يكاد المرء أن لا يصدق وهو يسمع ويرى ما يحدث في باكستان طوال السنوات الأربع الماضية، تحديدا عقب سقوط نظام طالبان في الجارة أفغانستان، لأن ما يحدث فوق نطاق كافة التصورات والتفسيرات من حيث دمويته وهمجيته خاصة أن هذا القتل اليومي يتم من قبل جماعات تطلق على نفسها أسماء ذات مشتقات أو دلالات إسلامية، كنفس الجماعات الإرهابية التي ترتكب هذا القتل في مصر والجزائر والمغرب والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وغيرها، وغالبا ما توحي هذه الجماعات بأنها من مشتقات إرهابيي القاعدة الذين كانت أكثر أعمالهم همجية ما أطلقوا عليه غزوة نيويورك التي شهدت جريمة بشعة بكل المقاييس في الحادي عشر من سبتمبر 2001. باكستان التي يعني اسمها في اللغة الأوردية quot; الأرض النقيةquot; أو quot; الأرض الطاهرة quot;، هذه الأرض التي أراد مؤسسوها عام 1947 أن تكون طاهرة ونقية يمكن أن نتخيل همجية ما تعيش اليوم حيث القتل اليومي بشكل لا مثيل له سوى ما يجري في العراق. المفارقة التي تستدعي الدراسة والتأمل هي الفارق في مفاهيم وتطبيقات المسلمين في باكستان (170 مليون) والمسلمين في الهند (140 مليون)، خاصة أن دولة باكستان خلقها الإنجليز بالموافقة على انفصالها عن الهند في الرابع عشر من أغسطس عام 1947، لتكون دولة للمسلمين وتبقى الهند دولة للهندوس. وقد رافق هذه الولادة العسرة لدولة إسلامية مشكلة إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة،وهو ما زال منذ عام 1947 بؤرة توتر واقتتال بين الهند ووليدتها باكستان، حيث تريد كل دولة السيطرة على الإقليم وبسببه قامت حروب متعددة بين الدولتين. وفي الوقت ذاته كانت الولادة العسرة لدولة باكستان تحمل مشاكلها الداخلية بين مسلميها أنفسهم فيما كان يعرف بباكستان الغربية وباكستان الشرقية التي أعلنت انفصالها في خضم الحرب الباكستانية الهندية عام 1971، وشكلت منذ ذلك التاريخ ما عرف بدولة بنغلادش (85) مليون نسمة.
مسلم عن مسلم بيفرق!
لماذا يميل المسلمون الذين انفصلوا باسم دولة quot;باكستانquot; إلى هذا العنف والقتل الدموي البشع، بينما ينعم المسلمون الذين بقوا مواطنين مسلمين سالمين في دولة quot; الهندquot; إلى الهدوء والتسامح، بحيث أنه من النادر أن تشهد أوساطهم عمليات عنف؟. هل كان مؤسس باكستان محمد علي جناح يعي ذلك عندما ظلّ فترة طويلة يرفض بشدة انفصال المسلمين عن الهند في دولة مستقلة بدليل انضمامه عام 1905 لحزب المؤتمر الوطني الهندي، وعبّر عن قناعته تلك بذلك الغضب العارم عام 1906 عند إعلان تقسيم إقليم البنغال إلى منطقة إسلامية ومنطقة هندوسية، واعتبر ذلك مقدمة لتقسيم الهند، ولم يغير محمد علي جناح قناعته تلك إلا بعد تطورات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي أدت لفرض التقسيم برغبة بريطانية، ورغم ذلك رفض محمد علي جناح رغبة أعضاء الرابطة الإسلامية بانتخابه رئيسا لباكستان حديثة الولادة مدى الحياة، وأصرّ على انتخاب الرئيس كل عام....إذن هل مشكلة باكستان الدموية الحالية تعود لفقدان الديمقراطية وبرامج التعليم الحضارية؟ أعتقد أن هذا هو السبب بدليل أن جارتها الهند (مليار وعشرة ملايين نسمة بينهم مئة وخمسون مليون مسلم) تعتبر بكافة المقاييس العالمية أكبر ديمقراطية في العالم، حيث يتم تداول السلطة ديمقراطيا بشكل يذهل العالم الأوربي والأمريكي، بينما الجارة المسلمة الوليدة من رحم هذه الديمقراطية الكبرى تشهد منذ بداية انفصالها انقلابا عسكريا بعد انقلاب، بحيث شكلت مع موريتانيا أكبر نسبة في الانقلابات في حين تراجعت ظاهرة الانقلابات في الأقطار العربية التي كان آخرها انقلاب عمر البشير في السودان عام 1989، رغم بروز ظاهرة التوريث السياسية التي بدأها حافظ الأسد بتوريث ابنه بشار بعد وفاته عام 2000، وسير البقية الباقية في مصر واليمن وجماهيرية القذافي على خطاه، حيث أن أولادهم قادمين رؤساء، وهذا رغم عدم ديمقراطيته أرحم بكثير من الانقلابات العسكرية التي عانى منها باكستان أيضا، وتشكل سببا أساسيا للصراع على السلطة الذي يؤدي لهذا الموت المستمر باسم الإسلام في أغلب الحالات.
