تتعرض كافة الأديان والنظريات في العالم إلى إساءات من الذين يؤمنون بها ويعتقدون بصوابها، وربما في هذا المجال كانت النظرية الماركسية وتطبيقاتها الميدانية من أكثر النظريات التي تعرضت للنقد والمناقشة في داخل معسكر المؤمنين بها خاصة أثناء ما أطلق عليه الحرب الباردة التي انتهت في مطلع تسعينات القرن الماضي بانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي، مما عنى إفلاس النظرية الماركسية وعدم إمكانية تطبيقها تطبيقا عادلا في ظل أنظمة سوفيتية عرفت بالقمع والاستبداد ومصادرة أبسط الحريات،وكانت هذه الأنظمة قد شهدت انتفاضات مهمة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي خاصة ما عرفت باسم ربيع براغ عام 1968 الذي قاده الزعيم التشيكي ألكسندر دوبتشيك رافعا شعار (اشتراكية ذات وجه إنساني) مقابل اشتراكية القمع والظلم والفقر، فدخلت الدبابات الروسية باسم الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو لتقمع تلك الانتفاضة بدموية وتعيد احتلال كامل تشيكوسلوفاكيا. هذه الإساءات للنظرية الماركسية الاشتراكية جاءت من أبنائها وقادة تطبيقها الذين حولوها لمستنقع لا مثيل له، أدى لانهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال كافة الدول التي كانت تشكل منظومته، وهي في الواقع كانت ملحقة إجباريا بروسيا الدولة الكبرى في المنظومة التي شهدت ميلاد النظرية الماركسية التي انهارت بلا رجعة، رغم تغني بعض متقاعدي الماركسيين العرب بهذه النظرية وكأنها ما زالت تحكم العالم كله. ومن مساخر الضحك الذي يشبه البكاء أنه عند انطلاق المقاومة الفلسطينية رفع بعض الماركسيين الفلسطينيين والأردنيين شعارات مثل (فلتعلن مجالس السوفييت في كل حارة وشارع)، وملأوا بها شوارع العاصمة الأردنية عمّان، ونشكر الله والمرحوم الملك حسين الذي قضى على أصحاب هذه المجالس وطردهم مهزومين خارج الأردن، وإذا بهم بعد سنوات يتوسلون النظام الأردني للسماح بعودتهم كزائرين لوطنهم وأهلهم، وكان لهم ذلك بدون مجالس سوفييت مما يعني اعترافهم بمراهقتهم الفكرية والسلوكية آنذاك، بدليل انهيار النظرية في عقر دارها فما بالك بمن أراد استيرادها لمجتمعات غريبة عنها في كافة النواحي.
وما دخل الإسلام بهذا السياق؟
السياق هو أننا نفهم أن تتعرض نظريات من وضع البشر للإساءة والتنفير من واضعيها والمنظرين لها، أمّا أن يتعرض دين سماوي مثل الإسلام العظيم للإساءة له والتنفير منه ممن يدّعون نصرته والتبشير به فهو المستغرب لدرجة الصدمة. ولماذا الصدمة إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم استشعر ذلك في زمانه وقال في أكثر من مناسبة لصحابته: (بشروا ولا تنفروا)، (إنّ منكم لمنفرين)، و(يسرا ولا تعسرا، بشرا ولا تنفرا) والأخيرة قالها لمعاذ وأبا موسى عندما أرسلهم إلى اليمن. فإذا كان هذا التحذير وارد لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمنفري اليوم أمثال أسامة بن لادن والظواهري في كهوف تورا بورا وأبو حمزة المصري في لندن والمقبور الزرقاوي والجاهل الأمي أبو أيوب المصري في العراق.
أبو أيوب المصري أكثرهم تنفيرا!!
