الغارة التي نفذتها مروحيات أمريكية مساء الأحد السادس والعشرين من أكتوبر 2008 في قرية السكرية غرب البوكمال داخل الأراضي السورية المحاذية للحدود مع العراق، وأسفرت عن مقتل ثمانية أفراد، يقول الأمريكيون والعراقيون أنهم إرهابيون ويدّعي السوريون أنهم مواطنون أبرياء، هذه الغارة كشفت جوانب عديدة ذات صلة بموضوعها:
الأول: هو اتفاق الجانبين الأمريكي والعراقي الرسمي على أن الحدود السورية ما زالت مفتوحة بعلم النظام السوري لتصدير الإرهاب والإرهابيين لداخل العراق، كما أكّد علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية quot; أن هذه المنطقة كانت مسرحا لنشاط تنظيمات إرهابية معادية للعراق تنطلق من سوريا، كان آخرها مجموعة إرهابية قتلت 13 منتسبا لوزارة الداخلية العراقية في قرية حدودية quot;، وأضاف: quot; طلب العراق من السلطات السورية تسليم المجموعة التي تتخذ من سوريا مقرا لنشاطاتها الإرهابية quot;، هذا وكالعادة لا تستجيب السلطات السورية لهذه المطالب. وأيضا قال مسؤول عسكري أمريكي من واشنطن، أن العملية quot; استهدفت عناصر في شبكة لوجستية للمقاتلين الأجانب quot;، معتبرا quot; أن تراخي سورية دفع واشنطن لتقرر أن نتولى الأمر بأنفسنا quot;. وأضاف quot; أن عملية الإنزال شنتها قوات أمريكية خاصة ضد عناصر في شبكة لتهريب المقاتلين من شمال أفريقيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط إلى سورية quot; وذلك حسبما نقلت جريدة السفير اللبنانية يوم الاثنين السابع والعشرين من أكتوبر 2008. وتؤكد مصادر معلوماتية أن تحديد المسؤول العسكري الأمريكي هوية هؤلاء الإرهابيين بأنهم من شمال أفريقيا، يعني حصول الجهات الأمريكية على معلومات دقيقة من حكومات في شمال أفريقا ومن داخل سوريا ليس مستبعدا أن تكون من عناصر سورية متعاونة مع الجانبين العراقي والأمريكي. والدليل على ذلك هو سلسلة الاغتيالات التي طالت في السنتين الأخيرتين قيادات كبيرة في المخابرات السورية بدأت بالعميد غازي كنعان وزير الداخلية بعد أن تأكد أنه أعدّ ملفات خطيرة خاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بقصد تسليمها لمحكمة العدل الدولية، ثم اغتيال العميد محمد سليمان في آب 2008 في اللاذقية ، وقد كشف الدكتور البرادعي رئيس هيئة الطاقة النووية بشكل غير مباشر سبب اغتياله عندما صرذح بأن الهيئة فقدت باغتياله من كان يزودها بأسرار هذا الملف. وفي سبتمبر 2008 افتعل النظام تفجيرا قرب مركز أمني على طريق المطار قتل فيه ما لا يقل عن عشرين شخصا، تأكد أن المستهدف كان ضابطا أمنيا كبيرا قتل هو وأبنه، وادعى النظام أنه تفجير من عمل جماعات إرهابية. ومن المؤكد أنه لا مصلحة للنظام السوري في استقرار العراق وتأسيس نظام ديمقراطي، لأن هذا سيكشف حجم قمعه للمواطن السوري وحجم الفساد من خلال سيطرة عائلة الرئيس وحاشيته على كافة مقدرات البلاد.
