حالة الغضب الثوري الشعبي المستمرة في الشارع المصري، لا يمكن القفز عن أبعادها المحلية التي جعلتها مستمرة بتصاعد شديد منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي، فهذه الآلآف التي اقتربت من عدد المليون وما يزيد، ليست مجرد هبة عاطفية، بل لها جذورها الداخلية طوال الثلاثين عاما الماضية التي هي فترة ولاية الرئيس حسني مبارك. أتذكر أنه في الخامس عشر من يناير 2005، وكان عمر الرئيس حسني مبارك آنذاك 76 عاما، قد كتبت في موقع إيلاف مقالة بعنوان (ولاية خامسة لحسني مبارك لماذا؟). وقد تمّ فعلا ترشيح مبارك لهذه الولاية التي مدتها ستة سنوات، وهي ما جعلته على رأس النظام حتى لحظة الغضب الجماهيري هذه.

جراحات تجميلية وليست إصلاحات

الطريقة التي يواجه فيها الرئيس مبارك هذه الثورة الجماهيرية مجرد جراحات ظاهرية لا علاقة لها بمطالب هذه الجماهير. فمثلا لماذا ظلّ الرئيس طوال ما يزيد على ثلاثين عاما يرفض تعيين نائب له في الرئاسة؟. وفي لحظة الغضب التي سقط فيها حتى كتابة هذه المقالة ما يزيد عن 300 قتيل وألاف الجرحى، يقوم بتعيين الفريق عمر سليمان نائبا له، ورغم الاحترام الذي يحظى به الفريق سليمان في أوساط الشعب المصري، بسبب عدم تدخلاته في الملفات السياسية الداخلية المصرية، إلا أنّ خطوة مبارك جاءت متأخرة جدا، وليست عن قناعة بل محاولة لإرضاء هذا الغضب الجماهيري، لذلك رفضتها جموع المتظاهرين، ورفضت معها الحكومة التي شكّلها الفريق أحمد محمد شفيق بتكليف من مبارك نفسه، حيث بقي فيها عدة وزراء من الوزارة القديمة ومنهم وزراء الخارجية والدفاع والعدل والبترول والشؤون القانونية. هذا بينما تمت مغادرة وزير الداخلية حبيب العادلي الذي كان قد نال أكبر نسبة من الاحتجاجات والنقد الشديد، وحلّ محله في الوزارة الجديدة اللواء محمود وجدي، ورغم كل هذه الجراحات التجميلية، يستمر رفضها جملة وتفصيلا من الجماهير المصرية المليونية الغاضبة بشكل لم تشهده مصر منذ عام 1952.

اعترافات متأخرة
من ضمن الجراحات التجميلية هذه، ما ورد في بيان الفريق عمر سليمان الذي تلاه عبر التلفزيون المصري، قال فيه quot;كلفني الرئيس اليوم باجراء الاتصالات على الفور بجميع القوى السياسية لبدء حوار حول كافة القضايا المثارة المتصلة بالاصلاح الدستوري والتشريعي على نحو يخلص بتحديد واضح للتعديلات الدستورية والتشريعية والتوقيتات المحددةquot; وأضاف أن الرئيس شدّد على أنّ quot;قرارات محكمة النقض في الطعون الانتخابية لا بد أن تحظى بالتنفيذ الأمين على نحو عاجل ودون ابطاء بما يكفل اعادة الانتخابات في الدوائر التي تم قبول الطعن فيها في الاسابيع المقبلةquot;.
فلماذا كان هذا التأخير إذن طالما هناك اعتراف صريح واضح بكل هذه الأخطاء والتجاوزات؟ هذا التأخير في أية اصلاحات حقيقية صادقة هو ما أوصل الجماهير هذه إلى لحظات الغضب هذه.

لماذا التعنت والبقاء في السلطة؟

و لمّا كان كل الرؤساء والحكام العرب، يدّعون أنهم جاءوا للسلطة برغبة وحب الشعب والجماهير، فلماذا في الحالة المصرية لا ينصت الرئيس مبارك لأصوات هذه الجماهير وفعالياتها السياسية والحقوقية، ويكفي رصد المظاهر التالية:

1. هذه المظاهرات المستمرة منذ يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي وبتصاعد مثير خاصة للدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، التي طالبته بمزيد من الإصلاحات الحقيقية أي أنّ ما قام به لا يرضي هذه الجماهير.

2. خمسون منظمة حقوقية وقانونية مصرية...تصوروا خمسون..وعلى رأسها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، دعت الثلاثاء الأول من فبراير 2011الرئيس المصري quot; أن يحترم ارادة الشعب المصري وينسحب حقنا لدماء المصريينquot;. وطالبت quot;باصدار دستور جديد للبلاد من خلال جمعية وطنية مشكلة من ممثلي الاحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدنيquot;. كما دعت إلى quot;اجراء انتخابات نيابية ورئاسية حرة نزيهة خلال ستة أشهر باشراف قضائي كاملquot;.
3. عشرات الشخصيات من قوى المعارضة الوطنية يسارية وإسلامية، مطلبها الأول هو تنحي الرئيس مبارك، ثم تبدأ عملية الإصلاح المطلوبة جماهيريا، أي أنه لا قبول لأية إصلاحات بوجود الرئيس مبارك ونظامه.

لماذا الرحيل السريع من مصلحة مبارك؟
نعم إن الرحيل والتنحي السريع هو من المصلحة والسلامة الشخصية لمبارك وأسرته، خاصة انه كما يبدو أنّ الجيش حسم موقفه بوضوح في بيان رسمي يعتبر أن مطالب الشعب مشروعة وأنه لن يستعمل القوة ضد هذه الجماهير الغاضبة، وبالتالي فإن العناد هو مجرد لعب في الوقت الضائع الذي لن يكون في مصلحة مبارك واستمراريته في السلطة، و هذا العناد لا يمكن معرفة نتائجه إذا وصلت هذه الجماهير المليونية للقصر الرئاسي حيث يقيم الرئيس وعائلته وأولاده وعائلاتهم.
وهذا الرحيل السريع بإرادة الرئيس سيعطيه صفة الاستجابة لمطالب الجماهير، وهذا سيحسب للرئيس مبارك أيا كانت الاعتراضات والخروقات لحكمه طوال ما يزيد على ثلاثين عاما. وضرورة الرحيل أيضا لأن هذه الانتفاضة الجماهيرية ألغت إلى الأبد فكرة ولاية سادسة لمبارك، وألغت نهائيا أية فكرة أو استعدادات لتوريث نجله جمال على الطريقة الأسدية السورية، وبالتالي فولايته الحالية تنتهي في سبتمبر القادم من العام الحالي 2011 أي بعد حوالي سبعة شهور، فما فائدة البقاء هذه الشهور السبعة وسط غضب ورفض الجماهير، طالما ماعاد واردا مطلقا ولاية سادسة له أو توريثا لجمال؟.
لذلك فمن المهم والضروري لمصلحة الجماهير وأمن مصر سياسيا واقتصاديا، أن يستجيب الرئيس مبارك لمطلب الجماهير المصرية الأول وهو التنحي والرحيل. لذلك فالشعار هو:
الشعب المصري يسألك الرحيلا فلمصلحة من هذا العناد و التأجيلا؟
[email protected]