الكتابة عن العلاقات العربية الإيرانية في مختلف وسائل الإعلام العربية، أصبح منذ حكومة أحمدي نجاد شبه يومية، بسبب أن المحافظين جدا من الملالي أفصحوا بوضوح من خلال واجهاتهم السياسية عن طبيعة رؤاهم تجاه جيرانهم العرب، تلك الرؤى التي لا تخلو من عنصرية فارسية لا تقيم احتراما للجوار العربي، فهي عنصرية مبنية على الغطرسة والاحتلال والتوسع الذي لا تخفيه العديد من القيادات الإيرانية. وقد استعملت القيادات الإيرانية أساليب ذكية في التوسع بين الجماهير العربية مستغلة مسألة لها أيضا اهتمامات عاطفية فقط بين الجماهير العربية وهي:
القضية الفلسطينية
من خلال الجعجعة الإعلامية الخاصة بالاسطوانة المشروخة شبه اليومية لأحمدي نجاد المتعلقة بإنكار المحرقة اليهودية والتهديد برمي اليهود في البحر من خلال صواريخه القادرة على شطب إسرائيل من الوجود حسب تصريحاته. وهذه التصريحات منذ تولى نجاد السلطة تكررت مئات المرات، فيكاد لا يخلو تصريح أو خطاب له من هذه الجعجعة التي لم تحرر شبرا من فلسطين، ولم تشطب أية مستوطنة إسرائيلية ولم ترفع ساعة من الحصار على الشعب الفلسطيني، بالعكس أكسبت دولة إسرائيل مزيدا من التعاطف الدولي تجاه من يعلنون صراحة استعدادهم لشطبها من الوجود، وهم غالبية المجتمع الدولي بما فيه الدول الكبرى صاحبة الفيتو في مجلس الأمن الدولي، و ضمن خطة استغلال القضية الفلسطينية عاطفيا وخطابيا بين الجماهير العربية كانت الدعوات شبة الشهرية لقيادات حماس خاصة خالد مشعل لزيارة طهران ولقاء خامئني شخصيا.
وماذا بعد تهدئة حماس مع إسرائيل؟
لذلك ولاستمرار استغلال القضية الفلسطينية والتهديد الخطابي فقط بمحو إسرائيل، وبعد دخول التهدئة بين حماس و إسرائيل شهرها الرابع، والمحادثات المتواصلة عبر الوسيط المصري لإنجاز صفقة تبادل الأسرى، ولأن هذا الوضع لا يساعد التوجه الإيراني الذي يعتمد على البلاغة والخطابة فقد نقلت جريدة quot;القدس العربيquot; اللندنية يوم التاسع والعشرين من أغسطس الماضي تقريرا يفيد بأن إيران تحاول quot; المشاغبة قدر الإمكان على الإسرائيليين وفي السياق قدمت قبل أسابيع، دعما خاصا للجهاد الإسلامي في قطاع غزة، لإضعاف التهدئة التي نفذتها حركة حماس مع الإسرائيليين، وهو أمر تسبب بنزاعات في القطاع بين الحركتين، تصرفت معها حماس بحزم بعدما رصد الجميع تباعدا في المسافة بين طهران والزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل، عبر انطلاق قطار الاتصالات السوري الإسرائيلي عبر القناتين التركية والفرنسية quot;. ومن الواضح أن هذه التصرفات الإيرانية ليست سياسة استراتيجية لدعم القضية الشعب الفلسطيني بقدر ما هي مشاغبات لضمان استمرار التوتر الذي يخدم الجعجعة الإيرانية، التي تدرك أنه غير مسموح لها دوليا بامتلاك الأسلحة النووية، وإن امتلكتها فلن تستطيع استعمالها لأن هذا يعني قتل الفلسطينيين والإسرائيليين معا، كما حصل في إطلاق صواريخ حزب الله أثناء حرب تموز 2006 حيث كان عدد القتلى من فلسطينيي إسرائيل أكثر من قتلى الإسرائيليين. والدليل على الكذب والخداع الإيراني أنهم لم يتلفظوا بكلمة ضد الاتصالات السورية الإسرائيلية العلنية منذ شهور، فهم متقلبون حسب المصلحة الإيرانية فقط. والدليل على ذلك أنه رغم الحرب الكلامية والتشدق بشطب إسرائيل فالاتصالات الإيرانية الإسرائيلية لم تنقطع منذ صفقة الأسلحة الإسرائيلية للخميني أثناء الحرب العراقية الإيرانية في تسعينيات القرن الماضي...وقبل انكشاف الصفقة الفضيحة من كان يمكن أن يصدق هذه المعلومات، التي أكدّ الحسن بني صدر اعتراف الخميني بها وتبريرها إسلاميا وقرآنيا!!....ورغم كل هذه الحقائق إلا أننا بدأنا نعيش ظاهرة:
عرب تفرّسوا أكثر من الفرس
ويمكن رصد هذه الظاهرة من تعليقات بعض القراء العرب إن كانوا عربا وليسوا إيرانيين من عملاء النظام الإيراني، ينسقون عملهم للتعليق على المقالات التي تفضح ممارسات نظام الملالي بأسماء عربية، للمزيد من التمويه والتضليل، هذا مع عدم نفي وجود عرب خاصة من العراقيين أكثر ولاء لنظام الملالي من أية عروبة وأي عراق. وكأمثلة على هولاء العرب الفرس أكثر من الفرس أنفسهم، سأقدم نماذج من تعليقاتهم على مقالتي الأخيرة التي كانت بعنوان quot; نوايا إيران: توسع واحتلال في الجوار العربيquot;:
أحمد حسن
هذا القارىء الذي يفترض من اسمه أنه عربي، نشر تعليقا على المقالة يقول فيه: quot;..بالنسبة للخليج فلا أعرف إذا كان أبو مطر متجاهل لتاريخ واسم الخليج الذي اسمه الخليج الفارسي في كل الكتب القديمة وكل التفاسير السنية تجد اسم بحر الفرس يطلق على الخليج والبحر الأحمر، وبحر الروم يطلق على البحر الأبيض المتوسط، واسم الخليج العربي فتنها زرعها صدّام quot;. وعاد نفس أحمد حسن ليصدر شهادة تملك لإيران لكافة مناطق الخليج العربي بما فيها العراق، إذ كتب في تعليق آخر يقول: quot; الأهواز كانت تحت حكم الإيرانيين منذ الأزل، حكمها العرب في يوم من الأيام. الفرس كانوا يحكمون العراق ووادي الرافدين منذ ألاف السنين عندما دخلها العرب بعد الفتوحات الإسلامية. أبسط دليل على كلامي أنّ كلمة بغداد كلمة فارسية أصلها باغ داد quot;.
