شهدت شوارع العاصمة الإيرانية تراجعا في عدد وحجم التظاهرات بسبب عمليات القمع والقتل الواسعة التي قامت بها قوات الباسيج والحرس الثوري والعديد من أجهزة الأمن والمخابرات السرية والعلنية، لدرجة أن القتل المتعمد طال أطفالا لأنهم شاركوا أو تواجدوا في مكان المظاهرات العارمة، مثل حادثة قتل (ندى سلطاني) التي لا يمكن وصف حجم بشاعتها ومدى جريمة مرتكبيها من الباسيج الذين تعمدوا بشكل مسبق ومتعمد أن يطلقوا الرصاص على قلب هذه الفتاة، ربما لتكون عبرة لمن هو أكبر منها من المشاركين في المظاهرات، لأن من ينعدم الإحساس في عقله وقلبه ويقتل هذه الطفلة لن يتردد في قتل غيرها صغارا أم كبارا. و أيا كان التطور لهذه الانتفاضة الإيرانية تراجعا أم تطورا، فقد أنتجت هذه الانتفاضة الباسلة العديد من الدروس المهمة للشعب الإيراني والشعوب العربية تحديدا، من الضروري التأمل فيها لأنها كما أرى ستضع بصماتها على المنطقة في المرحلة القادمة.
أولا: صفة النظام ديكتاتورية وليست إسلامية
من يدّعي أن نظامه يحمل الصفة الإسلامية (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، عليه أن يحترم هذا الإسلام ويحقق في نظامه الحد الأدنى من تعاليم وصفات الإسلام، إلا أن حجم القمع والقتل والاعتقالات التي شهدتها المدن الإيرانية خاصة العاصمة طهران، تثبت بدون أدنى شك أن نظام الملالي لا يختلف عن أية أنظمة ديكتاتورية شمولية استبدادية، يسعى ملاليه برئاسة (ولي الفقيه علي خامئني) للبقاء في السلطة حتى لو كان ذلك عبر هذا الحجم من القتل والدم الذي لم تشهد أية مظاهرات في أية دولة عربية مثله. وهذا لا يعني تحقق الديمقراطية والشفافية في كافة الأقطار العربية، ولكن عند مقارنة الأنظمة المستبدة غير الديمقراطية لم نرصد هذا الحجم من القتل والقمع في أية عاصمة عربية. وبالتالي فإن نظام الملالي لا يعدو كونه نظاما استبداديا شموليا يستخدم الدين غطاء لقمعه واستمراريته، فأي إسلام يسمح بهذا القتل العلني لمتظاهرين سلميين لم يستخدموا العنف، والتظاهر حق في كافة الشرائع والقوانين، وكذلك الاعتراض على الخطأ والباطل حتى لو كان من الحاكم نفسه.
هل قرأ ملالي إيران أو سمعوا عما دار بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين بعض المسلمين عندما سألهم: (أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور، ماذا أنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا، فقال بشر بن سعد: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا هذه. فرد عمر قائلا: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوّم عمر بسيفه). هذا بينما ملايين المتظاهرين الإيرانيين حاولوا الرد على تزوير الانتخابات الرئاسية بالتظاهر السلمي وليس السيوف، فكان رد مخابرات النظام قتل العشرات واعتقال ما لا يقل عن سبعمائة شخص من بينهم ثلاثين صحفيا، عشرين من العاملين في صحيفة مقربة من مير حسين موسوي، وطرد أغلب وسائل الإعلام الأجنبية كي لا ترسل فضائحه للخارج، ولكن بفضل التكنولوجيا الحديثة تمكن الشباب الإيراني نفسه بإرسال كل جرائم القتل والقمع للعالم أجمع. وكذلك تمّ اعتقال سبعين من أساتذة الجامعات بعد اجتماع عقدوه مع مير حسين موسوي. وهذا هو آية الله العظمى حسين منتظري يعلن أن الدين الإسلامي يحرم منع المتظاهرين من الاحتجاج، ويدعو إلى ثلاثة أيام حداد على أرواح ضحايا القمع من قبل عسكر الملالي.
ثانيا: تآكل النظام من الداخل
هذا النظام المستبد ربما يستمر سنوات أخرى، ولكن الدرس المهم هو أن هذا النظام بدأ يلاقي معارضة علنية من داخل صفوفه كما حدث في مواقف السيد مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي والمرشح الرئاسي محسن رضائي الذي أعلن أنه سيواصل المعركة دفاعا عما أسماه بشكاوي الناس، وأن سحب شكاواه الشخصية بسبب التهديدات و الضغوط لا يعني تخليه عن التحرك دفاعا عن شكاوي الناس وإصلاح الضرر الذي لحق بالنظام الإسلامي. وآية الله العظمى حسين منتظري نفسه يصرح علنا (أن النظام يمكن أن يسقط إذا استمر قمع التظاهرات السلمية في إيران). أما مهدي كروبي فقد وصف الحكومة الجديدة برئاسة أحمدي نجاد بأنها غير شرعية. ويكفي أن هذه الحكومة ونظامها و ولي الفقيه لها رفضت أن تسمح للمعارض مهدي كروبي من إقامة مراسم الحداد على أرواح القتلى، وهذا ما يخالف أبسط المبادىء والقواعد الإسلامية. لذلك فإن هذا النقد القاسي للنظام من شخصيات من داخله، يعني أنه ما عاد يحظى بتأييد كافة القيادات أو كافة الشعب الإيراني بدليل هذه الملايين من المتظاهرين.
