التصريحات التي أطلقها فاروق القدومي في لقاء خاص (وليس مؤتمرا صحفيا) مع بعض الصحفيين في منزله في العاصمة الأردنية، كانت محل اهتمام الجميع إعلاما وأفرادا، خاصة أنه يتهم صراحة الرئيس محمود عباس و رئيس الأمن الوقائي السابق محمد دحلان بالمشاركة مع الحي الميت شارون في اغتيال الرئيس عرفات الذي توفي في العاصمة الفرنسية في نوفمبر من عام 2004 أي قبل قرابة خمس سنوات.هذا الاتهام من خلال ما اعتبره القدومي وثيقة محضر اجتماع بين عباس ودحلان وشارون ووفد أمني أمريكي، يزعم القدومي أنه حصل عليه منذ أربعة سنوات، وهذا الزعم يثير بعض التساؤلات والملاحظات، منها:
أولا: لماذا سكت أربع سنوات؟
وهو سؤال منطقي ومهم خاصة أن الذي يزعم حصوله على هذه الوثيقة المحضر هو فاروق القدومي مسؤول الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، رغم أنها أصبحت بعد عودة السلطة الفلسطينية للضفة الغربية وقطاع غزة مجرد منصب شكلي لا قيمة ولا دور له سوى مناكفة المنصب الجديد لوزير الخارجية الفلسطيني أيا كان اسمه. هذا بالإضافة إلى أن القدومي هو أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح منذ وفاة الرئيس عرفات، وهو أيضا مجرد تسمية شكلية فأية لجنة مركزية يقودها القدومي، وهذه اللجنة المركزية لم تتمكن من عقد مؤتمر لحركة فتح منذ عشرين عاما، وغالبية أعضاء لجنتها المركزية إما توفوا أو تشتتوا بين تونس وغزة والضفة وتونس، وبعضهم تمت تنحيته نتيجة عمليات تهريب، أي أنه أمين سر نفسه فقط لأنه لا وجود فعلي للجنة مركزية للحركة بمعنى أنها تجتمع دوريا وتخطط وترسم سياسات ومواقف الحركة، خاصة في ظل المشاكل التي كان يفتعلها من حين إلى آخر ودوما خارج الوطن، لأنه كما يدّعي يرفض العودة للضفة لرفضه اتفاقية أوسلو. فكيف يسكت شخص بكل هذه المناصب الفتحاوية أربع سنوات على مقتل رئيسه عرفات؟. أليس هذا السكوت يشكل إدانة واضحة له؟. هو سيقول انتظرت هذه السنوات الخمس كي أتأكد من صحة المحضر الوثيقة، وأيضا هذا مجرد أكذوبة جديدة، فممن سوف يتأكد إلا من واحد ممن وردت أسماءهم فيه؟ فشارون حي ميت منذ أكثر من أربع سنوات، ومحمود عباس ومحمد دحلان والوفد الأمريكي من المستحيل أن يعترف واحد منهم بأن له علاقة باغتيال عرفات إن كان هناك هذه العلاقة، فكيف تأكد القدومي إذن من صحة الوثيقة المدعاة؟.
والملاحظ أن عنتريات القدومي هذه لم يكن يجرؤ على الإفصاح عن أي منها في زمن الرئيس عرفات، رغم أنه كان بنفس التهميش ولا صلاحيات له رغم الصفات والمناصب المسنودة له، وكان لا يجرؤ على مغادرة مكتبه في تونس بدون إذن من عرفات، أو اختلاق أية مشكلة مع أحد خاصة وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك ناصر القدوة، وما إن مات عرفات حتى بانت كل هذه العنتريات الكرتونية، وهي عنتريات في بعض المواقف غير أخلاقية على الإطلاق، منها صراعه مع وزير الخارجية الفلسطيني ناصر القدوة والتنازع معه حول تمثيل فلسطين في المؤتمرات العربية، وتصفية حساباته مع بعض السفراء الفلسطينيين بطريقة بشعة منها إقدامه على ضرب سفيرة فلسطين في مالطا السيدة نهى تادرس بالكف على وجهها، في مكتبه بتونس بسبب خلافها مع أحد موظفي مكتبه، رغم أنه يعرف أنها كانت من أنشط السفراء الفلسطينيين وأكثرهم إخلاصا قبل إحالتها للتقاعد مع عدد من السفراء في مطلع عام 2007.
