المتابع لسياسات وممارسات مدرسة الإخوان المسلمين كأحزاب سياسية في العديد من الأقطار العربية، يستطيع رصد بعض الملامح الأساسية لهذه المدرسة طوال نصف القرن الماضي، خاصة أشهر هذه الأحزاب الإخوانية في الأردن و مصر و سورية، ومن هذه الملامح:
أولا: عدم رؤية الواقع السياسي المعاش والمحيطمن خلال نظرة واقعية تدرك أن السياسة هي فن الممكن، إذ لا يستطيع شخص أو حزب أو دولة أن يصمم العالم على ذوقه ومزاجه وتبعا لمصالحة الذاتية وكأنه هو المتحكم في العالم من كافة نواحيه وزواياه.
ثانيا: التشنج في الخطاب أيا كان الموضوع سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا، وفي أغلب الأحيان يكون الخطاب فقط لإثبات الحضور خاصة في ظل شيوع الفضائيات، ومن يدمن على مشاهدة نفسه أو اسم حزبه في هذه الفضائيات، يجد نفسه يركض وراء تصريحات ومواقف لا علاقة لها بتوجهات حزبه أو مصلحة بلده، فهي فقط للظهور الفضائي والأرضي.
ثالثا: الانتهازية في المواقف سواء لخدمة مصالح شخصية أو تنظيمية، وغالبا بمبررات ضعيفة لا يقتنع بها أي عاقل أو مجنون لأنها فاقعة في ضعف مبرراتها وتوقيتها
وسوف أقدم أمثلة على هذه الملامح من ممارسات ومواقف أشهر وأعرق أحزاب مدرسة الإخوان المسلمين في الأردن و مصر وسوريا، وسأحاول أن تكون هذه المواقف معاصرة يتذكرها غالبية القراء.
1. إخوان الأردن و مصر
لا يجادل أحد في أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت في الأردن منذ بداية منتصف القرن الماضي في ظل ورعاية العرش الهاشمي، حيث كانت تعمل علنا ورسميا ك (جمعية خيرية) حتى عام 1990، عندما أسست حزبها السياسي العلني (حزب جبهة العمل الإسلامي) والمرخص رسميا من الحكومة عقب الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين. و من أمثلة غرورها وعدم واقعيتها موقفها الأخير قبل أيام من زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للملكة الأردنية، فبدلا من التخطيط للقاء البابا وحثه على دعم حقوق الشعب الفلسطيني والتعايش بين كافة الأديان، فتحت بطريقة متشنجة صفحة اعتذار البابا عن محاضرة له في عام 2006، أورد فيها قولا فيه إساءة للإسلام، وقد اعتذر عن ذلك البابا مرتين كما أوضحت في مقالتي السابقة عن زيارته الأخيرة للمملكة الأردنية. وقبل ذلك عند موت الإرهابي المدعو أبو مصعب الزرقاوي في يونيو 2006 خالفوا المزاج الشعبي الأردني، وذهب أربعة من نوابهم لبيت عزاء في الإرهابي وأعلنوا أنه شهيد وسوف يشفع لسبعين من أنصاره وأتباعه بدخول الجنة، متناسين بدون أي وازع من ضمير أن هذا المجرم قبل شهور في نوفمبر 2005، نفذ تنظيمه تفجيرات الفنادق في عمان التي راح ضحيتها 57 قتيلا و 115 جريحا، كان أحد هذه التفجيرات الإرهابية في حفل عرس أي لحظات فرح لمواطنين أردنيين، فأي إسلام وأي شرع يمكن أن يعتبر هكذا مجرم شهيدا؟؟.
والإصرار على البقاء في المشهد الإعلامي خاصة الفضائيات جعلهم لا يتركون حدثا أردنيا أو عربيا أو عالميا لم يصدر الإخوان المسلمون في الأردن بيانا فيه وحوله، إلى حد أن (إعصار كاترينا) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005 حظيّ ببيان من حزبهم (جبهة العمل الإسلامي) أدان فيه تقصير الإدارة الأمريكية في إغاثة ومساعدة الضحايا، وكان البيان شديد الحرارة لدرجة أنني تصورت أن أولئك الضحايا الأمريكان أعضاء في الحزب. وفي بيان آخر طالب زكي بني ارشيد أمين عام الحزب بإحالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى المحكمة، وذلك تأييدا منه وحزبه لمولودتهم الشرعية حركة حماس.
