الأوضاع التي تتردى في قطاع غزة بشكل يومي في كافة ميادين الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني، تطرح السؤال المنطقي الذي يتردد على ألسنة غاليبة الشعب الفلسطيني في القطاع، وهو: ماذا تريد حماس أن تفعل بالشعب الفلسطيني في القطاع؟. وعندما أقول غالبية الشعب الفلسطيني، لأن هناك نسبة قليلة وهم أعضاء حماس والمحسوبين عليها خاصة في قوتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية ومكاتبها الإدارية، لم يتأثروا بتردي الأوضاع هذه، لأن كافة أمورهم على ما يرام لأنهم هم من يمارسون السلطة والحكم وأوصلوا الشعب الفلسطيني إلى هذه الحالة التي لا ترضي صديقا ولا تغيظ عدوا.

لا يناقش أحد في أن حماس وصلت لتشكيل الحكومة الفلسطينية (المقالة حاليا) بعد فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، في انتخابات يناير 2007، وعلى إثر ذلك كلف الرئيس محمود عباس مرشح حماس إسماعيل هنية لتشكيل الحكومة الفلسطينية، واستبشر العرب والغرب خيرا نتيجة أنه رغم غابة السلاح غير المنضبط فقد جرت انتخابات ديمقراطية للغاية، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا نتيجة معادلة صعبة وقاسية مفادها أن فتح لم تصدق أنها خسرت الانتخابات بعد سيطرتها على كافة نواحي الحياة الفلسطينية طوال أربعين عاما، وحماس أيضا لم تصدق أنها ربحت الانتخابات وهي الجديدة على العمل السياسي والعسكري الفلسطيني الذي دخلته منذ خمسة عشر عاما قياسا بحركة فتح التي انطلقت عام 1965. لذلك عملت فتح ما بوسعها كي تكون حكومة إسماعيل هنية مجرد ديكور شكلي بينما القرار والسيطرة في يد أجهزة فتح خاصة الأمن الوقائي الذي يقوده آنذاك محمد دحلان. ونتيجة ذلك بدأت حماس في تأسيس أجهزتها الأمنية الخاصة لعدم قدرتها ممارسة مسؤولياتها على الأجهزة والدوائر التي ما زالت تحت سيطرة وقيادة فتح، وكانت بداية الصدام تأسيس حماس لما عرف بالقوة التنفيذية من عناصرها المسلحة، لتصبح جهازا أمنيا في مواجهة جهاز الأمن الوقائي الفتحاوي. ثم كانت الخطوة النهائية التي قصمت ظهر البعير الفتحاوي، وهي الانقلاب العسكري الحمساوي في الرابع عشر من يونيو 2007 أي بعد أقل من ستة شهور لتشكيلها الحكومة الفلسطينية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الشعب الفلسطيني يذوق الأمرين من ويلات تخلف حماس وظلاميتها الفكرية التي تركزت في غالبية الحياة الاجتماعية الفلسطينية، وتحديدا الميادين التي تمس عمل وحياة المرأة الفلسطينية.

حجاب الطالبات

كنا نعتقد أن قرار حماس بإلزام المحاميات الفلسطينيات بارتداء الحجاب والزي الخاص الذي هو أقرب للنقاب، سيكون آخر قراراتها المفروضة إجباريا وبالقوة، فإذا بنفس القرار يصدر بخصوص الطالبات في المدارس حيث تم إلزامهن بزي واحد فيه الحجاب الكامل الشامل المانع أو ما يسمى (الجلباب). وهو قرار أدانته القيادات والناشطات الفلسطينيات في مجال حقوق المرأة، وكان أبلغ تعليق هو قالته السيدة (هيثم عرار) عضو المجلس الثوري لحركة فتح وعضو الأمانة العامة لاتحاد المرأة الفلسطينية، إذ قالت (إن هذا القرار يشكل عبئا على إبداع الطالبات ويقيد عقولهن. إن إلزام الطابات في غزة بلباس الزي الشرعي أو الجلباب محاولة لفرض نموذج أو موديل معين على النساء مما يشكل خطرا حقيقيا على النسيج الاجتماعي ويهدد الوحدة الوطنية. لسنا ضد الجلباب ولكننا ضد فرضه بالإكراه سيما وأننا في مجتمع تعددي ويؤمن بالحريات الشخصية، وما تقوم به الحكومة المقالة يعتبر محاولة لتغيير الهوية الثقافية). ومن المهم ملاحظة أن حماس تتبع سياسة القرار ونفيه ـ أو سياسة الخطوة خطوة لتمرير قراراتها الرجعية هذه، فهي تصدر القرار وبعد موجة الانتقادات العنيفة تنفي صدور القرار، بينما الشعب الذي يعيش تحت سطوتها العسكرية يؤكد صدوره والبدء بتفيذه في أرض الواقع وبالقوة العسكرية ضد المخالفين.

