اللقاء الذي تمّ بين وفدين كل على حدة من حزب جبهة العمل الإسلامي الأردنية وحركة حماس الفلسطينية، والفريق محمد الذهبي مدير دائرة المخابرات العامة في الأردن في الأسبوع الأخير من شهر يوليو 2008، فتح الأبواب على مصراعيها أمام الاجتهادات والتكهنات حول آفاق العلاقة المستقبلية مع الحكومة الأردنية، خاصة بسبب ذلك التفاؤل الذي عبّر عنه قيادي من الحركة الإسلامية حول وصفه للقاءين أنهما كانا دافئين وقد يعيدان العلاقة بين الحركة والحكومة إلى ما كانت عليه منذ ثلاثة سنوات قبل أن تتصاعد الأزمة بين الطرفين، وكان قد حضر اللقاء حمزة منصور رئيس كتلة نواب جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني والنائبين عزام الهنيدي و عبد الحميد الذنيبات الذي أكّد أن الحركة الإسلامية ستشارك في أقرب تعديل وزاري إن عرض الأمر عليها، وفي اللقاء مع حركة حماس حضره عضوا الحركة حماس محمد نزال و محمد نصر. وقد بدت مظاهر تطبيقية للدفء القادم من خلال ما أورده موقع quot; المركز الفلسطيني للإعلام quot; التابع لحركة حماس الفلسطينية يوم الثلاثاء الموافق 12 أغسطس الحالي، حول الاهتمام الرسمي الأردني بوفد الحركة الإسلامية الأردنية في مركز الحدود الأردنية السورية، وهو في طريقه للعاصمة السورية يوم الخميس السابع من أغسطس،لحضور حفل زفاف كريمة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث أورد الموقع أن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الدكتور همام سعيد، والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، حظيا باهتمام رسمي أردني لافت عند مغادرتهما الأراضي الأردنية، حيث تمّ استقبالهما في قاعة الشرف في مركز جابر الحدودي، وقوبلا بنفس الحفاوة عند عودتهما، مما يجعل بعض المراقبين يتوقعون تطورا ايجابيا بين الحركتين الإسلامية الأردنية وحماس الفلسطينية على اعتبار أنّ الحركتين وليدتا جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وتتداخلان تنظيميا وفكريا وسلوكيا في العديد من المواقف.
هل هذا التطور الإيجابي من السهل الوصول إليه؟
مشروعية هذا السؤال تأتي من خلفية العلاقات السلبية المتأزمة بين الحركتين (جبهة العمل وحماس) والحكومة الأردنية في السنوات القليلة الماضية، لأسباب وحيثيات متعددة من مصلحة الطرفين مناقشتها بموضوعية في هذه الظروف الإقليمية والدولية الصعبة فيما يتعلق بالمنطقة خاصة الأردن وفلسطين، فماذا تقول دراسة هذه الظروف وانعكاساتها على العلاقات المتوقعة؟
أولا: فيما يتعلق بحركة حماس
يسجّل لصالح الأردن أنه لم يحاول أن يؤسس تنظيما فلسطينيا تابعا له أو ينحاز لتنظيم ضد آخر كما فعلت أكثر من دولة عربية، فقد كان الموقف الأردني الرسمي دوما هو دعم منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، بدليل أن المرحوم الملك حسين بناءا على طلب المنظمة دعم الكيان الفلسطيني عقب إعلان المجلس التشريعي في الجزائر عام 1988 قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وافق على فكّ الارتباط مع الضفة الغربية لتعزيز مفهوم أنها لم تعد جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، بل جزءا من الدولة الفلسطينية التي أعلن المجلس الوطني الفلسطيني قيامها ضمن حدود عام 1967، واستمرت القيادة الأردنية في زمن الملك عبد الله الثاني على هذه الثوابت. بدأ التأزم في العلاقة عام 1999 عندما طلب الأردن من خالد مشعل وقيادة حماس مغادرة الأردن بعد تزايد نشاطهم العلني باسم حماس وهم مواطنون أردنيون يحملون الجنسية الأردنية، وهذا يخالف القانون والدستور الأردني، وغادروا إلى قطر بترتيب معها في طائرة قطرية خاصة برفقة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، وكانت الرسالة الأردنية واضحة:لا يجوز أن تكون مواطنا أردنيا وعضوا أو قياديا في تنظيم غير أردني، ومن يريد العودة لوطنه الأردن عليه أن يوقف عمله وعضويته في أي تنظيم أو حزب غير أردني، وبالفعل عاد عام 2001 أحد المبعدين وهو إبراهيم غوشة بعد أن تعهد بعدم ممارسة أي عمل تنظيمي أو سياسي في حركة حماس الفلسطينية وهو مواطن أردني، ومن ذلك التاريخ لم يسمع أحد بأي نشاط أو تصريح أو اجتماع أو لقاء معه. وهذا هو منطق سيادة الدولة، والكل يعرف أنه طوال ربع القرن الماضي كان حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق وبغداد يعتقل أو يعدم كل من يقوم بمجرد اتصال مع فرع الحزب في القطر ألآخر، رغم الادعاء أنه حزب قومي عربي واحد يحكم قطرين عربيين.
