أصبح منذ سنوات طويلة إلصاق التهم والإساءات هي أسهل وأروج ما في الإعلام العربي، فعند أي خلاف في وجهات النظر تجد دوما من يتهم الطرف الآخر بتهم أبسطها العمالة والخيانة، وهذا السلوك اللا أخلاقي ليس مقصورا على الأشخاص فقد تبنته كسياسة وسلوك التنظيمات والأحزاب العربية خاصة التنظيمات الفلسطينية، إلى حد يستحيل أن تجد تنظيما لم يتهم بالعمالة والخيانة والتجسس من قبل تنظيم آخر. وخير مثال على هذا السلوك المتدني هو الاتهامات التي تم تبادلها بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة، فعند التمعن في تفاصيل تلك الاتهامات المتبادلة من كل طرف للآخر، يبدو وكأن حركة حماس والسلطة الفلسطينية مجرد مجموعة من الخونة والعملاء والجواسيس للاحتلال الصهيوني....فهل هذا منطقي وأخلاقي؟.
مساهمة الإعلام الإليكتروني في هذا التلفيق
وقد راجت الأيام الأخيرة في بعض المواقع الإليكترونية إشاعة ملفقة بغباء شديد تحت عنوان:
quot; أسماء الكتاب العرب الذين نشر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية مقالاتهم في حرب غزةquot;
واجتهدت مواقع أخرى لنشر هذه الإشاعة بإثارة أكثر تحت عنوان:
quot; أسماء الكتاب العرب الذين يتقاضون رواتبهم من وزارة الخارجية الإسرائيلية quot;
ولبيان الحقيقة و احتراما لعقول القراء العرب، من المهم إبداء الملاحظات التالية التي غابت عن مروجي هذه الإشاعة وهذا التلفيق:
أولا: عدت للموقع المذكور فلم أجد قائمة بهذه الأسماء كما ادعت بعض المواقع العربية، على أنها أسماء الكتاب العرب الذين ساندوا العدوان الإسرائيلي الهمجي ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة. هناك في الموقع زاوية تحت عنوان ( مقالات رأي )، يختارون مقالات لكتاب عرب من مختلف الأقطار فيها أي نقد للتنظيمات أو الأحزاب العربية ويقومون بنشرها مع ذكر المصدر، وأنا أرى أن هذا اصطياد في الماء العكر، لأنهم كموقع تابع لدولة الاحتلال يريدون أن يوهموا بعض العرب أن هناك كتاب عرب يؤيدون الاحتلال. في حين أن أي قارىء لو عاد لغالبية تلك المقالات للعديد من الكتاب العرب، لوجد أنها لا تخرج عن ميدان النقد والنقد الذاتي، و إلا فعلينا أن نخرس خوفا من أن يعيد ذلك الموقع نشر مقالاتنا، وهذا يعني السكوت على كل الأخطاء والسلبيات في حياتنا العربية. وقياسا على هذه الحالة هل يمكن اعتبار الكتاب الإسرائيليين الذين ينتقدون حكومتهم وقادتهم ويعيد الإعلام العربي نشر مقالاتهم، بأنهم عملاء للدول والأحزاب العربية؟.
ثانيا: فيما يتعلق بي أتحدى أن يكون ذلك الموقع المشبوه قد نشر لي أية مقالة أثناء الاجتياح الهمجي لقطاع غزة، لأنني في كل مقالاتي أثناء تلك الفترة في موقع إيلاف، كنت أصف ذلك الاجتياح بالهمجي والوحشي وأن القائمين عليه يرتكبون جرائم ترقى لحد الإبادة البشرية، ويجب أن يقدموا لمحاكم العدالة الدولية، وهذا ما لا يجرؤ ذلك الموقع على نشره، وإن نشره بكل توصيفاتي المذكورة للهمجية الإسرائيلية سوف أشكرهم على ذلك، ويستطيع أي قارىء أن يعود لمقالاتي تلك في موقع إيلاف .
طبعا وكي أكون دقيقا وموضوعيا، لا تخلو مقالاتي تلك من نقد واضح لحركتي حماس وفتح والسلطة الفلسطينية، إذ لم يرتقوا لمستوى تحديات ذلك الاجتياح الهمجي، وظلوا مستمرين في حملاتهم ضد بعض واتهاماتهم لبعض بالخيانة والعمالة، فإذا نحن من وجهة نظرهم أمام شعب فلسطيني كله خونة وعملاء.
