تمر في السابع من فبراير الحالي الذكرى العاشرة لتتويج الملك عبد الله الثاني ملكا للملكة الأردنية الهاشمية بعد رحيل والده الملك حسين الذي استمرت ولايته من مايو 1953 حتى وفاته في السابع من فبراير 1999، وإعلان نجله الأمير عبد الله ( عمره سبعة وثلاثون عاما آنذاك ) ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية،حاملا اسم (عبد الله الثاني ) ليكون بذلك الملك الهاشمي الرابع في المملكة التي أعلن استقلالها في مايو من عام 1946 وتولي الملك عبد الله المؤسس العرش الهاشمي كأول ملك للمملكة. عشر سنوات من ولاية الملك عبد الله الثاني، هل تميزت بملامح معينة؟ هل أسست لخطوات نوعية في مسيرة المملكة؟. هذا ما تحاول هذه المقالة الإجابة عليها بقدر عال من الموضوعية والمعلوماتية بعيدا عن الإنشاء والخطابة، والنظرة السلبية للمملكة تلك النظرة التي هي من مخلفات مدرسة أحمد سعيد، ويحاول محمد حسنين هيكل إحياءها والحفاظ على أكاذيبها وتلفيقاتها في العديد من الملفات ومنها الملف الأردني خاصة في لقاءاته التلفزيونية، مستغلا قربه من جمال عبد الناصر آنذاك واطلاعه أو احتفاظه بالأرشيف الناصري التي شهدت مرحلته خلافات واقتتالات عربية لم تشهدها أية مرحلة، وغالبا ما يسند هيكل معلوماته لوثائق يدعي وجودها عنده ولم يطلع عليها أحد غيره أو يسند معلوماته لأموات لا يمكن استنطاقهم. أهم ملامح هذه السنوات العشر:
أولا: تجذير المسيرة الديمقراطية
كانت بداية المسيرة الديمقراطية قد أعلن انطلاقتها الملك حسين عام 1989 حيث كانت التعددية السياسية والحزبية أهم مظاهرها عام 1992، رغم سوء الفهم الشعبي لتطبيقات الديمقراطية التي نتج عنه قيام أو إعلان قيام حوالي سبعة وثلاثين حزبا وسط مجتمع لا يزيد تعداده عن خمسة ملايين آنذاك، ومقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا حيث لا يوجد أكثر من ثلاثة أحزاب في كل دولة، تبدو عشوائية أو فردية التفكير في المجتمعات العربية، وكان مؤكدا في الشارع الأردني أن غالبية هذه الأحزاب لا يزيد عدد أعضاء كل حزب عن عشرات وليس مئات. تمت المحافظة في عهد الملك عبد الله الثاني على هذه التعددية الحزبية المرافقة بطبيعة الحال لحرية التعبير، وعند وضع بعض الضوابط العام الماضي لما يمكن تسميته الفلتان الحزبي، أهمها أن يكون عدد أعضاء ومؤسسي أي حزب لا يقل عن خمسمائة شخص من خمسة محافظات أردنية، لم تستطع أغلب تلك الواجهات الحزبية تأمين هذا الشرط البسيط، فتقلصت الأحزاب المرخصة إلى قرابة خمسة عشر حزبا، ورغم ذلك يبقى العدد مبالغا فيه قياسا لتعداد سكان الأردن، و الأطروحات السياسية والمتغيرات الاجتماعية السائدة في ثقافة المجتمع الأردني. وهذا يذكر بحديث سابق للملك عبد الله الثاني، قال فيه: quot; إن تشرذم الأحزاب وتعددها ليس في صالح هذه العملية بل إنه أحد المعيقات الأساسية لها، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه لدينا من ثلاثة إلى أربعة أحزاب قوية تمثل التيارات الفكرية الرئيسية في البلد quot;. ورغم هذه الرؤيا الملكية لم تحاول الحكومة الضغط على هذه الأحزاب للدمج أو الإلغاء بدليل وجود ما لا يقل عن خمسة عشر حزبا في الأردن اليوم، تمكنت من تسوية أوضاعها حسب الشروط الجديدة، وقامت وزارة الداخلية العام الماضي بدعم هذه الأحزاب من خلال صرف ميزانية سنوية لكل حزب مقدارها خمسون ألف دينار أردني، وهو مبلغ بالنسبة لمستوى المعيشة في الأردن يستطيع تأمين الإيجارات السنوية لأكثر من مقر لكل حزب، وهي خطوة تدل على دعم الحكومة لاستمرارية التعددية الحزبية.
