الحلقه الاولى
هيكل: انتقائية حسب المصالح الشخصية (2/2)
هشام خضر وكتابه quot;عبد الناصر وعلاقاته الخفية quot;
(ملاحظة: أنا في هذه الحلقة الثانية لا أتهجم على أحد، ولا أتهم أحدا.أنا دوري هنا هو نقل معلومات موثقة في هذا الكتاب الذي صدر في القاهرة، لأقدم دليلا على أن هيكل انتقائي في كتاباته عندما يتجاهل هذه المعلومات التي أغلبها تدينه هو و شخصيات عمل معها وعاصرها...فلماذا سكوته عنها وتجاهله لها نفيا أو تأكيدا؟. لذلك فمن عنده احتجاج فليرسله للمؤلف. أنا ناقل للمعلومات وناقل المعلومات ليس مسؤولا عنها تماما كما أنّ ناقل الكفر ليس بكافر).
دليل جديد على انتقائية هيكل وتضليله أحيانا وسوء استعماله لما بين يديه من معلومات يقدمها الكاتب المصري (هشام خضر) في كتابه:
عبد الناصر وعلاقاته الخفية بالموساد والمخابرات الأمريكية *
هذا الكتاب يتعرض لفترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر (1952 ndash; 1970)، مركزا على الاتصالات والعلاقات الخفية بين عبد الناصر ورجال نظامه بالموساد والمخابرات المركزية الأمريكية ومن بينهم محمد حسنين هيكل، وهو كتاب مثير في معلوماته المسندة لمصادرها كتبا أو وثائق أو شخصيات عاصرت المرحلة، وكان لها دور مؤثر فيها بحكم موقعها في السلطة وقربها من عبد الناصر. يقول الناشر في صفحة الغلاف الأخير للكتاب معرفا به: quot; هذا أول كتاب يكشف النقاب عن علاقة عبد الناصر بالموساد والمخابرات الأمريكية بالأدلة والوثائق ومن خلال رموز عهده وأنصاره أمثال: محمد حسنين هيكل وأحمد حمروش وعبد اللطيف البغدادي وأمين هويدي و خالد محيي الدين وإبراهيم عزت والدكتور ثروت عكاشة..كما يكشف المؤلف الكثير من خفايا السياسة في مصر خلال العهد الناصري ودور عبد الناصر التاريخي في تحقيق الأهداف الصهيونية والأمريكية في المنطقة quot;. والملاحظ أنه بعد مرور خمسة سنوات على صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، لم يرد محمد حسنين هيكل أو أي كاتب من كتاب الناصرية على ما ورد فيه، حتى أسرة الرئيس جمال عبد الناصر بما فيهم ابنته الدكتورة هدى جمال عبد الناصر التي كانت مسؤولة عن وحدة دراسات الثورة بالأهرام التابعة لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، لم ترد على أي من معلومات هذا الكتاب ووثائقه، رغم أنها كانت مهتمة بالرد على أمور تبدو شكلية وأقل أهمية فقط لأنها تتعلق بالرئيس عبد الناصر، كما حدث في يوليو عام 2002 إذ قدمت استقالتها من مركزها المذكور لخلافها مع الأهرام لأنها حسب قولها قامت ب quot; انتزاع مقولات للرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن العلاقات المصرية ndash; الأمريكية من خلال نشر المحاضر السرّية لجلسات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي quot;. وكانت الأهرام قد بدأت بنشر هذه المحاضر في الثامن عشر من يوليو 2002 ممهدة لذلك بمقال للدكتورة هدى عبد الناصر، وكان اعتراضها على عنوان المقال: (بعد قبول مبادرة روجرز، عبد الناصر يعلن أنه ليس مستعدا لكي يقف ضد أميركا). هذا رغم أنه في المحضر الرسمي لاجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، ورد على لسان الرئيس عبد الناصر حرفيا: quot; إحنا مش مستعدين ندخل دلوقت في معركة مع أميركا لسبب بسيط..