سيظل يوم الرابع عشر من يونيو/ حزيران يوما تاريخيا مميزا في تاريخ الشعب الفلسطيني، لأن حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot;تمكنت في هذا اليوم من عام 2007، عبر انقلاب عسكري ناجح من فرض سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، وتحريره - حسب وصفها - من الاحتلال الفتحاوي، بعد أن قتلت و طردت بقسوة ووحشية غالبية قيادات وكوادر المستوطنين الفتحاويين، وترحيلهم عبر دولة إسرائيل إلى مستوطناتهم في الضفة الغربية. وهذا التحرير حسب وصف حركة حماس هو التحرير الثاني للقطاع، إذ أنها أطلقت على انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة من طرف واحد عام 2005 بأنه التحرير الأول للقطاع. وكنت قد كتبت في الخامس من أغسطس/آب لعام 2007 أي حوالي شهرين بعد الانقلاب المذكور، مقالة بعنوان (الفلسطينيون والنموذج القبرصي)، توقعت فيها أن يستمر طويلا الانقسام الفلسطيني الحاصل بعد انقلاب التحرير، متذكرا النموذج القبرصي الذي طرأ بعد الانقلاب الذي مارسه الجيش التركي محتلا شمال قبرص فاصلا إياه دويلة منتزعة من الوطن القبرصي، ويستمر هذا الانفصال في دولتين قبرصيتين من عام 1974 حتى هذه اللحظة. وتساءلت إلى متى يستمر الانقسام الفلسطيني: إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله؟. راهنت غالبية القيادات الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني المنكوب العديد من المرات على أن هذا الانقسام الانقلابي لن يستمر سوى أيام أو أسابيع، ويعود العقل إلى رؤوس القائمين عليه، فيعتذروا ويعيدوا الأمور إلى نصابها الشرعي السابق لانقلابهم. وها نحن نعيش ذكراه السنوية ألأولى، ترسّخت خلالها العديد من المفاهيم الانفصالية التي تعني واقعا لم تحلم به إسرائيل وما كانت تستطيع تحقيقه لو سخّرت كل قوتها العسكرية والاستخباراتية.
إنجازات انقلاب النصر الإلهي الثاني
ماذا تحقق خلال العام الأول من السيطرة الكاملة لحركة حماس عبر انقلابها العسكري على قطاع غزة (365 كم)؟. سوف أرصد أهم هذه الإنجازات التي عاشها ويعيشها الفلسطينيون داخل القطاع، ويرصدها الجميع خارجه مما يعني أنه من الصعب أن تنكر حماس هذه الإنجازات أو يشكك فيها أحد القراء:

أولا: تدشين مفاهيم القتل والثأر بدلا من سيادة القانون
أثناء عمليات الانقلاب العسكري وبعد السيطرة الكاملة على القطاع، مارست ميليشيات الحركة عبر ما تسميه quot; القوة التنفيذية quot; عمليات قتل وسجن ومطاردة وترحيل لغالبية عناصر وكوادر حركة فتح، بشكل انتقامي لم يمارس مع الاحتلال الإسرائيلي، بدليل أن الجندي الإسرائيلي الأسير ما زال حيا، ويجلب له الطعام ثلاثة مرات يوميا من مطعم خاص يعدّ له على الطريقة اليهودية، بينما قيادي