الثاني: هو استمرار النظام السوري في ترويج سلعته الوحيدة منذ عام 1967 وهي quot; نحتفظ بحقنا في الرد في الزمان والمكان المناسبين quot;. والمتتبع الموضوعي للشأن السوري يعرف أن هذا النظام تخصص في بيع الخطابات والأكاذيب والشتائم لمن يعارضه ويفضح ادعاءاته، لأنه على ضوء ذلك يستطيع حتى مؤيدو هذا النظام أن يكتشفوا من هم (أشباه الرجال)؟. هل هم الذين يقولون الحقيقة على ضوء مجريات الواقع وموازين القوى أم أصحاب (نحتفظ بحقنا في الرد). وليتخيل خاصة مؤيدو النظام كم من قرون يحتاج هذا النظام للوصول للزمان والمكان المناسبين؟ خاصة أن العمليات الإسرائيلية طالت حتى التحليق فوق القصر الجمهوري ومواقع عسكرية في العمق السوري. ولكن يجب أن لا نكون متجنين على النظام ونتذكر أن الزمان والمكان المناسبين كانا دوما في الجنوب اللبناني، أي فلتحترق لبنان ومن فيها ولكن الصمت والسكوت والنعومة سمة الحدود السورية، وهذه كانت تعليمات ما كان يسمى في المخابرات السورية (مكتب الضابطة الفدائية) المتخصص في ملاحقة شؤون التنظيمات الفلسطينية، فقد كانت تعليماته في زمن العميد عبد الرحمن قاسمو وما زالت واضحة وضوح من هم أشباه الرجال: (سنقطع يد كل من يطلق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، ومن يريد ذلك فعليه أن يتوجه لجنوب لبنان، ونحن نسهل وصوله إلى هناك). وبالفعل استحدثت المخابرات السورية (نمرة صفراء) خاصة بسيارات المنظمات الفلسطينية، تسمح بعدم وقوف هذه السيارات ومن وما فيها على أية نقاط تفتيش سورية أو لبنانية في زمن سيطرة المخابرات السورية على لبنان،فاستغلها مناضلو التنظيمات الفلسطينية لتوصيل السلاح والقذائف التي استخدموها ضد شعبهم في حربي المخيمات وحصار وقصف طرابلس لإخراج ياسر عرفات منها، وعند العودة تهريب السجاير والكحول والأجهزة الكهربائية. لذلك صاغ اللبنانيون الشعار الذي يعبر عن سلوك النظام السوري قائلين: (إن لدى النظام السوري قرار استراتيجي لقتال إسرائيل حتى آخر مواطن لبناني). ودليل آخر أن هذا النظام لا يتجرأ حتى على حشد عسكري شكلي على الحدود مع إسرائيل، أما على الحدود الشمالية مع لبنان فيحشد ما يزيد على خمسين ألف جندي ومئات الدبابات والمعدات العسكرية، ليقول للشعب اللبناني ربما يأتي الزمان الذي نعود فيه لاحتلال لبنان الذي طردتمونا منه في أبريل 2005.
ردود الزمان والمكان المناسبين
وكي نقول الحقيقة كاملة فردود النظام السوري على الغارة الأمريكية لم تتأخر، فقد قرّر مجلس الوزراء السوري يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من أكتوبر 2008 (إغلاق المركز الثقافي الأمريكي والمدرسة الأمريكية في دمشق، وذلك احتجاجا على الغارة التي نفذها الجيش الأمريكي داخل الحدود السورية، وطلب من وزيري التربية والثقافة اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ بالتنسيق مع الجهات المعنية). وهذا الإجراء سوف يرضي المصفقين والمطبلين لنظام الممانعة (أشباه الرجال)، لأنهم سوف يتخيلون في أحلامهم أنّ المتضرر من هذا الإغلاق هو الشعب الأمريكي، قافزين عمدا عن أنّ هذه المدرسة الأمريكية غالبية الدارسين فيها هم من الطلاب السوريين، وكذلك المركز الثقافي الأمريكي فالمستفيد الوحيد من نشاطاته ودوراته المتعددة هو المواطن السوري، بدليل أنّ هذا المعهد والمدرسة مفتوحان في عاصمة الممانعة منذ ما يزيد على أربعين سنّة برضا النظام ومعرفته، والجميع يعرفون أن غالبية الطلاب السوريين الذين يدرسون في المدرسة الأمريكية هم أبناء وزراء النظام وضباط مخابراته ورجال أعماله، بدليل أنه في كل محطات التوتر الأمريكي السوري، لم يلجأ النظام السوري لهذا الإغلاق إلا هذه المرة، لأنه لم يجد ما يمكن عمله في الزمان والمكان المناسبين إلا هذين الصرحين الثقافيين. ولو كان المعهد والمدرسة يشكلان خطرا أمنيا على النظام لما سمح لهما بالعمل طوال الأربعين عاما الماضية.