إذا حصل تغيير في سياسة الولايات المتحدة فلا يمكن أن يحدث فجأة quot;. والملاحظ أن هذا النص يرد في المحضر الرسمي، وكان اعتراض الدكتورة هدى أن يكون ذلك عنوانا للمقال، أي لا مانع أن يرد ذلك في ثنايا المقال ولكن لا يكون عنوانا للمقال، وبناءا على ذلك قدمت استقالتها من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام، ولا أجد تفسيرا لذلك إلا أنه ربما كانت رؤيتها أن ورود هذا الاعتراف من الرئيس عبد الناصر في ثنايا المقال لن يلتفت له كل القراء، أما وروده في عنوان المقال سيلفت نظر غالبية القراء فيعمدون لقراءة باقي التفاصيل في المقال ذاته. لذلك أبدى الصحافي عزت السعدني المسؤول آنذاك على ملف quot; 50 سنة ثورة quot; استغرابه من تقديم هدى عبد الناصر استقالتها، وقال إن الأهرام سيواصل في الملف نشر إنتاج وحدة دراسات الثورة وهي أوراق بخط يد عبد الناصر quot;. ndash; تفاصيل هذه القضية في العدد 8635 من جريدة الشرق الأوسط اللندنية الصادر بتاريخ 20 يوليو 2002. أليس غريبا ومدعاة للتساؤل تقديم استقالة على مسألة شكلية رغم صحة مضمونها والسكوت من عام 2004 حتى اليوم على كل المعلومات والوثائق الواردة في كتاب هشام خضر؟.
ومن المعروف أن موافقة عبد الناصر،
على مبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي في زمن ولاية الرئيس ريتشارد نيكسون، جاءت في يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 أي في العيد الثامن عشر لما يعرف ب quot; ثورة 23 يوليو quot; وكانت المبادرة تنص على وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل، ورفضت كافة الفصائل الفلسطينية آنذاك موافقة عبد الناصر هذه، وشهدت العاصمة الأردنية عمّان تحديدا مظاهرات ضخمة ضد عبد الناصر، وصلت لأبواب السفارة المصرية، وكان رد عبد الناصر وقف بث إذاعة صوت فلسطين التي كانت تبث من القاهرة رغم أنها كانت جزءا من إذاعة صوت العرب لصاحبها أحمد سعيد، أي لا تبث إلا ما ينسجم مع السياسة المصرية في كافة الأمور والمواقف. ووضعت المبادرة قيد التنفيذ من الجانبين المصري والإسرائيلي صباح الثامن من أغسطس لعام 1970، ولكن القدر لم يمهل عبد الناصر طويلا إذ توفي يوم الثامن والعشرين من سبتمبر أي بعد تنفيذ مبادرة روجرز بخمسين يوما، تلك الوفاة التي صاحبها العديد من الآراء والاتهامات، وكان آخر النكات حولها ما أعلنه حاخامات يهود أنهم قتلوا عبد الناصر عن بعد باستعمال السحر الأسود من خلال إدخال 100 مسمار صلب في جسد بهيمة، وهم يرددون بعض الكلمات الغامضة مع كل مسمار يغرسونه، وفي النهاية وضعوا قلب البهيمة على النار كي تتفحم وصار جسدها أسود اللون، وبعد ذلك دفنوه وأعلنوا لتلاميذهم وفاة عبد الناصر. ويلاحظ أن أكبر المشعوذين العرب أكثر عقلانية من هكذا خرافات وخزعبلات يهودية. والسؤال أيضا ماذا كان هيكل سيقول لو أن الموافقة على مبادرة روجرز كانت من رئيس أو ملك عربي آخر، رافق موافقته بقول عبد الناصر quot; إحنا مش مستعدين دلوقت ندخل في معركة مع أمريكا quot;؟.