تماما مثل المسلسل الدموي الذي عاشته أفغانستان، ويمكن إعادته لعام 1975 عندما بدأ مسلسل الانقلابات والموت الذي قاده الجنرال محمد داود ضد ابن عمه ملك أفغانستان آنذاك ظاهر شاه، ومن بعده بدأ هذا المسلسل الانقلابي بما يحمله من استبداد وديكتاتورية وقتل يومي، فانقلب محمد طرقي على محمد داود، ثم انقلب حفيظ الله أمين على محمد طرقي، ثم انقلاب بابراك كارمال على حفيظ الله أمين، وعبر هذه الانقلابات كانت تتم مغازلة التيارات الإسلامية الرجعية التي كبرت وتغلغلت في أوساط المجتمع الأفغاني لتنتج عام 1994 حركة طالبان بدعم من المخابرات العسكرية الباكستانية. ومسلسل الانقلابات الدموية يحمل دوما المفاجآت التي أهمها أن قائد الانقلاب غالبا ما يشرب من سم الكأس الذي سقى سابقه منه، فبنظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وزعيمة حزب الشعب التي تمّ اغتيالها يوم الخميس السابع والعشرين من ديسمبر 2007، هي ابنة ذو الفقار علي بوتو الذي حكم باكستان من عام 1973 حتى عام 1977 إلى أن أطاح به انقلاب الجنرال ضياء الحق الذي أودعه السجن حتى عام 1979 إلى أن تمّ إعدامه بعد محاكمة مثيرة للجدل في أبريل 1979، وفي السابع عشر من أغسطس 1988 يلقى ضياء الحق مصرعه في حادث تفجير طائرته ومعه العديد من ضباط الجيش الباكستاني. وفي أكتوبر 1999 ينقلب الجنرال برويز مشرف على حكومة نواز شريف، ويحكم البلاد بالحديد والنار حتى استقالته تحت ضغط المعارضة في الثامن عشر من أغسطس 2008، وخلال كل هذه المحطات الانقلابية تتدهور باكستان من سيء إلى أسوأ خاصة في مجال الفساد حيث تعتبر في قائمة الدول التي يستشري فيها الفساد بشكل مذهل، ونسبة الأمية التي تزيد على ستين بالمئة أي أنها تفوقت في هذه النسبة على متوسطها في الأقطار العربية،ونمو التيارات ذات العلاقة مع طالبان الأفغانية لتستنسخ منها نسختها الباكستانية التي تشيع القتل والدم والخراب اليومي في أرجاء باكستان منذ سنوات وحتى اليوم.