توقعات في المكان المناسب
أصبح واضحا لغالبية المحايدين والموضوعيين من العرب والسوريين أن هذا النظام لا يستمد ديمومته إلا من التغريد خارج السرب العربي، لأن امتثاله للمصلحة العربية العامة لا تسمح له بتوتير العلاقات مع أكثر من نظام عربي، ولا المماطلة في ترسيم الحدود مع لبنان، ولا الارتماء في أحضان نظام الملالي الإيرانيين المحتلين لأراض عربية تزيد مساحتها عن الجولان السوري المحتل. ونتيجة لهذا السلوك الدائم المستمر للنظام يتوقع مراقبون مطلعون أنه للفت أنظار السوريين والعرب عن سلوكه هذا، سوف يعمد إلى فتح ملفات وجبهات أهمها:
أولا: فتح ملف العراقيين المقيمين في سورية وتفعيل الإجراءات والضوابط التي وضعها النظام قبل شهور التي من شأنها تصعيب استمرار إقامة غالبية العراقيين، كي يقول لهم بطريق غير مباشر أن السبب في ذلك هو رضا حكومتكم العراقية عن الغارة الأمريكية.
ثانيا: إعادة التوتير المسلح للجبهة الشمالية في لبنان (طرابلس) من خلال العديد من خلاياه الإرهابية النائمة هناك في انتظار أوامر الزمان والمكان المناسبين، وبدعم مع جيش النظام الذي تمّ حشده على الحدود مع طرابلس اللبنانية.
ثالثا: محاولة فتح جبهة المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان من خلال عملائه في تنظيمات فلسطينية مثل الجبهة الشعبية ndash; القيادة العامة، والمنشق السابق عن فتح أبو خالد العملة بعد أن أطلق سراحه من السجون السورية قبل أسابيع قليلة، ليعلن انشقاقا جديدا عن شريكه في انشقاق عام 1983 المدعو أبو موسى، معطيا انشقاقه الجديد اسما ثوريا (المنبر الوطني الديمقراطي)، بعد أن تبادل مع شريكه أبو موسى اتهامات خاصة باختلاسات مالية بملايين الدولارات. وما سوف يساعد عملاء النظام السوري في استغلال وتسخين هذا الملف الخلافات العلنية بين قيادات تنظيم حركة فتح المسيطر على مخيم عين الحلوة، بعد إقالة عباس زكي مسؤول تنظيم فتح في لبنان لسلطان أبو العينين مسؤول فتح في جنوب لبنان.
على الهامش..ماذا حدث ليلة الثلاثاء؟
ما استرعى انتباه المراقبين أنه يوم ألاثنين السابع والعشرين من أكتوبر تم قطع كافة الاتصالات الدولية والانترنت من وإلى عموم القطر السوري...فما هو السبب؟ وماذا حدث؟ في اليوم التالي صرّح وزير الاتصالات السوري quot; أنّ لصوصا أضرموا النار في إحدى غرف التفتيش في منطقة عدرا القريبة من دمشق مما أدى لانقطاع سوريا عن العالم quot;. مهندس سوري عمل سابقا في شبكة الكهرباء السورية لمدة تزيد عن عشرين عاما رفض الإفصاح عن اسمه قال: هذا كذب فلا توجد أية غرفة تفتيش أو نقطة تحويل كهربائي تربط كل القطر السوري معا، مما يعني أنه من المستحيل أن تخريب غرفة واحدة في أية مدينة سورية، ينجم عنه قطع الكهرباء والاتصالات الدولية عن عموم القطر السوري. إذن هناك مصلحة أو هدف للنظام استدعى قطع الاتصالات الدولية والانترنت تلك الليلة.
قرار ممانع في اللحظة الأخيرة
وكي لا يتهمنا البعض بالتغاضي عن بعض قرارات نظام الممانعة، نذكر أن وزير الخارجية الممانع المقاوم وليد المعلم قد أعلن قبل لحظات من إنهاء هذه المقالة: (نتعهد بالدفاع عن أراضينا إذا تكرر الاعتداء علينا).
[email protected]
نداء للرفاق والإخوان المدافعين عن نظام الممانعة والصمود:
نرحب بممارستكم حقكم في الدفاع عن نظامكم الحبيب، ونرجوكم أن يكون دفاعكم مبنيا على حقائق ومعلومات تنقض الحقائق والمعلومات التي أوردناها، لأن شتائمكم واتهاماتكم لن تخدم نظامكم الممانع بل ستعطي دليلا جديدا على ملفات القمع التي يمارسها بحق المواطن السوري، وهي ستذكرني بالمثل العربي (خذوهم بالصوت العالي قبل أن يغلبوكم) و(الشتائم حجة الضعيف في الدفاع عن حقه).