أعتقد أن الفريق عمر سليمان نفسه من الصعب عليه أن يحصي عدد جلسات ولقاءات الحوار الفلسطيني-الفلسطيني،التي جرت في القاهرة برعاية مصر وبإشرافه في السنوات الخمسة الماضية، خاصة السنتين الماضيتين التي أعقبت انقلاب حماس العسكري في قطاع غزة في يناير 2007 الذي اعتبرته الحركة التحرير الثاني للقطاع من الاحتلال الفتحاوي بعد أن اعتبرت انسحاب إسرائيل من طرف واحد عام 2005 هو التحرير الأول. وبعد مرور عامين ونصف إلا قليلا على سيطرة حماس العسكرية على القطاع بدأت بوضع كافة العراقيل التي تحول دون نجاح أي حوار فلسطيني، وهي تعي ذلك بحس انقلابي وما حضورها لجلسات الحوار في القاهرة إلا لذر الرماد في العيون وإضاعة الوقت لاستعماله ذريعة مفادها: هانحن نحضر جلسات الحوار ونحن لسنا مسؤولين عن فشلها. أهم العقبات التي تعمدتها حماس لإفشال الحوار هي:
أولا: التشكيك في رئاسة الرئيس محمود عباس واعتباره رئيسا غير شرعي عقب يناير 2009، وكأن الذين سيطروا على القطاع بالقوة العسكرية التي صاحبتها جرائم بشعة شرعيون، في حين أن شرعيتهم الإجرامية هذه تشهد عليها جرائم القتل العلني بقصد وقد شملت المئات خاصة من أعضاء حركة فتح وأنصارها، ويكفي قادة حماس عارا أنهم اضطروا العشرات من عناصر فتح في أغسطس عام 2008 للهرب إلى إسرائيل خوفا من رصاصهم الهمجي، وكان من بينهم القائد الفتحاوي أحمد حلس عضو المجلس الثوري لحركة فتح وأحد رموز عائلة حلس العريقة في القطاع، وهذا العار يكمن في أن إسرائيل في لحظة ما كانت أرحم لهؤلاء العناصر من القوة التنفيذية الأمنية لحركة حماس.
ثانيا: نزع الشرعية التمثيلية للشعب الفلسطيني من منظمة التحرير الفلسطينية كما أعلن ذلك المندوب الإيراني في دمشق خالد مشعل. وهو يعرف أولا يعرف أن غالبية دول العالم الأسيوية والأفريقية والأوربية والأمريكية تعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني خاصة بعد قرار فك الارتباط الجريء مع الضفة الغربية الذي اتخذه المرحوم الملك حسين عام 1988 تثبيتا وتدعيما للكيانية الفلسطينية، و غالبية دول العالم التي تفتح سفارات فلسطينية في بلادها ما زالت تطلق عليها quot; ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية quot;، لذلك لا لوم علي أية دولة لو أقدمت على إغلاق مكتب منظمة التحرير وطردت موظفيها بحجة أنه بناءا على فتوى خالد مشعل فإن المنظمة ما عادت شرعية ولا تمثل الشعب الفلسطيني....فهل من يتخذ هذه الخطوات الخطيرة بحق الشعب والنضال الفلسطيني حريص على إنجاح الحوار الفلسطيني؟؟
ممارسات حماس في الداخل
أما عن ممارسات حماس في الداخل الغزاوي فحدث ولا حرج، لأن بعض هذه الممارسات لم يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني طوال احتلاله المباشر للقطاع، ويكفي التذكير ببعض هذه الممارسات ليس اعتمادا على وثائق دولية، وإنما معايشة ميدانية لمئات ألالاف من أهلنا وشعبنا في القطاع الذين لا تسمع قيادات حماس صراخهم وآلامهم لأن كل ما يهمهم هو الاستمرار في السيطرة والجلوس على الكراسي حتى ولو كانت بمستوى خازوق.
أولا: التطهير التنظيمي بمعنى طرد وسجن واعتقال وإخراس كل من ينتمي لحركة فتح، فإذا بهذه الحركة العريقة رائدة النضال الوطني الفلسطيني لا وجود ولا صوت لها في القطاع، إلى حد منع حماس رسميا إحياء الذكرى الرابعة لرحيل الرئيس ياسر عرفات في نوفمبر من عام 2008، إذ أصدر محمد أبو شقير وكيل وزارة التربية والتعليم العالي المقال في القطاع تعميما على مدراس القطاع يقضي بمنع الطلبة والمعلمين من المشاركة في احتفالات إحياء ذكرى رحيل عرفات التي أعلنتها الوزارة في رام الله. وبناءا على تعليمات حماس قامت قوتها التنفيذية المسلحة بمنع الطلبة والطالبات من القيام بأية نشاطات أو مظاهر احتفالية، واقتحمت جامعة القدس المفتوحة، وهاجمت منازل المواطنين في مخيم الشاطىء وأنزلت رايات فتح والأعلام الفلسطينية من فوق أسطحها، وقامت ميليشيات حماس بملابس مدنية وعسكرية بمهاجمة المسيرات الشعبية وتفريقها بالقوة.
ثانيا: عمليات القتل العلني بطريقة همجية للعشرات من أعضاء فتح والمستقلين غير المؤيدين لسياساتها وممارساتها، وقد صورت بعض هذه الجرائم وتم بثها علانية بشكل تقشعر له الأبدان، ما عدا أبدان القتلة الذين قاموا بها.
ثالثا: منع الصحف والمجلات الصادرة في الضفة الغربية من دخول قطاع غزة، وكأنه إمارة حماسية مستقلة لا علاقة لها بالضفة الغربية، وكذلك منع بث التلفزيون الفلسطيني ومراسليه في القطاع.
