تطورات انتفاضة الغضب المصرية، أصبحت أكثر تعقيدا بعد خطاب الرئيس مبارك الثاني يوم الثلاثاء الأول من فبراير الحالي، رغم أنّ الخطاب تضمن الاستجابة لبعض مطالب المعارضة مثل:
1. وعده الواضح أنّه ما كان ينوي ولن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
2. دعوة البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى لمناقشة تعديل المادتين 76 و 77 من الدستور، وهما البندان المتعلقان بتحديد فترة الرئاسة.
3. دعوته إلى البت في الطعون القضائية للانتخابات البرلمانية.
4. تكليفه الحكومة الجديدة للتجاوب مع مطالب الشباب، وتكليف نائب الرئيس (الفريق عمر سليمان )، بالتحاور مع كافة القوى السياسية لتحقيق المطالب المشروعة واستعادة الهدوء والأمن.
5. دعوته لتحقيق انتقال سلمي للسلطة وتسليم المسؤولية لمن يختاره الشعب في الانتخابات القادمة.
اعتراضات حركات الغضب
تعترض حركات المعارضة وشباب الغضب على هذه الأطروحات من الرئيس مبارك كالتالي:
1. إنها مجرد مناورة وخداع من الرئيس مبارك للبقاء في السلطة، ولا أحد يضمن مدى التزامه بهذه الوعود في الشهور السبعة القادمة الباقية من فترة رئاسته، وبالتالي لا حوار مع الرئيس مبارك والحكومة التي شكّلها برئاسة الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني السابق، ويجب أن يتنحى الرئيس فورا.
2. لم يعلن عن عدم ترشيح نجله مبارك للرئاسة القادمة.
3. لم يعلن عن إلغاء قانون الطوارىء المعمول به منذ عام 1981.
4. لم يعلن اعادة الاعتبار وتفعيل المادة 78 من الدستور المجمدة، وهي التي تنصّ على ضرورة الاشراف القضائي على الانتخابات.
تطورات يوم الأربعاء المخيفة
يوم الأربعاء الثاني من فبراير، اليوم التالي للخطاب الثاني للرئيس مبارك، شهد تطورات مخيفة للغاية لا يقبلها أي إنسان ذي ضمير، مناوئا للرئيس مبارك أو مؤيدا له. أخطر هذه التطورات وصول مظاهرة مؤيدة للرئيس مبارك لميدان التحرير، حيث دارت اشتباكات بينها وبين تظاهرة المناوئين المعتصمين بالميدان منذ عشرة أيام، حيث سقط قتلى وما يزيد عن 650 جريحا العديد منهم في حالات حرجة. واستخدمت فيها قنابل مولوتوف يدوية الصنع من الطرفين، وقد طالت بعض هذه القنابل متحف القاهرة، حيث اشتعلت النيران فيه، وحاول الجيش اطفاءها كي لا تحرق وتدمّر المتحف، وحرق العديد من مقار الحزب الوطني الديمقراطي في أكثر من مدينة مصرية، وتدمير العديد من محلات المواطنين، هذا بالاضافة لتعطل الحياة اليومية للمواطن المصري بشكل كامل، حيث بدأت تلوح بوادر أزمة في الغذاء والكهرباء والمستشفيات وكافة أوجه الحياة، والأخطر من ذلك الفلتان الأمني الذي يهدد حياة أي مواطن في كل مكان في مصر. كما بدأ يسمع صوت الرصاص في أكثر من حي من أحياء وسط القاهرة، مما يعني أنّ تطور هذا الفلتان لا يمكن معرفة نتائجه وعواقبه. وإزاء هذه المشاهد المرعبة ما زال الجيش لا يتدخل ليس جبنا منه، ولكن أي تدخل لوقف هذا الفلتان لا بد أن يكون تدخلا عسكريا مما يعني زيادة إراقة الدماء، وهذا ما لا يريده الجيش الذي يحظى باحترام المعارضين والمؤيدين.
