القرار الذي الذي أصدره بالتوالي مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومجلس شورى حزبهم جبهة العمل الإسلامي، القاضي بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة في التاسع من نوفمبر 2010، يثير علامات استفهام عديدة حول سلوك الجماعة وحزبها في الساحة الأردنية، وعلامات الاستفهام هذه تنطلق من تساؤل إن كانت هذه السلوكيات نابعة من مواقف مبدئية أم من تكتيكات مرحلية لها علاقة بمحاولات التميز إعلاميا فقط، وإن على قاعدة (خالف تعرف). وفي البداية من المهم التأكيد على ضرورة دعم أي جهد كي تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة أيا كان القانون الانتخابي الذي ستجري بناء عليه، لإنّ غالبية الأحزاب والفعاليات الأردنية وافقت على المشاركة في الانتخابات على قاعدة هذا القانون، خاصة أنه لا يوجد قانون انتخابي في العالم إلا ولبعض الأحزاب ملاحظات عليه، لأن لكل حزب تصورات انتخابية يعتقد أنها ستكسبه أصوات أكثر، وبالتالي عدم تحققها في القانون الانتخابي ليست مبررا للمقاطعة، لأنه عندئذ سيقاطع الجميع وبالتالي لا انتخابات ولا برلمانات. وأهم علامات الاستفهام المطروحة على سلوك الجماعة هي:
أولا: لا إجماع داخل الجماعة والحزب
يتكرر الحديث منذ زمن طويل عن التيارات المتصارعة داخل الجماعة والحزب، وتقسيمهم عند البعض إلى quot;حمائم وصقورquot; وعندي كما قلت سابقا quot;معتدلون ومزايدون quot;، وعلامات هذا التباين كانت واضحة في أنّ قرار المقاطعة عند عرضه للتصويت في مجلس شورى الجماعة ليلة الخميس 29 يوليو 2010، كان قد حضر عملية التصويت 48 عضوا من أصل 51 عضوا، وصوّت 70 % فقط مع قرار المقاطعة، بينما صوّت 20 % لصالح المشاركة في الانتخابات، فيما امتنع 10 % عن التصويت. وهذا عمليا يعني أنّ 30 % ضد قرار المقاطعة. وقد حدث نفس الخلاف داخل حزبهم جبهة العمل الإسلامي، فقد صوّت مع قرار مقاطعة الانتخابات 52 عضوا من بين 70 عضوا هم مجموع مجلس شورى الحزب، أي أنّ هناك 18 عضوا كانوا مع توجه المشاركة في الانتخابات وهم نسبة ليست قليلة.
من الطبيعي أن يعتبر البعض هذا نتيجة للممارسة الديمقراطية داخل مجلس شورى الجماعة، لكنّه من زاوية أخرى يوضّح حجم الخلافات والتباينات داخل مجلس شورى الجماعة، فنسبة 30 % تعارض قرارا ما داخل جماعة إسلامية تدّعي أنها لا تتحرك إلا بوحي من الإسلام ومرجعيته، يدلّل على أنّ بينهم اختلاف واضح وعلني في تفسير المرجعية الإسلامية هذه. وهنا يصبح من حق أي معترض على قراراتهم أن يطالبهم بالكف عن استعمال الإسلام غطاءا لتحركاتهم السياسية التي لا تختلف عن تحركات أي حزب مدني أو علماني أو ماركسي، فالهدف هو الوصول إلى الكرسي والسلطة والنفوذ وليس خدمة الإسلام. ورغم هذه النسبة المعارضة لمقاطعة الانتخابات يرى الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين جميل أبو بكر quot; أنّ القرار جاء باتفاق جميع أطياف التيارات الإسلامية سواء كانت حمائم وصقور ووسط، وهذا دليل أنّ الخلافات داخل الحركة تحولت إلى اتفاق وإجماع حول قرار المقاطعة quot;، وبالتالي فأين يضع جميل أبو بكر نسبة المعارضة هذه، وكيف جيّرها لصالح إجماع وإنهاء للخلافات يدّعيه؟.
ثانيا: لماذا المقبول عام 2007 مرفوض عام 2010؟
لقد ركزت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها جبهة العمل الإسلامي على أنّ أهم اسباب مقاطعتها للانتخابات النيابية القادمة هو رفضها لقانون الصوت الواحد الذي جرى تأكيده في التعديلات الأخيرة، وهنا يطرح سؤال منطقي: لماذا شاركتم في انتخابات عام 2007 رغم أنها جرت على أساس الصوت الواحد هذا، أي لماذا ما كان حلالا وشرعيا وموافقا عليه ومقبولا عام 2007، أصبح حراما وغير شرعي ومرفوض عام 2010؟. هل هناك جواب لدى شورى الجماعة وشورى حزبها؟. الجواب عندي هو أنّ الجماعة تخاف من نتائج انتخابات عام 2007، عندما دخلتها ب 22 مرشح من الجماعة و 5 من المستقلين، وفاز من بينهم 6 مرشحين فقط. والملاحظ أنه قبل انتخابات عام 2007 لم تثر الجماعة وحزبها هذا الضجيج حول قانون الصوت الواحد، وبدأوا الحملة ضده بعد خسارتهم الفادحة واتهامات التزوير التي حشدوا لها جهدا إعلاميا لم تشهده حملاتهم لنصرة القدس والمسجد الأقصى!!!.
