لا أقصد في العنوان حي (مصر الجديدة) القريب من مدينة نصر في القاهرة، الذي يقع فيه قصر العروبة حيث كان (فعل ماضي) يقيم الرئيس السابق أو الهارب أو المخلوع لا فرق. ولكن أقصد (مصر) بكاملها كأرض ووطن وشعب، إذ أصبحت جديدة بعد ثورة غضب الشباب المصري. جديدة في الإصلاحات التي بدأت. جديدة في هوامش حرية التعبير والتظاهر السلمي. جديدة في اعتقال المفسدين والمتنفذين الذين كان مجرد ذكر اسمائهم أو مشاهدة صورهم يصيبك بارتفاع الضغط والخوف الذي لا تنفع معه أية مهدئات. أما معبر رفح القديم فهو الطريق الوحيد الواصل بين قطاع غزة والحدود المصرية، وهو قديم جديد، لكنّه قديما كان أكثر روعة وحرية وبساطة في التنقل والدخول والخروج.

ماض جميل ليته يعود

أتذكر فترة شبابي في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين، كانت غرف وكالة غوث اللاجئين التي أسكنها مع عائلتي الأفقر من الفقر ذاته، لا تبعد عن الحدود مع مصر أكثر من ربع ساعة مشيا على الأقدام. من عام 1948 حتى عام 1967 لم يكن هناك ترسيم رسمي للحدود بين القطاع ومصر، ولم تكن هناك أسلاك شائكة. كانت الحدود شبه مفتوحة ليلا ونهارا على مدار أيام السنة. كنّا نعبر الحدود المصرية إلى ما نسميه (رفح سيناء) تمييزا لها عن (رفح فلسطين) التي نسكن في مخيمها، ونظل نمشي أو نركب سيارة النقل إن توفر معنا قرشا مصريا، حتى مدينة (الشيخ إزويد) أو مدينة (العريش)، دون أن تصادف حواجز أو رجال أمن وشرطة، ولا يطلب منك اثبات هوية أو الجواز الذي كان لكل سكان القطاع (وثيقة سفر مصرية للاجئين الفلسطينيين)، إلا بعد مغادرتك لمدينة العريش متوجها للقاهرة أو غيرها من المدن المصرية. وكان المواطن المصري يسافر من أية مدينة أو قرية مصرية لقطاع غزة دخولا وخروجا دون اظهار جوازه أو ختمه.

تعقيدات ما بعد اتفاقية أوسلو

أعقب توقيع اتفاقية أوسلوعام 1993 وعودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للقطاع، البدء بإجراءات جديدة شديدة القسوة للعبور دخولا وخروجا من معبر رفح البري الحدودي مع مصر، حيث أصبحت تتواجد على المعبر أربعة نقاط مراقبة، فلسطينية ومصرية وإسرائيلية ودولية، مما أربك دخول الفلسطيني وخروجه، بشكل لا يمكن تحمله خاصة ما يستدعي تنسيق الدخول والخروج بين السلطتين الفلسطينية والمصرية، أما الوجود الإسرائيلي والدولي فهو للمراقبة الأمنية في الغالب. وزاد الوضع تعقيدا بعد انقلاب حماس وسيطرتها على القطاع في يونيو 2006، حيث أصبح تنسيق دخول الأفراد أكثر صعوبة وتعقيدا بعد انتشار تجارة وتهريب الأنفاق، واجتياح مئات ألاف الفلسطينيين للمعبر وصولا لمدينة العريش المصرية في يوليو 2008.

ماذا يأمل الفسطينيون من مصر الجديدة؟

مصر الجديدة التي يحرسها ويديرها الجيش المصري الوطني الباسل منذ انتصار ثورة شباب الغضب، من المؤكد سوف تعيد النظر في إجراءات الدخول والخروج عبر معبر رفح، الذي هو المنفذ الوحيد لسكان القطاع نحو مصر والخارج العربي والدولي. يأمل الفلسطينيون بإجراءات دخول سهلة وميسرة نحو مصر الشقيقة التي قدّم شعبها وجيشها تضحيات لا تحصى من أجل شعب فلسطين وقضيته. وتبدو البدايات مشجعة، فقد بدأ الجيش المصري بفتح المعبر لعودة الفلسطينيين العالقين في الجانب المصري، كما قررت فتحة لثلاثة أيام متتالية في اتجاه واحد، مع تأكيد بعض المصادر (أنّ مصر ستفتح المعبر بصورة طبيعية في حال تأمين أوضاع الطرق وضبط الأمن في سيناء، مشيرة إلى أنّ تطورا ايجابيا سيشهده سكان القطاع من حيث دخول مصر والإقامة والدراسة بحرية أكثر من السابق).

العودة لوضع ما قبل عام 1967 !!

أعتقد أنّ العودة لحرية التنقل بين القطاع ومصر كما كان سائدا قبل عام 1967 لا يلحق أي ضرر بمصر في أية ناحية من نواحي الحياة، لأنّ السؤال المنطقي الذي يعرف جوابه مسؤولو الجيش المصري البواسل هو: من يفكر من سكان قطاع غزة بالسفر إلى مصر؟. أكاد أجزّم أنهم واحد من: إما طالب لديه قبول بإحدى الجامعات، أو مريض ذاهب للعلاج، أو مسافر نحو دولة عربية أو أجنبية، أو زائر لقريب له في مصر، او للسياحة لعدة أيام. وكل هذه الحالات يمكن وضعه ضوابط دقيقة لها، ولكن بإسلوب سهل وميسّر. يعني من حق السلطات المصرية، أن يبرز المسافر عبر المعبر ما يثبت أسباب سفره، ومبلغا من النقود التي تغطي احتياجاته أثناء وجوده في مصر، ويكون دخوله لمدة شهر مثلا، وإذا احتاج لأكثر من ذلك يذهب للمكاتب المختصة ليثبت أسباب ذلك ويجدد إقامته وهكذا.

يا جيش مصر الباسل،

نحن أبناء وسكان القطاع لا ننسى تضحياتكم من أجل فلسطين وشعبها. نحن لا ننسى أيام وتضحيات اللواء الشهيد مصطفى حافظ. لا ننسى أيام وإدارة الفريق يوسف العجرودي. لذلك كلنا نتطلع لفتح المعبر دخولا وخروجا بدون أية تعقيدات، وبدون تنسيق مسبق، وبدون عودة الجانب الإسرائيلي، لأنّ الإسرائيليين لا علاقة لهم بما يربطنا بالأشقاء المصريين، وإذا أرادوا أن يتذرعوا باتفاقية المعابر، فعليهم أن يتذكروا أنّ هناك عشرات الاتفاقيات لم يحترموها، فلا احترام لمن لم يحترم اتفاقيات نصّت على قيام الدولة الفلسطينية عام 2005، وهم أي الإسرائيليون مستمرون في الاستيطان والإرهاب والقتل والتدمير والتهويد.

تحية كبيرة وعميقة لمصر الجديدة شعبا وشبابا وجيشا، وإخوتكم في قطاع غزة المحاصر ينتظرون قرارتكم التي تفكّ عنهم هذا الحصار، وأنتم يا جيش مصر الباسل في مستوى هكذا قرارات مصيرية.
[email protected]