للتذكير إن نفعت الذكرى
تقرير فينوغراد هو التقرير الإسرائيلي الذي صدر عقب حرب تموز بين الجيش الإسرائيلي و حزب الله في لبنان التي استمرت 33 يوما، وعرف التقرير بهذا الاسم نسبة للقاضي الإسرائيلي الذي ترأس لجنة التحقيق الخاصة بالتحقيق والتدقيق في دراسة ظروف الحرب والنتائج التي انتهت إليها من وجهة نظر المصالح الإسرائيلية، للوصول إلى رأي محدد: هل كانت النتيجة انتصارا أم هزيمة وإخفاقا لإسرائيل والجيش الإسرائيلي؟. ولمزيد من المهنية والدقة الموضوعية، استمعت اللجنة إلى شهادات 74 مسؤولا عسكريا وسياسيا وأمنيا وخبيرا إسرائيليا، وجاء التقرير في 600 صفحة، صدر كتقرير أولي عام 2007 quot; محملا أولمرت مسؤولية الإخفاقات في الحرب المذكورة quot; وتمّ إصدار التقرير المفصل يوم الثلاثين من يناير 2008، حيث خلص إلى نتائج مهمة من وجهة النظر الإسرائيلية منها:
أولا: إن الدخول في الحرب دون وضع استراتيجية للخروج منها شكّل ثغرة خطيرة، مما أدى لسقوط 33 جنديا إسرائيليا، بسبب أن إدارة الحرب كانت متعثرة على المستويين السياسي والعملياتي وخصوصا في مجال القوات البرية.
ثانيا: إن هذه الحرب شكلت إخفاقا كبيرا وخطيرا، وكشفت وجود ثغرات خطيرة على أعلى المستويات الهرمية السياسية والعسكرية.
ثالثا: أخفق الجيش الإسرائيلي في إدارته للحرب ولم يقدم للقيادة السياسية نتائج يمكن الاستفادة منها على المستوى السياسي، وأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من وقف إطلاق صواريخ حزب الله على
إسرائيل.
رابعا: انتقد التقرير الهرمية السياسية والعسكرية الإسرائيلية محملا أولمرت مسؤولية الإخفاقات في تلك الحرب.
اختلاف حسابات النصر والهزيمة
هذه النظرة النقدية الإسرائيلية الصريحة القاسية لنتائج الحرب التي تقول أن نتيجة الحرب من وجهة نظر المصلحة الإستراتيجية كانت هزيمة وإخفاقا كبيرين. هذا رغم أن إسرائيل حققت بعد انتهاء الحرب ما لم يكن يتوقعه زعيم النصر الإلهي السيد حسن نصر الله حسب اعترافاته. فقد تحقق لإسرائيل: وقف نهائي لإطلاق النار، لم يتبعه منذ عامين إطلاق أية رصاصة من الحدود اللبنانية على إسرائيل،حتى طوال أيام الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، لم يتجرأ حزب النصر الإلهي على الانتصار للشقيقة حماس ولو بطلقة واحدة عبر الحدود. كما تمّ تطبيق القرار 1701 ووصول قوات اليونيفيل المسلحة التي تراقب الحدود، والبحرية من أكثر من دولة تراقب المياه اللبنانية لضمان عدم وصول أسلحة لحزب الله من إيران أو غيرها، وبقاء مزارع شبعا محتلة كما كانت منذ عام 1967، وهذه النتائج هي ما كانت تريدها إسرائيل، ورغم ذلك اعتبر تقرير فينوغراد أن نتيجة الحرب كانت إخفاقا يرقى للهزيمة....لماذا؟. لأن حسابات النصر والهزيمة تختلف من طرف إلى آخر، بدليل أن كافة الخسائر التي وقعت في الجانب اللبناني وتدمير البنية التحتية وتشريد ألاف المواطنين، كل ذلك كان نصرا إلهيا عند السيد حسن نصر الله، رغم اعترافه المخجل بأنه لو كان يتوقع حجم الرد الإسرائيلي لما أقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين، وهو نفس اعتراف زعيم النصر الإلهي الثاني خالد مشعل بأن حماس لم تكن تريد أكثر من استفزاز بسيط لإسرائيل!!!.