فتح سميح المدهون تم قتله بطريقة بشعة بعد القبض عليه بإطلاق ما لا يقل عن سبعين رصاصة على رأسه وجسده، وبعد ذلك تمّ سحل جثته في شوارع غزة. وكذلك مهاجمة منزله والاعتداء على أفراد من أسرته، ثم نبش قبره وتخريبه أكثر من مرّة. و شاب آخر كان يعمل طباخا في منزل الرئيس محمود عباس تمّ قتله بالرصاص وإلقاء جثته من الطابق الثامن عشر من أحد الأبراج السكنية في مدينة غزة، وأحدثت جريمة قتله ردود فعل عنيفة ليس في القطاع والضفة فقط، ولكن في كافة أقاليم الشعب الكردي لأن ذلك الشاب من أصول كردية، وتزامنت هذه الجريمة مع تصريحات إسماعيل هنية قائد الانقلاب التي وصف فيها فدائيي الشعب الكردي البيشمركة ب quot; الميليشياتquot;، وأثارت حينها ردود فعل شاجبة لدى كافة الأحزاب الكردية. وما زالت عمليات المطاردة والقتل والسجن والملاحقة مستمرة، وطالت وتطول ليس من هو فتحاوي فقط، ولكن كل من يجرؤ على نقد السياسة والانتصارات الإلهية لحركة المقاومة الإسلامية. وكان من بينها سجن الكاتب والصحفي عمر الغول،الذي كان قادما للقطاع للمشاركة في جنازة أحد أقاربه، وقد لاقى اختطافه وسجنه استنكارا واسعا في أوساط الكتاب والصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين من كافة الاتجاهات السياسية، بسبب السمعة الطيبة والأداء الوطني المنفتح الذي عرف به. وعندما اكتظت سجون حماس بمعتقلي فتح، فرضت قانونا عجيبا غريبا، إذ طلبت من أسرة كل معتقل دفع غرامة مالية مقدارها 250 دولار، مع توقيعه وأسرته على تعهد بعدم ممارسة أي نشاط سياسي في القطاع مقابل إطلاق سراحه.

ثانيا: تقييد حرية الإعلام بشكل غير مسبوق
كعادة غالبية الأحزاب ذات الطابع الشمولي الاستبدادي التي لا تستطيع سماع أية وجهات نظر مناقضة لتوجهها الإلهي، أقدمت سلطة الانقلاب على خطوات قيّدت أية حرية للصحافة والإعلام الفلسطيني، كان أولها منع بث فضائية تلفزيون فلسطين الرسمية من القطاع،ومنع الصحف الفلسطينية الصادرة في الضفة الغربية من دخول quot; إمارة حماس quot;.
وقد تعرضت أكثر من مظاهرة ومسيرة احتجاج على تعديات الانقلابيين للقمع وإطلاق الرصاص و تفريق المتظاهرين بالقوة، ووقوع العشرات من الجرحى من بينهم تحديدا العديد من المصورين الصحفيين الذين كانوا ينقلون وقائع المظاهرات الاحتجاجية. أما عن خطف الصحفيين العرب والأجانب فقد تكرر العديد من المرات، وتمّ أيضا تدمير مكتب فضائية العربية من خلال زرع عبوات ناسفة، ومنعت القناة من العمل في الإمارة، وغادر أكثر من مراسل لها القطاع نهائيا خوفا من القتل والسجن. وكنتيجة لتقييد كافة الحريات الصحفية، أصبحت فضائية الأقصى التابعة لحماس وخطب الجمعة للشيخ إسماعيل هنية مقررا إجباريا على المليون والنصف من سكان القطاع.
