قمة طارئة في الدوحة بمن حضر غاب عنها اللاعبون الأساسيون في الساحة العربية، وأسهمت في شرخ جديد في العلاقات بسبب غياب رئيس السلطة الفلسطينية، وبدلا منه حضور وجاهة لخالد مشعل ورمضان شلح وأحمد جبريل، وكأنهم هم السلطة الشرعية الفلسطينية، في حين أنّ شخصا مثل أحمد جبريل ودكانته المسماة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أيديهم ملطخة بالدماء الفلسطينية بما لا يقل عن جيش الاحتلال، خاصة في حربي المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1985 و 1987، وما زال يحتفظ بقواعد عسكرية في البقاع اللبناني مهددا السيادة والوفاق في لبنان، و إلا ما معنى ولزوم هذه القواعد التي لا تطلق منها أية رصاصة واحدة على جيش الاحتلال؟ بل يقوم سكانها باستفزاز الجيش اللبناني من حين إلى آخر خدمة لأوامر وأجندات إقليمية، و إلا لماذا لا يجرؤون على فتح هكذا قواعد في أية دولة عربية بما فيها سورية حيث تتواجد قياداتهم اللاوطنية. وكانت قمة الوجاهة في المنصة الرئيسية بقمة من حضر في الدوحة حضورممثل الملالي الإيرانيين أحمدي نجاد الذي تحتل جمهوريته الإسلامية الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971، والسؤال المثير للعجب والسخرية هو : ما دخل هذا المحتل بقمة عربية ستبحث وضع قطاع غزة في ظل اجتياح الاحتلال الإسرائيلي، ومتى كان هناك احتلال مقبول نصفق له واحتلال مرفوض نقاومه؟. وهل سبق أن دعت دولة الاحتلال الايراني أي مسؤول عربي لحضور أي مؤتمر إيراني؟
قمة خليجية في السعودية
وقبل قمة بمن حضر في الدوحة، عقدت قمة خليجية في الرياض يوم الخميس الخامس عشر من يناير بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكانت المفاجأة حضور كافة قادة دول الخليج العربي بمن فيهم سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكان حضوره إلى الرياض يوما واحدا قبل القمة العربية المنتظر عقدها في عاصمة بلاده، خطوة حكيمة دلت على بعد نظر متناسيا أية حساسيات وخلافات عربية، وقد أسست خطوته هذه، والإشارات التي أرسلها خادم الحرمين الشريفين في تصاعد إشارات المصالحة العربية، التي برزت مظاهرها في قمة الكويت الاقتصادية التي افتتحت يوم الاثنين التاسع عشر من يناير 2009، و شاركت فيها كافة الدول العربية بحضور 17 رئيسا وأميرا وملكا. وقد أعطى خادم الحرمين الإشارات القوية الواضحة لضرورة نسيان الماضي وتجاوز الخلافات العربية، خاصة أن خطابه جاء بعد خطاب الرئيسين حسني مبارك وبشار الأسد اللذين اعتقد بعض المراقبين أنهما لا يوحيان بأي تقارب أو مصالحة، فجاءت المفاجأة في خطاب العاهل السعودي الذي أكد على أساسيات مهمة، تجد إجماعا عربيا خاصة في ما يطلق عليه معسكر الممانعة،من هذه الأساسيات:
أولا: إن المبادرة العربية للسلام لن تبقى على الطاولة وأن الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحا في كل وقت.
ثانيا: وصفه الواضح للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بالغادر والذين قاموا به quot; عصابة إجراميةquot;.
ثالثا: إننا جميعا ومن دون أن استثني أحدا مسؤولون عن الوهن والضعف في تضامننا، ومن المهم تجاوز الخلافات العربية وفتح باب الوحدة.