وألان متى سيصدر تقرير فينوغراد الغزّاوي؟
وأنا أقصد عن وعي كلمة quot; الغزّاوي quot; وليس quot; الفلسطيني quot; لأن هذه الحرب كانت بين حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة بعد انقلابها العسكري في حزيران 2007 الذي نتج عنه تحرير القطاع كاملا من الفتحاويين والسلطة الفلسطينية، واستفردت حماس بحكم وإدارة القطاع مما يعني أنها تتحمل كامل المسؤولية إزاء مليون ونصف فلسطيني في زمن السلم والحرب، وفي كافة المجالات الحياتية رغم الحصار و إغلاق المعابر، لأن حماس ينبغي أنها كانت تعرف أن إسرائيل لن تبارك انقلابها وسيطرتها على القطاع وسوف تعاقبها بكل ما تستطيع، ورغم ذلك قامت بانقلابها الذي اعتبرته التحرير الثاني للقطاع.
لقد نتج عن هذا الاجتياح الإسرائيلي غير المتوقع حماسيا: مقتل ما لا يقل عن ألف وثلاثمائة فلسطيني حتى صباح وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، وجرح ما لا يقل عن خمسة ألاف وخمسمائة ، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، بدليل أن تقريرا فلسطينيا اعتبر أن خمسين بالمائة من منازل ودور القطاع أصبحت غير صالحة وآمنة للسكن، وتمّ تدمير كافة المباني الحكومية وأربعة ألاف منزل وتشريد مائة ألف مواطن يعيشون في العراء أو الخيم والمدارس، وتدمير شبه كامل للمنطقة الحدودية مع مصر التي تقول إسرائيل أنها مليئة بالأنفاق التي تستعمل للتهريب. ورغم كل ذلك يصرح اسماعيل هنية quot; لو أبدتم غزة فلن نستسلم quot;، وكأن المقصود هو الموت من أجل الموت، إلا أنه في واقع الأمر الموت والتدمير من أجل البقاء حكاما منفردين للقطاع، لا يسمحون كما كان قبل الاجتياح الإسرائيلي بأي تحرك أو نشاط لأي فصيل فلسطيني آخر خاصة حركة فتح إلى درجة منع وقمع محاولة الاحتفال بذكرى وفاة الرئيس ياسر عرفات، كل ذلك مقابل مقتل 13 إسرائيليا من بينهم عشرة عسكريين.
وأخيرا وقف إطلاق النار،
من جانب واحد هو إسرائيل، وبعد ساعات قليلة أصدرت الفصائل الفلسطينية بيانا أعلنت فيه:
quot; نعلن نحن فصائل المقاومة الفلسطينية عن وقف لإطلاق النار من طرفنا في قطاع غزة، ونؤكد على موقفنا ومطلبنا بانسحاب قوات العدو من قطاع غزة خلال أسبوع مع فتح جميع المعابر والممرات...وفي ضوء ذلك نحن مستعدون للتجاوب مع أية جهود وخاصة المصرية والتركية والسورية والقطرية للوصول إلى اتفاق محدد يلبي مطالبنا المعروفة برفع الحصار بشكل نهائي وفتح جميع المعابر بما فيها معبر رفح quot;. من المهم التوقف عند كلمات هذا البيان الصادر عن حماس أساسا، فهو يؤكد على أن الهدف الذي تسعى إليه حماس هو رفع الحصار وفتح المعابر فقط، فبماذا تختلف إذن عن مطالب السلطة الفلسطينية؟ وما هي حيثيات الخلاف سوى السيطرة والحكم الذي أوجد للشعب الفلسطيني إمارة حماس في القطاع وسلطة عباس في الضفة؟ أي أنه صراع لا علاقة له بتحرير ما أو إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضي 1967 طالما يتمتع الحماسيون بحكم القطاع والسيطرة عليه بانفراد ديكتاتوري قمعي لكل من يخالفهم، ومن ينسى هروب حوالي 150 من عناصر وكوادر وقيادات فتح إلى إسرائيل قبل الاجتياح الحالي بشهور قليلة، أي أنه في لحظة ما كان الاحتلال الإسرائيلي عند بعض الفلسطينيين أرحم من القوة التنفيذية لحركة حماس...وهل هناك مسخرة مدعاة للبكاء أكثر من ذلك؟
نصر إلهي أم هزيمة منكرة نريد تقرير،
فينوغراد غزّاوي أي من حركة حماس تحديدا، بنفس جرأة وشجاعة تقرير فينوغراد الإسرائيلي، ليعطينا التفاصيل والوقائع والحيثيات التي تجعلنا نعرف هل حققنا نصرا إلهيا جديدا أم هزيمة تضاف لنكباتنا بفعل قياداتنا أكثر من كونها من فعل الاحتلال...سننتظر هذا التقرير الغزّاوي الذي أغلب الظن أنه لن يصدر..وآمل أن يكون بعض ظني إثما ويصدر هذا التقرير!!.
[email protected]