هل كان يتخيل عميد الطغاة العرب القاتل معمر القذافي هذه النهاية له ولعائلته التي شاركته الإجرام بنفس المستوى؟. هل كان يتصور نجله سيف الإرهاب هذه النهاية وهو يختبىء من مكان إلى مكان فارا كفئر مذعور؟. هل كانت ابنته عائشة التي كانت تنظّر لجرائمه وتدّعي زورا حملها درجة الدكتوراة في القانون من فرنسا هذه النهاية فارة عبر الحدود إلى الجزائر؟. وهاهو نجله الساعدي يجري اتصالات مع الثوار للعفو عنه والانشقاق عن والده الطاغية، وتمّ اعتقال وزير خارجيته إبراهيم العبيدي...إلى آخر هذه النهايات التي تليق بذلك الطاغية الذي قمع الشعب الليبي وعاث في العالم إرهابا طوال ما يزيد على أربعين عاما، فإذا بنا نستقبل هذا الفاتح ( الأول ) من سبتمبر للمرة الأولى بعد أربعين عاما بدون هذا الطاغية، كما أنّ الشعب المصري يعيش أول عيد فطر مبارك بدون حسني مبارك.

هدية عيد الفطر للشعب السوري
أما الشعب السوري الذي ما يزال يواصل ثورته الشجاعة ضد أسد سوريا، فقد كانت هدية هذا الأسد للشعب السوري في عيد الفطر هي 473 قتيلا فقط طوال شهر رمضان. لم تتوقف مدرعاته ودباباته ومرتزقته عن دهم كافة المدن والقرى السورية، وهو يعرف أن هذه الثورة لن تتوقف قبل الإطاحة به وجرّه وأركان حكمه للمحاكمة، فقد ارتقت جرائمه لمستوى جرائم ضد الإنسانية مع بلوغ مجموع القتلى من السوريين منذ 15 مارس حتى اليوم ما يفوق 3000 قتيلا.

لذلك تتصاعد العقوبات الدولية،
ضد أركان نظامه الإجرامي فقد طالت هذه العقوبات أخيرا ( بثينة الصحاف ) هذه السيدة التي لا تملك ذرة من خجل ، وهي تستمر في الدفاع عن جرائم هذا القاتل وتبريرها، بأنها مؤامرة كونية مثل نظيرتها كوليت خوري، والعديد من أعضاء كتاب العار المسمّى باطلا ( إتحاد الكتاب العرب ). وكذلك طالت هذه العقوبات الدولية وزير خارجية الأسد ( وليد المعلم ) الذي لا يخجل أيضا من الاستمرار في تمثيل هذا القاتل، وهو يعرف أنّ سيده معلم في الثرثرة والجرائم فقط. كذلك شملت هذه العقوبات الدولية سفير الأسد في لبنان علي عبد الكريم، الذي هو مندوب للمخابرات الأسدية في لبنان أكثر من كونه سفيرا دبلوماسيا. وكم بدا الأسد مرتبكا في خطابه الأخير، يتلفت يمينا وشمالا مفزوعا، وكأنه يتوقع القبض عليه في أية لحظة. والمدهش أنّه ادّعى في خطابه هذا بأنّه رئيس منتخب من الشعب، متناسيا في ثرثرته أنّه تمّ توريثه عبر تغيير الدستور البعثي خلال خمسة عشر دقيقة فقط على مقاسه بالضبط. فأية شرعية شعبية أيها المقاوم بالثرثرة والممانع بهدر دماء السوريين فقط؟. وهذا ما يفسر أيضا انزعاجه الشديد من بيان مجلس وزراء خارجية دول الجامعة العربية الأخير الذي عقد في القاهرة في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي، إذ ندّد البيان بالقمع ضد المتظاهرين السلميين في سوريا، وطالب ب ( وقف إراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، واحترام حق الشعب السوري في الحياة الكريمة وتطلعاته المشروعة نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستشعرها الشعب السوري ، وتحققى تطلعاته نحو العزة والكرامة ). وهذا البيان يعتبر خطوة عربية جديدة إزاء هذا النظام القمعي الدموي.

