1 / 2
هذه الدراسة لا تهدف مطلقا للدفاع عن أي نظام أو رئيس أو ملك عربي، فهذه ليس مهمتي خاصة أن الأنظمة والملوك والرؤساء العرب لديهم قنواتهم الإعلامية المتنوعة التي تخدم مصالحهم وتدافع عنهم كما يريدون. أما هدف هذه الدراسة هو تسليط الضوء على إشكالية عربية تتعلق بالانتقائية من التاريخ والثقافة والوثائق بما يخدم المصلحة والارتباطات الشخصية لمن يقوم بذلك، ويمارس انتقائيته بشكل سافر لا ينطلي على أي مطلع على تاريخ المنطقة وتطورات أحداثها السياسية. وأعتقد أن الصحفي والكاتب المصري محمد حسنين هيكل الأكثر شهرة في العالم العربي هو من النماذج الفاقعة في ممارسة الانتقائية وتوظيفها حسب ما يريد سواء لمصالح شخصية أو ارتباطات معينة، وتبدو هذه الانتقائية واضحة للمراقب خاصة عندما تتعلق بتاريخ المنطقة خلال الستين عاما الماضية الذي أغلب شهوده أحياء، ووقائعه معروفة للجميع عبر الكتب أو المعايشة. ولا أعتقد أن هناك كاتبا عربيا أو أجنبيا استمر في الكتابة عن أحداث منطقته نفس المدة التي استمر فيها هيكل، فهو اليوم في الخامسة والثمانين من عمره، وبدأ الكتابة قبل عام 1952 التي شهدت انقلاب جمال عبد الناصر (أطلق عليه اسم ثورة) وزملائه من الضباط الذين (أطلق عليهم صفة الأحرار)،
ومع الثورة وقائدها جمال عبد الناصر،
بدأ اسم هيكل في الانتشار والشهرة لقربه من عبد الناصر بشكل لم يحظ به أي كاتب عربي أو أجنبي، واستنادا إلى هيكل نفسه أنه هو من كتب الكتيب الذي نشر باسم (فلسفة الثورة) منسوبا لجمال عبد الناصر. ومن شاهد حلقة فضائية الجزيرة (مع هيكل) بتاريخ الثاني عشر من أكتوبر عام 2006 حول هذا الكتيب سيتذكر أن الحلقة كانت مليئة بأدوار العظمة التي أصبغها هيكل على نفسه خاصة حول علاقته بعبد الناصر، وحول من هو مؤلف هذا الكتيب ظلّ يلف ويدور ويروي قصصا لا يستطيع أحد معرفة صحتها من كذبها، وهي قصص لا علاقة لها بموضوع الحلقة الذي كانت مخصصة لكتيب (فلسفة الثورة)، وصفة (كتيب) ليس من عندي لنزع الأهمية عن الكتاب ولكنها صفة أطلقها هيكل نفسه على تلك المقالات الثلاثة التي جمعت في هذا الكتيب. ووسط هذه الحكايات غير الموثقة المعتمدة على رواية الشخص عن نفسه، يقول هيكل حرفيا: (أنا الكاتب ولكني لست المؤلف وجمال عبد الناصر ليس المؤلف وحده، ولكن اللحظة التاريخية و حوارات أجريتها معه و حوارات حصلت مع غيره). فمن من القراء يستطيع أن يفهم من هذه الجملة من هو مؤلف الكتاب؟. هل هو جمال عبد الناصر أم هيكل أم اللحظة التاريخية أم غيره؟ وهل سبق أن سمع أحد في الشرق أو الغرب عن مؤلف اسمه (اللحظة التاريخية؟. وصفة (اللف والدوران) كما يقولون في الشارع المصري سمة من سمات أحاديث هيكل، فلا تركيز على موضوع الحلقة إذ لا مفر من اختلاق أمور شخصية كلها تؤدي لأهميته ودوره في الأحداث ودوما الدور الفاعل المؤثر الذي يؤخذ في الحسبان لدى العديد من دوائر صنع القرار، وشيء طبيعي عنده أن يقول أكثر من مرة عن ملك أو رئيس عربي أنه قابله أكثر من خمسمائة مرة، وهذا لا يعني إلا أن ذلك الرئيس أو الملك لا عمل ولا مهمات لديه سوى استقبال هيكل والجلوس معه والاستماع إليه. في بعض حلقات أحاديثه أحصيت أنه كّرر كلمة (أنا) أكثر من 100 مرة، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالغرور الزائد أو النرجسية المريضة، لأنه فيما يتعلق بحقبة الرئيس جمال عبد الناصر من يستمع لهيكل ويقرأ ما كتبه عنها لا يخرج إلا بانطباع واحد وهو أن هيكل كان الحاكم والمخطط والمنفذ وليس جمال عبد الناصر، وربما يعبر عن هذا ما هو منسوب للرئيس محمد حسني مبارك أنه قال لهيكل في لقاء معه (أنت لم تكن رجل عبد الناصر، أظن أن عبد الناصر كان رجلك)، والمغزى الباطن في هذا القول لا يعني سوى ما أشرت إليه من غرور ونرجسية تصل لحد التلفيق خاصة أنه يروي عن أموات لا يستطيع أحد من البشر استنطاقهم في قبورهم ليؤكدوا أو ينفوا صحة ما يرويه عن نفسه معهم بشكل دائم.