والقدومي نفسه هو الذي على الطالع والنازل يقدم نفسه على أنه (رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح) رغم إعلان الحركة الرسمي أنه لا وجود لهذا المنصب في الترتيب التنظيمي للحركة، واستنادا لهذا المنصب المزعوم قام في منتصف عام 2005 تقريبا بفصل الكاتب الفلسطيني (عوني صادق) من عضوية الحركة لأنه انتقد في مقالة له سلوكه وتصرفاته، وبعد استنكار كوادر ومراتب الحركة لأنه غير مخول بذلك أعلن إعادته للحركة، ويشغل الكاتب اليوم منصب السفير الفلسطيني في رومانيا. وفي الفترة ذاتها أعلن القدومي ببهلوانية كرتونية عن تشكيله (الجيش الشعبي الفلسطيني)، وكان مجرد بيان صادر عن مهووس بالأضواء وصور التلفزيون، ثم غيّر اسمه إلى (حرس أمانة سر اللجنة المركزية لفتح)، وأيضا مجرد بيان ما عاد يذكره أحد، إلا أنه دليل على هذا الهوس القدومي بالأضواء مهما كان الثمن وعبر أية وسيلة حتى وإن كانت بيانات لا يصدقها أهبل أو معتوه.
ثانيا: لماذا هذه العنتريات الآن؟
من الواضح والمؤكد لكل محايد غير فتحاوي أن هذا المحضر الوثيقة مجرد لعبة قدومية لتصفية الخلافات والصراعات الشخصية داخل حركة فتح، خاصة قبل عقد مؤتمرها العام في الضفة الغربية في الرابع من أغسطس القادم في مدينة بيت لحم، رغم أن بعض المؤشرات توحي بعدم إمكانية انعقاده نتيجة الخلافات الفتحاوية. و القدومي يعرف أنه لا يرغب في حضور المؤتمر داخل الضفة كي يبقى محافظا على انتهازية وكذب رفض اتفاقية أوسلو، التي تؤكد مصادر فتح أن الرئيس عرفات عرضها عليه قبل توقيعها ووافق عليها بالمطلق، بدليل أنه في زمن عرفات لم يتجرأ على رفض الاتفاقية. إذن فإن ادعاء هذا الاتهام لعباس ودحلان مجرد حرق أوراق وتصفية خلافات بعد أن أدرك القدومي أن كافة أوراقه قد حرقت داخل الحركة، ولم يعد له أي دور أو تأثير في صفوفها، سوى استمرار ادعائه لمناصب وهمية مثل أمين سر اللجنة المركزية للحركة وأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهي مناصب لن يرد عليه أحد بعدم وجودها لديه، وليس بعيدا أن يعطي نفسه رتبة اللواء ليصبح قائد الجيش الشعبي الذي أعلن في بيان عنه كما ذكرت سابقا. وهذا الهوس بالمناصب ليس جديدا على الساحة الفلسطينية خاصة بين عواجيز حركة فتح، فمثلا أبو خالد العملة الذي تنقل من منصب وهمي لمنصب كرتوني آخر، أعلن منذ شهور عن تشكيله (التيار الوطني الديمقراطي) لإعادة الحيوية الوطنية للكفاح المسلح الفلسطيني، وكالعادة كان مجرد بيان لا يستحق ثمن الورقة والحبر الذي كتب به وعليها.
النفي لتلك الأكاذيب القدومية
جاء من أكثر من مصدر فلسطيني،إضافة لنفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، جاء أقوى وأوضح نفي من بسام أبو شريف المستشار السابق للرئيس ياسر عرفات، حيث نفى أن تكون للرئيس الفلسطينى محمود عباس quot;أبو مازنquot; أية علاقة باغتيال عرفات، مشيرا إلى أن تصريحات فاروق القدومي حول ضلوع عباس في اغتيال أبو عمار قد فاجأته. وكشف في تصريحات لقناة quot;الجزيرةquot; الإخبارية يوم الخميس الموافق السادس عشر من يوليو أنه يملك محضره الخاص الذي يثبت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز هما من خططا لاغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل. و أشار أبو شريف إلى أنه أول من اتهم إسرائيل بالسعي والتخطيط
لاغتيال عرفات بدس السم له، مشددا على أن تل أبيب تقف وراء موت عرفات وليس محمود عباس.