أية أخلاق هذه؟ أي إسلام هذا؟
كان تفجير فندق الماريوت بمدينة إسلام آباد يوم السبت العشرين من سبتمبر 2008 من أكبر الجرائم التي نسبت لحركة طالبان وحليفتها القاعدة، حيث سقط أكثر من ستين قتيلا ومئتين وخمسين جريحا، وهو الأسوأ في مسلسل الإرهاب الذي يسود باكستان الأرض النقية أو الطاهرة اسما فقط، فمن يصدق أن هذا الإرهاب يحدث في شهر رمضان وجموع من البشر من مختلف الديانات والجنسيات في ساعة الإفطار الرمضاني حيث يستعد المسلمون منهم لتناول طعام الإفطار، فإذا مجرمو طالبان والقاعدة تناولهم الموت والقتل والدم غير آبهين بحرمة شهر الصوم وما سيخلفه قتلهم من أطفال يتامى وعائلات ملوعة بالفقدان و حياة تعيسة بائسة. وتزايد هذه الإرهاب الدموي ينذر باقتراب باكستان من صورة ما يجري في أفغانستان على يد فلول المجرمين من بقايا طالبان الذين يسعون لإعادة أفغانستان إلى عهدهم الظلامي المتخلف، ووضع باكستان خطير للغاية لأن الشعب الباكستاني يواجه طالبان الباكستانية وطالبان الأفغانية وفلول القاعدة من خلال تسميات جديدة كما أعلن quot; فدائيو الإسلامquot; مسؤوليتهم عن تفجير الفندق، وبالتالي يطرح السؤال: أي إسلام هذا؟ أية أخلاق هذه؟.
وليس بعيدا أن تتزايد هجمات هؤلاء الإرهابيين بسبب الخلاف العلني بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الباكستانية حول سبل مواجهة هذا الإرهاب،مما حدا بالولايات المتحدة لاتخاذ قرارها المنفرد بتوسيع هجماتها ضد إرهاب القاعدة وطالبان داخل الأراضي الباكستانية، وهو ما أحدث توترا بين الدولتين، في حين يرى كاتب عربي هو الدكتور أحمد عبد الملك في جريدة الاتحاد الإماراتية يوم الثامن من أكتوبر 2008 أنه لتفادي أفغنة باكستان quot; نعتقد أن أول الحلول كي لا تدخل باكستان دوامة العنف هو أن تصلّح باكستان علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي تقوم بدور مؤثر مع حلفائها في الأطلسي من أجل محاربة عناصر الإرهاب، وهذا لن يتأتى بتبادل الاتهامات بين الطرفين الباكستاني والأمريكي، بل ينبغي أن يبدأ الرئيس الباكستاني عهده بإرساء نظام أمني جديد يقوم أساسا على التعاون مع الجهود الدولية من أجل مواجهة عدو مشترك واحد quot;، والبديل كما يراه الدكتور أحمد عبد الملك هو أنّ باكستان quot; ستدخل في دوامة أحداث دموية مع عناصر طالبان الباكستانية وطالبان الأفغانية وكذلك عناصر القاعدة، ولعل هذا الثالوث الإجرامي سيمهد لإقامة دولة إسلاموية غير ديمقراطية في باكستان تتحالف مع الأفغان المتشددين وتحظى بدعمهم. وهذا قد يمهد الأرضية الملائمة لنقل العنف - لنقل العنف الذي تؤمن به تلك الطوائف الطالبانية ndash; من أجل تصدير ثورة جديدة على غرار ثورة الخميني في أواخر السبعينات، وهنا لن تنجو أية دولة من الدول التي تتحالف مع الولايات المتحدة من أعمال عنف وتفجيراتquot;.
جماعات لا تؤمن إلا بالقتل والدم
هذه الجماعات مختلفة الأسماء الطالبانية والقاعدية لا تؤمن إلا بالقتل وسفك دماء الأبرياء دون غيرهم، ويكفي التذكير ببعض جرائمهم غير الإنسانية لنسأل: ما هدف هذا القتل سوى إقامة مجتمعات لا ديمقراطية ولا إنسانية يسودها منهجهم الظلامي المتخلف كما عرفت أفغانستان في سنوات حكم المجرمين الطالبانيين، حيث تمّ فرض إطالة اللحية على الشباب، وفرض الشادور على النساء، ومنع الموسيقى والأغاني والمسارح، وحظر البث التلفزيوني بكافة أشكاله، وهدم التماثيل، وفي الوقت ذاته الاستمرار في زراعة الحشيش وتصنيعه وتصديره بحجة تدمير شباب الغرب الكافر!!!. والدليل على هذا الإجرام الدموي المتستر باسم الدين الإسلامي هو التذكير ببعض هذه الجرائم التي يرفضها أي منطق إنساني أو حيواني وأغلب ضحاياها من مواطنيهم الأبرياء الذين لا دخل لهم بلعبة السياسة والانقلابات:
تفجيرات طابا المصرية
وهي التي طالت صباح الثامن من أكتوبر 2004 عدة مناطق سياحية منها فندق هيلتون طابا، ومنتجعين سياحيين في رأس السلطان في نويبع و جزر القمر المصرية، و سقط فيها أكثر من أربعين من المصريين والسائحين الأجانب، وأعلنت مجموعتان مسؤوليتها عن هذه الجرائم هما quot; المنظمة الإسلامية العالميةquot; وquot; جماعة التوحيد والجهاد المصريquot;....تخيلوا كم من الجرائم ترتكب باسم الإسلام!!.