العنف الداخلي في بنية المجتمع

الظاهرة التي بدأت تقلق كافة طبقات وفئات المجتمع الفلسطيني في القطاع، هي ظاهرة تكريس العشائرية المرافقة للعنف داخل الأسرة والمجتمع إلى حد يكاد يعلن غياب أية سلطة وحكومة، مما يعني في التطبيق الميداني أن قوة حماس وبطشها المعروف موجه فقط ضمن من يخل بسيطرتها وتفردها في القطاع، أما أن يعم العنف داخل الأسرة الفلسطينية وبين العشائر الفلسطينية فهذا لا يهمها وليس مجال تدخل قوتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية. إن الأخبار التي تأتي من مدن وقرى ومخيمات القطاع منذ انقلاب حماس تكاد لا تصدق خاصة لمن عاش ويعيش في القطاع، فبدلا من تطوير الأفق الاجتماعي للمواطن من خلال سيادة القانون، برزت عمليات الخطف والقتل والثأر العشائري، الذي تكاد لا يخلو يوم من أيام مواطن القطاع من قتل وخطف وثار وجاهات عشائرية، دون أي تدخل من سلطات حماس وكأن الأمر لا يعنيها، فطالما هي مسيطرة وبيدها المال والسلاح فباقي الشعب (بطيخ ويكسر بعضو).

الاستمرار عبر افتعال المشاكل
بعد أن استنفذت حماس القاء كافة المشاكل التي يواجهها الشعب الفلسطيني في القطاع على كاهل حركة فتح والسلطة الفلسطينية، بدأت بصرعة جديدة وهي استعمال منظمة الغوث الدولية ( الأونروا ) عبر تلفيقات وأكاذيب ثبت أنها غير صحيحة، متناسية أن هذه الوكالة لم تكن مسيسة أبدا بدليل أنها مستمرة في تقديم كافة الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين في عشرات المخيمات في العديد من الدول العربية، طوال ما يزيد على ستين عاما خاصة في مجالات التربية والتعليم والصحة. وآخر التلفيقات الحمساوية أن الوكالة أدخلت في مناهج التعليم بمدارسها مقررات عن الهولوكست اليهودي وأنها تمنع وصول الأدوية للمستشفيات الفلسطينية. وفورا جاء تكذيب هذه التلفيقات من مسؤولين فلسطينيين غير فتحاويين بل مستقلين، إذ صرّح عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لوكالة الغوث في غزة بعدم صحة هذه الأنباء وتحدى أن يكون هناك سطر واحد عن الهولوكست في المناهج المدرسية في مدارس الوكالة، وأيده في ذلك خليل أبو شمالة مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان.

لذلك واستنادا لكل هذه الحقائق المعاشة ميدانيا في القطاع، هل يجرؤ قادة حماس على مواجهة الحقيقة القائلة: ألا يكفي هذه المصائب التي ألحقتموها بالشعب الفلسطيني؟ ولماذا التمسك والإصرار على سلطة لم تنجحوا في قيادتها؟ وما هي مسؤولياتكم إزاء هذه الكوارث والاستمرار في تقسيم الشعب الفلسطين بين غزاوي وضفاوي. أليس كل ذلك صراع على من يحكم ويسيطر أنتم أم فتح حتى ولو على خازوق لا يجلس عليه إلا الشعب الفلسطيني، أما قياداتكم وعناصركم المتنفذين فهم في منأى عن هذه المصائب. كل هذا لا يعني أن الوضع في الضفة الغربية الفتحاوية جنة أفلاطون، ولكن على الأقل كونكم وفتح والسلطة عاجزين عن الوصول للدولة المستقلة ولو على أمتار من الضفة والقطاع، فإنهاء الانقسام أرحم بالشعب الفلسطيني من صراعكم على المال والنفوذ والسلطة الشكلية، وتبقى الكرة في الملعب الحمساوي، فإما الاستمرار في هذه الانقسام المسيء للشعب الفلسطيني أو التخلي عن السلطة نهائيا لسلطة فلسطينية واحدة، ربما تستطيع الوصول لنسبة من مصالح الشعب الفلسطيني...فهل في قيادة حماس من يسمع صراخ الشعب الفلسطيني السري والعلني ( سقى الله على أيام الاحتلال )؟.
[email protected]