أثارت مقالتي المنشورة يوم الحادي عشر من فبراير 2010 بعنوانquot; يا إلهي: لماذا وكيف فقدنا إنسانيتنا؟)، ردود فعل كثيرة ومتباينة من الأصدقاء الذين كتبوا لي من خلال بريدي الخاص أو القراء الذين علقوا على المقالة إذ بلغت تعليقاتهم 48 تعليقا. هذا الاهتمام بموضوع المقالة يدل بدون أدنى أشك على أن التساؤل في عنوان المقالة يحمل مضمونا صحيحا ومؤكدا، أي أننا كشعوب عربية (ولا أقول كشعب عربي إذ لا أؤمن بهذه المقولة) فعلا فقدنا الكثير من الإنسانية والرفق والإخوة في تعاملنا مع بعض كشعوب، أو تعامل أفراد كل شعب مع إخوانهم، أو تعامل أفراد الأسرة الواحدة مع بعض. وهذه الحقيقة تستدعي حسب السياق والظرف معالجة من محورين:
الأول هو تعليقات القراء والثاني هو محاولتي الإجابة على السؤال عنوان المقالة، وبالتالي يمكننا مع القراء الوصول لقواسم مشتركة لتشخيص هذه الحالة اللاإنسانية التي تعمّ مجتمعاتنا بحيث صار العنف سائدا حتى في داخل الأسرة الواحدة، و اللإنسانية سمة مجتمعاتنا في كافة ميادين الحياة، مما سيحولنا إلى دول ومجتمعات فاشلة بالمقاييس العالمية.
أولا: ردود القراء رفضا أو قبولا!
أعتقد من البداية أن التجاوب مع ردود القراء من مهمات الكاتب الذي يكتب بقصد الإصلاح والتغيير وليس من أجل الإحباط وجلد الذات ونشر الغسيل الوسخ فقط. من خلال هذه القناعة لديّ أستطيع تصنيف ردود القراء التي بلغ عددها 48 تعليقا ضمن رؤى ثلاثة:
الأولى: الموافقون والمؤيدون لما طرحت
وهذه المجموعة هي التي شكلت النسبة الأعلى من الردود إذ بلغت ما يزيد على ستين بالمائة، أيّد بعضها تماما ما قلت وطرحت، بل زاد بعض آخر بذكر حيثيات جديدة تدعم أطروحاتي مما يعني الاحساس والتيقن بشيوع ظاهرة اللإنسانية في مجتمعاتنا، وبعض هذه الردود والاضافات المهمة كانت لكتاب معروفين ومشهورين بما قدموه للثقافة العربية، وأذكر فقط كمثال تعليق الأستاذ وليد الكبيسي الكاتب العراقي المعروف والمقيم منذ ربع قرن في النرويج (المباركة المنصورة بإذن الله)، الذي ترجّم تسعة كتب من الأدب النرويجي بحيث أصبحت مقررة رسميا في جامعة الملك محمد الخامس في الرباط بالمغرب، ضمن مقررات دراسة الأدب النرويجي، وله العديد من الدراسات المهمة آخرها (اللغة العربية كلغة عالمية ثالثة، الحفاظ على العربية إصلاح لها بجعل اللسان الحي مرجعا له ثقل المعاجم والتراث quot; المنشورة في موقع quot; الشفاف quot;، وهي دراسة من المهم للغيورين على العربية ومستقبلها قراءتها لالتقاط الاضاءات التي توحي لها، ولا تصدر إلا من غيور على العربية متتبع لطرق تدريسها وتقديمها للراغبين العرب وغير العرب من الأجانب. و أركز على تعليق الأستاذ وليد الكبيسي لأهميته و لأنه جاء التعليق رقم 47 أي ربما بعد اختفاء مقالتي من الصفحة الرئيسية من إيلاف أي أن بعض القراء ربما لم ينتبهوا لما كتب. يقول quot; أحسنت يا...أحمد...على التشخيص الرائع لمشكلتنا. العيب فينا. ومن المفترض أن لا نرمي بأخطائنا وفشلنا وعارنا على الامبريالية والصهيونية ولا الشيطان. الخلل فينا وفي طريقة تفكيرنا وسلوكنا وأخلاقنا وثقافتنا السائدة اليومية. هناك فرق كبير بين السلوك الحضاري الأوربي الذي يقدّس الإنسان لأنه أعظم وأثمن رأسمال، بينما في بلداننا اعتدنا على احتقار الانسان وتكريم المقدس والدين والقرضاوي وباقي هؤلاء الحشود، حشود التخلف، أعدائنا الحقيقيين quot;.
وهناك تعليق آخر مهم من قارىء كتب باسم quot;عاشق الصبار quot; وبعنوانquot; عبادة المظهر quot;: (ما أتيت به هو تشخيص عام تتفق عليه الغالبية في عالمنا العربي، ولكنهم يختلفون حول مسبباته. في رأيي السبب الرئيسي هو الكم الهائل من تراث الاستعباد والديكتاتورية تحت مسميات مختلفة، وتقديس السطوة والمظاهر على حساب المكنون والجوهر).