هذا الرجل الذي كان نكرة في موطنه مصر لم يفلح في أية دراسة حاولها من كلية الصيدلة إلى كلية التجارة، ونتيجة فشله الذريع في حياته الشخصية وجد أن المخرج هو الالتحاق بمن يطلقون على أنفسهم زورا صفة (المجاهدين) فتنقل من باكستان إلى أندونيسيا إلى أفغانستان ليستقر في العراق خليفة للمجرم المقبور الزرقاوي ويحمل لقب (زعيم تنظيم القاعدة في العراق). والمثير للدهشة والنفور هو تهالك هؤلاء القتلة على أضواء الفضائيات وكل ما يهمهم هو الظهور مهما كانت نسبة تنفيره خاصة أن أي ظهور لهم يغلفونه بخلفيات إسلامية الإسلام منها براء، مثل شريط الفيديو الذي تم بثه في الأول من أكتوبر لعام 2006، يظهر فيه وهو يدرب بعض الإرهابيين على طرق تفخيخ السيارات بالمتفجرات، والكل يدرك حجم ألاف الضحايا الذين سقطوا في العراق تحديدا من جراء هذه السيارات المفخخة التي كانوا يفجرونها وسط الأبرياء من رواد المساجد والحسينيات والأسواق الشعبية...فأي إسلام يقبل هذا ويبرره؟. وفي شريط آخر تم بثه في أغسطس من عام 2004، ظهر فيه المجرم أبو أيوب المصري وهو يقتل رهينة تركي مسلم، وكان خلفه مع القتلة الآخرين يافطة مكتوب عليها (لا إله إلا الله)، فهل تعاليم الله ورسوله تبيح هذا القتل الإجرامي، والرسول نفسه الذي أوصى بعدم قطع حتى الشجر أثناء الحروب فما بالك بقطع الأعناق أثناء السلم، وأعناق المسلمين مثل هذا التركي الذي يظهر في شريط الإرهابي أبو أيوب المصري.
فهل قتل المدنيين الأبرياء،
من تعاليم الإسلام الذي قال رسوله الكريم quot; من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق باب داره فهو آمن quot;؟. وأين هذه التعاليم السمحة من ألاف الضحايا العراقيين تحديدا من رواد المساجد أو الحسينيات أو المشاركين في مراسم عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينية عند الشيعة والسنّة؟. يقول بعض هؤلاء القتلة أنه يجوز قتل المدنيين الذين يعملون في خدمات مدنية عائدة لجيش الاحتلال الأمريكي، ويتناسون أنه لا أحد من علماء الأمة الإسلامية في فلسطين وخارجها أوصى بقتل الفلسطينيين الذين يعملون في داخل دولة إسرائيل، ونسبة منهم في بناء المستوطنات...فلماذا قتل هؤلاء المدنيين الفلسطينيين حرام وقتل أمثالهم من المدنيين في العراق حلال؟. إنه تناقض يعني جهل هؤلاء وانتقائيتهم التي تخدم مصالح شخصية لهم لا تحترم تعاليم الإسلام، رغم أنهم يعرفون حجم السمعة السيئة التي ألحقوها بالإسلام في الغرب والشرق وفي بلاد أبنائه ومعتنقيه، كالتفجيرات الهمجية التي تجري في باكستان وأفغانستان وتطال البشر والحجر والمدارس والمساجد والمستشفيات.
ولا نستغرب ذلك عندما نعرف
أن أغلب هؤلاء القتلة هم خريجو السجون في بلادهم كالمقبور الزرقاوي وأيمن الظواهري وأبو أيوب المصري اللذين أمضيا في السجون المصرية من عام 1981 إلى عام 1984، وتعتقد الجهات الأمنية المصرية أن المدعو أبو أيوب المصري قد شارك في أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر وخاصة منطقة سيناء بين عامي 2004 و2006. فمن لم يرحم المدنيين الأبرياء من شعبه المصري، هل سيكون رحيما على الشعب العراقي؟.
إن القاعدة وكافة تنظيماتها ومسمياتها في كل أماكن تواجدها، من أكبر وأجرم المسيئين للإسلام والمسلمين، وهي وكافة أعضائها لا يتحركون إلا ضمن أجندة مصالح شخصية، لا تهتم بالإسلام وتعاليمه، وبالتالي فهم أوسخ من يسيء للإسلام والمسلمين، خاصة أن هذا أصبح تخصصهم في أي بلاد تواجدوا فيها، يمارسون جرائمهم زورا باسم الإسلام...وبالتالي فإن محاربتهم ليس مسؤولية الدول وحدها، بقدر ما هي مسؤولية كل فرد يهمه أمن وسلم بلاده وسمعة الإسلام والمسلمين. وأفضل من شخّص حالتهم هذه هو الدكتور حكمت بن بشير بن ياسين من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، عندما قال: (ومع هذا فإن بعض الناس لا يعرفون حقيقة هذا الدين يظنّ أنّ الإسلام لا يعرف العفو والصفح والسماحة، وإنما جاء بالعنف والتطرف والسماجة، لأنهم لم يتحروا الحقائق من مصادرها الأصلية، وإنما اكتفوا بسماع الشائعات والافتراءات من أرباب الإلحاد والإفساد الذين عبدوا الشهوات ونهجوا مسلك الشبهات بما لديهم من أنواع وسائل الإعلام المتطورة)....فهل نستغرب هذه الجرائم وهذا القتل المتواصل؟.
[email protected]