عقدة شخصية اسمها الملك حسين والأردن
وهذه العقدة مردها للعلاقات المتأزمة بين نظام الرئيس جمال عبد الناصر والملك حسين أغلب فترات حكم المرحومين، وفي الجانب المصري كانت إذاعة quot; صوت العرب quot; بقيادة أحمد سعيد وجريدة الأهرام برئاسة محمد حسنين هيكل أهم أداتين إعلاميتين لدى جمال عبد الناصر، وكانتا خاصة إذاعة صوت العرب المسموعة جدا في الأقطار العربية آنذاك من وسائل عبد الناصر الهجومية ضد أغلب الأنظمة العربية التي لا تعلن السمع والطاعة له في كافة الأمور أيا كانت، خاصة في مواقف حولها استقطاب وخلاف عربي مثل وحدة مصر وسوريا الشكلية في فبراير عام 1958 وانتهت بقرار من السوريين في أيلول عام 1961 لأسباب عديدة منها عدم حدودية القطرين مما يعوق أي تنسيق أو تكامل في كافة الميادين، والخراب والفساد والقمع الذي أشاعه عبد الحكيم عامر كحاكم عسكري للقطر السوري، ووزير داخليته سيء الذكر عبد الحميد السراج الذي أشاع في سوريا رعبا لا مثيل له، جعل الكاتب اللبناني سعيد تقي الدين يطلق عليه لقب (السلطان الأحمر)، أما الأستاذ غسان زكريا (عديل السراج) فقد وضع عنه كتابا أيضا بعنوان (السلطان الأحمر)، كشف فيه تفاصيل الجرائم التي كان يرتكبها عبد الحميد السراج بحق قيادات الشعب السوري بدعم من عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة وموافقته إذ حوّل الإقليم الشمالي (سوريا) إلى quot; سجن كبير اختفت فيه كل مظاهر الديمقراطية وشكلياتها، وضرب فيه وعذب وزراء ونوابا وأطباء ومحامين وصحافيين ورجال أعمال ومهندسين ونساء ورجال دين، وهو ما لم يجرؤ الاستعمار الفرنسي على مدى ربع قرن على فعله وهو يحتل الشام ولبنان بمئة ألف جندي quot; كما قال غسان زكريا في كتابه المذكور. ومن الجرائم البشعة التي ارتكبها عبد الحميد السراج قتل القيادي الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو في السجن ثم تذويب جثته بالأسيد وإلقائها في نهر بردى، وذلك في الخامس والعشرين من حزيران عام 1959 عندما كان قياديا في الحزب الشيوعي السوري اللبناني قبل انقسامهما، وفي العام التالي (1960) تمّ تصفية الشيوعي المصري شهدي عطية في سجنه الناصري بالقاهرة بطريقة بشعة أيضا، و انتشرت سيرتهما بعد قصيدة الشاعر المصري نجيب سرور التي مطلعها:
القرن يقال العشرون
والعام التاسع والخمسون
لكن لا أذكر ما الشهر
لا أذكر ما اليوم
والساعة لا أعرف كم
فهنا
في جوف الزنزانة
خلف الشمس
يجري توقيت الجستابو
فلماذا تغيب هذه الصفحات السوداء،
من كافة كتابات وذكريات محمد حسنين هيكل، وهو يعرف أدق تفاصيلها أكثر من غيره بحكم ادعائه أنه كان شاهدا على كل تفاصيل مرحلة عبد الناصر؟. أليس هذه انتقائية غير محايدة وغير أمينة عندما يتقصد حكاما عربا بالذات ويسكت عن جرائم بشعة ارتكبت في بلده مصر ولم يرتكب مثلها مطلقا أولئك الحكام في بلادهم؟. هل هذه هي حيادية ومهنية كاتب بحجم هيكل؟ أم الانتقائية التي تفرضها المصالح الشخصية؟.