المهم ماذا يقدم كتاب هشام خضر؟
يؤكد المؤلف في صفحة رقم 9 من الكتاب أنه لا يهدف (سوى كشف النقاب عن وجه الحقيقة التي أراد ناصر وهيكل قتلها، ولهذا نهلنا معلوماتنا من أنصارهم بدلا من خصومهم حتى يخجلوا ويصمتوا ويكفوا عن اتهام الوطنيين والشرفاء بالعمالة والخيانة. فإذا استشهدنا في كتابنا هذا بحقيقة علاقة ناصر مع الأمريكان واليهود من خلال رموز عهده ورجال عصره وأنصاره، فهل نكون بذلك كاذبين؟. وإذا كان الأستاذ هيكل هو أهم مصادرنا فهل نكون بذلك منافقين وأفاقين؟. وإذا استشهدنا بمذكرات الدكتور ثروت عكاشة والناصري أحمد حمروش والثوري عبد اللطيف البغدادي فهل نكون بذلك مأجورين وموتورين؟.وإذا اعتقدنا في معلوماتنا بيوميات جمال عبد الناصر أثناء حرب فلسطين، فهل نكون بذلك محتالين؟.). المهم أن كافة هذه المصادر والأسماء التي يوثقها الكتاب تدين عبد الناصر بسبب علاقاته المشبوهة وهيكل بسبب سكوته أو (تطنيشه) كما يقول المصريون وأحيانا تبريره لكل أعمال الرئيس فيحول الهزيمة واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة إلى مجرد نكسة!!!.
الأسماء التي يكشف الكتاب عن علاقاتها
مع أجهزة المخابرات وتحديدا الأمريكية كثيرة، منها الدكتور محمود فوزي الذي كان مندوب مصر في هيئة الأمم المتحدة في زمن الملك فاروق، واستمر قريبا من عبد الناصر حتى تولى منصب وزارة الخارجية ثم رئاسة الحكومة ثم نائب الرئيس عبد الناصر، مما أثار غضب زملاء عبد الناصر من الضباط الذين شاركوه الانقلاب عام 1952. و ينشر هيكل في كتابه (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) نص وثيقة توضح دور الدكتور محمود فوزي في الاتصالات مع اليهود أثناء توليه منصب مندوب مصر في الأمم المتحدة، و نصّ الوثيقة كالتالي:
وثيقة رقم 2548 / فلسطين ب ب 501
برقية من المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة
من السفير أوستن إلى وزير الخارجية الأمريكي
عقد بروسكار رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية اجتماعين مع محمود فوزي بيك مندوب مصر في مجلس الأمن، وكان فوزي بيك متقبلا بما فيه الكفاية فكرة تشجيع الاتصالات بين العرب واليهود في فلسطين بهدف ترتيب هدنة تيسر ترتيب الأحوال فور انتهاء الانتداب البريطاني، وقال فوزي بيك أنه مخول من القاهرة وفي الغالب من الجامعة العربية أيضا حسب إشارته، بأن يجلس مع وسطاء وممثلين يهود لبحث الوقف كله بدون تعهد نهائي من جانبه)
إمضاء
أوستن
والسؤال هو: لماذا يبقي جمال عبد الناصر أهم رموز العهد الملكي بجانبه وفي أهم المواقع الحكومية من وزارة الخارجية إلى رئاسة الحكومة إلى نائب الرئيس وهو يعرف ارتباطاته هذه؟. والشائع أنّ الذي قدّم الدكتور محمود فوزي لعبد الناصر ودعمه وصولا لتلك المواقع هو محمد حسنين هيكل، وهو يعرف علاقاته وارتباطاته، وبالتالي فهذا التركيز على الدكتور محمود فوزي لا يمكن تفسيره إلا بالحاجة له في الاستمرار في نفس الاتصالات والعلاقات في زمن ناصر ومن بعده السادات.
ويورد الكتاب معلومات مشابهة عن أحمد حسين سفير مصر في الولايات المتحدة في العصر الملكي والناصري الذي كان على علاقة مباشرة مع مدير المخابرات الأمريكية آنذاك كيرميت روزفيلت، وقد أكدّ ذلك هيكل في كتابه (حرب السويس) إذ قال: لقد أحسّ جمال عبد الناصر أنه يريد سفيرا في واشنطن يستطيع مخاطبة الأمريكيين، ولفت نظره الدكتور أحمد حسين وزير الشؤون الاجتماعية الذي كان على صلات قديمة بالأمريكيين...كما أنه تعرف مبكرا على كيرميت روزفيلت، وقرّر عبد الناصر أن يبعث به سفيرا في واشنطن وترك له حق اختيار معاونيه).
