ضمن مئات حالات الفساد والاختلاس والرشاوي في أروقة هذا النظام، تكشّفت في الأيام الأخيرة الفضيحة التي أطلقت عليها السلطات القضائية الإيرانية (فضيحة السيد إكس)، وهي ليست بهذه الضخامة فقد اختلس ذلك الإكس فقط (6،2 مليار دولار) على مدى عامين منذ عام 2009، وذلك عن طريق إصدار كتب اعتماد مزورة له باسم بنك صادرات الإيراني. وقد ثبت حتى الآن اشتراك اسفنديار رحيم مشائي (مدير مكتب نجاد) الذي تربطه قرابة مصاهرة مع أحمدي نجاد في عمليات التزوير هذه، حيث كان يطلب من وزير المالية تسهيل عمليات السيد إكس. ومن الشائع في داخل المجتمع الإيراني أنّ رحيم مشائي هو رئيس الجمهورية الفعلي، ويدير ويحرك أحمدي نجاد كما يريد، وأنّه من أقطاب الفساد وممارسة السحر في إيران، وذلك للتعجيل بعودة وظهور المهدي حسب بعض المعتقدات الشيعية. ويكفي أنّ أحد المسؤولين عن السلطة القضائية في إيران ويدعى مصطفى بور محمدي، قد وصف هذه الفضيحة بأنّها (تشكّل مثالا على الفساد المالي غير المسبوق في تاريخ الجمهورية الإسلامية).

وفضيحة التحذير من قراءة الكتب
نظام الملالي الحاكم بالقمع والديكتاتورية، يتناسى أنّ أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي كلمة (إقرأ...)، لذلك فآية الله علي خامئني يحذّر في لقاء مسؤولي المكتبات ودور النشر الإيرانية من قراءة الكثير من الكتب، لأنّه يخاف أن تحمل هذه الكتب دوافع وخفايا سياسية. وما المانع من ذلك طالما يحكّم القارىء عقله، فيعرف الغثّ من السمين من هذه الكتب؟. لذلك ردّ عليه عطا الله مهاجراني وزير الثقافة حتى عام 2000 في زمن الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي قائلا: إنّ الوصول إلى الكتب الأدبية والفلسفية والاجتماعية لا ينبغي أن يكون محدودا، وأنّ علي خامئني يشعر بالقلق من الكتب التي يمكن صراحة أو ضمنا تثير تساؤلات حول شرعيته بصفته القائد الأعلى.

الفتوى العربية المضادة
ولمّا كان وما يزال أساس الإسلام هو العدل، فإن فتاوي الملالي لدعم أي نظام ديكتاتوري هي فتوى باطلة، ويكفي التذكير بقول العالم ابن قيم الجوزية (حيثما يكون العدل فثمّ شرع الله)، وحيث أن هؤلاء الديكتاتوريين طغاة ظلمة لا يعرفون العدل مع شعوبهم، فهم بعيدون عن الشرع الصحيح. ولمن يريد الاحتكام لمنطق العقل، أودّ منه أن يجيب على الأسئلة التالية: أين العدل في حكم بشار الأسد وأخواله آل مخلوف؟. أين العدل في حكم كل الديكتاتوريين والمتسلطين العرب والمسلمين؟. أين العدل في استمرار احتلال نظام الملالي لإقليم الأحواز العربي المحتل منذ عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ؟. أين العدل في نظام الملالي عندما يمنع ملايين العرب من استعمال لغتهم الأم العربية لغة القرآن، ويمنع المسلمين العرب السنّة من إطلاق أسماء عربية على أطفالهم؟. لذلك أقول: إنّ نظام الملالي غير عادل مثله مثل الأنظمة العربية الديكتاتورية، ويجب أن لا يكون قدوة أو مثالا لأي عربي، وتستمر الثورات العربية للإطاحة بمن تبقى من الطغاة...والسلام على من اتبع الهدى، وناقش مخالفيه بالحكمة والحجة المنطقية التي تنقض أقواله بحقائق مغايرة (وجادلهم بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم).
[email protected]