ومقارنات أخرى معاصرة للجميع،
تؤكد أن هيكل يستهدف حكاما عرب بالذات خدمة لمصالح شخصية وأجندات خاصة بغيره، بدليل أن ما تحقق في الأردن لا يختلف عن غيره من الدول العربية، وكأمثلة عاصرها الجميع:
أولا: دخلت سبعة جيوش عربية عام 1948 الحرب ضد عصابات الهاجاناة، وكانت النتيجة هزيمة العرب وإعلان دولة إسرائيل، واحتفظ الجيش المصري بقطاع غزة والجيش الأردني بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية،التي أصبحت فيما بعد جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية. فما هي الإنجازات التي تحققت على الجبهة المصرية لتميزها عن الجبهة الأردنية كي تكال التهم للقيادة الأردنية آنذاك؟.
ثانيا: دخلت الجيوش المصرية والسورية والأردنية حرب عام 1967 التي انتهت بهزيمة حزيران أو نكسة كما خففها هيكل لتكون ضمن مبررات عودة الرئيس عبد الناصر عن استقالته التي أعلنها متحملا الهزيمة أو النكسة. كانت نتيجة تلك الهزيمة العربية احتلال كامل شبه جزيرة سيناء المصرية وكامل هضبة الجولان السورية وكامل الضفة الغربية الجزء من المملكة الأردنية الهاشمية، فإذا كان الجميع في الهزيمة شرق و غرب، فلماذا استهداف هيكل للقيادة الأردنية آنذاك فقط؟.
ثالثا: كانت مصر أقوى قوة عسكرية بشرية وعسكرية عربية أول من وقّع اتفاقية صلح وسلام مع دولة إسرائيل في منتجع كامب ديفيد الأمريكي بين الرئيسين المصري أنور السادات والإسرائيلي ميناحم بيجن، ومن يومها والسفارة الإسرائيلية مفتوحة والعلم الإسرائيلي يرفرف عليها في القاهرة. بينما انتظرت القيادة الأردنية ستة عشر عاما إلى عام 1994 حتى وقعت اتفاقية وادي عربة مع دولة إسرائيل، ولم يتم ذلك إلا بعد توقيع القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس ياسر عرفات اتفاقية أوسلو عام 1993، وعندئذ لم يكن مطلوبا من القيادة الملكية الأردنية أن تكون ملكية أكثر من الملك ياسر عرفات الذي كان قد أعلن سابقا في عام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر قيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 مما عنى اعترافا بدولة إسرائيل قبل توقيع اتفاقية أوسلو بستة سنوات، وبناءا على رغبة فلسطينية عربية في دعم الكيان الفلسطيني، اتخذ الملك حسين قراره الشهير بفك الارتباط مع الضفة الغربية، ليقول للعالم أجمع ومن ضمنه دولة إسرائيل أن الضفة الغربية لم تعد جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية بل هي جزء من الدولة الفلسطينية التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني ضمن حدود عام 1967. فلماذا استهداف القيادة الأردنية دون غيرها ممن وقّع معاهدات سلام وصلح مع دولة إسرائيل؟. وهي القيادة التي دعمت وتدعم كل ما تريده القيادات الفلسطينية من عرفات إلى عباس.
وماذا عن معركة الكرامة يا هيكل؟
انتقائية هيكل المحسوبة سلفا تجعله يتغاضى في أحاديثه وكتاباته عن صفحة مشرفة من صفحات تاريخ الأردن والجيش الأردني في زمن المرحوم الملك حسين، وهي معركة الكرامة الشهيرة التي خاضها الجيش الأردني في الحادي والعشرين من مارس عام 1968 أي بعد ثمانية شهور من هزيمة حزيران النكسة عند هيكل. هذه المعركة لا يستطيع محب أو كاره للنظام الأردني أن يتجاهلها لأنها فعلا أعادت بعض الثقة والكرامة للجيوش والشعوب العربية، وحسب اعترافات قادة الجيش الإسرائيلي فإنها كانت مفاجأة كبيرة لهم وهي التي دامت قرابة 16 ساعة، لم يشهدوا مثيلا لاقتحامية وصمود الجيش الأردني في كافة معارك حرب حزيران عام 1967. وحسب المصادر الإسرائيلية والغربية ومنها الموسوعة الأمريكية ويكيبديا فقد بلغت الخسائر الإسرائيلية 250 قتيلا و450 جريحا وإسقاط 6 طائرات مقاتلة وتدمير 88 آلية مختلفة تمكن الجيش الإسرائيلي من إخلاء أغلبها، وبقيت في أرض المعركة 20 دبابة وآلية مختلفة. بينما بلغت خسائر الجيش الأردني 87 شهيدا و 108 جريحا وتدمير 13 دبابة و 39 آلية مختلفة. ومن شهادات قادة الجيش الإسرائيلي كما أوردتها الموسوعة الأمريكية:
قال حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي في حديث له أن إسرائيل فقدت في هجومها على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران.