وأيضا حسن التهامي الذي كان يعمل
قرب عبد الناصر في رئاسة الجمهورية رغم شكوك وزير الحربية ومدير المخابرات العامة أمين هويدي، وعدم فهمه لماذا يقرب عبد الناصر رجلا كهذا. قال عنه أمين هويدي في كتابه (مع عبد الناصر) ص 80 quot; إنه في مجلس الوزراء بعد الهزيمة، كان ينصحهم ألا يتعبوا أنفسهم في بحث إزالة أثار العدوان، وكان يسخر في هذا الصدد ويقول (لم تجهدون أنفسكم هكذا؟ إنني موقن من إنسحاب اليهود، إن الله سيرسل عليهم طيرا أبابيل تحرقهم!....ولا تسألوني لم استوزره عبد الناصر؟ فهذا سؤال يضاف إلى عشرات الأسئلة التي تحيرني ولا أجد لها جوابا وعزائي أنني لست الوحيد في مصر)...تخيلوا ذلك وهو وزير الحربية ومدير المخابرات ّّ!!. أما الكاتب الناصري المعروف عادل حمودة فيعلق على ذلك في كتابه (عبد الناصر والحروب الخفية مع المخابرات الأمريكية) ويقول: quot; إذا كان رئيس المخابرات العامة في ذلك الوقت محتارا ولا يملك إجابة عن أسئلة يطرحها، فماذا نفعل نحن؟. لعلنا لا نتجاوز إذا ما توصلنا إلى أن جمال عبد الناصر ظلّ يستخدم حسن التهامي في أدوار معينة مع الولايات المتحدة حتى رحيله في سبتمبر 1970 quot;. و quot; حسن التهامي هو الذي تسلم مبلغ ثلاثة ملايين دولار من مايلز كوبلاند وقام بتسليمها إلى جمال عبد الناصر في عام 1953 وهذا ما ذكره أحمد حمروش وأكده هيكل في أغلب كتاباته quot;. و quot; حسن التهامي هو مهندس المفاوضات السرية مع موشي دايان في الرباط التي تمخضت عنها مبادرة السلام الشهيرة التي قام بها الرئيس أنور السادات quot;.
ومحمد حسنين هيكل عليه نفس الاتهامات،
خاصة ممن عرفوه عن قرب مثل الأستاذ محمد جلال كشك الذي يؤكد أن هيكل (أحد أهم عملاء المخابرات الأمريكية مع أستاذه مصطفى أمين، وقد ورد اسمه كثيرا في خطاب مصطفى أمين الوثيقة الذي بعث به إلى جمال عبد الناصر، وقد استشهد فيه بهيكل أثناء لقاءاته مع رجال إل سي آي إيه، بل كان الشريك السري لمصطفى أمين في صياغة بنود اتفاقية البوليس الدولي في سيناء مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي في مبنى أخبار اليوم بعد حرب عام 1956. وهيكل هو الذي التقى كثيرا مع كيرميت روزفلت مدير المخابرات الأمريكية و جيمس إيكلبرجر رئيس شبكة العملاء في السفارة الأمريكية) الذي كان يوقظه من نومه الثالثة صباحا ليسأله عن صحة بعض الأخبار المتعلقة بناصر والسوفيت كما ذكر ذلك هيكل نفسه في كتابه (بين الصحافة والسياسة).