ثانيا: حرية التعبير الصحفي والحزبي
يتأكد المراقب للصحافة الأردنية الورقية والإليكترونية أن ما تم تأكيده في السنوات العشر الماضية في ميدان حرية التعبير الصحفي والحزبي من النادر وجوده في العديد من الأقطار العربية، وبصراحة موضوعية شديدة أن التصريحات والمواقف السياسية تحديدا لحزب جبهة العمل الإسلامي ( الإخوان المسلمون ) سواء في الصحافة أو داخل مجلس النواب دليل واضح ملموس على حرية التعبير خاصة إذا تذكرنا حملات الاعتقال والسجن التي يتعرض لها الإخوان المسلمون في أكثر من قطر عربي، وفي بعض الأقطار العربية ينصّ القانون صراحة على عقوبة الإعدام لكل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وهذه الميزة ليست مكرمة أو جميلا من الحكومة للصحافة والأحزاب، بل هذا ما يجب توفره نظريا وتطبيقيا لأن الحرية والديمقراطية هي مقياس تقدم الشعوب، بدليل وصول باراك أوباما الأسود لرئاسة البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تدخل الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة لوقف ملاحقة صحفيين وكتاب، واتصل شخصيا بأكثر من صحفي مستنكرا بعض التجاوزات التي تعرضوا لها، وأكدّ مرارا على حرية الصحافة ومنع وقف أو سجن أي صحفي بسبب آرائه السياسية. إنّ العديد من كتابات الكتاب والصحفيين الأردنيين النقدية لممارسة بعض وزراء الحكومة، يمثل جرأة متناهية وصراحة غير معهودة، ما كانت ستتوفر لولا طمأنينة الكتاب لسقف الحريات المسموح به في المملكة.
ثالثا: الدعم الكامل للقضية الفلسطينية
لقد تميز عهد الملك عبد الله الثاني بدعم واضح ومعلن للقضية الفلسطينية حسب المطالب الوطنية الفلسطينية بقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ضمن حدود عام 1967 كما أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في زمن الرئيس ياسر عرفات في الجزائر عام 1988، وتطالب بذلك وتدعمه غالبية الفصائل والتنظيمات الفلسطينية. الدعم الأردني الصريح في هذا الميدان له أهمية خاصة لحدودية الأردن مع الضفة الغربية الفلسطينية، وتكرار سيناريو الوطن البديل من أطراف يهودية يمينية. وضمن نفس السياق كانت إدانة الملك عبد الله الثاني الصريحة الواضحة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكدا في العديد من المحافل العربية والأجنبية أن خيار الدولتين هو الحل، وتأكيده على أن الإسراع في الوصول لهذا الهدف يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد كانت المظاهرات والتجمعات الشعبية الأردنية هي الأكثر دعما للقطاع، وقد بلغت ما يزيد على ستمائة مظاهرة وحشدا وتجمعا، وكلها بإذن وموافقة السلطات الرسمية مما حدا بأحد الأحزاب الإسلامية أن يعلن عن فخره بتوحد الإرادتين الرسمية والشعبية الأردنية في مواجهة العدوان. وكذلك كانت المساعدات التموينية والطبية الأردنية بما فيها فرق الأطباء والممرضين ومستشفى ميداني هي الأكثر والأسرع في الوصول للقطاع بكثافة أكبر من إمكانيات الأردن الإقتصادية، وما زالت هذه الطواقم تعمل في القطاع رغم توقف العدوان الإسرائيلي.
وضمن حدودية الأردن لأكبر بؤرتين عربيتين ملتهبتين العراق في الشرق وفلسطين في الغرب، تبدو حكمة عهد الملك عبد الله الثاني في محاولات مستميتة لتحقيق علاقات عربية متوازنة مع كافة الدول العربية، مما حقق علاقات طبيعية مع الجارة سوريا ودولة قطر بعد خلافات على أمور ليست استراتيجية، خاصة أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ألغى عمليا مقولة quot; دول اعتدالquot; و quot; دول ممانعة quot;، فلم يتميز أي موقف عربي عن آخر، فليس هناك دولة عربية تحاصر جيوشها تل أبيب، ودول أخرى تطالبها بالتوقف عن ذلك، فجميع الدول العربية أدانت العدوان، وتميزت الأردن بالدعم المادي الذي أشرت إليه.
هذه الملامح الأساسية لعشر سنوات من ولاية الملك عبد الله الثاني في المملكة الأردنية، ليست دعاية أو تملقا، بل تثمين لإنجازات مستعدون للكتابة عنها وتثمينها في أية دولة عربية، فهذا الطريق الديمقراطي والوضوح السياسي يجعل الأردن محدود الإمكانيات اقتصاديا غني بشعبه وسلمه وأمنه الاجتماعي الوطني. وفي النهاية من المهم التأكيد أن سقف الحريات الديمقراطية هو فقط من يخلق شعبا متمسكا بوطنه ومستعد للدفاع عنه، فلا يدافع عن الأوطان إلا أحرارها.
[email protected]