خامنئي في خطبة الجمعة:
تكريس لديكتاتورية ولي الفقيه وتهديد للقوى الديمقراطية

الخطبة التي ألقاها علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من يونيو 2009، من أخطر أدبيات النظام الشمولي الإيراني في السنوات الأخيرة، لأنه كان فيها شديد الوضوح والصراحة معبرا عن أغلب توجهات نظامه داخليا وخارجيا، وأهمية ذلك أنه لا يأتي من مسؤول إيراني عادي أو عالي المستوى، ولكنه من فم المرشد الأعلى أي (ولي الفقيه) الذي يتحكم ويسيطر على كافة مقاليد الحياة الإيرانية، ويضع الخطط والتوجهات لكل صغيرة وكبيرة دون أن ينازعه السلطة أو يخطئه أحد، ف (ولي الفقيه) منزّه عن الخطأ وهو بمثابة وكيل الله تعالى في الأرض. لذلك من شاهد البث الحي للخطبة ربما هاله أن يتحول المسجد الذي أقيم في جامعة طهران إلى صالة لخطاب سياسي وليس دعوي ديني كعادة خطب الجمعة، وهذه مسألة مهمة وخطيرة لأنه لا يجوز لأحد مقاطعة خطيب الجمعة أو الطلب للتعليق على ما قاله، بعكس لو كان الخطاب في يوم عادي وليس في المسجد، وهذا يعني أن المسجد والحسينية تحولا في العديد من الأيام والمناسبات أماكن لاستعراض العضلات السياسي، وعلي خامئني ليس الوحيد في هذا المسار، إذ أن أشهر من مارس وما زال يمارس ذلك هو إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، إذ أصبحت عادة أو موضة أن يلقي خطبة الجمعة في أحد مساجد مدينة غزة منذ تشكيله الحكومة المقالة في يناير 2007، وهذا يذكرنا بصرخة المفكر الليبي المرحوم الصادق النيهوم (من سرق الجامع ؟).

أين تكمن خطورة الخطبة التهديدية؟
لم يترك المرشد الأعلى شاردة أو واردة إلا وتعرض لها في خطبته مباشرة أو بشكل غير مباشر، ويمكن تحديد مكامن هذه الخطورة فيما يلي:

أولا: الإصرار على نزاهة الانتخابات ورفض إعادتها
تناقض واضح في موقف خامنئي من نتائج الانتخابات الرئاسية، فقد دافع بشدة عن فوز أحمدي نجاد، فكيف ينسجم هذا التأييد مع إعلانه يوم الثلاثاء الماضي أنه (طلب من مجلس صيانة الدستور إعادة فرز جزئية للأصوات بحضور ممثلين عن المرشحين لكي يتأكد الجميع من النتائج) ؟. وفي نفس السياق كيف ستغير إعادة فرز جزئية للنتيجة التي باركها خامئني، وما هي نسبة (الجزئية) هذه من ادعاء أن 24 مليونا صوتوا لأحمدي نجاد ؟.
هذا رغم أن العديد من الشخصيات الإيرانية المعروفة طالبت بإلغاء نتائج الانتخابات، فالمرشح الشيخ مهدي كروبي جدّد يوم الجمعة مطالبته بإلغاء الانتخابات رغم تأييد خامنئي لنتائجها في خطبته. وكذلك دعت السيدة شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام إلى إلغائها وتنظيم انتخابات جديدة، وقالت عبادي صراحة (إنّ هذه الانتخابات شابتها مخالفات)، وأكدت أنه في العديد من مكاتب الاقتراع لم يسمح لممثلي مير حسين موسوي ومهدي كروبي بالدخول مما سمح بالتلاعب بالصناديق. وكما أوضحت شيرين عبادي فهناك مفارقة صارخة تدلّ على التزوير، إذ أشارت إلى أن أحمدي نجاد كما أعلنت السلطات الرسمية قد حاز في الانتخابات السابقة قبل خمس سنوات على 14 مليون، بينما حصل في هذه الانتخابات على 24 مليون، مما يعني زيادة شعبيته رغم كل الانتقادات الشعبية والمسؤولين الرسميين لسياساته طوال السنوات الخمس الماضية، وهذا يؤكد أن الذين قاموا بالتزوير لم يراعوا العدد كي لا تنكشف ألاعيبهم الانتخابية. وكذلك فإن أكثر عمليات التزوير أعطت الشيخ مهدي كروبي عددا من الأصوات أقل من عدد أعضاء حزبه الذين أكدّ العديد منهم، أنه من المستحيل أن يكون عضو في الحزب قد صوّت لأحمدي نجاد، ورغم كل هذه الإدانات يعلن خامئني تأييده لنتائج الانتخابات ولأحمدي نجاد شخصيا.

ثانيا: استغلال الدين للهيمنة السياسية
هذه المسألة من أخطر ما ورد في الخطاب، وهي ليست جديدة لأنها من لوازم نظرية (ولي الفقيه) الأساسية، كونه وكيل الله في الأرض أي لا ينطق عن هوى وغير قابل للخطأ، لذلك قال حرفيا: (الانتخابات أثبتت الديمقراطية الدينية وحاكمية الشعب الدينية)، رغم أنه في كافة العلوم السياسية والاجتماعية لم يرد ما يمكن تسميته ديمقراطية دينية أو ديمقراطية غير دينية، وإذا حاولت البحث عن توصيف (الديمقراطية الدينية) لن تجد لها أي تعريف، واستعمالها فقط للتدليس على الجماهير بأن ما حصل كان باسم الدين وتبعا لتعاليمه، لذلك لم ينس خامنئي التأكيد على الدعم الإلهي لهذه الانتخابات، إذ ادّعى أن (نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 85 % وهذا يدل على الدعم الإلهي)، وأعتقد أن هذا (الدعم الإلهي) هو الشقيق الشرعي ل (النصر الإلهي)!!. ولم ينس خامنئي أن يعطي أحمدي نجاد مسحة من بركاته كولي الفقيه المبارك إلهيا، فعند ذكره للمعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية قال: (بين رفسنجاني ورئيس الجمهورية (أحمدي نجاد) اختلافات حول إدارة القضايا الخارجية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ورأي رئيس الجمهورية هو أقرب لرأيي من رفسنجاني)، وهذا دعم ديني من ولي الفقيه لممثله في رئاسة الجمهورية، وكون رئيس الجمهورية هو الأقرب لأراء ولي الفقيه فهذا يعني أنه أيضا منزه عن الخطأ بهذه الصبغة الإلهية.