ثالثا: قرار لتصدير أزماتهم الداخلية
إنّ قرار مقاطعة الانتخابات من قبل الجماعة وحزبها ضمن سياق مشاركة كل الأحزاب الأردنية والمستقلين، هل يفهم منه أنهم هم وحدهم الحريصون على الشفافية والنزاهة؟. أعتقد أنّ الضجيج والصراخ واللطم الذي افتعلته الجماعة مصاحبا لقرارها ثم قرار حزبها، هو فقط للعب على عواطف الجمهور الأردني الذي لم ينتخب منهم إلا نسبة ضئيلة في انتخابات عام 2007، في حين أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم المسيطرون على الجماهير والحائزون على تأييد غالبيتها حسب تأكيدات حمزة منصور في مؤتمره الصحفي الأخير. في حين أن خلافاتهم الداخلية في السنوات الماضية لا تدلل على أنها خلافات من أجل كسب الجماهير بقدر ما هي خلافات شخصية ومصلحية بالدرجة الأولى. ولا ينسى الجمهور الأردني هذه الخلافات التي سادت في الشهور الماضية خاصة ما يتعلق بالازدواجية التنظيمية لأعضاء المكاتب الإدارية في فروع الجماعة في دول الخليج العربي بين عضويتهم في الجماعة الأردنية وحركة حماس الفلسطينية، وهذه الازدواجية لا تقبلها أية ديمقراطية في العالم، فمن المستحيل أن تكون مثلا مواطنا سويديا عضوا في حزب سويدي وفي الوقت ذاته عضو في حزب دانمركي. كذلك لا يمكن القفز عن الخلاف الداخلي حول شخص زكي بني ارشيد في الشهور الماضية، الذي يعرفه الجمهور الأردني ولا داعي لإعادة وتكرار تفاصيله، والاستقالات المتكررة لقياديين في الجماعة، واعتكافات وانسحابات من اجتماعات قيادية، وبالتالي كمحصلة فإن قرار مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة، ليس قرارا ذي حيثيات نيابية بحتة بقدر ما هو نتيجة لخلافات داخلية حول ملفات خاصة بالجماعة وحزبها.
وهذا ما يؤكده الدكتور محمد أرسلان رئيس غرفة صناعة مدينة الزرقاء، فهو يعتقد quot; أنّ قرار مقاطعة حزب جبهة العمل الإسلامي جاء من رأيهم المسبق في كيفية إدارة الانتخابات، وكذلك عكست طبيعة الخلافات الداخلية التي شهدتها الحركة الإسلامية خلال الفترة الماضيةquot;. ويشير أيضا إلى quot; أنّ تأكيدات الحكومة على اجراء الانتخابات جسّدت واقعيا عبر التشدد في تسجيل الناخبين الجدد، وهذا يؤكد على جدّية الحكومة في اجراء انتخابات شفافةquot;. وفي هذا السياق من المهم التذكير بملف جمعية المركز الإسلامي التابعة للجماعة، التي تمّ تجميد عمل هيئتها الإدارية في تموز 2006، وتعيين هيئة إدارية مؤقته لها من قبل الحكومة بعد ما أثير حولها من تجاوزات مالية وقضايا ترقى لحدّ الفساد، تطال شخصيات قيادية من الصف الأول في الجماعة والحزب، ومن التهم المنظورة أمام المحاكم إهمال الواجبات الوظيفية وإساءة الإئتمان ومخالفة أحكام قانون الجمعيات الخيرية.
إنّ ما يمكن تسجيله لصالح مسيرة الديمقراطية في الأردن، هو السؤال عن مصير شخص في دول عربية أخرى يطلق تصريحات زكي بني ارشيد التي لا يتفوه بها أي ديمقراطي أوربي أو إسكيندينافي بهذه اللجه الاستفزازية، ورغم ذلك يعيش آمنا سالما في بيته ومع عائلته، وهذا ما يجب أن يكون ويسود، فهو حرّ في آرائه والجماهير حرّة في تقبلها أو رفضها، أمّا سجنه واعتقاله بسبب هذه التصريحات فهو مرفوض في كل الأعراف، فهذه هي مسيرة حرية التعبير التي يجب أن تسود ويمارسها الجميع.