هناك أيضا العديد من القراء ممن أبدوا ملاحظات مهمة مؤيدة، مرجعين الأسباب لعوامل تاريخية منها ثقافة الغزو والاستعباد والسطو واساءة فهم الدين وتطبيقاته والتركيز على الجوانب والسلوكيات السلبية في مراحل التاريخ العربي خاصة المترافق مع الحروب والغزوات والفتوحات وفرض اللغة العربية على غير الناطقين بها وغير ذلك.
الثانية: مجموعة الحروب بين القراء أنفسهم
وهذه ظاهرة في التعليقات على مقالات كافة الكتاب، إذ تنصرف نسبة عالية من تعليقات القراء عن مقالة الكاتب وموضوعها، ويبدأون التعليق على تعليقات قراء آخرين بإسلوب حربي قتالي وكأنهم خصوم وأعداء في مواجهة عسكرية، وأحيانا بشتائم وافتراءات لا علاقة لها بالمقالة وكاتبها ولا بالمعلق وفكرته. وأعتقد أن غالبية الكتاب والقراء يشاركونني هذه الملاحظة القتالية التي تدعم تساؤلي: لماذا فقدنا إنسانيتنا؟. إن اللجوء لإسلوب التهجم الشخصي والاتهامات الجزافية بالعمالة والتجسس والخيانة مظهر من مظاهر سلوكياتنا غير الانسانية، فأتحدى أن تجد قارئا أمريكيا اتهم الكاتب الأمريكيquot; ويليام بلوم quot; صاحب كتاب (الدولة المارقة) بانه عميل للقاعدة أو طالبان بسبب جراته الشديدة في نقد سياسات الإدارات الأمريكية في هذا الكتاب. و ألاحظ أن الذي يوقع تعليقاته باسم quot;خوليوquot; ينال القدر الأكبر من الهجوم بسبب جرأته ويتلقى شتى أنواع الشتائم والاتهامات لدرجة هدر دمه، مما يجعلني أحيانا التفكير في العثور على اسمه الحقيقي وعنوانه، وطلب فرقة من قوات التحالف الدولي لحمايته. لماذا لا نناقش بعض بهدوء لبيان الحقيقة بحقائق مؤيدة، وبيان الخطأ بحقائق نقيضة؟ لماذا هذه الروح العدوانية إزاء بعض رغم أن القراء لا يعرفون بعض وغالبا ما يوقعون باسماء غير حقيقية، ورغم ذلك فسلوكنا العداوة والحقد والشتائم والاتهامات؟
الثالثة: مجموعة عنزة ولو طارت
هذه المجموعة من القراء لديها موقف عقائدي تعبوي تنظيمي جهادي ضد بعض الكتاب، فلا بد أن تأتي تعليقاتهم بالرد الجارح الذي لا يتعرض لأية فكرة من أفكار الكاتب، لدرجة أنني أتخيل أن هذا الكاتب لو كتب يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، لعلقوا قائلين: والله تكذب نشك في صحة شهادتك. وهذا ليس غريبا فله موقف مشابه في الثقافة العربية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قتل أسامة بن زيد رجلا في إحدى المعارك بعد أن قال (لا إله إلا الله). فسأله الرسول: quot; اقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، وما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟. قال أسامة: يارسول الله إنما قالها متعوذا. فقال له الرسول: هلا شققت عن قلبه؟).
فمثلا أحد القراء المعلقين كتب بإسلوب أقرب للشتائم يصرخ كيف أستقوي على الممرض بجوازي النرويجي؟ وإلا بماذا أحمي نفسي عزيزي القارىء؟ هل أستعمل معه أسلوب الضرب بالأيدي الذي لا أجيده، أم الشتائم التي استعملها معي وهو يدخن في غرفة مريض بالقلب؟ ولماذا فتحت سفارات الدول، أليس من ضمن عملها حماية مواطنيها وتقديم المساعدة لهم. هذا القارىء لولا أن عنده موقف جهادي قتالي شرعي نضالي مسبق من الكاتب، أما كان أجدر به أن يقارن بين تصرف السفارة النرويجية التي نقلت المريض النرويجي فورا لبلده مع طاقم ممرضين تم استدعاؤهم من النرويج، وبين تصرف سفاراتنا العربية التي لا همّ لها إلا التجسس على مواطنيها وتقديم التقارير عنهم ولو زورا ودوما أنهم سبّوا أو نقدوا الحاكم بأمر الله!!!.
هذه الأنواع الثلاثة من التعليقات هي مظاهر لثقافتنا العربية، وما دام بينها نسبة من العقل والمنطق، فهذا يعني هناك أمل، فلنعمل على شحن قوة الأمل هذه، علنا نرتقي لمصاف إنسانية تلك الدول إزاء شعوبها على الأقل.
والحلقة الثانية القادمة من هذه المقالة هي إجابة على التساؤل الأساسي: لماذا فقدنا انسانيتنا..فلنلتقي على الخير والنقاش المنطقي الذي يصوب الخطأ بحقائق نقيضة.
[email protected]
التعليقات