خيارات أكثر مرارة
هذا الوضع المخيف برعب لم تعرفه مصر في أي عقد من تاريخها المعاصر، أمامه خياران أشدّ مرارة من بعض:
الأول: إصرار المعارضة وشباب الغضب على رفض كافة أطروحات الخطاب الثاني للرئيس مبارك، واستمرار مطلبهم الأساسي وهو رحيل الرئيس مبارك فورا، لدرجة تذكيره بالخيار الذي أوجده ضباط انقلاب 23 يوليو 1952 للملك فاروق، حيث خرج من البلاد بشكل سلمي ورسمي لدرجة أنّ مدفعية الجيش أطلقت 21 طلقة في وداعه.
الثاني: إصرار الرئيس مبارك على عدم التنحي والرحيل، وإعلانه أنه سيكمل ولايته الرئاسية الحالية حتى نهاية سبتمبر القادم موعد الانتخابات الرئاسية الجديدة، وبالتالي لا أحد أيضا يستطيع التنبؤ بما سيحدث من رعب وتجاوزات في الشهور السبعة القادمة الباقية.
هذا الإصرار من الطرفين لا يعني إلا المزيد من الرعب والحرق والقتل، خاصة أنّ هناك من يتهم العديد من المتظاهرين المؤيدين لمبارك، بأنهم من البلطجية المسلحين الذين يحركهم بعض رجال الأعمال الذين كوّنوا ملايينهم سرقة من ثروة الشعب، وهم يصلون ميدان التحرير علانية والسلاح في أيديهم على مرأى من الجيش المرابط هناك دون التحرك لوقفهم أو سحب السلاح منهم.
ما هو الحل الوسط الذي يحفظ كرامة الطرفين؟
لقد دعا الجيش ونائب الرئيس الفريق عمر سليمان المتظاهرين في ميدان التحرير وشوارع المدن المصرية بالعودة لمنازلهم،والحل الوسط الذي أرى إن رافق هذه الدعوة من شأنه أن يحفظ كرامة ومطالب الطرفين ( المؤيد والمعارض) ويوقف سيل الدماء المتوقع هو:
أن يبدأ الرئيس مبارك فورا بنقل تدريجي لصلاحياته لنائب الرئيس بحيث لا تستغرق هذه الفترة أكثر من أسابيع قليلة، مما يعني ترك الرئيس تدريجيا خلال أسابيع أيضا للرئاسة وبإسلوب سلمي يحفظ كرامته، ويبقى في وطنه ليموت فيه كما قال في خطابه. و تبدأ فورا أيضا عودة المتظاهرين لمنازلهم، كي تتمكن أجهزة الحكومة الجديدة من إعادة الحياة لكافة المرافق في المدن المصرية، ويترافق ذلك مع بدء الحكومة بتعديل سريع لكافة مواد الدستور التي عليها اعتراضات، وتقديم موعد الانتخابات الرئاسية القادمة بحيث يكون بعد ثلاثة شهور على الأكثر من البدء بهذه الاجراءات الوسطية بين الطرفين، أي قبل الموعد السابق المحدد في سبتمبر القادم.
إنّ العناد من المعارضين أو المؤيدين، أي من المعارضة أو الرئيس، لن ينتج عنه سوى المزيد من الدماء والدمار لكافة أوجه الحياة اليومية المصرية، وهذا لا يليق بمصر وشعبها، فيكفي هذا الشعب ما هو فيه من معاناة وفقر وبطالة وتقصير في الخدمات العامة، وانفجار سكاني سيوصل الشعب للمجاعة فعلا. كما أنّ هذا القتل والتخريب المصاحب لانتفاضة شباب الغضب، من شأنه أن يجعل أي شباب غضب في أقطار عربية يترددون في البدء بالتعبير عن غضبهم في الشوارع والميادين، كي لا يصلوا بشعوبهم للحظة الكارثية التي وصلتها مصر. فهل يتعظ الطرفان أمام خيارات أكثر مرارة لخيار وسط يحقق كرامة ومطالب الطرفين؟
[email protected]
التعليقات