الخاسر من هذه المقاطعة
لذلك أرى أنّ قرار الإخوان جماعة وجبهة بمقاطعة الانتخابات لم يكن موفقا، لأن تعزيز الأداء الديمقراطي، وكشف السلبيات والتجاوزات لا يكون بالمقاطعة بل بالمشاركة الميدانية، التي من خلالها يتم كشف الأخطاء ودراسة كيفية علاجها للوصول لأداء ديمقراطي انتخابي أكثر شفافية ونزاهة، وبالتالي فالخاسر من هذه المقاطعة هو الجماعة وحزبها، لأنهم من موقع المتفرج لن يتمكنوا من التأثير الإيجابي في تطوير العملية الديمقراطية التي يسعى لها الجميع. ومن المهم ملاحظة أن نزاهة الانتخابات القادمة ليست مسؤولية الحكومة وأجهزتها فقط بل مسؤولية الناخب والمرشح أيضا. فمثلا عندما يكثر الحديث عن مسألة quot;شراء الأصواتquot; أو quot; المال السياسيquot;، فمن الذي يقوم بشراء الأصوات؟ إنه المرشح الذي رضي لنفسه هذا الإسلوب غير الديمقراطي ويرقى لمستوى السرقة، ويشاركه في العملية الناخب الذي قبل أن يبيع ضميره الانتخابي مقابل حفنة من الدنانير بدلا من مساهمته في اختيار المرشح الأفضل حسب برنامجه الانتخابي و معرفته الشخصية بأدائه. وبالتالي فإنّ استمرار المقاطعة سيخلق تباعدات عديدة بين التيارات المتصارعة داخل الجماعة، خاصة أنّ صراعاتها وخلافاتها لم تعد سرّية في الأعوام الأخيرة، بل علنية وصلت حد تسريب بعض التيارات لوثائق سرّية للجماعة ونشرها في وسائل الإعلام.
حماة الدعوة الربّانية..لا تراجع!!!
و كانت احتمالات الرجوع عن قرار المقاطعة واردة بنسبة عالية بعد تصريحات جميل أبو بكر حول أنّ ( التراجع عن القرار مرهون بضمانات حقيقية على إجراءات العملية الانتخابية، وكف يد وزارة الداخلية، وجعل هيئة مستقلة برئاسة قضاة وهيئات مجتمع مدني داخلية وخارجية تشرف على الانتخابات ). وأعتقد أنّ هذه الشروط لا تتعارض مع إصرار الحكومة على إجراء انتخابات نزيهة وشفّافة. إلا أنّ هذا الاحتمال تبدد نهائيا بعد تصريحات حمزة منصور الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في مؤتمره الصحفي يوم الاثنين الثاني من أغسطس، حيث أكدّ عدم الرجوع عن هذا القرار، مهددا كل من يشارك في الانتخابات من الجماعة بشكل مستقل، بأنه سيعتبر ( خارجا من التيار ومخالفا للقرار). وما هو ليس مفهوم هو إعلانه أن ( دواعي المقاطعة موجودة منذ عام 1993، إلا أننا كنّا نتحرى المصلحة الوطنية التي نقدمها على كل المكاسب الفئوية والشخصية quot;. فهل المصلحة الوطنية لها مدة صلاحية انتهت الآن؟. بمعنى لماذا المشاركة في العملية الانتخابية منذ عام 1993 أي طوال 17 عاما ومقاطعتها الآن؟. والتأكيد بعدم العودة عن قرار المقاطعة يبرره أيضا بأنّ ميدان عمل جماعة الإخوان حسب كلامه (إننا أصحاب دعوة ربّانية، وميداننا الأردن والعالم كله)، بمعنى أن هذا الميدان يشمل أيضا كافة شؤون الكرة الأرضية، وبالتالي فالمفترض أن تترك الجماعة العديد من مسؤولياتها في الساحة الأردنية والتفرغ للدعوة الربّانية في كافة أنحاء العالم، وهم بهذا يلتقون مع جعجعات حزب التحرير، فالأفضل عندئذ هو التحالف مع حزب التحرير والتوحد في حزب واحد إن كان لديهم نفس الدعوة الربّانية عن قناعة وليس مجرد خطابات لدغدغة عواطف الجماهير الغفورة.
ورغم ذلك وأيا كانت خلافاتك مع الحركة الإسلامية الأردنية،فإن مشاركتها في الانتخابات إثراء للمسيرة الديمقراطية والرقابة التي تدعم مزيدا من الشفافية، لذلك نأمل في تطورات معينة خلال الشهور الثلاثة القادمة، تجعلها تعود عن قرارها الجازم هذا...فلننتظر!!.
[email protected]
التعليقات