كانت الأضواء الإعلامية بمختلف وسائلها مركزة على المملكة الأردنية الهاشمية في الأسابيع الماضية، من خلال ما يمكن تسميته (الحراك السياسي النشط) الذي شهدته الساحة الأردنية، من خلال العديد من النشاطات الفاعلة التي كان أهمها:
أولا: زيارة الملك عبد الله الثاني للولايات المتحدة الأمريكية في الحادي والعشرين من أبريل 2009، ليكون أول زعيم عربي يقابل الرئيس الأمريكي الجديد أوباما في البيت الأبيض، وبعد هذا اللقاء وجّه الرئيس الأمريكي الدعوة لزيارة الولايات المتحدة لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتنياهو الذي لبّى الدعوة في السابع عشر من مايو والتقى الرئيس الأمريكي يوم الثامن عشر من مايو 2009، والرئيس المصري حسني مبارك الذي كان يستعد للقيام بتلك الزيارة، وألغاها بسبب الظرف الطارىء الخاص بوفاة حفيده (محمد علاء) يوم الاثنين الثامن عشر من مايو 2999 في باريس، والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي من المحتمل قيامه بهذه الزيارة في الأيام القليلة القادمة.
وقد اتخذت زيارة الملك عبد الله الثاني طابعا عربيا أكثر منه أردنيا، إذ كان كمبعوث عربي للإدارة الأمريكية الجديدة لدراسة أفاق العملية السلمية في الشرق الأوسط، والطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة لإثبات حضورها في عملية السلام الذي بات مهددا خاصة بعد تولي حكومة اليمين الإسرائيلي الجديدة برئاسة نيتنياهو. وقد كان تعقيب الملك عبد الله الثاني على لقائه مع أوباما إيجابيا قائلا: (اجتماعنا كان مهما لتأكيد الالتزام بالسلام والاستقرار في هذا الجزء من العالم، حيث أكدّ أوباما على أهمية حل الدولتين ودفع الطرفين إلى مفاوضات مباشرة بأسرع وقت ممكن). وقد نقلت صحيفة تايمز أوف لندن عن الملك عبد الله الثاني قوله (إن الولايات المتحدة تروج لخطة سلام في الشرق الأوسط تضمن حلا يضم 57 دولة يعترف فيها العالم الإسلامي كله بإسرائيل). وفي الوقت نفسه حذّر الملك من أنه (إذا أخرنا مفاوضاتنا للسلام فسيكون هناك صراع آخر بين العرب أو المسلمين وإسرائيل خلال ما بين ال12 و ال18 شهرا المقبلة).
ثانيا: زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للملكة الأردنية في الفترة من الثامن إلى الثاني عشر من مايو 2009 ليكون الثالث من بابوات الفاتيكان الذي يزور المملكة الأردنية، وقد كانت زيارته تأكيدا واضحا على دور المملكة في مسيرة السلام والتعايش بين الشعوب، خاصة أن زيارته أعقبتها زيارة الأراضي الفلسطينية مؤكدا صراحة على حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.
ثالثا: انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط في منطقة البحر الميت من الخامس عشر إلى الثامن عشر من مايو 2009 بحضور ما يزيد عن 1500 مشارك من القادة والرؤساء والوزراء ورجال وسيدات الأعمال وحملة جائزة نوبل من ثمانين دولة، وتأتي أهمية انعقاده في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحديات السلام المطلوب لاستقرار الشرق الأوسط، من هنا ركزت الكلمة الافتتاحية للملك عبد الله الثاني على مسألة السلام وحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة بناء على حل الدولتين، وقد كان صريحا في تحميله إسرائيل مسؤولية التأخير في تحقيق هذه السلام عبر حل الدولتين، عندما قال صراحة: (لقد التزمنا نحن بالسلام ويجب على إسرائيل أن تلتزم بالسلام أيضا، فقد قدمت مبادرة السلام العربية لإسرائيل مكانا في الجوار، وأكثر من ذلك القبول من 57 دولة هي ثلث أعضاء الأمم المتحدة، لا تعترف بإسرائيل حتى الآن وهذا يوفر الأمن الحقيقي، الأمن الذي لا تستطيع أن تحققه الحواجز ولا الجيوش المسلحة).