قال عضو الكنيست الإسرائيلي شلومو جرسك quot; لا يساورنا الشك حول عدد الضحايا بين جنودنا.
وصف قائد مجموعة القتال الإسرائيلية المقدم أهارون بيلد المعركة فيما بعد لجريدة دافار الإسرائيلية بقوله quot; لقد شاهدت قصفا شديدا عدة مرات في حياتي لكنني لم أر شيئا كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط quot;.
قال أحد كبار القادة العسكريين العالميين وهو المارشال جريشكو رئيس أركان القوات المسلحة السوفيتية في تلك الفترةquot;: quot; لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية quot;.
ومن المعروف أن الجيش الإسرائيلي طلب وقف إطلاق النار بعد حوالي عشرة ساعات من بدء المعركة عقب إدراكه أن خسائره في تصاعد متزايد، ورفض المرحوم الملك حسين وقف إطلاق النار رغم الضغوطات الدولية طالما هناك جندي إسرائيلي واحد شرقي نهر الأردن. وهذا ما تحقق بانسحاب الجيش الإسرائيلي كاملا بعد أن تعذر عليه إيجاد موطىء قدم دائم له شرقي النهر، وهذا كان أحد أهداف الهجوم الإسرائيلي.
فلماذا التغاضي يا هيكل عن هذه الصفحات المشرقة في تاريخ الأردن؟ هل الحيادية والمهنية الصحفية تجيز ذلك أم الانتقائية المصلحية فقط؟.
عبد الناصر الملف السرّي
هذا العنوان ليس من عندي لكنه عنوان الكتاب الذي صدر في القاهرة عام 2003 عن مكتبة النافذة للكاتب المصري المعروف منتصر مظهر، و يعرف الناشر بالكتاب على الغلاف الأخير بقوله: (هذا أول كتاب عن عبد الناصر يبين نقاط القوة والضعف في حياته الشخصية والعسكرية والسياسية، يعرضها المؤلف على النحو التالي: ميلاد ناصر ونشأته. علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية. اتصالات ناصر السرية بإسرائيل. حادث المنشية. انفراد عبد الناصر بالسلطة. عبد الناصر والإخوان. 56 ميلاد زعيم. ناصر ديمقراطي أم ديكتاتور؟. الصدام مع عامر. الصراع الخفي بين عبد الناصر ومراكز القوى. النكسة وسقوط زعيم. عصابة الأربعة. سقوط علي صبري. سامي شرف والخديعة الكبرى. ناصر والسادات.لماذا اختار عبد الناصر السادات نائبا له؟. ناصر وأم كلثوم. حياته الخاصة أسرار وحكايات. اللحظات الأخيرة في حياة عبد الناصر. من الذي سرق خزينة عبد الناصر؟). إنّ حجم المعلومات التي يقدمها الكتاب مسنودة لشهود عيان منهم محمد حسنين هيكل، تضع كثيرين من قيادات الثورة المصرية ومنهم الرئيس جمال عبد الناصر والعديد من الشخصيات المصرية في دائرة الاتهام بما فيهم محمد حسنين هيكل نفسه، ومن ضمن ما اعتمد عليه كتاب الصحفي الأمريكي المشهور مايلز كوبلاند (لعبة الأمم) الذي تمّ منعه في العديد من الدول العربية ومنها مصر عبد الناصر. ومن ضمن الوثائق المهمة التي يقدمها الكتاب رسالة الصحفي المصري مصطفى أمين رئيس تحرير جريدة الأخبار التي يعترف لعبد الناصر شخصيا من سجنه بتعامله مع المخابرات المركزية الأمريكية، مؤكدا أن تعامله هذا كان يتم بعلم عبد الناصر ومباركته، لذلك يطلب منه الإفراج عنه، وهذه الرسالة الشهيرة لم تعد سرا وأكدتها العديد من المصادر المخابراتية المصرية، ومن الوثائق المهمة كتاب مذكرات ثروت عكاشة الذي صدر عام 2000، وكان عكاشة يشغل مناصب عديدة مهمة منها الملحق العسكري المصري في باريس عام 1954 ، ويسرد في مذكراته تفاصيل بالأسماء والتواريخ والأماكن عن اتصالاته مع الإسرائيليين بأمر من عبد الناصر شخصيا، ووضع عبد الناصر في تفاصيل تلك الاتصالات ومباركته لها وحثه على الاستمرار فيها. والسؤال هو: لماذا استهداف القيادة الأردنية بمعلومات مشابهة أقل توثيقا ومصداقية؟. لماذا اتصالات عبد الناصر ونظامه مع الإسرائيليين حلال واتصالات غيره حرام؟. لماذا اتصالات عبد الناصر ونظامه مع الإسرائيليين عمل وطني واتصالات غيره عمل خياني؟.