إشكالية جديدة لكافة الدول العربية وليس الأردن فقط
بدأت هذه الإشكالية عقب فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيلها الحكومة الفلسطينية الجديدة في يناير 2006 برئاسة إسماعيل هنية، وسرعان ما نشب الخلاف العلني بين الحكومة والسلطة الفلسطينية خاصة بعد بدء حركة حماس في أبريل 2006 بتشكيل قوتها التنفيذية المسلحة في مواجهة قوات الأمن الفلسطيني التي ما زالت في غالبيتها آنذاك تابعة لمسؤولين من حركة فتح خاصة محمد دحلان، فبدأ علنا الانشقاق بين القطاع والضفة الذي تكرس رسميا عقب انقلاب حماس العسكري في يونيو 2007 وإقالة الرئيس عباس لحكومة إسماعيل هنية، فإذا الشعب الفلسطيني أما م قيادتين وحكومتين وإقليمين لا رابط جغرافي أو حدودي بينهما. ومنذ بداية تشكيل حماس الحكومة الفلسطينية كان تعامل كافة الدول العربية بما فيها الأردن مع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، ورغم مرور أكثر من عامين على تشكيل حماس الحكومة وأكثر من عام على انقلابها العسكري، لم يحدث أن زار رئيس الحكومة إسماعيل هنية (المقال لاحقا) أية دولة عربية. وفي أبريل 2006 أي قبل استفحال الخلاف علنيا بين حماس والسلطة الفلسطينية، زار القاهرة محمود الزهار الذي كان ما يزال معينا وزيرا للخارجية، ولم يستقبله وزير الخارجية المصري، وكان الزهار في منتهى اللباقة الدبلوماسية عندما أجاب سائليه: لا أعرف لماذا لم يستقبلني الوزير فقد اتصلت بمكتبه وأبلغوني أنه مشغول. أما في حالة الأردن عندما ألغيت زيارة كانت مقررة للزهار نفسه على خلفية إشكاليات أمنية، سارع موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس للتعليق بالقول أن إلغاء الزيارة كان بسبب الضغوط الأمريكية، وبالإضافة لعدم اللباقة في التصريح، فليس من حق موسى أبو مرزوق كقيادي في حماس فقط أن يعلق على شأن خاص بوزارة الخارجية الفلسطينية.
و ألآن ما هو الجديد لدى الحكومة الأردنية؟
هذا التساؤل ما كان سيطرح لولا اللقاء الذي تمّ بين وفد من حركة حماس والفريق محمد الذهبي مدير دائرة المخابرات ألأردنية، وكونه لم يصدر أي تصريح حول آفاق هذا اللقاء سواء من حماس أو من الجانب الأردني، فما يأتي هو مجرد تحليل سياسي يستطلع ألأفق القادم انطلاقا من الادعاء بفهم الخطوط الأساسية في السياسة الأردنية والتطورات المتلاحقة في مجرى القضية الفلسطينية خاصة المفاوضات مع دولة إسرائيل. أعتقد من وجهة نظري الخاصة أنّ هذا الجديد لدى القيادة الأردنية هو مسألتان:
الأول: هو التعثر الذي يشبه الجمود الكامل في مباحثات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، التي ما عادت تمتلك أي أفق للتقدم نحو أية صيغة سلام في المدى المنظور، وما يترتب على ذلك من مشاكل وتحديات جديدة للطرفين.
