تناقشت مطولا مع أكثر من زميل من كتاب إيلاف حول مدى أهمية و ضرورة نشر تعليقات القراء على مقالات الكتاب سواء المنشورة في زاوية (كتاب إيلاف) أو (آراء)، وكان وما زال وسيظل رأيي في هذا الموضوع كالتالي: نعم لا بدّ أن تستمر إيلاف في نشر تعليقات القراء على كافة المقالات، لأن الكاتب لا يكتب لنفسه ولكن لجمهور من القراء يتفاعل معهم، وهو يعرف مسبقا أن ما يكتبه هو تعبير عن قناعاته وليس بالضرورة أن يوافق جميع القراء على هذا القناعات، فلكل فرد تفكيره ورؤاه الخاصة التي لها مؤيدوها ومعارضوها، ودائما أستشهد بما ذكرته في أكثر من مناسبة وهو أنّ القرآن الكريم المنزّل من عند الله تعالى، وجد من قوم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من يعارضه ولا يقبل به، ويعتبره كلام ساحر أو شاعر، فما بالك بكلام البشر وبأفكارهم؟. لذلك فإن تعليقات القراء مهمة وضرورية كي يعرف الكاتب والقراء طبيعة مواقف الآخرين من الأفكار التي يطرحها الكاتب أو القارىء عبر تعليقاته. ولديّ قناعة مفادها أنه إذا كانت كل تعليقات القراء على أية مقالة لي أو لغيري إيجابية بالكامل أو سلبية بالكامل، فهناك خلل ما، لأنه من المستحيل وجود فكرة عليها إجماع بالسلب أو الإيجاب، لذلك لم تعد التعليقات السلبية على مقالاتي تثير غضبي، بل أعتبرها ظاهرة ايجابية أن يقرأ القراء ويحكمون عقولهم رفضا أو موافقة، فلكل شخص رؤاه وقناعاته طالما يتعامل مع أفكار الآخرين بالمحبة والاحترام، و إلا لماذا قالت العرب في مأثورها: (الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس)، وفي القرآن الكريم (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وإذا كان من حق القراء،
أن يبدوا ملاحظاتهم وتعليقاتهم على كتابات أي كاتب، فمن الطبيعي أن يكون من حق الكاتب التعقيب على ملاحظات بعض القراء، وسوف أمارس هذا الحق بشكل عام وفيما يتعلق بمقالتي الأخيرة (ثلاثينية نظام الملالي: نموذج يستورد أم خطر يقاوم). ويمكنني تصنيف القراء من خلال تعليقاتهم إلى ثلاثة أنواع دون الإشارة لأسماء كل نوع كما وردت في تعليقاتهم لأن الإسم في هذا السياق ليس مهما إن كان حقيقيا أم مختلقا، فنحن بصدد مناقشة أفكار ومواقف أيا كان من صدرت عنه.
الأول: من لا يملك الحجة فيلجأ للاتهامات والشتائم
الملفت للنظر أن نسبة هذا النوع من أصحاب التعليقات تتزايد بشكل ملحوظ، فلا يعمد أصحابها لمناقشة أي فكرة من أفكار الكاتب الواردة في مقالته، وتقديم المعلومات التي تنقض هذه الأفكار لتقنع القارىء بهذا النقيض، بل يوجهون اتهامات وشتائم أبسطها العمالة والخيانة وبيع الضمير، وكالعادة بدون أي دليل أيضا. وهي ظاهرة لا تجدها إلا في الثقافة العربية والشرق أوسطية، وخلفيتها متجذرة في الثقافة الشعبية العربية التي أنتجت أمثالا منها: (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب)، و (خذوهم بالصوت العالي قبل أن يغلبوكم). وأعتبر هذا النوع من التعليقات يعبر عن ضعف حجة أصحابها بدليل أنهم لا يقدمون الدليل على خطأ الأفكار الواردة في المقالة مطلقا، وأستغرب تماما شيوع هذه الظاهرة ليس بين الأفراد فقط، ولكن بين التنظيمات والأحزاب والحكومات العربية أيضا. وكمثال فقط منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يناير 2007، قامت بإبعاد أو اعتقال غالبية كوادر وقيادات حركة فتح، وقامت حركة فتح في الضفة الغربية بنفس الأعمال، ثم بدأت موجة الاتهامات بالعمالة والخيانة والتجسس لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكثافة هذه الاتهامات وانتشارها ورقيا وفضائيا وإلكترونيا، يتخيل البعض أن غالبية الشعب الفلسطيني عملاء وخونة. وبصراحة أنا في غاية الدهشة من هذه الظاهرة العربية بامتياز، وليت مطلقو هذه الاتهامات يفكرون لحظة ويجيبون على سؤال: ما هو موقفهم إذا اتهمهم الطرف المقابل بالخيانة والعمالة والتجسس كما يتهمون غيرهم؟. لأن تعميم هذه الظاهرة من القراء نحو الكتاب ومن الكتاب نحو القراء يعني أننا جميعا أصبحنا عملاء وجواسيس وخونة، والفرق فقط في نوع العملة التي نقبضها: الدولار أم الشيكل أم الإسترليني أم التومن الإيراني.
