زار رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم الأردن في الرابع من نوفمبر عام 2007، لحضور مؤتمر quot; المرأة العربيةquot; الذي نظّمه quot; منتدى الفكر العربي quot; الذي يرأسه ويرعاه الأمير الحسن بن طلال، وقد انعقد تحت يافطة (آفاق المستقبل)، وأثناء ذلك اجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. ومن المهم ملاحظة أن هذه الزيارة على ما يبدو كانت مقصودة كبادرة حسن نية قطريه تجاه الأردن، لأن كون الشيخ حمد عضوا في المنتدى لا يبرر حضور الرجل الثاني في الدولة القطرية لهذا المؤتمر على أهميته لنصف المجتمع العربي. وخلال العام الماضي الذي أعقب تلك الزيارة تدحرجت بسرعة كرة الدفء في العلاقات بين البلدين، إذ يمكن تسجيل أنه في الأيام القليلة الماضية أي تماما بعد مرور عام على زيارة الشيخ حمد بن جاسم، قد تمت:
زيارة السيد ناصر اللوزي رئيس الديوان الملكي الأردني لقطر يوم الثلاثاء الرابع عشر من أكتوبر الماضي، حيث نقل رسالة من الملك عبد الله الثاني للشيخ حمد بن خليفة الذي حمّله دعوة للملك عبد الله الثاني لزيارة قطر. ثم زيارة المهندس نادر الذهبي رئيس الوزراء الأردني يوم العاشر من نوفمبر الحالي حيث اجتمع أيضا مع الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم، وقبل هذه الزيارة في السادس من نوفمبر الحالي أعلنت الخارجية الأردنية عن تعيين السفير أحمد المفلح (في إيران سابقا) سفيرا للأردن في الدوحة، ليشغل المنصب الشاغر منذ منتصف عام 2006، وموافقة الحكومة القطرية على هذا التعيين بسرعة سبقت زيارة رئيس الوزراء الأردني المذكورة. والآن يتطلع المسؤولون في الدولتين لزيارة العاهل الأردني لقطر المتوقعة في نهاية شهر نوفمبر الحالي.
دور الإعلام والمواقف السياسية
للتذكير فإن الموقف من حركة حماس كان بداية الخلاف بين القطرين الشقيقين، إذ صدر قرار قضائي أردني بإغلاق مكاتب الحركة في أغسطس 1999 وتمّ إبعاد (خالد مشعل، إبراهيم غوشة، عزت الرشق، وسامي خاطر) في نوفمبر 1999 إلى قطر، وكما قيل أنه بتنسيق مع الحكومة القطرية، بدليل أن الإبعاد تمّ على طائرة قطرية كان متواجدا فيها وزير الدولة بالخارجية القطرية، رغم تصريح عبد المجيد الذنيبات المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك (2003) للجزيرة نت (17 ديسمبر 2003) أنّ المبعدين الأربعة فوجئوا بوجودهم على الطائرة القطرية وعليها وزير الدولة بالخارجية القطرية ونظيره الأردني. ورغم الخلاف في التفسيرات إلا أنّ المراقب المحايد يؤيد وجهة النظر الأردنية حول أنه لا يجوز لمواطن أردني أن يكون عضوا في حركة أو تنظيم سياسي غير أردني، ويعمل لذلك التنظيم علنا من دولته الأردن. خاصة أن قيادة حماس آنذاك كانت تعمل وتسافر وتعقد اللقاءات السياسية والمؤتمرات الصحفية وكأنها دويلة داخل الدولة الأردنية. وكانت زيارات خالد مشعل لإيران شبه منتظمة، وكان إبعادهم إلى قطر بعد عودة مشعل وقيادته من طهران في الثلاثين من سبتمبر 1999. وبموضوعية لا تقبل أية ديمقراطية عريقة أوربية أو اسكيندينافية أن يسافر عضو أو رئيس حزب من بلادها لمباحثات سياسية في دولة أخرى إلا إذا كان موفدا بشكل رسمي من خارجية بلاده. والدليل على ذلك أن الأردن الرسمي أعلن مرارا أنه من حق أي مبعد من الأربعة العودة لوطنه إذا أعلن رسميا تخليه عن عضوية أي تنظيم غير أردني، وهذا ما حدث مع إبراهيم غوشة الذي عاد في الرابع عشر من حزيران 2001، معتزلا العمل السياسي باسم حماس وغيرها، ولم يصدر عنه منذ ذلك التاريخ أي بيان سياسي أو تصريح صحفي ولم يشارك في أي نشاط سياسي لا باسم حماس ولا باسم أمها جماعة الإخوان المسلمين. وقد لعب الإعلام دورا في توتير العلاقة على خلفية هذه القضية مما جعل حجم الخلاف أكبر بكثير مما هو في حقيقته. ومن الملاحظ بشكل عام في عموم الأقطار العربية أن بعض الصحفيين والكتاب يبدأون هجومهم على الطرف الآخر عند أي خلاف مهما كان بسيطا من باب التزلف لقيادتهم السياسية، دون أن يعوا دور تزلفهم هذا في توسيع شقة الخلاف، ولا يسكتون إلا عندما يصلهم التأنيب القاسي من مسؤولي حكومتهم.