هل هناك من يؤكد انتقائية هيكل أيضا؟
من الكتب المهمة والضروري قراءتها لمن يريد أن يفهم خلفيات الكتابة عند محمد حسنين هيكل، هو كتاب (تفكيك هيكل) للمؤرخ العراقي المعروف الأستاذ الدكتور سيار الجميل، الصادر عام 2000 في طبعته الأولى عن الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان، وهو كتاب يعتمد الرصانه في التوثيق والدقة في الموضوعية مما يجعله من أهم المصادر خاصة أنه (مكاشفات نقدية في إشكاليات محمد حسنين هيكل) كما يقول العنوان الفرعي للكتاب. هذا الكتاب ليس من السهل تلخيصه فلا بد من قراءته، وهو إن بدأت فيه لن تتركه إلا عند الانتهاء من صفحاته الستمائة وخمسة وعشرين صفحة. ومما يؤيد انتقائية هيكل المصلحية ما قاله المؤلف في صفحة 225 من الكتاب: (لقد تأكد لنا بما لا يقبل مجالا للشك أن هيكل ينقل ما يطيب له أن ينقل، بل ويضيف في تسجيلاته ما يحلو له أن يضيف !! وأنه يتغاضى عن ذكر ما لا يرد ذكره وقوله. وإذا كان قد ساق في مقالته عن شخصية الملك حسين (وجهات نظر، 3 / 13 ) بعض ما يطيب له من الاتهامات معتمدا على كتاب رولاند دالاس Alife on the Edge
ومسجلا ما يحلو له مع تلاعبه بالنصوص ومتغافلا عن نصوص أخرى متعمدا). وفي الصفحة 396 يقول الدكتور سيار الجميل ما يبدو وكأنه رأي نهائي له بعد كل هذه الدراسات والتحليلات لكتابات هيكل: quot; لقد بدا هيكل أمامي وأنا أفكك نصوصه وأعالج أفكاره وأتتبع مواقفه في صورة رجل تهمه نفسه جدا وقبل أي شخص آخر...وإذا كان القدر قد أتى بغير عبد الناصر إلى السلطة، فسيكون معه أيضا، فهو لا تهمه لا الناصرية ولا القومية ولا الليبرالية ولا الاشتراكية...إلخ. إن ما يهمه فقط هو هيكل فقط لا غير quot;.
ويبقى محمد حسنين هيكل شخصية مهمة،
والنقد السابق لطريقته الانتقائية وتوظيفه للنصوص والارتباطات بما يوافق شخصيته ومصالحه، لا يعني تقليلا من أهمية الرجل، ولكن لا أحد فوق النقد، أو كما قال الدكتور سيار الجميل في كتابه المذكور ص 400 بعد أن يؤكد أنه يحترم هيكل وليس خصما له: quot; ولكنني كنت مناقشا له ومجادلا لمعلوماته وأفكاره. فلست خصما للرجل، بل خصم للنص الذي كتبه والخطاب الذي أنتجه. ومع إعجابي بأسلوبه الأدبي والصحافي، لكنني أقف ضد طريقته بتوظيفه للوقائع والمواقف، وعملية اللف والدوران حولها...فالمستقبل وحده سيكشف نوعية بضاعة محمد حسنين هيكل على امتداد حياته السياسية والفكرية في خمسين سنة من القرن العشرين quot;. وأضيف: وعشر سنوات حتى اليوم من القرن الحادي والعشرين!!.
الحلقة الثانية: ماذا يقدم هشام خضر في كتابه: عبد الناصر وعلاقاته الخفية بالموساد والمخابرات الأمريكية. وهو كتاب صدر في القاهرة أيضا عام 2004.