ويكفي مثال واحد صارخ
اعتدت ميليشيات القوة التنفيذية الحماسية على ممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يوم الثالث عشر من أغسطس 2007، أثناء اعتصامهم في ساحة الجندي المجهول أمام مقر المجلس التشريعي وسط مدينة غزة، ومنعت الصحفيين من تغطية الاعتصام، الذي تمّ تنظيمه احتجاجا على الأوضاع السيئة في القطاع، وتمّ الاعتداء على المعتصمين من كافة الفصائل الفلسطينية بالهراوات وأعقاب البنادق، وقد لاقت هذه الاعتداءات الإجرامية المقيدة للحريات، إدانة من كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ومنها تلك الإدانة الواضحة التي أعلنتها جبهة النضال الشعبي التي قال الناطق باسمها: quot; إنّ شعبنا في قطاع غزة لن يستسلم لسياسة القمع والإرهاب، وسيواصل التعبير عن موقفه الرافض للانقلاب العسكري ونتائجه على الأرض، رغم التهديدات والتحذيرات التي تطلقها حماس ضد أية محاولة شعبية تعبر عن رفضها لكافة ممارسات القوة التنفيذية ضد أبناء شعبناquot;. وكذلك أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تلك الاعتداءات غير الشرعية على المعتصمين سلميا في ساحة الجندي المجهول، ومنع الصحفيين من تغطية الاعتصام واقتحام مكتب قناة العربية في غزة ومصادرة الكاميرا والشريط المصور الذي يتضمن مشاهد الاعتداءات على المعتصمين. وضمن عمليات قمع حرية الرأي هذه، فقد تمّ التعرض بالضرب والسجن والمداهمة لعشرات من الصحفيين، ومداهمة مكاتب قناة أبو ظبي ووكالة رويترز. واقتحمت نفس المليشيات برج إسكان الصحفيين في تل الهوى (أصبح اسمه تل الإسلام بعد انقلاب حماس)، واقتحام منزل عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين ومدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون محمد الداوودي ومصادرة سيارته وهاتفه المحمول. ومجرد ذكر أسماء الصحفيين والمؤسسات التي تعرضت للقمع والمداهمة والمصادرة يحتاج إلى عدة صفحات لذكرها وتوثيقها.

ثالثا: التطهير الفتحاوي
خلال العام الأول من الانقلاب مارست حركة حماس تطهيرا تنظيميا يمكن أن نطلق عليه quot;التطهير الفتحاوي quot; عبر طرد كافة أعضاء فتح وكوادرها ومناصريها من كافة الوظائف في الدوائر والمؤسسات الفلسطينية الخاضعة لسيطرتها المطلقة، وشمل التطهير أعضاء المنظمات والفصائل التي أدانت علنا انقلابها العسكري، فمثلا عقب قمع ميليشيات القوة التنفيذية للاعتصام السلمي السابق ذكره، تمت مطاردة وطرد وضرب وسجن مئات من أعضاء المنظمات التي أدانت التعرض للاعتصام بالقوة والضرب وإطلاق الرصاص. وعبر هذا العمل الانتقامي المستمر، ترسخت في صفوف الشعب الفلسطيني نعرات قبيحة مثل : quot;فتحاوي quot; quot; حماسيquot; quot; غزّاوي quot; quot; ضفّاويquot;، وتسري في أوساط الشعب الفلسطيني المقهور المصادرة حريته وخياراته، نكات ساخرة معبرة مثل: quot; إمارة حماس في غزة quot; و quot; دويلة عباس في رام الله quot;.، خاصة أنه لم يوجد تواصل جغرافي وبشري بين القطاع والضفة طوال الفترة بين عام 1948 حتى اليوم. فمنذ عام 1948 وحتى عام 1967 يخضع القطاع لسيطرة وإدارة الحاكم العسكري المصري، ويدرس طلابه وطالباته المناهج التعليمية المصرية في كافة المراحل الدراسية، ويحمل سكانه quot; وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين quot;، بينما أصبحت الضفة الغربية في نفس الفترة جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، ويحمل سكانها الجواز والجنسية الأردنية، ويتعلم طلابها وطالباتها المناهج التعليمية الأردنية، و بعد هزيمة عام 1967 تمّ احتلال القطاع والضفة، وبالتالي أصبحت فلسطين التاريخية كاملة تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي، وبقيت نفس القيود على التنقل بين القطاع والضفة، إلى أن أصبحت قيودا صعبة للغاية، ساهمت في قطع شبه نهائي للتواصل الجغرافي والبشري بين القطاع والضفة، خاصة منذ بداية عام 2000، إلى حد أن موظفي السلطة الفلسطينية من كبار الموظفين والوزراء لا يستطيعون التنقل إلا بتراخيص إسرائيلية. هذا الواقع الفلسطيني المعاش عبر عقود من الزمن، أسهم انقلاب حماس العسكري الذي نتج عنه عزل كامل للقطاع عن الضفة، في تغذية هذه الفرقة بين القطاع والضفة، ونتج عنها ممارسات مخزية بين سكان الإمارة والدويلة لا تليق بنضال الشعب الفلسطيني وتاريخه.