ما رأي أصحاب هذه الاتهامات،
فيما طرحته من وجهات نظر عن النظام الإيراني وأعتبرها حقائق لا يمكن دحضها:
1. هل هو نظام ملالي بمعنى أنه يسيطر عليه ويديره (ولي الفقيه) كما يسمونه أم لا؟. وقد ذكرت معلومات مسندة لمصادر ومرجعيات إيرانية، أن ولي الفقيه (الخميني سابقا وخامئني حاليا ومن سيأتي بعده) يدير ويقرر كل شأن من الشؤون الإيرانية الداخلية والخارجية، وبالتالي فكافة الوزراء ورؤساء الحكومات مجرد أداة تنفيذية لما يصدر عن ولي الفقيه. لماذا لم يناقش أصحاب الاتهامات هذه الحقائق ويحاولون نقضها بحقائق أخرى؟.
2. هل النظام الإيراني من زمن الشاه إلى عصر الملالي نظام احتلالي بالنسبة للعرب أم لا؟ هل ينكرون أن هذا النظام يحتل الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية العربية الثلاث منذ عام 1971؟. وهل ينكرون التهديدات المستمرة لعروبة مملكة البحرين التي لم تتوقف حتى اليوم؟. وكم مرة صرّح مسؤولون إيرانيون أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية إيران فسوف يدمرون دول الخليج العربي؟. ومن المعروف والمؤكد دوليا أن إقليم الأحواز العربي ينتج 80 % من صادرات النفط الإيراني، وفيه أضخم احتياطي نفطي بعد المملكة العربية السعودية، ورغم ذلك فإن مستوى الحياة في هذا الإقليم لا يمكن وصفها إلا إنها بائسة بسبب التطهير العرقي الرسمي ضد العرب وندرة الميزانية التي يرصدها نظام الملالي لهذا الإقليم كي يجبروا سكانه العرب الأصليين على مغادرته لأقاليم أخرى وصولا إلى تفريسه بالكامل.
3. هل صفقة السلاح الإسرائيلي لنظام الخميني أثناء الحرب مع العراق صحيحة أم مجرد نكتة؟.
4. هل التهديدات الغوغائية والخطابية لإسرائيل و إنكار الهولوكست، حققت دعما وتأييدا دوليا إسرائيل لا مثيل له أم لا؟. وعندما جدّ الجد قال علي خامئني أثناء اجتياح قطاع غزة للمتظاهرين الإيرانيين صراحة: quot;عودوا إلى بيوتكم لا نستطيع القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل quot;. إذن لماذا الكذب والدجل طوال سنوات، وهذا الدجل ما يزال مستمرا لكسب عواطف الجهلة العرب.
5. وماذا عن مصادرة حقوق الإنسان الإيراني والاعتقالات التعسفية التي تؤكدها مصادر ومرجعيات إيرانية قبل غيرها؟ مما جعل سجل النظام الإيراني في مجال حقوق الإنسان من أوسخ السجلات في العالم، خاصة في مجال اضطهاد الأقليات العربية والبلوشية والكردية والأذربيجانية وغيرها.
لو كان أصحاب الاتهامات بالعمالة والخيانة يملكون أي دليل لنفي الحقائق التي أوردتها، لناقشوا ذلك بعقلانية وأدب وهدوء، ولكن هذا الصراخ هو حجة الضعفاء فقط، وفي هذا السياق هل يقبلون مني أو من أي كاتب أن يقول لهم (أنتم عملاء لنظام الملالي) لذلك تدافعون عنه رغم الباطل الذي يصدر عنه بحق الإنسان الإيراني وبحق جواره العربي؟. لذلك سأظل على قناعاتي التي ملخصها: أن نظام الملالي خطر يجب مقاومته وليس نموذج خير يجب استيراده.