هل فات الأوان؟
نعم.. لأنّ هذا النظام لا يقل دموية عن نظام عميد الطغاة العرب في ليبيا، فهو أيضا يتحكم في مصير الشعب السوري ويصادر ثروته سرقة علنية منذ الأسد الأب عام 1970 وحتى اليوم. والأسد الإبن يعرف أنّ انهيار نظامه سوف يقود كافة أركان النظام وأخواله آل مخلوف لصوص الثروة السورية إلى المحاكم السورية وربما الدولية، كما فعل القضاء المصري برموز نظام مبارك، بما فيهم مبارك نفسه وأولاده. وبالتالي فهذا النظام المتوحش لن يسمع نداء العقل وسيظل مستمرا في جرائمه وقتله على الطريقة القذافية، وشعاره ( يا قاتل يا مقتول )، والذي يخيف هذا النظام هو كشف الملفات السرّية للأجهزة الأمنية التابعة له، لأنّ ما جرى ويجري فيها يرقى فعلا لحد الجرائم ضد الإنسانية، بدءا من مجزرة حماة في فبراير 1982 إلى ألاف القتلى السوريين منذ الخامس عشر من مارس 2011 تاريخ اندلاع الثورة الحالية ضد النظام في مدينة درعا. وأيضا ألاف الأردنيين واللبنانيين والفلسطينيين المفقودين في هذه السجون منذ عشرات السنين. وكذلك المخيف للنظام هو كشف الوثائق الخاصة بمليارات أخواله ( آل مخلوف )، فعند نشرها لن يصدقها عاقل أو مجنون، والوحيد الذي سوف يصدقها هم فقراء سوريا، رغم ادعاءات النظام بارتفاع مستوى الدخل وانعدام البطالة وغيرها من الأكاذيب.

تصاعد عزلته العربية والدولية
ورغم فوات الأوان بعد كل هذه العزلة العربية والدولية خاصة بعد المقاطعة النفطية الأوربية، إن اتعظ النظام يمكنه البدء بإصلاحات حقيقية فورية تعتمد على:
1. إخلاء السجون فورا من كافة المعتقلين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان وسجناء التعسف غير القانوني، والابقاء فقط على مرتكبي الجنايات الحقيقية وليس الملفقة.

2. البدء بالتعددية السياسية الحقيقية التي تسمح بتأسيس الأحزاب بحرية كاملة.

3. اعتراف الأسد الإبن بعدم شرعية توريثه عام 1999 والتخلي عن السلطة لرئيس منتخب بعد تشكيل الأحزاب السياسية، وكل ذلك في موعد لا يتعدى ثلاثة شهور، كي لا يكون الوقت عامل مناورة لدى النظام وأركانه.

4. إعادة كل ما نهبته عائلة ( آل مخلوف ) وغيرها من رموز النظام لميزانية الشعب السوري.

وبدون ذلك سوف تستمر العزلة العربية والدولية على هذا النظام القمعي رغم مراهنته على عاملين:

1. تشتت أطياف المعارضة السورية في الخارج وتباين مواقفها السياسية التي هي دون مستوى التضحيات التي يقدمها الشعب السوري في الداخل. فهذه المعارضة لم ترتق بعد لمستوى مطالب الشعب السوري، كي توحد خطابها السياسي ومواقعها التنظيمية في الداخل السوري، وهذا يفقدها الكثير من مصداقيتها واعتمادها كركيزة لإسقاط النظام، فهي حتى الآن معارضة لإصدار البيانات فقط، وهي أيضا بيانات غير موحدة التوجه والأفكار.

2. الشحن الطائفي الذي تقوم به أجهزة النظام لدى الطائفة العلوية، وتخويفها من القتل والإبادة إن سقط النظام، وهي أكذوبة لا تنطلي على غالبية الطائفة العلوية الوطنية التي تعاني أغلبيتها من النظام كما تعاني باقي أطياف الشعب السوري. فليس كل العلويين أصحاب مليارات أو ملايين مثل آل مخلوف، وليس كل العلويين ضباط في أجهزة القمع الدموي، وأنا ميدانيا أعرف بالوقائع أنّ غالبية العلويين وطنيين لا يرضون عن قمع النظام ودمويته.

ضمن كل هذه المعطيات، مهما طالت أيام نظام الأسد فهو لا بد أن يسقط ويرحل بإرادة الشعب السوري أولا وليس أي تدخل خارجي سواء من تركيا التي لها أجندتها الخاصة أيضا، أو من الناتو كما فعل في ليبيا.
[email protected]