تمر ثماني سنوات على العملية الإرهابية بامتياز التي استهدفت أبراج نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، إذ شهدت هذه السنوات تغييرات وتطورات عديدة في كافة الصعد والمجالات العالمية، ربما كان أهمها الأزمة الاقتصادية التي مسّت غالبية الدول والمجتمعات، ثم الإدارة الجديدة للبيت الأبيض ممثلة في وصول باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، ومحاولاته لمخاطبة العالمين العربي والإسلامي بلهجة تبدو جديدة على سلوك الإدارات الأمريكية السابقة خاصة ما ورد في خطابه من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009، حيث حمل الخطاب لهجة وتوجها وديا متفهما للعالمين العربي والإسلامي، رافضا النظرة النمطية السلبية عن هذين العالمين.
ومن المعروف ان أخطر وأهم نتائج تلك العملية الإرهابية أنها أعطت ورسخت الصورة الإرهابية للمسلم خاصة اعتراف أسامة بن لادن بالصوت والصورة عدة مرات أن تنظيمه القاعدة هو من خطط لها ونفذها، واطلق على المجرمين الذين قاموا بالتنفيذ صفة الأبطال والشهداء، مطلقا عليها اسم quot; غزوة نيويورك quot; اي أنها في مفهومه ترقى لمستوى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتم الاحنفال سنويا من تنظيم القاعدة بهذه المناسبة عبر اشرطة وأحاديث جديدة للإرهابيين أسامة بن لادن و أيمن الظواهري وغيرهما من الإرهابيين من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية. لذلك فإن السؤال المهم طرحه والتفكير فيه هو:
هل اختفت نتائج غزوة نيويورك الإرهابية؟
والمقصود من السؤال هو الجوانب السلبية التي ربطت صفة الإرهاب والعنف بالمسلم أيا كانت أصوله وقومياته. المتابعة الموضوعية المجردة تجيب ب (لا) كبيرة وصارخة، أي أن هذه الصفة التي ألصقت بالشخصية المسلمة ما زالت تتعزز وتزداد رسوخا بعد مرور ثماني سنوات على غزوة نيويورك الإرهابية، وذلك بسبب تنامي العنف والإرهاب في العديد من الأقطار العربية والإسلامية خاصة، بينما تنعم الدول الأوربية والأمريكية بالهدوء والسكينة، و يمكن التأكد من صحة هذه الإجابة عبر استعراض النماذج التالية:
أولا: القتل اليومي العشوائي في العراق
لا أعتقد أن هناك من يصدق ما يحدث فعلا وبشكل شبه يومي في العراق، حيث القتل المتعمد بين العراقيين أصبح أمرا عاديا يمر في نشرات الأخبار وكأنه مجرد انخفاض أو ارتفاع في سعر أسهم شركة ما، رغم أنه يحصد في كل عملية أرواح عشرات أو مئات من العراقيين، وكله يتم بأيدي عراقية أو عربية قدمت للعراق بشكل مخطط ومتعمد لارتكاب هذا القتل الذي يتم دوما باسم الاسلام والجهاد معززين بياناتهم عن ذلك الإرهاب بآيات من القرآن، مطلقين صفة الشهيد على أولئك القتلة واعدين إياهم بالجنة والحور العين. ما يصعب على الفهم هو أن يترك أولئك الشباب القتلة من العراقيين والعرب عائلاتهم وأطفالهم ويموتون من أجل قتل عشرات ومئات من العراقيين في كل عملية. والمهم ملاحظته هو التسميات التي يطلقها أولئك الإرهابيون على مجموعاتهم الإجرامية، فكل التسميات تتمسح وتتغطى بالاسلام: quot; تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين quot;، quot; جند الله quot;، quot; جند الإسلام quot; وغيرها من التسميات لتضليل أولئك الجهلة لاستقطاب المزيد منهم للقتل والعنف الإرهابي.