تفجيرات فنادق الأردن عام 2005
هذه التفجيرات التي ارتكبها المجرم المقبور أبو مصعب الزرقاوي وقاعدته الإرهابية في التاسع من نوفمبر 2005، واستهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان، وتعمد الإرهابيون حفل زفاف لشاب وفتاة أردنية في فندق الراديسون مما نجم عنه مقتل ما يزيد على ستين مدعوا وجرح قرابة 120 آخرين. من يتصور حجم هذه الجريمة التي تقول لنا علنا : أي إرهاب وقتل وحزن سيجلبه هؤلاء المجرمون إن تسلموا زمام الحكم في أية دولة.
تفجيرات شرم الشيخ 2005
وقد استهدفت عدة فنادق ومنشآت سياحية في منطقة شرم الشيخ المصرية أحد أهم مقومات السياحة والاقتصاد المصري، وقد تعمد الإرهابيون ممن أطلقوا على أنفسهم quot; كتائب عبد الوهاب عزام التابعة للقاعدةquot; أن يقوموا بجريمتهم البشعة صباح الثالث والعشرين من يوليو 2005 وهو اليوم الذي يصادف العيد الوطني لمصر، ليحصدوا أرواح 88 وجرح ما يزيد على 200 شخصا أغلبهم من المصريين العاملين في المنطقة. وكانت أقوى إدانة لهذا العمل الإرهابي من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو الذي وصفه ب quot; جريمة بشعة لا تستحق سوى الازدراء من الجميعquot;.
تفجيرات جزيرة ذهب المصرية
وهي التي استهدفت أيضا منشآت سياحية في جزيرة ذهب السياحية في الرابع والعشرين عام 2006 على شاطىء البحر الأحمر شرق مصر، وسقط فيها أكثر من 40 وجرح حوالي 160 أغلبهم من المصريين أيضا، وأعلنت مسؤوليتها جماعات بتسميات إسلامية مرتبطة بالأم الإرهابية القاعدة.
تفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتانزانيا
وذلك في التاسع من أغسطس 1998، حيث سقط أكثر من 224 شخصا أغلبهم من المواطنين الكينيين والتانزانيين، وأعلنت قاعدة المجرم أسامة بن لادن مسؤوليتها عن هذه الجريمة البشعة.
وماذا بعد في باكستان وأفغانستان؟
استنادا إلى هذا الإرهاب المنظم في باكستان وجارتها أفغانستان، تصبح محاربة هذا الإرهاب والاستعداد لمواجهته مسؤولية باكستانية أفغانية دولية، لأن نجاحه في السيطرة على هذين البلدين يعني تمدد هذا الإرهاب وقواه الرجعية إلى أقطار مجاورة وسط سيادة الثقافة والتربية الرجعيتين مما يعيد المنطقة لحكم الإرهابيين الطالبانيين. لذلك فإن القول أن سبب ذلك هو وجود قوات التحالف الدولي لا يرصد الواقع الحقيقي، لأن انسحاب قوات التحالف سيعني السيطرة السريعة لطالبان أفغانستان وطالبان باكستان على زمام الأمور، وهذه كارثة كبيرة كما قال الدكتور أحمد عبد الملك. إن الواقع لا يسمح إلا بواحد من خيارين: التكاتف العربي والإسلامي والدولي لمواجهة هذا الإرهاب المتستر باسم الإسلام وهزيمته أو السماح بسيطرته وإعادة المنطقة لفكر وثقافة وتربية وسلوك أقذر ظلاما وممارسة مما كان سائدا في العصور الظلامية الوسطى.
[email protected]
[email protected]
التعليقات