يعتبر شهر رمضان من الشهور الفضيلة المباركة في الدين الإسلامي، حيث قال فيه الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينت من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه.....)، سورة البقرة، آية 185. وهو تكريم يليق بهذا الشهر الذي شهد نزول القرآن الكريم كتاب دعوة وهداية، أسس لخاتم الديانات السماوية (الدين الإسلامي). وبالإضافة لذلك وكونه شهر عبادة فقد تخصص هذا الشهر بما يسمى (صلاة التراويح) بعد صلاة العشاء طوال هذا الشهر الكريم، مقرونة بإكثار المؤمنين الحقيقيين من قراءة القرآن وحفظه لمن يريد ويستطيع. إذن فإن سمات وخصائص هذا الشهر إسلاميا يمكن تلخيصها في: الصوم، الصلاة، التقوى، ذكر الله، وقراءة القرآن الكريم.
كيف أصبحت ممارسات المسلمين في هذا الشهر؟
طوال قرون مضت، يمكن وصف ممارسات غالبية المسلمين في هذا الشهر بأنها مظاهر وتدليسات لا تليق بمواصفات هذا الشهر التي ذكرناها ويؤكد عليها كل علماء وفقهاء المسلمين عبر كافة العصور والمراحل، ويمكن رصد هذه الممارسات التي من خلالها تمت سرقة هذا الشهر ومصادرته:
أولا: سلّي صيامك!!!
الصوم هو الامتناع عن الطعام والشراب من وقت الإمساك إلى وقت الإفطار، وهي فترة زمنية لا تتعدى 17 ساعة تقريبا في مختلف البلدان ايا كان موقعها الجغرافي، مما يعني أنه باستطاعة كل من يريد وينوي الصوم أن يجتاز هذه الساعات بدون تعب أو ملل، وبالتالي فلا يحتاج المؤمن الحقيقي إلى أية وسيلة لتلهيته ومساعدته في تمرير هذه الساعات، وفي ساعات فراغه من العمل يمكنه تمضية ما تبقى من الوقت في القراءة خاصة القرآن الكريم أو ما يريد من كتب تنسجم مع القول الإلهي (إقرأ...). ورغم هذه البديهيات فقد أتحفتنا الإذاعات والفضائيات العربية طوال العقود الماضية ببرامج سخيفة لا معنى ولا فائدة منها تحت مسمى (سلّي صيامك)، وهي سخيفة في غالبها لأنه من عنوانها تعني التسلية أي التلهية لإضاعة الوقت وصولا لساعة الإفطار، وكأن ساعات الصوم فريضة قاسية مملة تحتاج لمن يتسلى بأي أمر لنسيانها وتمريرها. ومجرد التسمية فيها إهانة للمعاني الكريمة للشهر الفضيل، لأن مجرد إطلاقها على ممارسة أمر يتعلق بالشهر كقراءة القرآن مثلا لا تنسجم مع المقصود بقراءة القرآن التي هي للعبرة والتقوى وليس للتسلية التي لا تعني سوى أي أمر لتمضية الوقت وصولا للحظة المبتغاة وهي الإفطار عند الصائمين.
ثانيا: فوازير رمضان
وهذه الصرعة لا تختلف في مضمونها وهدفها عن (سلّي صيامك) فهي تعتمد على حزازير يقصد منها أيضا التسلية وإضاعة الوقت عبر أسئلة تقترب من الفكاهة، وفي السنوات الأخيرة لجأت الفضائيات والأرضيات العربية إلى التسابق لتقديم الفوازير من خلال الفنانات المشهورات بالعري والإثارة مثل هيفاء وهبي التي ورد في الأخبار أنها ستقدم فوازير رمضان الحالي في إحدى الفضائيات مقابل مليون دولار!!!. وهي في الغالب لا تهدف في مضامينها للتعليم والتثقيف بقدر ما هو التسلية واضاعة الوقت في أمور تافهة رغم الإقبال الجماهيري عليها، فعلى ماذا سيقبل ستون بالمائة من الشعوب العربية أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، في حين أن مقياس الأمية في أمريكا وأوربا منذ ربع قرن هو هل يستعمل الشخص الكومبيوتر أم لا؟ ولنا أن نتصور لماذا يعيش العرب وغالبية المسلمين على منتجات التكنولوجيا الأوربية والأمريكية بما فيها الدواء وآلات الطباعة والورق التي نطبع بها وعليها القرآن الكريم. وعندما قامت دعوات عربية وإسلامية لمقاطعة المنتجات الغربية، هل فكروا أية سيارة سيركبون، وفي أية ثلاجة سيحفظون الغذاء، ومن أي دواء سيعالجون مرضاهم، وهل سيعودون لكتابة القرآن الكريم على الجلود وورق البردي إن وجد؟.
ثالثا: الصلاة الرمضانية فقط!!