خطأ إقفال مكتب الجزيرة
لذلك كان خطأ فادحا من السلطة الفلسطينية أنها قامت بإقفال مكتب فضائية الجزيرة في مدينة رام الله، ومنعها من العمل في الضفة الغربية، لأن القناة ليست مسؤولة عن تصريحات القدومي فقط لأنه أعلنها من خلال لقاء مع القناة، فالواعي المدرك لحرية الصحافة يعرف أن الوسيلة الإعلامية أيا كان اسمها وهويتها ليست مسؤولة عن تصريحات أي شخص من خلالها، فالمسؤول كذبا أو صدقا، حقيقة أو تلفيقا، هو الشخص الذي أطلق التصريحات وليست الوسيلة ألإعلامية، لذلك من باب المصداقية والوعي ينبغي أن تعود السلطة الفلسطينية عن قرارها بإغلاق مكتب الجزيرة، وأن لا تأخذها العزة بالإثم، لأن إغلاق المكتب إثم يؤثر على سمعة السلطة فيما يتعلق بحرية الصحافة والقدرة على سماع رأي الآخر. والمدهش أن السلطة أي حركة فتح اتخذت قرارا بشأن قناة الجزيرة رغم عدم مسؤوليتها، إلا أنها ما زالت ساكتة على القدومي صاحب تلك التصريحات، وسكوتها هذا ليس وليد اليوم ولكن منذ سنوات، وهو يطلق التصريحات والمواقف التي أشرت لبعضها، وكم أضرت بمصداقية السلطة وحركة فتح.
وكذلك لا داعي لاعتذار المسؤول الأردني
وضمن نفس السياق والمنطق لم يكن هناك داع لاعتذار الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور نبيل الشريف عن تصريحات القدومي، فالأردن الرسمي والشعبي ليس مسؤولا عن هذه التخريفات القدومية فقط لأنه أطلقها في لقاء خاص مع صحفيين في منزله في العاصمة الأردنية. فهو لقاء مع زوار خاصين بعضهم من الصحفيين، وليس مؤتمرا صحفيا أخذ إذنا من السلطات الأردنية لعقده، حتى وإن كان كذلك فصاحب المكان الحكومة الأردنية ليست مسؤولة عما أطلقه القدومي، فالقدومي هو المسؤول وليس صاحب المكان الذي أطلق منه تصريحاته أو تخريفاته لا فرق، كما أن تصريحات القدومي تتعلق بشأن فلسطيني داخلي لا علاقة للحكومة الأردنية به، وإن كان الناطق الرسمي الأردني مضطرا للاعتذار عن كل ما شابه تصريحات القدومي، فسيجد نفسه في هذا الموقف بشكل مستمر، فقيادات الشعب الفلسطيني لا تنتهي خلافاتها ومواقفها ضد بعض، في العاصمة عمان وغيرها من العواصم، فمثلا هل مطلوب من الناطق الرسمي المصري أن يعلن عن اعتذار الحكومة المصرية عن فشل الحوار الفلسطيني وتبادل الاتهامات بين وفدي حماس و فتح في القاهرة التي ترعى الحوار منذ عدة سنوات.
وتظل الكرة في الملعب الفتحاوي،
فالحركة مطالبة بتنقية صفوفها من هؤلاء الانتهازيين والنرجسيين، لتعود من خلال جيلها الشاب إلى حركة قيادية تقود الشعب الفلسطيني كما كانت رائدة في كفاحه المسلح، والأمل معقود على هذا الجيل الشاب في مؤتمرها القادم في مدينة بيت لحم في الرابع من أغسطس القادم، إن لم تؤثر الصراعات بين جيل عواجيز الحركة على تأجيله، لأنه ليس منطقيا أن لا تعقد الحركة مؤتمرا عاما خلال ما يزيد على عشرين عاما، مما دعا بعض الكتاب إلى اعتبار أن الحركة نتيجة هذه الصراعات الشخصية بين جيل العواجيز إنما تصنع نعش تشييع جثمانها...لا قدّر الله وجيل الشباب فيها كما عبر عن هذا القيادي الشاب في الحركة الدكتور أسامة الفرا.
[email protected]
التعليقات