والغريب في تعليقات هذا النوع من القراء أنهم يعتقدون أحيانا أنني الكاتب العربي الوحيد الذي ينتقد النظام الإيراني ويطلق عليه تسمية quot; نظام الملالي quot;، وهذا إما جهل منهم أو تعمد لإخفاء الحقيقة التي تؤكد أن هناك عشرات من الكتاب العرب والعراقيين تحديدا الذين لهم مواقف ضد النظام الإيراني أكثر قسوة من مواقفي، وهم أسماء حسب إطلاعي لم تلصق بهم تهمة العمالة بعد. كما أنّ الحملة الصحفية العربية ضد النظام الإيراني الأسابيع القليلة الماضية لم يسبق لها مثيل بسبب تصريحات مسؤوليه الخاصة بضم مملكة البحرن على اعتبار أنها المحافظة الإيراينة رقم 14. إن الكتابات التي كتبت في هذه الأسابيع القليلة ضد مواقف هذا النظام الإيراني إزاء جواره العربي، وتصريحات كبار المسؤولين العرب في هذا السياق، تعبر عن بداية صحوة عربية لخطورة هذا النظام الذي يريد بعض (العرب الذين تفرسوا أكثر من الفرس) أن يستوردوه لبلادنا.
الثاني: من يده في النار فأيّد كل أفكاري،
ويشمل هذا تعليقات كافة القراء الأحوازيين العرب في كافة أماكن تواجدهم في داخل إيران وخارجها، وهم يكتبون بمرارة وحزن عما يرتكبه النظام الإيراني بحق شعبهم العربي منذ عام 1925 حيث السجون والاعتقالات والتطهير العرقي العلني، بما فيه منعهم منعا باتا من استعمال لغتهم العربية في كافة شؤون حياتهم، وهو ما لم تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين العرب الذين بقوا صامدين في أرضهم منذ عام 1948، فإذا باللغة العربية عندهم تثري الأدب والثقافة العربية من خلال أعمال أسماء مرموقة منها: محمود درويش وإميل حبيبي وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم كثيرون. الغريب والمثير للدهشة والحزن والشك في واقعية العقلية العربية أن نسبة كبيرة من العرب يعارضون الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويسكتون أو يتناسون الاحتلال الإيراني للأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث...ما هذه الازدواجية؟ خاصة من الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال الإسرائيلي ويصفقون لنظام الملالي الاحتلالي لأوطان عربية. وليت القراء الباحثين عن المعلومات والحقائق يقرأون ما تنشره المواقع الأحوازية حيث الدراسات الموثقة عن الظلم والقمع الذي يتعرض له الشعب العربي الأحوازي من قبل نظام الملالي الذي يدّعي أنه يريد تحرير فلسطين!!.
الثالث: من لم يقرأ المقالة ويغرد خارج السرب،
فيكتب تعليقا لا علاقة له بموضوع المقالة من قريب أو بعيد، ومن هذه النماذج كاتب تعليق بدلا من مناقشة أفكاري عن نظام الملالي مؤيدا أو رافضا، كتب تعليقا من ستة عشر سطرا نقل فيه تصريحات قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي حول خطورة الحفريات التي تقوم بها إسرائيل تحت وحول المسجد الأقصى، دون ذكر أية كلمة عن إيران أو نظام الملالي سلبا أم إيجابا، وبالتالي لا يستطيع منجم أن يعرف ماذا يريد هذا النوع من أصحاب التعليقات، ومنهم أيضا من لا يتعرض لأفكار المقالة مطلقا، وإذا كانت المقالة عن الشأن العراقي وكاتبها فلسطيني، يكتب معلقا quot; يا أخي أنت فلسطيني، لماذا تتدخل في شؤون العراق؟ خليك في قضيتك وشعبك..حل عنّا). وبالعكس إذا كان الكاتب عراقيا و كتب عن الشأن الفلسطيني، وجد فلسطينيا يكتب له معلقا quot; يا عيني شو دخلك بشؤوننا الفلسطينية..روح قاوم الاحتلال الأمريكي لبلادك)....وهكذا فهؤلاء القراء إقليميون حينا وقوميون عندما يكون مزاجهم رائقا!!!.
إذن ما الحل؟
الحل المنطقي هو تركيز القارىء على مناقشة أفكار المقالة تأييدا أو رفضا من خلال حقائق ومعلومات تنقض ما جاء به الكاتب، وهذا الحل مستحيل لأن (الطبع غلب التطبع)، وما نشأنا عليه في حياتنا وسلوكنا وثقافتنا العربية طوال مئات القرون، من المستحيل تغييره من خلال هكذا نصيحة مني أو من المئات من القراء والكتاب، وكون هذا التعميم كما قلت يجعلنا جميعا عملاء وخونة، لذلك سأحاول الاتصال بروح أمير الشعراء أحمد شوقي عبر أحد الدجالين في هذا الشأن، كي أطلب منه تغيير البيتين المشهورين له في قصيدته (نكبة دمشق) ليصبحا:
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكن كلنا في الدولار شرق
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد دولار غير مختلف ونطق
وفي الختام دعوانا أنه (كل دولار و تومن ونحن جميعا بخير).
[email protected]