ثالثا: اختراع فزاعة جديدة اسمها المخابرات المركزية
تعودنا في العالم العربي أن يضع المسؤلون المسؤولية في كل ما يتعرضون له على كتف شماعة اسمها المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، أما أحمدي نجاد فقد اخترع فزاعة جديدة اسمها (المخابرات المركزية الأمريكية) محملا إياها مسؤولية التظاهرات لثلاثة ملايين إيراني. وهذا يعني أن هذه الملايين الثلاثة وكل الشخصيات المعارضة من قلب النظام مجرد عملاء للمخابرات المركزية...هل هناك غباء وتجني أكثر من هذا؟. وقد تأكد ضمن هذا السياق أن إصلاحيين إيرانيين معتقلين قد تعرضوا للتعذيب لإجبارهم على الخروج لشاشات التلفزيون والإدلاء باعترافات تقول أن هناك مؤامرة أجنبية ضد النظام الإسلامي. وتؤكد المعلومات أن مصطفى تاج زادة وعبد الله ومحسن أمين زادة وهم من مؤيدي مير حسين موسوي، قد تعرضوا لجلسات استجواب وتهديد في سجن ايفين الرهيب بطهران.
رابعا: من دافع عن هذا النظام الديكتاتوري؟
مسألة مهمة أن ندقق فيمن أعلن تأييده للنظام المستبد لأن هذا يعني التطابق في السلوك والرؤيا والفكر. أول من هنأ آية الله خامئني وأحمدي نجاد هو السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان، فقد أرسل الحزب رسالة يهنىء فيها (بإنجاز الانتخابات الرئاسية)، وجاء في بيان الحزب يوم الأحد الرابع عشر من يونيو (أن الحزب يتقدم من سماحة آية الله العظمى الإمام القائد السيد على خامئني والجمهورية الإسلامية الإيرانية بأحر التهاني على إنجاز الانتخابات)، وأشاد الحزب ب (المشاركة الكثيفة في أجواء الحرية والحضارة والتنظيم ما يضاهي أكثر الديمقراطيات عراقة في العالم)!!!.
ونسأل السيد حسن نصر الله
هل سمع بالملايين من الشعب الإيراني الذين تظاهروا ضد نتائج هذه الانتخابات؟ وهل سمع بمواقف شخصيات إيرانية من قلب النظام ومنهم من هم في مرتبة آية الله العظمى مثل حسين منتظري؟. وضمن السياق نفسه نسأل: هل من حق رئيس أي حزب في العالم أن يهنىء رئيس دولة أخرى أم أن هذا فقط من اختصاص رئيس الدولة فقط؟. وهذا ما يعزز القناعة القائلة بأن حزب الله ليس حزبا سياسيا في دولة، بل دويلة في داخل دولة. ومن المهم التمعن في الصفات التي أطلقها السيد حسن نصر الله على آية الله علي خامئني، فهو (آية الله العظمى الإمام القائد السيد....)، والسؤال ما ضرورة صفة القائد في سياق التهنئة؟. لأن هذا يستدعي السؤال: هل الإمام علي خامئني قائدا للجمهورية الإسلامية الإيرانية أم لحزب الله أيضا؟ لأن هذا يذكرنا بالبيان التأسيس لحزب الله عام 1985 الذي نص ّ صراحة على (أن هدف الحزب إقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم الإيرانية). وعاد السيد حسن نصر الله ليؤكد ذلك في خطابه المشهور في ذكرى (النصر الإلهي) في 26 مايو 2008، عندما قال صراحة (أنا اليوم أعلن وليس جديدا، أنا افتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه، الفقيه الحكيم، الفقيه الشجاع، الفقيه الصادق، الفقيه المخلص).
وتشافيز فنزويلا أيضا
أعرف مسبق أن الرئيس الفنزويلي تشافيز يحظى بالإعجاب والتصفيق في العالم العربي، بسبب طرده السفير الإسرائيلي في يناير 2009 أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة. وهذه مسألة مختلفة عن كيفية نظرة الشعب الفنزويلي لتشافيز وملف حقوق الإنسان في فنزويلا الذي يعتبر من الملفات السيئة للغاية في العالم بافضافة لإيران والصين وفيتنام. وهو لا يوصف في داخل فنزويلا إلا بالديكتاتور الذي يسعى للبقاء في السلطة طول العمر، ولكن الشعب الفنزويلي رفض في ديسمبر 2007 التعديلات التي اقترحها على الدستور كي تسمح له بالبقاء في السلطة لفترة غير محددة، مما دعى النائب الأوربي الأسباني quot; هو لويس هيريرو quot; أن يصفه وهو في زيارة لفنزويلا في فبراير 2009 بأنه ديكتاتور، فتم طرد النائب الذي كان في زيارة رسمية لفنزويلا.
هذا الديكتاتور الفنزويلي قام أيضا بتهنئة نظيره الإيراني أحمدي نجاد لفوزه في الانتخابات، متجاهلا الاحتجاجات والمظاهرات الإيرانية، واعتبر تشافيز فوز نجادي رغم كل ما سمعه عن التزوير بأنه (فوز كبيرا جدا ومهم للشعوب التي تناضل من أجل عالم أفضل)، متناسيا أن يسأل نفسه: هل الملايين الإيرانية المتظاهرة ضد أحمدي نجاد ونظامه من عداد هذه الشعوب أم لا؟. ويبدو أن المثل العربي صادق عندما قال: (إن الطيور على أشكالها تقع) ولا (يؤيد الديكتاتور إلا من هو شبيه له)....ولله في خلقه شؤون!!.
[email protected]
التعليقات