هذا الحراك السياسي والاقتصادي
الذي شهدته ونظمته المملكة الأردنية، أعاد للملكة الأردنية حضورها المؤثر كطرف أساسي في العملية السلمية في الشرق الأوسط، بسبب جوارها للطرف الفلسطيني حدوديا، وكونها تقيم علاقات دبلوماسية مع الطرف الإسرائيلي سبقتها مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية في إقامة هذه العلاقات، مما يجعل حضورها هذا لا يمكن أن يزايد عليه أي طرف عربي، فمصر أقوى قوة بشرية وعسكرية في العالم العربي أقامت هذه العلاقات قبل الأردن ب 14 عاما ومنظمة التحرير الفلسطينية تعترف بإسرائيل رسميا وعلنيا منذ اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988، بينما انتظر الأردن حتى العام 1994 لتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الطرف الإسرائيلي، ومنذ ذلك التاريخ لا تعدو العلاقات فتح سفارة لا تطوير من خلالها لأية علاقات بسبب تعنت الطرف الإسرائيلي وعدم إيفائه بالتزاماته التي
نصت عليها اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية، وكان بناءا عليها أن تقوم الدولة الفلسطينية عام 2005. من هنا ينتظر العالم ما يقال عن مبادرة أمريكية اتفق علي ملامحها الأساسية العاهل الأردني مع الرئيس الأمريكي أثناء زيارته الأخيرة، ويتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي هذه المبادرة أثناء زيارته للقاهرة المتوقعة في 4 يونيو 2009، وهذا ما يجعل الملك عبد الله الثاني حذرا إزاء هذه المبادرة، ففي مقابلته الصحفية مع التايمز اللندنية يوم الاثنين الحادي عشر من مايو 2009، قال : (إن الرئيس الأمريكي الجديد هو المفتاح لحل أزمة الشرق الأوسط، لكننا لا نريد رئيسا أمريكيا آخر يخذلنا، وما لم تكن هناك مؤشرات وتوجهات واضحة لنا جميعا، سيسود شعور بأن إدارته هي مجرد حكومة أمريكية أخرى تخذلنا جميعا. إن المصداقية الهائلة للرئيس أوباما في العالمين العربي والإسلامي ستتبخر في ليلة واحدة في حال ماطلت إسرائيل في تنفيذ حل إقامة دولتين، ولم تكن هناك رؤية أمريكية واضحة لما سيحدث هذا العام).
هل يرتبط هذا الحذر الأردني بتخوفات مستقبلية؟
نعم واضحة وصريحة لأن التعنت الإسرائيلي مرتبط بمؤشرات أيضا ليست إيجابية تجاه المملكة الأردنية الهاشمية ومنها :
أولا: عودة أطروحات اليمين الإسرائيلي الخاصة بالوطن البديل قوية وصريحة بعد انتخاب نيتنياهو رئيسا للوزراء الإسرائيلي وتشكيله الحكومة الجديدة التي تضم عناصر يمينية متطرفة منها وزير الخارجية ليبرمان، وإقدام نيتنياهو على تعيين quot; عوزي أراد quot; مستشارا له وهو صاحب نظرية quot; مملكة هاشمية فلسطينيةquot;، وقد كان من عناصر الموساد المهمة وصاحب خبرة أكاديمية عالية من خلال تأسيسه quot;معهد الدراسات متعددة المجالات quot;، ومن الرافضين لمفاوضات متساوية مع الفلسطينيين، ورأيه (إن المفاوضات مع الفلسطينيين يجب ألا تكون عنصرا أساسيا في سياسة إسرائيل، فنحن غير ملزمين بالتشاور مع الفلسطينيين، وعلينا أن نركز اهتمامنا على حلفائنا الأمريكيين. معهم نتفاوض ومعهم نتفق). وهذا الرأي إعادة صياغة لمقولة اليمين الإسرائيلي القديمة الجديدة أنه (لا دولة فلسطينية غرب النهر لأن هذه الدولة قائمة أساسا شرق النهر).