قطر دولة الوساطة والمصالحة
ومن ناحية ثانية من المهم ملاحظة أن القيادة القطرية قد عرفت في الأعوام القليلة الماضية بأنها قيادة الوساطات والمصالحات، فقد أنجزت مصالحة حقيقية مع الجارة المملكة العربية السعودية بعد قطيعة وقصف إعلامي من العيار الثقيل، وكانت ذروة هذه المصالحة حضور العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز القمة الخليجية التي عقدت في الدوحة في الإسبوع الأول من يناير 2008، وقد أشاد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم في مؤتمر صحفي عقب انتهاء القمة بحضور خادم الحرمين الشريفين القمة مؤكدا (أنّ بلاده لا تعتبر تحسن علاقاتها مع السعودية أمرا تكتيكيا. نحن نعتبر أن الشقيقة المملكة العربية السعودية هي العمود الفقري لمجلس التعاون الخليجي..إن العلاقات القطرية السعودية راسخة، رغم ما شابها من سوء الفهم، إلا أن العلاقة مع السعودية علاقة مصيرية).
وفي نهاية مايو 2008 أنجزت القيادة القطرية (اتفاق الدوحة) بين الأشقاء اللبنانيين المتخاصمين بين موالاة ومعارضة، وقد كان اتفاقا مصيريا أنهى انقساما وفراغا دستوريا ورئاسيا لمدة ثمانية عشر شهرا، وأعقب ذلك الاتفاق انتخاب العماد ميشيل سليمان قائد الجيش رئيسا للجمهورية اللبنانية بموافقة كافة الأطراف اللبنانية. لذلك فيما يتعلق بطريق عمّان ndash; الدوحة كان أسهل إعادة تسييره لأن نقاط الخلاف بين القيادتين الأردنية والقطرية لم تكن سوى أقل من (سوء فهم)، زال سريعا بناءا على حسن النية لدى القيادتين للعودة إلى علاقات كانت مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون في العديد من الميادين، ومما يسجل دليلا على حسن نية القيادة القطرية أنها طوال فترة سوء الفهم تلك أبقت السفير القطري في عمّان ولم تسحبه لا للتشاور ولا بشكل نهائي، وظلّ يمارس عمله في العاصمة الأردنية مما أعطى دفعا قويا للتسريع في إنهاء فترة سوء الفهم تلك.
قواسم مشتركة غلبت سوء الفهم
المتتبع للعلاقات الأردنية القطرية يدرك أن هذه العلاقات تمتلك من القواسم المشتركة لصالح البلدين أكثر بكثير مما تجلبه ساعات أو مواقف سوء الفهم، خاصة ذلك الموقف الذي أدّى إلى سحب السفير الأردني في أكتوبر 2006 على خلفية عدم تصويت قطر العضو في مجلس الأمن آنذاك للمرشح الأردني الأمير زيد بن رعد لخلافة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، وقد أوضح الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية بمملكة البحرين جوانب من سوء الفهم هذا في تصريحه لوكالة الأنباء البحرينية في الرابع من أكتوبر 2006 عندما قال: (إن موضوع عدم دعم الدوحة للمرشح الأردني الأمير رعد بن زيد قد أخذ أكبر من حجمه على الصعيد الإعلامي مشيرا إلى أن الموقف القطري من دعم المرشح الكوري كان سابقا على قرار جامعة الدول العربية بدعم الأمير زيد كما لم تحدث مداولات بهذا الشأن قبل التصويت في مجلس الأمن الدولي)، وعبّر الشيخ خالد آل خليفة عن (اعتقاده أنّ هذه المسألة لا تعكس بأي حال موقف قطري ضد الأردن مشيرا إلى أن العاهل الأردني لم يثر هذا الموضوع خلال لقائه معه).ومن القواسم المشتركة لصالح البلدين حجم الجالية الأردنية في قطر التي يقدرها البعض حوالي عشرين ألف مواطن، لهم نشاطات وفعاليات ملحوظة ومدارس خاصة بهم، ومن أهم قطاعاتهم العاملين في ميدان التدريس والطب. وعودة الدفء للعلاقات بين البلدين من شأنه أن يدعم وجود هذه الجالية، كما أن الاستثمارات القطرية في الأردن من المرجح أن تشهد نموا واضحا في قطاعات مختلفة.