وهذا التأييد لحماس بشكل مطلق وأعمى يضع علامة استفهام إن كان حزب جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين حزبا سياسيا أردنيا، يعمل بترخيص من وزارة الداخلية الأردنية، أم فرع أردني لحركة حماس؟؟. ولم ينس الحزب وخاصة أمينه العام أحداث الباكستان وجرائم عمر البشير المطلوب جنائيا من تصريحاته ودعمه، وستبقى صفحة سوداء في تاريخ هذا الحزب دعمه المتواصل للديكتاتور البائد صدام حسين، حيث أعطوه لقب وصفة (سيد الشهداء)، ويحتفلون سنويا بذكرى إعدامه في مهرجانات حاشدة في مجمع النقابات المهنية الذي يخضع لسيطرتهم المطلقة في مدينتي عمان وإربد.
ويكاد أن يكون زكي بني ارشيد استنساخا دقيقا لمهدي محمد عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، من ناحية تصريحاته الاستفزازية غير الموضوعية، فمهدي عاكف مشهور برئاسة مدرسة (الطزطزة) في مصر بعد تصريحه المشهور في أبريل 2006 في حوار صحفي نشرته مجلة (روز اليوسف) بعد رفض جريدة الكرامة التي أجري اللقاء لها نشره، فقد سأله الصحفي عن رأيه في قوله (أنه لا مانع لديه أن يحكم مصر غير مصري طالما كان مسلما)، فردّ عليه مهدي عاكف قائلا: (طز في مصر وأبو مصر واللي في مصر)، وهذا يعني أن هذه الطزطزة تشمله هو وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر طالما هم من ضمن (اللي في مصر). وضمن نفس النهج الاستفزازي يورط نفسه هذا المهدي غير المنتظر في كل القضايا الداخلية المصرية بما فيها اختصاص القضاء، من خلال تصريحاته المدافعة عن خلية تجسس حزب الله في مصر، مدعيا أن quot; حزب الله لم يهدد الأمن القومي المصري، بل قام بجهد الكبير في دعم المقاومة quot;، هكذا وكأن هذا المهدي كان عضوا في الخلية ويعرف ما كانت تخطط له، رغم أن بعض أعضائها اعترفوا أنهم جاءوا لرصد أهداف أجنبية في الأراضي المصرية. هذا الاستفزاز الذي لا يخدم إلا حضور هذا المهدي في وسائل الإعلام، جعل صحيفة الأهرام المصرية تطالب أعضاء جماعة الإخوان المصرية ب quot; أن يعملوا على إقصاء هذا المنفلت قبل أن يكون سببا في وقوع كارثة سيدفع ثمنها الإخوان جميعا quot;.
وضمن نفس المدرسة الاستفزازية،
تأتي تصريحات زكي بني ارشيد التي لو صرّح بكلمة واحدة منها في بعض الأقطار العربية، لأصبح كما نقول في الحواري الشعبية (في خبر كان) أي كان حيا، من خلال سيناريوهات الإختفاء والقتل التي عرفت بها بعض العواصم العربية، فمن يصدق أن زكي بني ارشيد ما زال حيا، وهو الذي صرّح في الثاني عشر من مايو 2007 قائلا: quot; إن رئيس الوزراء معروف البخيت أداة في يد السفير الأمريكي لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة والعمل على تضييق عمل الحركات الإسلامية quot;. ومن باب الموضوعية فالنقد من حق زكي بني ارشيد كمواطن أردني، ولكن هذه التصريح الغوغائي غير المقترن بأدلة ووثائق يعرضه للمحاكمة القضائية في أعرق الدول الديمقراطية، ورغم ذلك صمن الهامش الديمقراطي المتاح للأحزاب السياسية في الأردن لم يتعرض لمجرد السؤال، وبالتالي بدلا من أن يعمل الإخوان المسلمون في الأردن ومصر على تعميق الهوامش الديمقراطية المتاحة، يتقصدون الاستفزاز الذي يثير السلطات ضدهم، لأن وجودهم في الشارع يعتمد دوما على شكوى المظلومية والاضطهاد الموجه ضدهم.