ثانيا: إعلان نتينياهو أكثر من مرة منذ ترؤسه للحكومة الإسرائيلية الجديدة أنه لا (عودة لتقسيم القدس وهي العاصمة الأبدية للدولة اليهودية) و (لا محادثات مع الجانب الفلسطيني إلا بإقراره علنا بيهودية دولة إسرائيل) و (لا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين). ومن الواضح أن هذه اللاءات الإسرائيلية الثلاثة أو الخطوط الحمر الإسرائيلية هي نفس اللاءات والخطوط الحمر الفلسطينية والعربية، مما يعني أن احتمالات التقدم في مسيرة السلام محدودة أو شبه معدومة، وربما يكون ذلك هو خلفية حذر الملك عبد الله الثاني الذي عبر عنه صراحة وبوضوح. ومن الواضح أن اللاءات الإسرائيلية الثلاث هذه تصب في خدمة وضخ دماء متنوعة لفكرة الوطن البديل الذي يطرح أحيانا من خلال تسميات خادعة مثل (الاتحاد الكونفدرالي بين الأردن والضفة الغربية)، وطبعا المقصود ما تيسر من هذه الضفة الذي تقبل إسرائيل الانسحاب منه، وأحيانا تطرح بعض الدوائر عودة الجيش الأردني لحفظ الأمن في الضفة، ولا يملك الأردن الرسمي والشعبي إلا التمسك بثوابت أردنية واضحة في مواجهة هذه المخططات، وهذه الثوابت التي تؤكد عليها السياسة ألأردنية دوما هي:
1. لا عودة عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية الذي اتخذه المرحوم الملك حسين في يوليو 1988 تدعيما للكيانية والدولة الفلسطينية التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في نفس العام.
2. لا تنازل عن حق الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ولا بحث في أية علاقة مع المملكة الأردنية إلا بعد قيام هذه الدولة بحدود واضحة واعتراف دول العالم بها، وبعد ذلك تكون العلاقة معها ميدانا للبحث مثل أية علاقات بين دولتين عربيتين.
3. حق العودة مشروع للفلسطينيين حسب قرار الأمم المتحدة 194 لعام 1948، والتمسك به أو التنازل عنه وقبول التعويض مسألة فلسطينية بحتة لا علاقة للأردن أو أية دولة عربية به سلبا أو إيجابا.
ما هو موقف الشعبين الأردني والفلسطيني
من موضوع الوطن البديل؟. أعتقد أنه لا يوجد إجماع شعبي ورسمي أردني على أي موضوع سوى الرفض العلني الصريح للوطن البديل، لأنه لا يختلف عن ظروف إقامة دولة إسرائيل التي قامت على أرض و وطن شعب آخر، لذلك أيا كانت خلافات أي حزب معارض أردني مع حكومته، فهو يلتقي معها صراحة في رفض ومقاومة فكرة الوطن البديل، بما فيها حزب جبهة العمل الإسلامي الذي رغم خلافه مع الحكومة حول ملفات عديدة، إلا أن رئيس كتلته النيابية حمزة منصور صرّح قائلا: quot; يتحتم على كل الأردنيين حماية وطنهم من أية مشاريع يراد فرضها، ودعم المقاومة في فلسطين كونها خط الدفاع الأول وراس حربة الأمة في مواجهة مخططات الكيان الصهيوني quot;.
و وصولا لتمتين الجبهة الداخلية الأردنية
في مواجهة هذا المخطط، أفضل الوسائل هي توسيع الهامش الديمقراطي الذي يصرّ ويلح عليه الملك عبد الله الثاني دوما، ومن ضمن تطبيقاته توسيع هوامش مشاركة المواطن حسب كفاءاته لتقليص حسابات العشائرية والمحسوبية والإقليمية، خاصة أن الملك عبد الله الثاني قد حسم الجدل حول فكرة تقسيم المملكة لأقاليم، وهي الفكرة التي أحدثت جدلا وتخوفا واسعا في المملكة، فجاء الحسم الملكي بترك تطبيق الفكرة التي أقرتها اللجنة الملكية بهذا الصدد، معلنا (أنه يسعى لتطبيق اللامركزية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار التنموي)، وذلك في نطاق كل محافظة تاركا فكرة الأقاليم لتهدئة مخاوف الشارع الأردني، التي هي في بعض جوانبها مرتبطة بتبني اليمين الإسرائيلي لفكرة الوطن البديل. إن مخاوف الشارع الأردني مشروعة، لكن الفكرة غير قابلة للتنفيذ حتى بالقوة في ظل الرفض الصريح من الشعبين الأردني والفلسطيني وقياداتهم.
[email protected]