نسبة عالية من العرب والمسلمين لا يعرفون الصلاة إلا في شهر رمضان، أما باقي شهور السنة فالصلاة مؤجلة للعام القادم، مما يعني عبر هذه الممارسة أنهم مؤمنون في موسم ما وهو شهر رمضان فقط، وهذا لا يمكن تسميته إلا أنه ضحك على النفس، تماما مثل المشهد المألوف بعد صلاة الجمعة في العديد من المساجد في الدول الإسكيندينافية، حيث يخرج بعض المصلين من صلاة الجمعة ليفتح حقيبة سيارته ويبيع المصلين أيضا المواد المهربة من السجاير وغيرها، وكأن إيمان ساعة يسمح ويغفر فجور ساعات. وبعض المصلين يؤمن بتأثير الجهلة من الشيوخ أن السرقة من محلات المسيحيين الإسكيندينافيين حلال، ويمارسها عن قناعة إيمانية في شهر رمضان وبقية الشهور متناسيا أن هؤلاء النصارى هم من منحوه الأمن والأمان والجنسية وراتب شهري من الضمان الإجتماعي وهو شاب في سن العمل، ولكن لماذا يعمل طالما الراتب مضمون وسرقاته متوفرة، والأدهى من ذلك لا تفوته صلاة في المسجد، والشيخ الذي يؤمه في الصلوات يعرف ذلك، ولا يفكر في حثه على العمل والانتاج ليعطي فكرة حضارية عن المسلم قي بلاد الغرب.
رابعا: موائد الرحمن
اشتهرت في غالبية الأقطار العربية خاصة مصر ما أصبحت تسمى (موائد الرحمن) التي يقيمها الأثرياء في الشوارع والحارات من خلال خيم يتم نصبها ويقدمون فيها طعام الإفطار بحجة إطعام الفقراء والمحتاجين، وهي غالبا تقام في الأحياء الغنية أي التي لا يحتاج سكانها للطعام والشراب، وهي أساسا يقصد منها الشهرة والدعاية الشخصية، إذ تجد أعلى الخيمة يافطات كبيرة تحمل اسم صاحب موائد الرحمن وعناوينه ووظائفه والمشاريع التي يقوم بها وهواتفه، وكأن اليافطة (ويب سايت) تحمل المعلومات المهمة عن هذا الثري، وما يقدمه من طعام يكلفه أقل من ثمن الإعلان في جريدة مشهورة إن تضمن الإعلان المعلومات التي تضمنتها اليافطة فوق الخيمة الرحمانية!!!. والسؤال: لماذا لم يفكر صاحب مائدة الرحمن هذا في مشروع صغير يعيل نتاجه بعض الأسر الفقيرة المحتاجة؟ لماذا لم يقيم بتكلفة هذه الموائد دورات تعليمية لبعض الشباب يتعلمون من خلالها استعمال الكومبيوتر ثم يقدم جهاز كومبيوتر هدية لعدد من الشباب؟
خامسا: الدعاة المليونيرات
لا يجادل أحد في أنه من الصعب احصاء عدد المحطات والفضائيات المتخصصة في تقديم ما يسمونه برامج (دعوية ودينية)، وما أوجدته من طبقة أو فئة تحترف تقديم هذه البرامج دون أن يتوفر عند غالبيتها العلم والمعرفة الدينية التي تؤهلهم لهذا النوع من البرامج، ولكن من سيحاسبهم في ظل أن غالبية مستمعيهم ومشاهديهم من الشعوب التي لاتقرأ ولا تكتب وغير واعية لأمور دينها؟؟.وجمهور هذه البرامج والفضائيات يفوق مئات المرات جمهور البرامج العلمية والثقافية والسياسية، بدليل أن هذه الموجة أوجدت طبقة من المليونيرات من هؤلاء الدعاة تتحدث الإحصائيات الموثقة عن عشرات منهم تفوق ثروة الواحد منهم خمسين مليونا من الدولارات. وحسب المعلومات المتوفرة من الساحة المصرية أن كتبا مثل (الطب النبوي) باعت ما لا يقل عن ربع مليون نسخة خلال عامين، في حين ان أشهر كاتب مصري لم تبع من كتبه أو رواياته أكثر من خمسة ألاف نسخة في أحسن الأحوال، ويستثنى من ذلك روايات (علاء الأسواني) التي وزعت رقما قياسيا بالنسبة للمطبوعات العربية.
إزاء كل الظواهر الرمضانية السابقة ألا يحق لنا الإقرار بأنه لقد تمت سرقة ومصادرة شهر رمضان من شهر للتقوى والصبر والعبادة والمغفرة، ليصبح شهرا للتسلية والدعاية الشخصية والسرقات المختلفة غير المشروعة؟ وهذا يوضح كيف أصبحت ممارسة غالبية المسلمين لإسلامهم مما يذكر بقول المتنبي:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
هذا القول لأبي الطيب المتنبي شاعر العرب والعروبة الذي يفتخر به كل العرب، وأتخيل لو أن هذا البيت صدر عن شاعر أو كاتب معاصر لصدرت من أولئك الدعاة عشرات الفتاوي بقتله أو جلده أو تكفيره، والملاحظ أن الغالبية لا يتذكرون صدر البيت (أغاية الدين أن تحفوا شواربكم) و يتذكرون عجزه (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم) رغم أن صدر البيت هو الأهم، لأنه يشخص منذ مئات السنسن كيف تم الانحراف عن المضمون الأساسي للدين نحو المظاهر والاستعراضات والانحرافات التي لا تمت للدين بصلة إيمانية أو علمية عبر دعاة متطفلين على المهنة، أغلبهم لا يحمل من المؤهلات سوى (اللحية الطويلة والدشداشة القصيرة)...ولنا عندئذ أن نعرف وندرك كيف تمت سرقة ومصادرة شهر رمضان؟.
[email protected]
التعليقات