يبدو التذكير بمسلسل الأحداث هنا على قدر من الأهمية كي يتذكر من لا يتذكر:
الثلاثاء السادس من مايو 2008
قررت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة إقالة رئيس جهاز أمن مطار بيروت العميد وفيق شقير،مع إعادته مرة أخرى لصفوف الجيش، كما قررت الحكومة بحث صحة التقارير حول أن حزب الله قام بتركيب كاميرات مراقبة خاصة به في المطار، تابعة لشبكة الاتصالات الهاتفية الخاصة بالحزب التي تم اكتشافها في بعض مناطق العاصمة اللبنانية، وأن هذه الشبكة غير شرعية وهي اعتداء على السيادة والأمن والمال العام. وعلى الفور استنكر حزب الله هذه الإجراءات الحكومية مهددا الحكومة وقوى الأغلبية بالويل والثبور، معترفا بوجود شبكة الاتصالات الهاتفية الخاصة هذه وأنها نقاط القوة في الصراع مع إسرائيل.
الأربعاء والخميس السابع والثامن من مايو 2008
نفّذ حزب الله تهديده، واجتاحت قواته العسكرية العاصمة بيروت وصيدا وبعض مناطق الجبل، مستخدمين السلاح بشكل عشوائي ضد كل من وقف أمام اجتياحهم العسكري الهمجي هذا، وكانت ذروة العمالة لأطراف إقليمية عندما قامت عصابات الحزب بدوس صور رفيق الحرير ي بأقدامهم ورفعوا بدلا منها صور الرئيس السوري بشار الأسد و زعيم ملالي إيران علي خامئني، واقتادوا عشرات من قوى الأغلبية معصوبي الأعين ليعرضوهم ويستجوبوهم أمام كاميرات قناتهم quot; المنار quot; بشكل لم يجرؤوا عليه مع الأسرى الإسرائيليين. وقاموا بحرق وتدمير المؤسسات الإعلامية المعارضة لهم كما حصل مع تلفزيون المستقبل وغيره، وحاصروا قصر سعد الحريري في قريطم ومسكن وليد جنبلاط في كليمنصو، وكانت نتيجة ذلك الاجتياح العسكري لحزب الله ما يزيد عن 110 قتيل لبناني.
ما هي مناسبة التذكير الآن بهذه الأحداث السوداء؟
إنها خطاب السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله يوم الجمعة الخامس عشر من مايو 2009 الذي أعاد للذاكرة اللبنانية مأساة القتلى المائة والعشرين والدمار والحرق والتدمير الذي تعرضت له العاصمة بيروت، معتبرا ذلك اليوم السابع من أيار (يوما مجيدا من أيام المقاومة). وأثناء ذلك الخطاب المجيد شنّ هجوما غير مسبوق على قوى الأكثرية النيابية (قوى الرابع عشر من آذار)، ملصقا بها كل التهم التي أخفها السعي لتقسيم لبنان أو إقامة فيدراليات فيه، معتبرا أن ذلك اليوم المجيد هو الذي أنقذ لبنان وأعاده للطريق الصحيح.
ويؤشر هذا الخطاب لزعيم النصر الإلهي
على حجم التضليل الذي تمارسه القيادات العاملة باسم وصفة الدين، حيث يطال هذا التضليل عقل المواطن العربي الذي تزيد نسبة الأمية في صفوفه ما يزيد عن ستين بالمائة، أي أن هذه النسبة التي تكاد تصل لثلثي سكان الأقطار العربية لا تجيد القراءة والكتابة، وبالتالي لا تستطيع سوى سماع ما يبث عبر الفضائيات وتحديدا لشيوخ الدين أو قيادات سياسية لها صفات أو مرجعية دينية، وبالتالي فكل ما يصدر عن هؤلاء هو من المسلمات عند هذه الأغلبية العربية، مما يجعلها تتمادى في التدليس وتمرير ما تمليه عليها أجنداتها السياسية الإقليمية والدولية، غير عابئة بحجم التضليل الذي تمارسه رغم أن الدين الذي تدّعي أنها تمثله و تهتدي بتعاليمه ينهى عن الكذب والتضليل.
تصوروا واستعملوا عقولكم،
يوم السابع من أيار المعطى صفة ولقب (المجيد) ترتكب فيه عناصر حزب الله المسلحة:
1. قتل ما لا يقل عن 110 مواطن لبناني.
2. تدمير وحرق مؤسسات إعلامية منها قناة المستقبل الفضائية، قناة المستقبل الأرضية، جريدة المستقبل، مجلة الشراع، الإذاعة الأرمنية، جريدة اللواء، جريدة الشرق، و وقف بث إذاعة القرآن الكريم التابعة لدار الفتوى اللبنانية. كما تعرضت المسيرة الإعلامية المستنكرة لهذا الاجتياح الهمجي إلى الضرب والشتم والتحقير من ميليشيات حزب الله.