ومن سمع بفضيحة الصحفي إبراهيم عزت؟
هذا الصحفي ذهب في العام 1956 لزيارة إسرائيل مكلفا من صلاح نصر مدير مخابرات عبد الناصر لإجراء مفاوضات مع الإسرائيليين والاستماع لوجهات نظرهم بعلم عبد الناصر وتنفيذا لأوامره، ويورد الكتاب تفاصيل هذه الفضيحة في الصفحات من 81 إلى 95، وهي تفاصيل موثقة مثيرة لا يمكن تلخيصها، والأفضل قراءتها كاملة بالأسماء واعترافات العديد من الشخصيات بما فيهم الصحفي إبراهيم عزت نفسه، والمثير أن الصحافة اللبنانية آنذاك هاجمت عبد الناصر بالاسم هجوما عنيفا لا يتوقعه أحد أن يصدر ضد معبود الجماهير عبد الناصر.
وإذا أردت تلخيص وذكر كل الوقائع المذكورة في الكتاب عن علاقات عبد الناصر مع أجهزة المخابرات تلك فهذا يحتاج للعديد من الصفحات لذلك أكتفي بذكر أهم العناوين:
الفصل الخامس من الكتاب، عن اتصالات ومفاوضات ثروت عكاشة مع الإسرائيليين بأمر من الرئيس عبد الناصر وتفاصيل ذلك في مذكرات ثروت عكاشة بكل تفاصيلها.
الفصل السادس: حمروش وجولدمان وجها لوجه.
الفصول التالية عن العلاقات المشبوهة لرجال ثورة 1952 بالمخابرات الأمريكية حسب اعترافات وكتابات لعدد من رجالها منهم خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة، وأطرف هذه الغرائب قصة برج القاهرة التي يعتمد الكتاب في روايتها على محمد حسنين هيكل نفسه الذي يعترف بأنه تم بناؤه بمبلغ ثلاثة ملايين دولار من المخابرات المركزية الأمريكية، ويؤكد ذلك عادل حمودة حرفيا في صفحة 136 من كتابه (عبد الناصر والحروب الخفية): quot; حمل حسن التهامي الدولارات في سيارته المرسيدس متجها إلى جمال عبد الناصر الذي كان في استراحته بالدور العلوي بمبنى مجلس قيادة الثورة بجانب كوبري قصر النيل quot;. وكل ذلك كي يكون في قمة البرج شبكة اتصالات وتصنت للمخابرات المركزية، وهو ما يؤكده الكثيرون على أن هذه الشبكة موجودة حتى اليوم.
إذن لماذا يتخصص هيكل في مهاجمة الملوك الهاشميين،
ويتهرب من الرد على هذه المعلومات المنشورة في داخل مصر التي تدينه صراحة بمجمل علاقاته التي توسع الكتاب في ذكرها فاضحا ألاعيب هيكل وتجنيه حتى على شخصيات مصرية منها الرئيس محمد نجيب الذي كسب قضية ضد هيكل في عام 1972، طبعا بعد وفاة الرئيس عبد الناصر لأنه في حياته ما كان قاض أو محكمة تتجرأ على مناقشة أو محاكمة مستشار معبود الجماهير.
وعودة للحلقتين اللتين هاجم فيهما،
الملك حسين فلا بد من الإشارة إلى ضعف أدلته خاصة أنه كان يحرك أوراقا أمام الكاميرا مدعيا أنها وثائق، ولا يستطيع إلا الله تعالى التأكد من ذلك خاصة أن بعض الأوراق كانت بيضاء وأكثر بياضا من قلب هيكل. ومن تابع الحلقتين بدقة يلاحظ أنه كان متذبذبا بين الإشادة بالملك حسين والهجوم عليه، وفي الوقت نفسه يفسر بعض الأحداث على هواه. فما هو العيب أو الخلل في ذهاب الملك حسين للقاهرة ولقاء الرئيس عبد الناصر ووضعه الجيش الأردني تحت تصرف عبد الناصر؟ هذا رغم تحذيرات الملك حسين لعبد الناصر أن لا ينجر وراء المعلومات التي تأتيه من الضباط البعثيين، وقد ثبت لاحقا صحة هذه التنبيهات، ورغم ذلك مضى عبد الناصر نحو الهزيمة برجليه ويديه، عندما طلب سحب القوات الدولية من سيناء وقطاع غزة وإغلاق مضائق تيران، وهو يعرف عدم جاهزية الجيش المصري لمواجهة الجيش الإسرائيلي، ورغم ذلك كان هيكل وأحمد سعيد يمارسان كذبا مفضوحا ولا أخلاقيا وهما يوصلان عدد الطائرات الإسرائيلية التي تمّ إسقاطها إلى ما يفوق المئة وخمسين، والشارع العربي يصفق ويهلل لأن الغوغائيين في صوت العرب وشريكهم هيكل أعطوه الانطباع أن الجيش المصري على أبواب تل أبيب، وإذا به كان قد انسحب من سيناء كاملة تاركا إياها للجيش الإسرائيلي بدون قتال يذكر، وأغلبية الطائرات المصرية تمّ تدميرها في قواعدها، والمشير عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري في سهرة متعة ساخنة في شقة الممثلة برلنتي عبد الحميد.