الثاني: هو استمرار القطيعة بين طرفي الصراع الفلسطيني (فتح و حماس)، وتصاعد الصراع في محطات معينة بشكل أكثر شراسة من صراع كل طرف منهم مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنه كان مأسآة حقيقية أنه في جولة الصراع الأخيرة قبل أسابيع قليلة، هرب حوالي مئة وخمسين من أعضاء وكوادر فتح إلى دولة إسرائيل خوفا من ملاحقة عناصر حماس، مما يعني عند هؤلاء الهاربين أن الاحتلال الإسرائيلي في لحظة أصبح أكثر رحمة من عناصر حماس. وهذا يعني أن القطيعة أصبحت شبه نهائية بين الطرفين خاصة أن كل طرف يسعى لعلاقات خاصة به مع الاحتلال: عباس يدير مباحثات متعثرة لا أمل منها في المستقبل المنظور، وحماس تقيم تهدئة تحرص على استمرارها وقمع كل من يحاول اختراقها.
إزاء هذا الواقع الفلسطيني القائم وجدت القيادة الأردنية أنه من مصلحة الشعب الفلسطيني، إقامة اتصالات بطرفي النزاع دون أن يخلّ ذلك بدعم السلطة الفلسطينية كقيادة فلسطينية رسمية، بدليل أن الحكومة المصرية تقيم اتصالات منفردة مع حركة حماس قبل تشكيلها الحكومة الفلسطينية وبعد إقالة هذه الحكومة، دون أن يخلّ ذلك بعلاقاتها الرسمية مع السلطة الفلسطينية. ومن المهم في هذا السياق ميل حركة حماس في القطاع أيضا إلى الهدوء في التعامل مع الأطراف العربية، من خلال إشارات حماس الداخل أن علاقاتها مع إيران لن تكون على حساب محيطها العربي، وهي تتناغم في ذلك مع الغضب المتزايد من تصرفات الحكومة ألإيرانية خاصة في دول الخليج العربي ومصر.
لذلك فإنه من باب الحكمة ومصلحة الشعب الفلسطيني أن تبادر القيادة الأردنية لإقامة اتصالات حوار منطقي مع حركة حماس لأنها شاء من يريدها أو يبغضها، مسؤولة اليوم عن مليون ونصف مواطن فلسطيني في القطاع، ومقاطعتها يعني مقاطعة مليون ونصف فلسطيني مما يعقّد حياتهم أكثر في ظل الحصار الإسرائيلي، وأفق العلاقة متاح له التقدم بشرط عدم قيام حماس بأية نشاطات تنظيمية أو اتصالات حزبية في الأردن، تتنافى مع الدستور والسيادة الأردنية. لذلك جاءت أول نافذة فتحت بين الطرفين من خلال الفريق محمد الذهبي مدير دائرة المخابرات العامة، كون القطيعة التي حصلت عام 2001 وما تبعها من ممارسات كان مدخلها وخلفيتها أمنيا،فلا بد من إعادة فتحها بداية من خلال النافذة الأمنية نفسها، لتكون العلاقات مستقبلا واضحة محددة تحاول تسهيل حياة المواطن الفلسطيني وحل ما يمكن من مشاكله، وبأخذ هذا في الاعتبار لا توجد موانع من طرف القيادة الأردنية لتطوير هذه العلاقة مع حماس في ظل الواقع الفلسطيني القائم، دون أن يعني ذلك التخلي عن السلطة الفلسطينية التي هي أيضا مسؤولة عن حوالي مليونين من الفلسطينيين في الضفة، وبوابتهم الرئيسية مع الخارج من خلال الحدود الأردنية.وتستطيع حركة حماس بناءا على العديد من خطواتها البراجماتية الأخيرة تدعيم هذه النافذة في العلاقة مع القيادة الأردنية لتصبح بابا علنيا واسعا، إلى أن يجد طرفا الصراع الفلسطيني حلا للتهدئة بينهم يخفف مأسآة الشعب الفلسطيني.