رابعا: وقف رواتب عشرات ألاف من عناصر فتح والمستقلين في وقت يستمر صرف رواتب الحماسيين دون توقف، وحتى المساعدات الغذائية والتموينية تخصص لهم أولا وقبل غيرهم، والكل يعرف وشاهد بالصور استيلاء القوة التنفيذية لحماس على قوافل إغاثة عربية أثناء الحرب الأخيرة مع إسرائيل وتحويلها لمخازن حماس الخاصة كي تتصرف فيها كما تريد، وليس حسب ما تريد الجهات المتبرعة التي كانت تحرص على إيصال المساعدات لجميع المحتاجين.
وحتى الحرب الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي،
دللت على غباء قيادة حماس لأنها جرت القطاع لحرب غير متكافئة، وباعتراف خالد مشعل فقد كانت الحركة تقصد مناوشة إسرائيل واستفزازها فقط، ولم تكن تدري بأن إسرائيل سترد بهذه القوة والعنف...أي أن حماس كانت تريد حربا حسب مزاجها وهواها وأن تكون ردود إسرائيل كما تريد هي وتهوى، وهو نفس اعتراف حسن نصر الله بعد انتهاء حرب تموز 2006، عندما قال صراحة لو كنا نعرف أن إسرائيل سترد بهذا الحجم والعنف لما أقدمنا على خطف الجنديين الإسرائيليين. وأنانية قيادة حماس غريبة عجيبة فلا يهمها ألف وخمسمائة قتيل فلسطيني خلال الأسابيع الثلاثة للحرب، إذ خرج علينا في الأيام الأخيرة للحرب خالد مشعل ليبشر الشعب الفلسطيني بأن قيادة حماس بخير ولم تصب بأذى وأن الخسائر من مقاتليها أقل من أربعين قتيلا أو شهيدا لا تهم الصفة.
والحقيقة التي أصبحت مؤكدة أنه طوال الأسابيع الثلاثة للحرب لم تجري مواجهات عسكرية خططت لها وأعدتها حماس، وكل ما حصل من اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي كانت بمحض صدفة وجود مقاتلين في مواقع تحرك الجيش الإسرائيلي، وهذا ما جعل كافة الخسائر الإسرائيلية أقل من خمسين جنديا وفردا مقابل ألف وخمسمائة قتيل فلسطيني وقرابة خمسة ألاف جريح بينهم نسبة كبيرة من الميؤوس شفائهم التام. وعدم التخطيط لأية مواجهة هو ما جعل كافة قيادة حماس العسكرية والسياسية والأمنية تخرج من حرب أسابيع ثلاثة بخير وسلامة وصحة جيدة لأنها أمضتها في المخابىء المحصنة الخاصة بها فقط، حتى القياديان سعيد صيام ونزار ريان لم يموتا أثناء مواجهة ميدانية مع الجيش الإسرائيلي، بل في مخابئهما بسبب وشاية عملاء محليين من حماس، وهذا مؤكد بدليل أن الحركة اعتقلت بعض المرافقين والمساعدين لهذين القياديين.
هل هناك خلاف سياسي مع فتح يستدعي هذه الجرائم؟
لو كان هناك خلاف سياسي بين حماس وفتح أي بين حماس والسلطة الفلسطينية، لكان من الممكن تبرير انقلاب حماس العسكري وما أعقبه، ولكن حماس تلعب في برنامجها السياسي بشكل مضحك، فهي حينا ضد الاعتراف بدولة إسرائيل، وحينا مع هدنة طويلة الأمد لستين عاما، وحينا ثالثا مع دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967، وبالتالي من الصعب على أي مراقب سياسي أو منجم أن يعرف ماذا تريد حماس، وقد اختزلت كافة جهودها وتحركاتها في قضية الجندي الإسرائيلي المدلل جلعاد شاليط، متناسية أنها تهين الأسرى الفلسطينيين عندما تطالب بالإفراج عن ألاف منهم مقابل هذا الشاليط!!!. وما لم يعد سرا أن هناك تباين في الرأي والتوجه بين حماس الداخل وحماس الخارج التي يمثلها خالد مشعل وبعض قياداته الذين الطاعة عندهم لولي الأمر الإيراني الذي من مصلحته بقاء المنطقة مشتعلة لإشغال العالم عن ملفاته الخاصة، وبالتالي فهو يشغل العالم بدون أية خسائر إيرانية، فقط عدة ملايين من الدولارات، ويكفي تصريح على خامئني في الطلبة الإيرانيين الذين تظاهروا أثناء الحرب في غزة، إذ قال لهم صراحة quot; عودوا إلى منازلكم ليس بوسع إيران القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل quot;، إذن فلتستمر المتاجرة بالشعب اللبناني من خلال حزب الله، والشعب الفلسطيني من خلال حركة حماس والشعب العراقي من خلال عملاء طهران الكثيرين أحزابا وأفرادا quot;.
وبالتالي فلا نجاح لأي حوار فلسطيني،
لو وصل عدد جلساته في القاهرة أو غيرها لمليون جلسة، لأن صراع حماس مع السلطة الفلسطينية ليس من أجل التحرير أو الدولة الفلسطينية مهما كان حجمها، ولكنه صراع على البقاء في الكراسي والسلطة وتصريف الأموال كما يريدون..والجحيم لغالبية الشعب الفلسطيني، لأن هذا الواقع قائم لسنوات طويلة، دويلتان كرتونيتان على الورق، حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله...و اللهم أجرنا مما هو آت!!!.
[email protected]
[email protected]
التعليقات