ويحاول هيكل أن يكون عالم نفس أيضا فيتهم الملك حسين بانفصام الشخصية رغم أنّ سياسات ومواقف الملك حسين كانت واضحة سواء لمن أيدها أو من خالفها، وعالم النفس هيكل هو نفسه من مارس نفس الدور مع الرئيس السادات بعد أن أقصاه عن مراكز النفوذ، فنجده يكتب عن عقدة السادات النفسية لأنه أسود اللون!!! نعم يستعمل كلمة أسود وليس أسمر التي هي صفة غالبية المصريين والعرب. ولكن هيكل إذا وضع شخصية في موقع الخصم يحاول استعمال كل الوسائل المنطقية والغوغائية للنيل من هذه الشخصية، فيمثل دور عالم النفس وباحث في الاجتماع والحائز على وثائق لا يملكها غيره رغم أنه لا يلتزم بالمهنية المطلوبة عند استعمال هذه الوثائق.
إذن من المسؤول عن الهزيمة النكسة يا هيكل؟
هذا السؤال يطرحه الصحفي والكاتب الفلسطيني المعروف بصداقته لهيكل وعبد الناصر، إذ أمضى أغلب حياته في مواقع متقدمة في الصحافة المصرية و منها رئاسة تحرير جريدة الجمهورية، وهو الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي، الذي وضع كتابا مهما بعنوان(حضرات الزملاء المحترمين)، و يخصص فيه فصلا كاملا للحديث عن هيكل وعلاقاته وافتراءاته وهو (المستشار الأول والأخير) كما سمّاه، ويصرخ النشاشيبي في صديقه هيكل:
quot; يا أخي ويا عزيزي ويا رفيق العمر الصحفي، لقد ضاعت بلدي في عهدكم وعلى يديكم فمن هو المسؤول؟. من؟ من؟ من؟ كنت أنت المقرب الأوحد إلى عبد الناصر، وكنت أنت المؤتمن الأوحد على كل أسراره وعلى كل قراراته قبل التنفيذ و بعد التنفيذ!...وكنت أنت المستشار الأول والأوحد والأكبر لكل نبضة فكر في عقله وتفكيره...فمن أضاع بلدي في غمرة قرار مرتجل أمر بإغلاق المضائق وطلب سحب القوات الدولية وجرّنا إلى الكارثة الأعظم في تاريخ العرب والإسلام؟ quot;.
الخلاصة هي أن هيكل ليس أمينا في تعامله مع أسرار ووثائق المرحلة، ومما يدعو للأسف أن الجماهير العربية العاطفية مغيبة العقل، أصبغت على عبد الناصر وفيلسوفه هيكل صبغة الأنبياء الذين لا يمكن المسّ بكراماتهم حتى ولو جرّونا لهزيمة أضاعت الأرض العربية. ومما يلاحظ أيضا هو تطنيش ونسيان وغيبوبة هيكل عن كل ما يمت لحقوق الإنسان المصري في زمن عبد الناصر، حيث شهدت السجون الناصرية من القتل والتعذيب والتغييب الذي لم يستثن الشيوعيين ولا الإخوان المسلمين، مما يجعل السؤال قائما في وجه هيكل: إذن من هي قوى الشعب العامل إذا كان الشيوعيون من اليسار والإخوان المسلمين من اليمين وقودا لسجون عبد الناصر الذي يمكن اعتباره مؤسس مدرسة القمع والتنكيل في السياسة العربية مع حلفائه لحين من البعثيين.
