ملاحظتان قبل البدء بقراءة هذه المقالة:

الأولى: هي أنني أؤمن بحق العودة لكل لاجىء فلسطيني في حال تحقق ذلك، وأتمنى أن يعود كل لاجىء لقريته أو مدينته، وسأكون عند تحقق ذلك (كيف لا أدري؟) أول من يصل إلى بئر السبع مسقط رأسي عام 1944.

الثانية: آمل من كتاب التعليقات على هذه المقالة أن يكونوا من اللاجئين الفلسطينيين حملة الوثائق الذين ذاقوا من الذل بسببها في غالبية الأقطار العربية ما لا يمكن أن يشعر به أو يعيشه أي مواطن عربي، يحمل جوازا وجنسية وله بيت في وطنه، ويغادر إلى أغلب بلدان العالم ويعود إلى وطنه عندما يريد، لأن (من يده بالماء غير من يده بالنار ووجوده في ذل وهوان).

وبعد ذلك ندخل في الموضوع

يعني حق العودة في التاريخ والذاكرة الفلسطينية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي تم تهجيرهم منها عقب قيام دولة إسرائيل في مايو 1984، وهم غالبية السكان الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في حدود ما قبل عام 1967 التي أقيمت عليها دولة إسرائيل. وقد كانت هجرتهم نحو ما سمي الضفة الغربية التي أصبحت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة الذي بقي تحت الإدارة المصرية وتم احتلالهما بعد هزيمة حرب 1967، لتصبح كامل المساحة التاريخية لفلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي. هذه العودة يطالب بها الفلسطينيون شعبا وتنظيمات رغم أنه بعد عشرين عاما على الأكثر لن يبقى حيا من هؤلاء اللاجئين في الشتات أو في القطاع والضفة من ولد على أرض فلسطين، مما يعني أن أجيال اللاجئين بعد ذلك ستكون ممن ولدوا خارج فلسطين، ويقابل ذلك أجيال جديدة من الإسرائيليين ولدوا بالكامل في أرض فلسطين التي أصبحت إسرائيل، أي ليس بينهم أي إسرائيلي ممن هاجر إلى فلسطين من دول أخرى، وهذه مفارقة مهمة وخطيرة في كافة الميادين النفسية والاجتماعية والتطلعات المستقبلية.

أهمية التدقيق في القرار 194

لقد تم التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين للمرة الأولى في القرار الدولي رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11 ديسمبر من عام 1948، أي قبل نحو ستة شهور من تصويت الجمعية العامة ذاتها على قبول دولة إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة في 11 مايو عام 1949. ومنذ ذلك التاريخ يعتمد المطالبون بحق العودة على هذا القرار باعتباره مرجعية دولية تنص على عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تشريدهم وتهجيرهم من وطنهم الأم. ويلاحظ أن المعتمدين على هذا القرار يقفزون عمدا عن ثغرتين أساسيتين في القرار تفقده مرجعيته كقانون لحق العودة وهما:

الأولى: لم يصدر القرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، فقد تبنت القرار 35 دولة ورفضته 15 دولة وامتنعت عن التصويت 8 دول. ومن الدول التي رفضت القرار ستة دول عربية هي: مصر، العراق، لبنان، المملكة العربية السعودية، واليمن.

الثانية: هي أن القرار الذي يتمسك به المطالبون بحق العودة لم ينصّ على حق العودة بشكل مطلق، بل ورد في البند 11 منه حرفيا:

(تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم).

ماذا يتضمن هذا البند ويتم القفز عنه؟

أولا: الاعتراف بدولة إسرائيل

وهذا واضح بشكل صريح في البند عندما يطلب من (الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم). من هم هؤلاء الجيران؟ إنهم الإسرائيليون الذين أقاموا دولة إسرائيل!!.

ثانيا: العودة ليست إلزامية

والمقصود من ذلك كما ينص هذا البند أن العودة فقط ل (الراغبين في العودة إلى ديارهم) و (دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم).