نداءات لاقت قبولا
عقب خطاب العاهل السعودي شهدن قاعة المؤتمر الذي ترأسه سمو أمير الكويت انفراجا، عبرت عنه الابتسامات على وجوه القادة ولقاءاتهم العلنية خاصة ذلك اللقاء الذي ضمّ الرئيس المصري والعاهلين السعودي والأردني والرئيس السوري وأمير دولة قطر وملك دولة البحرين، وأهمية ذلك أن هؤلاء القادة الستة يمثلون غالبا تمثيل المحورين المتصارعين في الساحة السياسية العربية. ورغم هذه المظاهر المريحة والمشجعة، إلا أن السؤال المركزي هو هل ما شاهدناه من مظاهر وابتسامات دليل على:
مصالحة دائمة أم خلافات نائمة؟
الجواب على هذا السؤال لا يخضع لأمنيات وتطلعات الشعوب العربية التي ملت الانقسامات والمشاحنات، وإنما هو رهن المعطيات المطروحة بين الدول العربية وتخلق تكتلات معينة متصارعة في الغالب. ومن أهم هذه المعطيات:
العلاقات السورية الإيرانية
من الواضح أن علاقات النظام السوري المتميزة مع النظام الإيراني هي من أسباب الخلافات والاصطفافات العربية، خاصة أن هذه العلاقات تأتي والنظام الإيراني ما يزال يحتل أراض عربية في الأحواز والجزر الإماراتية الثلاثة، ويستمر في تهديداته لدول الخليج العربي، وتدخله في شؤون كل الدول العربية بلا استثناء خاصة مصر، فيندر أن يمرّ أسبوع دون تصريح من مسؤول إيراني خاص بالشؤون المصرية، من وضع الإخوان المسلمين إلى معبر رفح، وقد دخلت على الخط الإسبوع الماضي زوجة أحمدي نجاد عبر مخاطبتها للسيدة سوزان مبارك طالبة منها ( نصيحة زوجها بفتح معبر رفح ). ومن الواضح حتى الآن أن النظام السوري لا توجه لديه بفك ارتباطه بالنظام الإيراني، لأن هذا الارتباط الذي من علاماته دعم حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، حقيقة لا يهدف لدعم مقاومة حقيقية بقدر ما هو توتير الأوضاع الإقليمية التي تؤجل فتح الملف النووي الإيراني على مصراعية وملف المحكمة الدولية الخاصة بقتلة رفيق الحريري، وهذا الملف يزعج النظام السوري لدرجة عالية، لأن ردود فعل النظام توحي أنه خائف أن تطاله يد العدالة الدولية في هذا الملف، لذلك فمن مصلحته تأجيل هذا الملف قدر الإمكان، سواء باستمرار التوتر في لبنان وقطاع غزة أو تصعيد الارتباط بالنظام الإيراني لدرجة التحالف.
الورقة الفلسطينية للمزايدات
وضمن معطيات الصراع والاصطفاف، تستخدم الورقة الفلسطينية خاصة الموقف من حكومة حماس عقب انقلابها وسيطرتها على القطاع في يونيو 2007، فتتم أحيانا تصفية خلافات سورية مصرية أو سورية سعودية من خلال تأييد حماس على حساب السلطة ألفلسطينية أو العكس، في حين أن المنطق أن تقف كل الدول العربية مع السلطة الفلسطينية كشرعية فلسطينية وحيدة، ومن خلال ذلك تجري محاولات لم الشمل الفلسطيني. وفي هذا المجال بذلت المملكة السعودية جهدها الذي أثمر توقيع اتفاق مكة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في فبراير 2007، وما إن غادر الطرفان السعودية حتى تنصل كل واحد منهم من هذا الاتفاق، وكذلك فقد رعت مصر وما زالت عشرات اللقاءات بين السلطة الفلسطينية وحماس، وما زالت هذه المحاولات واللقاءات جارية حتى هذه اللحظة، دون أن تثمر أي تقارب بين الطرفين الفلسطينيين، وهذا أمر طبيعي لأن حوارا لم ينجح بين طرفين فلسطينيين وهما بين شعبهما ورائحة دم الشهداء والضحايا تملأ الأنوف، والدمار يعم كل ركن وزاوية، لن ينجح لا في مصر ولا السعودية ولا في جزر القمر.
لذلك وضمن المعطيات السابقة فإن حصيلة القمم واللقاءات العربية السابقة هي: خلافات نائمة وليست مصالحة دائمة... وأتمنى أن أكون مخطئا ، عندئذ سأعتذر للحكام العرب وأهتف بحياتهم جميعا: بالروح بالدم نفديكم كلكم بدون استثناء.

[email protected]