ترحيب قطري غير مسبوق
ومن الملاحظ حجم الترحيب بزيارة رئيس الوزراء الأردني المهند س نادر الذهبي الأخيرة لقطر، مما يؤكد أن صفحة سوء الفهم قد طويت نهائيا، وبطريقة الاحترام المتبادل الذي لن يسمح لسوء الفهم هذا أن يحدث مرة أخرى. ولا بد أن يلفت الانتباه مقالة السيد أحمد علي عضو مجلس الإدارة والمدير العام لجريدة الوطن اليومية القطرية، المقربة من ذوي القرار القطري، إذ كتب في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي مقالة بعنوان: (قطر والأردن...شقيقان عربيان لا غنى لأحدهما عن الآخر)، كانت مقالة تفيض حبا ودعما لعودة العلاقات بين البلدين لمسارها الطبيعي، ومما جاء فيها:
(وما من شك في أنّ ما يجمعنا بأهلنا في الأردن أكبر مما يفرقنا، فالقطريون والأردنيون أشقاء لا فرقاء، تجمعهم أواصر المحبة، وتربطهم وشائج الإخاء. ولكل هذا ليس من مصلحة الأردن أن يبتعد عن شقيقته قطر، وليس من صالح الدوحة أن تفترق عن عمّان، وليس من مصالح البلدين الشقيقين أن يكونا متباعدين عن بعضهما البعض، بل تقتضي المصلحة القومية أن يكونا متلاحمين. وعندما أكتب هذا لا أنكر وجود اختلافات في الأراء، وحتى في المواقف بين الدوحة وعمّان، فهذا أمر طبيعي أو بديهي يحدث وسط أفراد العائلة الواحدة، لكن أن تفسّر هذه التباينات أو الاجتهادات خارج سياقها الطبيعي، ويتم فهمها خارج إطارها الموضوعي، فهذا هو الخطأ الأكبر الذي يسبب الخطيئة، والتي تقودنا إلى القطيعة، وهذا ما لا نقبله ولا نريده....وحتى يكون واضحا لكل ذي عينين، لسنا في قطر على خلاف مع الأردن أو غيره من الدول العربية، ولكن ربما يكون هناك اختلاف حول كيفية التعاطي أو التعامل مع بعض القضايا....ولا جدال في أن الذين يشاهدون طرفي المشهد الممتد بين الدوحة و عمّان، يشعرون الآن مثلي بالارتياح لوجود الكثير من المؤشرات الايجابية على تطور العلاقات القطرية الأردنية، ومن بينها الزيارة المرتقبة للعاهل الأردني إلى وطنه الثاني قطر....ويا هلا بالنشامى أقولها مرة أخرى ولن تكون الأخيرة).
لا يفرح أي عربي مخلص لقطيعة بين أية دولتين عربيتين، خاصة بعد أن أثبتت التطورات الأخيرة أنه لا وجود حقيقي لدول (ممانعة) و دول (اعتدال)، فالكل في الهمّ والغمّ شرق وغرب. الخلافات في الرأي والمواقف أمور طبيعية تحدث بين كل الدول، المهم أن لا تأخذ البعض العزة بالإثم لتصبح خلافات الرأي قطيعة في الوشائج والعلاقات. وكل مخلص يتطلع بعد هذه الخطوة الأردنية القطرية التي تستجيب لمصلحة الشعبين والأمة العربية، أن توجد الحلول والوساطات لإعادة السير الطبيعي على طريق دمشق الرياض، و دمشق القاهرة ، والجزائر الرباط، والخرطوم دارفور. وهذا ليس صعبا ولا مستحيلا إذا حسنت النوايا ووضعت المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية، لأنه من غير الطبيعي ولا المعقول هذه القطيعة العربية ndash; العربية، لا لسبب سوى الاختلاف في المواقف السياسية من بعض الملفات، بينما يحدث هذا بين دول الاتحاد الأوربي دون أن ينعكس في قطيعة دبلوماسية أو توتير إعلامي. فلماذا هذا التشنج صفة عربية فقط؟.