ثالثا: من المهم أن نتحرى الدقة والموضوعية فليس كل نقد يهدف للمصلحة الوطنية، يدخل في خانة مصلحة الاحتلال الهمجي، فمثلا مقالتي الأخيرة في موقع إيلاف، كانت بعنوانquot; متى يصدر تقرير فينوغراد الغزاوي؟ quot;. طالبت فيها أن تتجرأ حركة حماس والمسؤولون الفلسطينيون على دراسة ذلك الاجتياح ونتائجه، تماما كما قامت دولة الاحتلال بدراسة ظروف ونتائج حربها ضد حزب الله في تموز عام 2006، وصدر تقرير في ستمائة صفحة عرف باسم القاضي الإسرائيلي quot; فينوغرادquot;، وتضمن التقرير نقدا قاسيا لأغلبية قيادات الدولة الإسرائيلية...فمتى نجرؤ على ذلك في حياتنا العربية؟.
رابعا: أنا متأكد أن بعض أسماء الكتاب العرب الذين وردت أسماؤهم في قائمة التلفيق تلك، لم ينشروا أية مقالة منذ ثلاثة سنوات على الأقل، فكيف ترد أسماؤهم على أنهم كتبوا دعما للعدوان الإسرائيلي الهمجي قبل أسابيع؟
خامسا: هذه القائمة الملفقة لا يمكن مطلقا أن يتم نشرها في الإعلام الغربي بخصوص كتاب وصحفيين غربيين، لأنه في الدول الأوربية والأمريكية السيادة للقانون، و لا تجرؤ جريدة أو موقع غربي على نشر هكذا قائمة إلا إذا كان لديها صورة عن التحويلات المالية والشيكات القادمة لكل شخص، لإثبات ذلك عند اللجوء للقضاء، فهل يملك أي موقع عربي ممن نشر تلك التلفيقات إثباتات على ما نشره؟. والملفت للنظر أن موقعا اليكترونيا أردنيا ربما كان هو البادىء بنشر هذا التلفيق مركزا على اسمين لكتاب أردنيين معروفين، وأرسلت أنا توضيحات لهذا الموقع ولم يتم نشر ما أرسلته، ولكن فجأة تم إزالة الخبر والأسماء نهائيا من الموقع مع أنّ أخبارا سابقة وقديمة ما زالت في الصفحة الأولى للموقع، مما يدلّ على أن حذف الخبر تمّ بقرار من مسؤولي الموقع، خاصة أنهم سمحوا بنشر تعليقات أغلبها شتائم بحق الكاتبين المذكورين، وهذا لا يليق بأية وسيلة إعلامية تتوخى الموضوعية والمهنية، لأن السؤال المنطقي هو: ما هي رسالة الإعلام؟ نشر الشتائم أم توخي الحقيقة التي تهدف للتصحيح والبناء؟.
سادسا: هل يستطيع أي موقع عربي ممن نشر تلك التلفيقات أن يقدم إثباتات على ذلك؟. وهذا من حق ممن وردت أسماؤهم، لأننا أساسا لو كنا نعيش في دول تحترم القانون وحقوق الإنسان لكان من السهل تقديم القائمين على تلك المواقع للتحقيق والقضاء، ولكن في ظل الفوضى وغياب القانون لا نستغرب هذه الفوضى القائمة على عدم الخلق والأخلاق. وأستغرب لماذا لا تقوم أجهزة الأمن والقضاء في تلك الدول العربية بالتحقيق مع هؤلاء الكتاب والطلب من مسؤولي تلك المواقع تقديم الإثباتات على ما نشروه من تلفيقات.
تلك التوضيحات كانت ضرورية إحقاقا للحق ومساهمة في كشف الحقيقة، وربما يتعظ البعض فلا ينشروا أية معلومات إلا ولديهم الوثائق التي تثبت دعواهم، لأنه ليس هناك أسهل من اتهامات الخيانة والعمالة بدليل ما تمّ بين فتح وحماس والسلطة الفلسطينية، والله المستعان في وطن عربي وصفه دريد لحام quot; غوار الطوشة quot; بأنه quot; حارة كل من إيدو إلو quot;!!.
[email protected]