أودّ في البداية التوضيح كي لا أسبّب مزيدا من الاستفزاز لأنصار ومريدي المقاوم بالثرثرة، أنّ تسمية (الوحش) الواردة في عنوان المقالة ليست استهزاءا أو سخرية من طرفي، فهي معلومة تاريخية أوردها الكاتب البريطاني باتريك سيل في صفحة 13 من كتابه (حافظ الأسد، الصراع على الشرق الأوسط) الذي صدرت ترجمته العربية عام 1992 عن (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر) في بيروت، واعتمادا على أرشيف العائلة في القرداحة الذي أمر حافظ الأسد بفتحه لباتريك سيل، يؤكد المؤلف في الصفحة المذكورة من الطبعة العربية، أنّ اسم العائلة منذ زمن (سليمان) جدّ حافظ، كان اسمها الوحش ولاحقا تمّ تغييره إلى الأسد، وقد نشر الكاتب البريطاني الكثير عن عائلة الوحش مما أغضب حافظ الوحش فقرّر منع الكتاب من دخول سوريا بطبعتيه العربية والإنجليزية، لأنّ بعض هذه الأسرار يرقى لحد الفضائح، ويمكن لمن يريد العودة للكتاب المتوفر على النت بطبعتيه، لأنّ قيامي شخصيا بنقل بعض هذه الفضائح لن يصدقه مريدي المقاوم بالثرثرة وقاتل ما يزيد على أربعة ألاف سوري حتى اليوم فقط لأنهم يطالبون برحيله وسقوطه.

وعودة للعدّ التنازلي المقصود،

من المهم الإشارة والتذكير بالموقف السبّاق لدول مجلس التعاون الخليجي التي أصدرت بيانا في مطلع أغسطس الحالي ، أدانت فيه (الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين فى سوريا مما أدى لوقوع ألألاف من القتلى و الجرحى من المدنيين) و يعتبر هذا هو الموقف الخليجى الاول عربيا منذ بداية الثورة السورية الحالية، حيث أعربت أيضا عن أسفها وحزنها لاستمرار نزيف الدم في سورية، مؤكدة حرصها على أمن واستقرار ووحدة البلاد، ودعت دول المجلس إلى الوقف الفوري لأعمال العنف وأية مظاهر مسلحة، ووضع حد لإراقة الدماء واللجوء إلى الحكمة، وإجراء الإصلاحات الجادة والضرورية بما يكفل حقوق الشعب السوري ويصون كرامته ويحقق تطلعاته.

وأعقب ذلك موقف العاهل السعودي،

الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي قال في خطاب يوم الأحد السابع من أغسطس الحالي quot; تعلن المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها للتشاور حول الاحداث الجارية في سوريا ...و أنّ السعودية تقف تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها، مطالبة بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الآوان...وأنّ ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل اصلاحات شاملة سريعةquot; ، مؤكدا أنّ laquo;مستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، لا سمح الله ، وأشار العاهل السعودي في خطابه الى أنّ laquo;تداعيات الاحداث التي تمر بها الشقيقة سوريا والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم وأعداد اخرى من الجرحى والمصابينquot; مؤكدا ان ذلك laquo;ليس من الدين ولا من القيم والاخلاق quot;. وكان قد سبق ذلك تجميد دولة قطر عمل سفارتها في دمشق، وأيضا للمرة الأولى بيان من الجامعة العربية أصدره أمينها العام نبيل العربي، يعلن فيه (أنّ الجامعة العربية تشعر بقلق متزايد بشأن التطورات في سوريا (داعيا السلطات السورية إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف ضد المحتجين). وهذه هي المرة الأولى التي تخرج الجامعة العربية عن صمتها إزاء ثورة الشعب السوري، خاصة بعد زيارة نبيل العربي لدمشق في الثالث عشر من يوليو الماضي واجتماعه مع الأسد، وهي الزيارة التي لاقت استنكارا من العديد من النشطاء السوريين.

تظاهرات عربية في عدة دول لدعم الشعب السوري

ويترافق ذلك مع قيام العديد من التظاهرات في مصر والأردن والكويت وتونس وغيرها أمام السفارات السورية، لتعبّر شعوب تلك الأقطار العربية عن دعمها لثورة الشعب السوري ضد هذا الطاغية القاتل. أما في الكويت فقد صعّد بعض النواب الكويتيين مواقفهم المناصرة للشعب السوري، مطالبين حكومة بلادهم بطرد السفير السوري من الكويت. وقد عمّت المظاهرات المندّدة بقمع النظام مختلف العواصم الأوربية والاسكيندينافية والأمريكية، وبشكل لم تشهده بهذه الكثافة الثورات الشعبية السابقة، مما يدّل على الرفض الشامل لممارسات هذا النظام الدموي الذي أصبح شعاره حقيقة (يا أنا يا الشعب السوري). فهو قد ثبت بالممارسة طوال الشهور الستة الماضية أنّه نظام طائفي رغم براءة غالبية الطائفة العلوية الوطنية من ممارساته الوحشية ، لكنّه يحاول تعبئة هذا الطائفة والدروز والمسيحيين من خلال التخويف بما سيلحقهم إذا سقط نظامه، وكأنهم اليوم يعيشون في جنة الله وليس غابة الأسد.