لذلك فقد أطاح مجلس شورى الإخوان
قبل أيام قليلة بزكي بني ارشيد كأمين عام لجبهة العمل الإسلامي، وتم اختيار شخصا معتدلا بدلا منه هو الدكتور اسحق الفرحان، وهو شخصية إسلامية معتدلة ومقبولة وتولى الوزارة في زمن المرحوم وصفي التل عام 1970. وتشير العديد من الدلائل أن تنحية زكي بني ارشيد كان الحل المنطقي بسبب تذمر وتحرك تيار الحمائم المعتدلين في جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين، لأن مواقفه وتصريحاته الاستفزازية غير الواقعية أضاعت وقت الحزب وجهوده في محو آثار هذه التصريحات والمواقف في الشارع الأردني ومع السلطات الأردنية بدلا من توجيهها نحو تعميق التجربة الحزبية والديمقراطية في المملكة الأردنية. لذلك من المتوقع بشدة وعمق أن شخصية معتدلة مثل الدكتور اسحق الفرحان ستعمل على ردم الهوة بين جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين والسلطات المحلية وقطاعات واسعة من الشارع الأردني لا تؤيد النهج المتشدد، مما يعني صبّ جهود الجماعة وحزبها السياسي في خدمة الحراك الديمقراطي بإسلوب هادىء بعيدا عن الاتهامات العشوائية، وحصر جهود الحزب في الساحة الأردنية بدلا من ساحات العالم كله التي كانت مجالا لتصريحات بني ارشيد الخطابية الفضائية والأرضية، خاصة أن الدكتور اسحق الفرحان يمتلك خبرة واسعة في ميدان العمل الوزاري المؤثر في القاعدة الشعبية حيث تولى سابقا منصب وزارة التربية والتعليم والأوقاف واشرف على تخطيط مناهج التعليم في وزارت أردنية سابقة، ورئاسة الجامعة الأردنية، وعضوا بمجلس الأعيان ورئاسة جامعة الزرقاء الخاصة، وهي تجربة ميدانية من النادر أن تتوفر لغيره. ومن المؤمل أيضا في ظل توليه أمين عام جبهة العمل الإسلامي أن تعيد شخصيته القوية الاعتبار لقيادة الداخل الأردنية وتقلص من تأثير القيادة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين التي تتدخل في كل كبيرة وصغيره من عمل ساحات تواجد الإخوان رغم عدم معرفة العديد من هذه القيادة الدولية بتفاصيل خصوصيات كل ساحة.
الهدف هو السلطة مهما كان الثمن
خطورة جماعات الإخوان المسلمين في كافة أماكن تواجدهم العربية هو سعيهم الحثيث لاستلام السلطة بأي شكل وأي ثمن، حتى لو اضطروا لأسلوب الانقلابات العسكرية كما فعلت حركتهم حماس الفلسطينية في قطاع غزة، والخطورة الفادحة هي ما تعقب نجاحهم في السيطرة على الحكم حيث القمع لكل معارضيهم، فهم الوحيدون الذين يعملون كوكلاء لله في أرضه، ومن يحتمي بالدين ولو تمثيلا لا يجوز تخطيئه بأي شكل وأية حجج مهما كانت دامغة، وبالإضافة لأفعال حماس الداخلية لا يمكن نسيان أفعال وجرائم طالبان في أفغانستان وجيش المهدي لصاحبه ومالكه الوحيد مقتدى الصدر في العراق، ونفس الويل سيصاحب كل تجربة إخوانية تستطيع الاستيلاء على السلطة أو الوصول إليها بأي شكل من الأشكال.
[email protected]