ثانيا: فيما يتعلق بالحركة الإسلامية الأردنية
هذه المسألة أقل تعقيدا بكثير من المتعلق بحركة حماس الذي فصّلنا الحديث فيه، لأن الحركة الإسلامية بجناحيها، حركة الإخوان المسلمين وحزبها جبهة العمل الإسلامي، تنظيمان أردنيان لهما الصفة الرسمية والقانونية، وبالتالي فأية خلافات في وجهات النظر مع الحكومة الأردنية هي خلافات مشروعة ضمن البيت الواحد، طالما كل طرف يحترم حدوده التي منحها له القانون والدستور. الملاحظة الوحيدة على أداء جبهة العمل الإسلامي وربما أكون مخطئا في ذلك، هو التصعيد الكلامي الخطابي في العديد من المحطات التي لم يرضى عنها غالبية الشعب الأردني وليس الحكومة الأردنية فقط،مثل التعزية في موت الزرقاوي المتسبب في قتل عشرات من الأردنيين في أحداث الفنادق في عمان، وتعمد الخلط بين مواقف الجبهة وحركة حماس، بدليل أنه من صفوف الإسلاميين أنفسهم خرجت تصنيفات الصقور والحمائم، وهناك العديد من القيادات الإسلامية لا ترضى عن مواقف قيادات أخرى وتنتقدها بقسوة أكثر من دوائر الحكومة ألأردنية.
لذلك فإن هيمنة صفة وسلوك الاعتدال على جبهة العمل الإسلامي الأردنية، وممارسة أي نقد لأداء الحكومة مهما كان قاسيا من خلال الأطر القانونية كمجلس النواب سيعطيها مصداقية واتزانا أكثر، وعندئذ لن يستطيع أحد وقف سلوكها هذا لأنه حقها من خلال الأطر القانونية والتشريعية، وكم سيكون الطيف السياسي الأردني مكتملا في أدائه الرسمي والحزبي إن شاركت جبهة العمل الإسلامي وأمها جماعة الإخوان المسلمين في الحكومة الأردنية القادمة في حال عرض عليها هذا الأمر كما أشار عبد الحميد الذنيبات، وهو ما أرجح أنه سيعرض عليها في ظل توجه القيادة الأردنية لتصويب العديد من الأوضاع الداخلية، وتمتين الجبهة الداخلية كي تكون قوية موحدة في مواجهة التطورات والأخطار الإقليمية، ووجود الحركة الإسلامية ضمن فعاليات الطيف السياسي ألأردني دعم لا يمكن تجاهله، خاصة أنّه أيا كانت صفة مراحل التوتر بين الحكومة والحركة الإسلامية، فالإخوان المسلمون في الأردن لا يمكن أن ينسوا أنهم منذ مطلع خمسينات القرن الماضي وهم يتحركون وينشطون تنظيميا بأمان وحرية كاملة في ظل العرش الهاشمي، وهو ما لم يكن متاحا لإخوانهم في بعض الأقطار العربية التي شهدت اعتقالهم وسجنهم وإعدامهم. فما الذي جدّ كي تلجأ الجماعة وتشكيلاتها الحزبية إلى هذا التصعيد غير المنطقي في العديد من المواقف، رغم أنها ممثلة في البرلمان بعدد لا بأس به من النواب، وتستطيع أن تمارس حقها في النقد والمساءلة والتصحيح من خلاله. وكما أشارت جريدة الدستور الأردنية يوم الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، فإن الحكومة جادة في طي صفحة الخلاف الماضية، بدليل تأكيد الفريق الذهبي لوفد الحركة الإسلامية quot; أن قانون الجمعيات الخيرية الذي أقر أخيرا لن يطبق على جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما اعتبرته قيادات الحركة رسالة ايجابية تحمل دلالات واسعة حول موقف مؤسسات الدولة العليا من الجماعة، وتأكيد الفريق الذهبي على أن الحركة الإسلامية غير مستهدفة على الإطلاق quot;. وهذا يعني أن القيادة الأردنية جادة في تعزيز صف الجبهة الداخلية لتكون في مستوى التحديات القادمة، وبعد إشارات حسن النية هذه تبقى خطوات تعزيز ذلك مطلوبة من الحركة الإسلامية كي لا تؤدي الخلافات الداخلية في صفوف قياداتها التي هي ليست سرا، لضياع هذه الفرصة الذهبية التي هي في صالح الأردن شعبا و وطنا.
آخر المستجدات
ومما يعزز قراءتنا السياسية هذه هو الاجتماع الثاني للفريق محمد الذهبي مع وفد حركة حماس برئاسة محمد نزال في عمّان قبل أيام قليلة، والتصريحات الإيجابية المثمّنة للدور الأردني التي أعلنها أكثر من متحدث باسم حماس، خاصة التركيز على دور الأردن في محاولة فك الحصار عن الشعب الفلسطيني في القطاع. لذلك في الغالب أن تشهد الساحة خطوات أخرى أكثر علنية وإيجابية.