تصاعد المواقف الدولية المضادة للنظام الدموي

فقد أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية يوم الإثنين الثامن من أغسطي (أنّ وعود النظام السوري بالإصلاحات الديمقراطية تفتقر للمصداقية، طالما استمرفي حملة القمع العنيفة ضد المتظاهرين...إنّ إيطاليا تدين بشدّة استمرار نظام الأسد العنيد في القمع). وكانت ايطاليا قد استدعت سفيرها من دمشق في مطلع أغسطس الحالي.

وتطور نوعي في موقف وزير الخارجية المصري،

فقد أعلن محمد العرابي لأول مرة بلهجة حاسمة (أنّ الوضع في سوريا يتجه نحو نقطة اللاعودة) مؤكدا ضرورة التحرك السريع لوقف العنف..إنّ الإصلاح المخضب بدماء تراق وشهداء يسقطون بشكل يومي لا يجدي نفعا. إنّ مصر تواصل مشاوراتها بشكل مكثف مع الدول الشقيقة انطلاقا من مسؤولياتها التاريخية والتزاماتها، للمساعدة على ايجاد مخرج يوقف نزيف الدم في سوريا، ويحقق التطلعات المشروعة للشعب السوري الشيقي).

تطور في الموقف الروسي والعقوبات الدولية

وهذا تطور نوعي يحرم نظام الوحش القاتل من بعض أغطيته ومصادر تمويله، فقد تمّ رفع الغطاء الروسي عن نظامه، حيث أعلن المبعوث الروسي ميخائل مارغليوف أنّ روسيا لا تمانع في النظر في أي قرار لمجلس الأمن يتضمن عقوبات على سوريا، وأضاف حرفيا (إنّ طريقة تعامل الرئيس السوري بشار الأسد مع المتظاهرين في بلاده ستسرّع من رحيله عن السلطة).

وقد بدأت العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات شديدة على النظام ورموزه الفاعلين، وحسب كل الخبراء الاقتصاديين أنّ هذه العقوبات الاقتصادية سوف تقلل كثيرا من قدرات النظام الدموي على القمع وتمويله. وكانت إشارة واضحة عندما استقبل وزير الخارجية الكندي وفدا من المعارضة السورية للإطلاع منه على مجريات الوضع الثوري في سوريا ضد النظام، وكان من نتائج ذلك مشاركة كندا في العقوبات المفروضة على بعض أعضاء النظام القاتل في سوريا.

تطورات الموقف الأمريكي

سبق أن أصدرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تصريحات تفيد بأن الأسد قد فقد شرعيته، وعاد الرئيس الأمريكي أوباما أنّ كرّر نفس الموقف قائلا (أعتقد أنكم تشاهدون على نحو متزايد أنّ الرئيس الأسد فقد شرعيته في عيون شعبه، ولهذا نعمل مع المجتمع الدولي من أجل مواصلة الضغط على هذا النظام...نظام الأسد ضيّع الفرصة تلو الفرصة).
أمّا رئيس الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الأميرال مايك فقد قال في حديث تلفزيوني في السادس والعشرين من يوليو الماضي (رأيت الرئيس الأسد يتحدث عن الإصلاح وفي الوقت نفسه يقتل شعبه...عندما تقتل شعبك تعجّل في زوالك). وكذلك السفير الأمريكي في دمشق زائر مدينة حماة روبرت فورد فقد صرّح (أنّ الشارع يمكن أن يطيح بالنظام السوري إذا لم يبدأ سريعا بالإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون) ، وأعلن بعد عودته من واشنطن لدمشق قبل أيام بأنه سوف يستمر في زيارة المدن السورية للإطلاع على تطورات الحدث السوري، وهذا في حد ذاته تحديا للنظام الأسدي بعد زيارة السفير لمدينةحماة.

ومن المتوقع في نهاية هذا التصعيد الأمريكي
أن يدعو الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد رسميا بالتخلي عن السلطة خاصة بعد تصعيد الضغوط الدولية ضد قمعه وقتله. وهنا لا بد من التوقف عند الدور التركي المرتقب بعد زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق، وما سيحدث عنها من مواقف تركية بعد تصريحات مسؤولين أتراك كبار بأنّ صبر تركيا قد نفذ.

وأخيرا وليس آخرا قصف المساجد وموقف الأزهر الشريف

فقد أصدر الأزهر الشريف في القاهرة يوم الثامن من أغسطس الحالي بيانا، أعلن فيه (أنّ الأمر قد جاوز الحد وأنّه لا بد من وضع حد لهذه المأسآة العربية والإسلامية). ومن أخر جرائم هذا الوحش قيام قواته بقصف مساجد في حمص ودير الزور لمنع وصول التكبير من على مآذنها. بالله عليكم كم طاغية وقاتل سبقه لهذا العمل الإجرامي...لذك نقول: كل المعطيات والتطورات السابقة تؤذن: بأنّ العدّ التنازلي لسقوط نظام هذا الوحش قد بدأ...والله والشعب السوري المستعان على ظلمه.
[email protected]