ثالثا: عدم وجود آلية لتنفيذ العودة

يلاحظ أن تقرير (حق العودة لمن يرغب) جاء بشكل سريع في عشر كلمات دون أن يضع آلية تنفيذ لهذه العودة. أين سيقيمون إذا عادوا وقد سكنت ممتلكاتهم أسر إسرائيلية؟ ومن سيلزم إسرائيل بقبول عودتهم؟ ومن سيقوم بتنفيذ وسائل العودة إن تحققت؟. كل هذه الأسئلة والملاحظات يقفز عنها من يعتمدون على هذا القرار في التنظير لحق العودة، بل يلجئون للتلفيق في العديد من بياناتهم عندما يقولون (أن القرار ينص على حق العودة والتعويض)، وبعد كلمة التعويض يتجاهلون عمدا كلمات (الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم). لذلك فالسؤال من يستطيع ضمن موازين القوى السائدة والظروف الدولية أن يحقق للاجئين الفلسطينيين حق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم؟. مرت حتى اليوم ستون عاما واللاجئون الفلسطينيون ينتظرون هذه العودة، وبعضهم ما زال يحمل مفاتيح بيوتهم التي تم هدمها ولم يعد لها وجود. ولكن كيف يعيشون في العديد من أماكن إقامتهم العربية؟.

في الأردن

أكثر اللاجئين حظا هم من لجئوا للضفة الغربية التي بقيت تحت سيطرة الجيش الأردني، وأصبحت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية بعد توحيد الملك عبد الله للضفتين في (المملكة الأردنية الهاشمية) في الرابع والعشرين من عام 1950 أي بعد عام من إعلان قيام دولة إسرائيل في الثالث من أبريل 1949، ومنذ ذلك التوحيد أصبح كل سكان المملكة الأردنية بضفتيها مواطنين أردنيين، يحملون الجنسية الأردنية بغض النظر عن منابتهم وأصولهم. وبالتالي لم يعد هناك في الأردن عمليا وحياتيا وجودا للاجىء، فهو أردني الجنسية ويتنقل للعيش والسكن والعمل أينما أراد من الضفة الغربية إلى الشرقية أو بالعكس، والكل يخدم خدمة العلم في الجيش العربي الأردني، ويتم تشكيل الوزارات من خليط من الأردنيين من كافة المنابع والأصول، والعديدون من الأصول الفلسطينية تولوا رئاسة الوزارة ورئاسة دائرة المخابرات العامة ورئاسة الديوان الملكي ووزراء في العديد من الوزارات. وكان وما يزال الجواز الأردني يحظى بقبول واحترام في كافة الدول العربية دون سؤال المسؤولين في تلك الدول عن أصول ومنابت الأردني حامل هذا الجواز. وهذا الوضع لا يشمل النازحين الفلسطينيين الذين وصلوا المملكة الأردنية الهاشمية بعد هزيمة حرب 1967 من قطاع غزة، الذين تقدر بعض الدراسات عددهم بما لا يقل عن 130 ألفا، منحتهم السلطات الأردنية جوازات سفر مؤقتة وبطاقات إقامة لمدة سنتين يتم تجديدها.

أما اللاجئون الفلسطينيون

في سوريا ولبنان والعراق وقطاع غزة فوضعهم يختلف من دولة إلى أخرى. في سورية ما لا يقل عن نصف مليون لاجىء فلسطيني، أغلبهم من اللاجئين بعد النكبة عام 1948 وما تناسل من أجيالهم، وهؤلاء أفضل اللاجئين في هذه الدول حياة، إذ ساوت القوانين السورية بين المواطن السوري واللاجىء الفلسطيني في كافة المجالات الحياتية ما عدا الانتخاب والترشيح لعضوية مجلس الشعب أو التوزير في وزارات الدولة، ويؤدي هؤلاء الخدمة العسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، ويحملون وثيقة سفر سورية خاصة باللاجئين الفلسطينيين. هذا بينما أوضاع اللاجئين إلى سوريا بعد عام 1956 و هزيمة 1967 فتختلف في غالبية أوجه الحياة، إذ هي أكثر صعوبة وتعقيدا من حياة لاجئي 1948. وتقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالي 450 ألفا على الأقل، يعيشون حياة ذل لا مثيل لها، فهم يحملون وثائق سفر لبنانية خاصة باللاجئين، ومثلها مثل وثيقة السفر المصرية والسورية والعراقية غير صالحة لدخول كل البلدان العربية بدون تأشيرة دخول مسبقة، بالإضافة إلى أن القانون اللبناني الرسمي يمنع اللاجىء الفلسطيني من العمل في 73 مهنة ووظيفة. أما عدد سكان قطاع غزة الذي يقترب من مليون ونصف، فنسبة 69 % منهم من اللاجئين أي حوالي مليون منهم من اللاجئين، ولكن كافة سكان القطاع اللاجئين منهم ومن هم أصلا من سكان القطاع، يحملون وثيقة سفر مصرية للاجئين الفلسطينيين، وهي غير صالحة لدخول كل الدول العربية بما فيها مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول مسبقة، الحصول عليها من المستحيلات العربية.