ثانيا: أفغانستان وطالبان
وهذا القتل اليومي في أفغانستان من قبل عصابات طالبان لا يختلف عن مثيله في العراق، فهو يستعصي على الفهم سوى مفهوم أن هذه الطالبان مغرمة بالتخلف والظلامية التي أغرقت فيها أفغانستان عدة سنوات قبل اسقاطها في أكتوبر 2001، بعد حكم ظلامي زاد عن خمسة سنوات أعادت فيه الشعب الأفغاني لعصور أعمق من الحجرية. وايضا يتم كل هذا القتل والإرهاب باسم الجهاد والإسلام، وفي غالبيته العظمى: أفغانيون يقتلون أفغانيين إلى حد أنه ما عادت تختلف الحالة العراقية عن الأفغانية لا في الشكل ولا المضمون.
ثالثا: الحالة الباكستانية
وهي تؤأم الحالة الأفغانية بسبب تداخلها الحدودي والطائفي والمصلحي المتشابه بين ما يسمى quot; طالبان باكستان quot; و quot; طالبان أفغانستان quot; القاسم المشترك بينهما هو القتل الإجرامي المتعمد الذي بلغ ذروته في أحداث المسجد الأحمر في يوليو 2007، واغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينازير بوتو في ديسمبر من العام ذاته. والسؤال الذي يطرح دوما ضمن السياق الباكستاني هو: لماذا لا يقوم ولا يرتكب المسلمون في الهند المجاورة أية عمليات إرهابية داخل بلادهم أو خارجها؟. إن الإجابة على هذا السؤال تفضي إلى أن الهدوء والسلم الاجتماعي هو نتاج الأنظمة الديمقراطية، بعكس الأنظمة الشمولية الاستبدادية التي يولد استبدادها ضد شعوبها استبدادا مقابلا في الداخل والخارج.
رابعا: الوضع الصومالي
لا يختلف في دمويته عن النماذج السابقة إذ يكاد أن يكون نسخة من إحدى تلك النماذج، بالإضافة للتشطير والتقسيم القائم فعلا حيث عصابات وجماعات تسيطر كل منها على قسم من البلاد، مضيفة إرهابا موجها للعالم أجمع حيث عمليات القرصنة البحرية التي تطال عشرات السفن والبواخر مما جعل مياه تلك المنطقة من أخطر بقاع العالم، ليس من أجل قضايا وطنية نضالية كما تدعي عصابات النماذج السابقة، ولكن من أجل جمع الدولارات من خلال ما يسمى الفدية لإطلاق سراح البواخر وأطقمتها البشرية.
وأخيرا النموذج الحوثي اليمني،
حيث يحاول هذا النموذج تشطير البلاد التي كانت تسمى (اليمن السعيد) فإذا هي اليوم الأتعس في العالم، من خلال قتال ضد الدولة المركزية التي لا يبرر فسادها وتحيزها وظلمها هذا القتال الذي يدفع ثمنه الشعب اليمني من الحوثيين وبقية الطوائف. وخطورة الحالة اليمنية في ان التململ والاحتجاجات لا تشمل مناطق الحوثيين في محافظة صعدة وجوارها فقط، ولكن عموم الشطر الذي كان يسمى (اليمن الجنوبي)، وإن لم يأخذ هذا التململ حتى الآن طابع المواجهة المسلحة مع اليمن الشمالي الحاكم والمتنفذ على حساب تهميش الجنوب شعبا وقيادات وأحزابا، لكن هذا ليس بعيدا إن استمرت حكومة علي عبد الله صالح في نفس سياسة التهميش والإهمال والإضطهاد للجنوب، بدليل أن هناك دعوات علنية للإنفصال ليس بعيدا أن تتطور لحالة المواجهة المسلحة كما في الحالة الحوثية، رغم تميز تلك الحالة باتهام الجانب الإيراني بالتحريض والدعم.
وهكذا فإن الذكرى الثامنة،
لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، تمر والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تزداد تحصينا ضد ذلك الإرهاب وتركيزا على التصنيع والتطوير ورفاهية شعوبها، بينما الدول العربية والإسلامية التي صدرت ذلك الإرهاب تحصد الآن داخليا ثمار ذلك قتلا وموتا مرشحا للامتداد للعديد من الدول التي لم يصلها بعد، وهذا مؤكد طالما هذه الدول تتمترس وراء استبدادها وشموليتها وظلمها الطاحن لشعوبها، متغاضية عن التربية والمناهج التعليمية والثقافة التي تنتج هذا الإرهاب وتغذيه. في النهاية لا يحصد المرء والدولة إلا ثمار ما يزرع !!!.
[email protected]
التعليقات