معاذ
القارىء الذي علّق بهذا ألاسم كتب يقول. quot; يجب إعادة الخليج الفارسي إلى إيران لأنها جزء من إيران التاريخية والجغرافية والسياسية، لأن هذا الخليج أصبح أمريكيا وإسرائيليا وهنديا أكثر من كونه عربيا مسلما quot;.
ألإيلافي
قارىء بهذا التوقيع كتب يقول. quot; هل تحررت فلسطين، وما بقي علينا إلا الجزر القاحلة؟.quot;
هذه النماذج العربية المتفرّسة تذكرك بالدعاية الصهيونية حول quot; أرض الميعاد التي وعد بها الله شعبه المختارquot; و quot; أنّ فلسطين أرض بلا شعب منحها الله لشعب بدون أرض quot;. إنه من غير المعقول أن هكذا أصوات عربية تصدح وتغني بنفس أكاذيب النظام الإيراني، وبصوت أعلى وأكثر نشازا من أصوات أزلام نظام الملالي أنفسهم. فالقارىء الذي وقّع باسم أحمد حسن، يتحفني يوميا بما لا يقل عن خمسة رسائل يوميا عبر بريدي الإليكتروني كلها مختارات من مقالات من وسائل الإعلام الإيراني وغيره، كلها دفاعا عن النظام وتصويره كأنه أفضل من جمهورية أفلاطون الفاضلة، مستغربا هذا التفرغ للدفاع عن نظام الملالي دون كلمة واحدة عن تخريبه في العراق رغم أنه يشتم من تعليقاته أنه عراقي....
من يده بالنار غير من يده بالماء
هذا في حين أنّ القراء من عرب الأحواز الذين علقوا على المقالة، كانت تعليقاتهم تفيض ألما وغيظا من ممارسات نظام الملالي الذي يحتل وطنهم منذ عام 1925 ويمارس حتى اليوم بحقهم تطهيرا عرقيا واضحا...وفعلا من حق نظام الملالي أن يستكبر ويتغطرس على جواره العربي عندما يجد أصواتا عربية خاصة من العراق فارسية أكثر من الفرس أنفسهم.
إهداء إلى العرب والمتفرسين
هذا الإهداء هو ما بثته وكالة الأنباء الإيرانية quot; مهر quot; يوم ألأحد الثالث عشر من يوليو الماضي حيث قالت: quot; إنّ المناورات التي أجرتها قوات الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج، تحمل رسالة تاريخية للعالم عامة والأمة الإسلامية والعربية خاصة مفادها أنّ أحفاد سلمان الفارسي سيعيدون الأمجاد إلى العرب والمسلمين بعد مئات السنين من الخمول والوهن والانبطاح الذي أصاب هذه الأمة quot;.....فمبروك على العرب والمسلمين هذه الجعجعة الكلامية بدون طحن على الواقع سوى استمرار احتلال الأراضي العربية والتهديد بالتوسع فيها.
ووزعت نفس الوكالة الإيرانية مع الخبر نفسه مقالة لأحد كتابها، هاجم فيها العرب جميعا بأقذر الكلمات والأوصاف، إذ قال: quot; من المؤسف أنّ ألأمة العربية بات شغلها الشاغل تهجين الجمال وانتخاب ملكة جمال الإبل والسهر في الملاهي وقضاء الليالي الملاح في البلدان الغربية، رغم أنّ شعوبا أخرى من هذه الأمة مثل الشعب الفلسطيني والعراقي والأفغاني تقبع تحت نير احتلال الصهاينة والأمريكان quot;.
والملاحظ أن الكاتب حفيد سلمان الفارسي قد أضاف الشعب الأفغاني للشعوب العربية، لا أدري عن جهل أم قصد ذلك لتعويض العرب نظريا عن الأراضي العربية التي يحتلها نظام الملالي...ورغم كل هذا الخلط من قبل العرب المتفرسين سيظل الخطر الإيراني ماثلا، لست وحدي من يكتب عنه فهناك العديد من السياسيين والأكاديميين العرب من مختلف الجنسيات والتوجهات السياسية الذين يحذرون من هذا الخطر الذي أصبح نفيه صعبا رغم تعالي صوت الجعجعات الخطابية والعاطفية لنظام الملالي وأزلامه.
[email protected]