وفي انتظار(بقايا هيكل)،
الكتاب الثاني للمؤرخ العراقي الأستاذ الدكتور سيار الجميل، وهو في نقد هيكل على امتداد السنوات العشر الأخيرة، من خلال quot; نقد تاريخي ومعرفي وتفكيكي لكل نصوصه التي ألقاها عبر فضائية الجزيرةquot;. ومن الملاحظات المهمة ما وافاني بها الكاتب والباحث نواف الجداية في النمسا، حيث لفت انتباهي إلى تناقض هيكل مع الدعاية المصرية المرحبة والممجدة بالملك حسين عند وصوله للقاهرة في الثلاثين من مايو 1967، خاصة لأنه أحضر معه إلى الأردن قائدا مصريا للجيش الأردني. وأيضا ضرورة الانتباه لمواقف الأمير عبد الله بن الحسين (الملك فيما بعد) الذي طالب العرب بقبول قرار التقسيم فرفضوه ليتمنوا اليوم أمتارا من غزة والضفة. وأيضا مبادرة الحبيب بورقيبة عام 1964 التي نادى فيها مبكرا بالاعتراف بإسرائيل ضمن حدود 1967، فرفضها القومجيون والناصريون وهاجموا بورقيبة ليترحموا اليوم على حدود 1967 دون التفكير فيمن أضاع بلادي حسب صرخة ناصر الدين النشاشيبي.

والخلاصة أن أحاديث هيكل عن الملوك الهاشميين فيها نسبة كبيرة من التجني والكذب والتلفيق عبر لوي عنق حقائق ووثائق يلف ويدور هيكل حولها محاولا إقناع المستمع بحركات تمثيلية أقرب إلى مسرح العرائس منها لبرنامج توثيقي يقتضي الدقة والمباشرة الواضحة، لأن أية حلقة مدتها نصف ساعة من أحاديث هيكل إذا أردنا تجميع ما فيها من معلومات وحقائق سواء صحيحة أم ملفقة وكاذبة فهي لن تستغرق سبعة دقائق، ولكن الظهور المسرحي التمثيلي يقتضي هذه الحركات و وقت ضائع لا قيمة له.
وما زال السؤال قائما: من أضاع سيناء المصرية والجولان السورية والقدس وقطاع غزة والضفة الغربية عام 1967 الملوك الهاشميون أم عنتريات عبد الناصر التي ما قتلت ذبابة، وأيضا فلنتذكر أن سيناء لم يتم تحريرها عقب حرب أكتوبر ولكن بعد معاهدة كامب ديفيد، وأن الملك حسين انتظر ستة عشر عاما ليوقع معاهدة وادي عربة..فلماذا ما هو حلال على مصر حرام على الأردن، متذكرين أن قيادة الإخوان المسلمين في مصر أعلنت في أكثر من مناسبة أنها إذا استلمت الحكم في مصر سوف تلتزم بكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقعة مع مصر أي بما فيها كامب ديفيد...فلماذا مزايدات وتلفيقات هيكل ضد القيادة الأردنية؟.
[email protected]
حلقة قادمة عن: ضحايا اغتيالات الشرفات اللندنية من رجال المخابرات المصرية: أشرف مروان، الليثي ناصف، وعلي شفيق، ومن الفنانين سعاد حسني. وهي أسرار يعرفها هيكل ويطنش عنها أي يتناساها، ولا بد من وضعها كاملة أمام القارىء.
* الطبعة الأولى 2004
الطبعة الثانية 2006
رقم الإيداع 13460 / 2004
الناشر: العالمية للكتب والنشر، مكتبة النافذة
المدير المسؤول سعيد عثمان
العنوان: الجيزة، 2 شارع الشهيد أحمد حمدي، الثلاثيني، فيصل
تليفون وفاكس: 7241803