3. محاصرة منزل سعد الحريري في قريطم.
4. محاصرة منزل وليد جنبلاط في كليمنصو.
5. إلغاء وجود الدولة اللبنانية كاملا والتصرف كدويلة داخل الدولة.
6. رفع صور رؤساء دول أخرى و الدوس على صور المرحوم رفيق الحريري.
كل هذه الجرائم المرتبكة عن تخطيط مسبق ونية مبيتة، والسيد حسن نصر الله يقول عن هذا اليوم الأسود أنه يوم مجيد !!!. أي مجد هذا الذي ترتكب فيه كل هذه الجرائم؟
وهذا ليس أول التزييف والتضليل،
فقد سبق للسيد حسن نصر الله أن أطلق على نتائج حرب تموز 2006 بين قوات حزبه والجيش الإسرائيلي بأنه (نصر إلهي)، وهذا يعني حسب مفهومه أو ما يروجه بين غالبية الشعوب العربية، أن قوات حزبه كانت تقاتل بإرادة ودعم إلهي، مما جعل بعض المضللين يروجون لمعلومة مفادها أن هناك ملائكة نزلت من السماء لتقاتل مع جنود حزب الله، وفي ذلك إعادة توظيف لقول الله تعالى في سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا). وهذا التضليل يستدعي السؤال: لماذا لم تنزل هذه الملائكة طوال معارك ستين عاما لتحرير فلسطين كي تحسم المعركة؟ خاصة في السنوات الأخيرة التي بدأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) النضال والقتال لرفع راية الإسلام والمسلمين، و حسب تسمية حماس ليوم انقلابها العسكري على السلطة الفلسطينية (الخميس الرابع عشر من يونيو 2007) بأنه يوم مجيد تمّ فيه التحرير الثاني للقطاع من احتلال حركة فتح، فربما تكون قد نزلت الملائكة في ذلك اليوم لمساعدة عسكر حماس لإنجاز تحريرهم لقطاع غزة، و إلا ما معنى تكرار الشيخ إسماعيل هنية في خطب الجمعة في مساجد القطاع بأن هذا التحرير الثاني تمّ بمعونة الله تعالى ورضاه.
وعودة لتفاصيل النصر الإلهي الذي عمّده السيد حسن نصر الله نذكّر بنتائج هذا النصر:
1. سقوط ما لا يقل عن ألف وخمسمائة قتيل لبناني غالبيتهم من المدنيين اللبنانيين، وقلة منهم فقط من عسكر حزب الله حسب اعترافات الحزب، و ألاف من الجرحى والمعاقين.
2. تراجع مسلحي حزب الله في جنوب لبنان لما وراء الحدود مع إسرائيل بمسافة تقدر ب 45 كيلومتر، بدليل السكوت النهائي لرصاص وصواريخ حزب الله رغم تكرار الخروقات الإسرائيلية شبه اليومية، وليس هذا فقط بل النفي المتكرر الحازم لحزب الله أن لا علاقة له ببعض الرصاص والصواريخ التي تمّ إطلاقها عبر الحدود بعد وقف إطلاق النار في ذلك النصر الإلهي.
3. خسائر البنية التحتية اللبنانية تقدر بما يزيد عل 15 مليار دولار.
4. صدور القرار الدولي رقم 1701 الذي نتج عنه بسط سيطرة الدولة اللبنانية وجيشها النظامي على عموم الأراضي اللبنانية ووصول قوات اليونيفيل الدولية المسلحة ومن ضمنها قوات من حلف الناتو فرنسية وأسبانية وألمانية وتركية وإيطالية لمراقبة الحدود مع إسرائيل وضمان أمنها.
5. عدم تجرؤ حزب الله بعد وقف إطلاق النار في الحديث عن مزارع شبعا المحتلة أو إطلاقه أية رصاصة عبر تلك المزارع نهائيا.
ورغم كل هذه الخسائر فالنتيجة لحرب تموز 2006 هي (نصر إلهي). ولمزيد من الإطلاع على الخسائر التي لحقت بلبنان دولة وشعبا من هذه الحرب الإلهية ذات النصر الإلهي، يرجى الإطلاع على هذه النتائج ضمن الرابط التالي، وقد قامت بالرصد مراكز لبنانية مقربة من حزب الله.