لماذا الأمريكان والأوربيون أكثر رحمة من العرب؟

يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية مئات ألاف اللاجئين الفلسطينيين، وكلهم حصلوا على جنسيات تلك الدول بعد مرور فترة الإقامة الرسمية التي ينص عليها قانون كل دولة، ويعيشون في تلك الدول كمواطنين كاملي المواطنية لا فرق بينهم وبين المواطن ابن البلد، والمضحك المبكي أن الدول العربية التي كانت تمنع دخولهم وهم يحملون الوثيقة الفلسطينية، تدخلهم باحترام وابتسامة عريضة عند وصولهم بالجواز الأمريكي أو الأوربي. بينما بصراحة شديدة تكونت عبر العقود الستة الماضية كراهية عميقة لحامل الوثيقة الفلسطينية في أغلب الدول العربية، وما إن يصل إلى مكاتب الجوازات على الحدود حتى يتم فرزه وحده بعيدا عن القادمين الآخرين، وكأنه مصاب بفيروس الإيدز أو أنفلونزا الطيور والبقر والخنازير والماعز معا..لماذا؟

هل التجنيس يخل بحق العودة إن تحقق؟

الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية عندما منحت اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيها جنسيات تلك الدول، لم تشترط لا شفويا ولا كتابيا نقض حق العودة، أو الاشتراط على هذا اللاجىء الذي أصبح أمريكيا وأوربيا أن لا يعود لمسقط رأسه في فلسطين إن أمكن تحقيق حق العودة، فلماذا العرب فقط يتخذون هذا الحق زورا وظلما حجة لحياة الذل التي يضعون اللاجىء الفلسطيني فيها؟.
وهل يعلم العرب والفلسطينيون،

أنّ غالبية النشطاء في مجال حق العودة هم من الفلسطينيين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية؟. وأن غالبية مؤتمرات وندوات ولقاءات حق العودة يقيمونها في الدول الأوربية؟. لذلك فحجة المحافظة على الهوية الفلسطينية هي مجرد ذريعة عربية بالية لاستمرار حياة القهر والظلم والبؤس التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، فإذا تمكن الفلسطينيون والعرب من تحقيق حق العودة عندئذ فليختار كل لاجىء أن يعود أو لا حسب القرار 194 الذي يتمسك به وينظّر له الفلسطينيون والعرب. رغم أن حق العودة لدولة إسرائيل أحد الخطوط الحمر الإسرائيلية التي تعني استحالة ذلك طالما دولة إسرائيل قائمة، ويتم التأكيد على رفضه من كافة القوى الإسرائيلية اليسارية واليمينية التقدمية والمحافظة، وقد كان آخر رفض لحق العودة على لسان بينيامين نيتينياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يوم الثاني من أغسطس الحالي، عندما أكدّ حسب مفهومه على (العودة مرة أخرى لتحقيق السلام على أساس التفاهم المتبادل وليس من جانب واحد، وفي إطار اتفاقيات السلام تتوقع إسرائيل من الفلسطينيين الاعتراف بها وطنا للشعب اليهودي، وبأن قضية اللاجئين ستحل خارج حدود إسرائيل). لذلك إلى متى تستمر حياة ذل وقهر اللاجئين الفلسطينيين طالما العودة ليست قريبة، وتجنيسهم وتحسين مستوى حياتهم لا يخل بقانون العودة إن أمكن تحقيقه، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية؟. وسيزداد الموقف الإسرائيلي تعنتا بعد مؤتمر فتح إن تمّ عقده، وقرّر عدم الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية كما تشيع دوائر المؤتمر.

إن استمرار هذه التفرقة الممارسة ضد اللاجىء الفلسطيني حامل الوثيقة، تعيد للتساؤل: هل حقا نحن أمة عربية واحدة؟ و إلا لماذا الأمريكان والدول الأوربية أرحم من حكوماتنا العربية؟ من يتخيل أن جمهورية سلوفاكيا الناشئة حديثا ومحدودة الإمكانيات، استقبلت منذ أسابيع 110 لاجىء فلسطيني من العراق، كانوا عالقين منذ سنوات على الحدود العربية؟. وهل نسيتم أن البرازيل استقبلت قبل أكثر من عامين مئات من هؤلاء اللاجئين العالقين على الحدود العربية؟ لماذا فقط هذا اللاجىء يعامل بذل واحتقار في الحدود والدول العربية؟. صديق من حملة الوثيقة المصرية واجه هذا الذل والسخرية والمهانة في مطار دولة عربية، فأخبرني أن طفله ابن السنوات السبع بكى وسأله: بابا..لماذا خلقنا الله فلسطينيين؟. هل يسمع العرب حكومات وشعوبا؟.
[email protected]