ثالثا: الاعتراف بالفساد ونفي التزوير
اعترف خامنئي بالفساد في نظامه بصيغة ملتبسة تحمل التناقض في طياتها، فقد قال حرفيا: (نعم يوجد فساد، ولكن نظام الجمهورية الإسلامية هو من أكثر الأنظمة الحكومية في العالم سلامة وصحة. اتهام الفساد ليس صحيحا). فمن يفهم هذا التناقض ؟ (نعم يوجد فساد) ثم (اتهام الفساد ليس صحيحا) ثم (يجب مكافحة الفساد على كافة الأصعدة). أما بالنسبة لتزوير الانتخابات فيقول (بلدنا لا يسمح بالتزوير)، هكذا بصيغة إلهية حاسمة مما يعني أن المرشد الأعلى (ولي الفقيه) هو الوحيد في مكان الحقيقة، أما المليون ونصف الذين تظاهروا في شوارع العاصمة طهران فهم (أعداء الشعب الإيراني) حسب وصفه.

رابعا: الادعاء بأن نظامه حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان
وهذه تكاد تكون كذبة القرن الحادي والعشرين والقرن القادم أيضا، إذ يكفي العودة لتقارير المنظمات والشخصيات الإيرانية لنعرف أن نظام الملالي لا يعرف أي قيمة للإنسان حتى لو كان طفلا يتم إعدامه شنقا أو رجما بالحجارة، وهذه الكذبة لا تحتاج لمزيد من التفصيل لدحضها فهي ثابتة ثبوت شروق الشمس من الشرق وغروبها في الغرب.

خامسا: التمسح بقضية فلسطين
ولم يجد المرشد الأعلى من دليل على أن نظام الملالي (حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم) سوى أنه نظام يدعم الشعب الفلسطيني، دون ذكر أي وجه من وجوه الدعم سوى خطابات نجادي العنترية التي باعتراف الإسرائيليين حشدت تأييدا عالميا لدولة إسرائيل لم تكن تحلم به. والدليل على كذب نجادي القاضي بمحو إسرائيل هو إعلانه مؤخرا أنه يوافق على حل الدولتين إن وافق عليه الفلسطينيون، وهو يعرف أن هذا مطلب الشعب الفلسطيني، فهل نصدقه في هذا التصريح أم في تصريحاته الخاصة بمحو إسرائيل من الخارطة.

سادسا: التهديد والوعيد للمتظاهرين
وكيف ينسجم نظام حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان مع التهديد الواضح لخامنئي بوقف الاحتجاجات والمظاهرات رغم أنها سلمية ويحرص قادتها على أن تكون سلمية، وكافة انتهاكات القتل والاعتقال من رجال أمن ومخابرات النظام، وكما أكدت السيدة شيرين عبادي بأنه في مظاهرة واحدة تم قتل سبعة أشخاص، وفي هجوم قوات الباسيج على جامعة طهران ثم قتل خمسة طلاب من بينهم طالبتان وإصابة الكثيرين بجروح، ورفض تسليم الجثث لذوي الضحايا، وتم اعتقال المحامي عبد الفتاح سلطاني مساعد السيدة شيرين عبادي الذي يعمل معها في مركز الدفاع عن حقوق الإنسان، كما تم اعتقال الصحفي رضا طاجيك مسؤول الانترنت وسبعة من العاملين في المركز، كما أكدت أن عدد المعتقلين خلال المظاهرات تجاوز 500 شخص، وكل ذلك يجري ويحدث في نظام الملالي (حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم)!!.

ونتيجة هذا التهديد،
أعلن المرشح الرئاسي مير حسين موسوي أنه لن يدعو مؤيديه لتنظيم احتجاجات جديدة يوم السبت كما كان مقررا سابقا، خاصة بعد أن رفضت وزارة الداخلية طلبا بتنظيم تلك المسيرات السلمية. وقد لخص الرئيس الإيراني السابق المقيم في المنفى في باريس الوضع بقوله: (إن موجة الاحتجاجات التي أثارتها الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها أصبحت تهدد الحكومة بأكملها) و (إن هذا التحرك يثبت أن الناس يريدون الديمقراطية وأن النظام ليس ديمقراطيا، لذا فإن التحرك لن يتوقف) و (إن قوة الدفع أصبحت تهدد الآن بالإطاحة بحكم رجال الدين في إيران برمته).

ويظل السؤال مطروحا:
من أصدق في التعبير عن مطالب الشعب الإيراني ؟ هذه المظاهرات والاحتجاجات المليونية الإيرانية، وكل هذه الشخصيات الإيرانية المعارضة علانية وصراحة، أم المصفقين من العرب لنظام الديكتاتور ولي الفقيه كما أطلق عليه المتظاهرون الإيرانيون في هتافاتهم ؟. ألا نقول في الأمثال العربية (أهل مكة أدرى بشعابها) و بالتالي فـ(أهل طهران أدرى بفسادها وقمع ديكتاتورها)!!!.
[email protected]