http://www.10452lccc.com/hizbollah/Who.won2.8.06.htm
تهديد الوحدة الوطنية باسم اليوم المجيد
إن أخطر ما في خطاب السيد حسن نصر الله في مناسبة ذلك (اليوم المجيد) هو التهديد والوعيد المباشر والمبطن الذي فحواه أن يبقى حزب الله دويلة فوق الدولة غير قابل للمساءلة مهما فعل وارتكب من مخالفات ضد هيبة الدولة والسلطة الواحدة، وهو يسمح لحزبه بما لا يسمح به مطلقا للأحزاب الأخرى، وسبب ذلك أنه (حزب الله) أي أنه فوق الجميع كممثل لله تعالى في الأرض. و إلا ما معنى دفاع السيد المستميت عن أخطاء حزب الله وجرائمه فوق الأرض اللبنانية، فلماذا للحزب وحده الحق في إقامة شبكة اتصالات هاتفية خاصة به ونصب كاميرات مراقبة تابعة له فوق مدرجات مطار بيروت؟؟ هل يقبل الحزب ذلك من أحزاب وقوى الأكثرية النيابية اللبنانية؟. ويستمر في التضليل المهيج للجماهير العاطفية من خلال رفضه الصارم لقضايا لا يطرحها أي حزب لبناني، كرفضه لمسألة التقسيم وذلك يعطي لأذهان البعض مفهوما معناه أن هناك من الأحزاب والقوى اللبنانية من يطرح التقسيم، وهذا غير وارد مباشرة أو ضمنا في برنامج أي حزب لبناني، وهو من البديهيات المرفوضه في الساحة اللبنانية.
لذلك وبعكس تمجيد السيد حسن نصر الله، اعتبر وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني محمد الصفدي (ذلك اليوم المجيد عند حسن نصر الله يوم نكسة في تاريخ لبنان ومستقبله. لأن ما نتج عن ذلك اليوم من انقسام يهدد الوجود اللبناني، وكنا نتمنى ألا يحصل ذلك لأننا كنا نعتبر أن سلاح المقاومة موجه ضد إسرائيل، ولكن تبين أن هذا السلاح يمكن توجيهه إلى الداخل أيضا، مما غيّر المعطيات الداخلية والتوازن السياسي داخل البلاد). وكذلك نائب طرابلس ناصر الأحدب الذي حضّ السيد على (عدم نسيان أن لبنان لم يسقط، وطرابلس وقفت في السابع من مايو عندما تحولت المقاومة إلى ميليشيا...مؤسف أن سيد السلاح تجاهل ذكرى تأسيس دولة العدو الإسرائيلي في 15 أيار، واحتفل بانتصار قابيل على هابيل. وبذلك ظهرت الخطة الحقيقية لحزب الله وهي التلطي بمحاربة إسرائيل ليس لمحاربتها بل للسيطرة على دولة عربية. إننا في طرابلس لن نقبل بأن تكون بيروت محتلة، ولن نرتاح ما دامت كرامات أهل بيروت منهكة في هذا الشكل. ونتساءل كيف سيكون دور الدولة اللبنانية والمؤسسات العسكرية التي اعترفت أن هناك خطأ وقع في السابع من أيار 2008؟).
والخطورة المستفادة من هذه التعليقات والمواقف،
أن حزب الله يطلق هذه التهديدات أياما قليلة قبل الانتخابات اللبنانية في الثامن من يونيو القادم، ويقصد من ذلك أيضا تعبئة جماهير حزبه على أسس طائفية، و إلا ما معنى إطلاق صفة (المجيد) على يوم اجتياح ميليشيات حزبه لمناطق بيروت السنّية؟ هل يقبل السيد أن تقوم قوى الأغلبية (الرابع عشر من آذار) بمثل هذا الاجتياح في عقر دويلته الكائن في الضاحية الجنوبية من بيروت؟. كل تطمينات حسن نصر الله لا قيمة لها أمام أدبيات حزبه التي تنصّ صراحة على (أن هدف الحزب إقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم بإيران) و (أننا أبناء حزب الله الذي نصر الله طليعته في إيران، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه)، متناسيا ما يفعله الولي الفقيه في داخل إيران من قمع وظلم وطغيان وإعدامات، واستمرار الولي الفقيه في احتلال الأحواز العربية والجزر الأماراتية الثلاث....لذلك فالخوف على لبنان على نتائج وتطورات الانتخابات القادمة أيا كانت النسبة التي سيحصل عليها حزب الله ومناصروه، إذ لا يمكن الاطمئنان لأجندة الحزب ولا ممارسات مناصريه خاصة الجنرال ميشيل عون الذي بدأ الحج للعاصمة السورية لتلقي بركات النظام وتأييده، متناسيا كل ما قاله عن النظام السوري في سنوات هروبه إلى باريس بعد أن لجأ للسفارة الفرنسية هربا من ملاحقة الجيش السوري له في أكتوبر 1990. فلماذا كل هذه المواقف المتذبذبة بين عشية وضحاها؟ هل هي لمصلحة لبنان أم للمصالح الشخصية؟ و إلا من نصدق جنرال باريس أم جنرال بيروت ودمشق في طبعته الأخيرة؟
[email protected]