رابعا: تغذية ملامح الحكم الطالباني
عقب انقلاب حماس الربّاني، ساهمت الحركة عن قصد في تغذية ملامح ومظاهر عديدة من فترة حكم طالبان الرجعي المتخلف في أفغانستان، وذلك من خلال الخلط بين دور رجل الدين ورجل السياسة، وقد رسّخ ذلك رئيس الانقلاب الشيخ إسماعيل هنية من خلال خطبته الإسبوعية في صلاة يوم الجمعة في مساجد غزة، وبالتالي ما عدنا نعرف هل السيد فقيها وإماما وداعية أم سياسيا ورئيس وزراء؟. ونتج عن هذه الممارسات نشوب حرب جديدة بين الإمارة الحماسية والدويلة العباسية، يمكن تسميته quot;حرب الفتاويquot; بعد أن بدأت ممارسة جديدة اسمها quot; صلاة الجمعة في الساحات العامةquot;، على اعتبار أنها صلاة ربّانية لا يستطيع أحد منع التجمهر من أجلها وهذا التجمهر لا يحتاج إذن من أية سلطة. وكانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المؤمنة، قد طالبت الفلسطينيين بإقامة صلاة الجمعة في الساحات العامة، احتجاجا على انقلاب حماس غير المؤمن، فأصدرت quot; دائرة ولاية الفقيه في حركة حماس quot; فتوى تمنع صلاة الجمعة في الساحات العامة. فردّ عليهم مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين quot; بجواز الصلاة في الأماكن المفتوحة على اعتبار أن جمهور العلماء قالوا بصحة الصلاة في الخلاء قياسا على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خارج المسجد وتبعه الخلفاء الراشدون والصحابة quot;، مضيفا quot; أنّ من غايات وأهداف هذه العبادة اجتماع الناس لسماع ذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالجمعة هي مؤتمر المسلمين الإسبوعي quot;، ورغم ذلك ظلت quot; دائرة ولاية الفقيه في حركة حماسquot; على فتواها بمنع إقامة صلاة الجمعة في الأماكن العامة.
وأيدّ جواز الصلاة في الساحات العامة قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميميي، حيث قال: quot; إن الفتوى بعدم جواز صلاة الجمعة في العراء لا تستند إلى نص أو دليل شرعي quot;. لكن رابطة علماء فلسطين التابعة لدائرة الولي الفقيه الحماسي، ردت على الجميع موضحة: quot; نحن أفتينا لولي الأمر بمنع صلاة العراء التي تهدف للتخريب رغم شرعية الصلاة في الساحات. إن اعتماد الساحات العامة وهجران المساجد فيه محاربة لبيوت الله ونزع لهيبة المسجد وقدسيته، ومع الإصرار على الاستمرار فيها نقول إن هذه الصلاة صلاة خطيرة ولا يجوز لأحد أن يشارك فيها لا في غزة ولا في الضفة الغربية تحت أي ستار كان quot;.
والملاحظ في فتوى رابطة العلماء الحماسية، أنها جعلت من ولي الأمر الشيخ إسماعيل هنية (عالم بما في القلوب)، عندما تقول quot; أفتينا لولي الأمر بمنع صلاة العراء التي تهدف للتخريب quot;، فكيف يعرف أنها للتخريب وليس العبادة؟، ولاحظوا أن منع و تحريم الصلاة في الساحات العامة يقتصر على غزة والضفة، أي ساحات الصراع الحمساوي الفتحاوي. وفي نفس السياق، أعلنت جمعية الفلاح الخيرية في القطاع، أنّ ميليشيات القوة التنفيذية اعتقلت مساء الخامس من سبتمبر لعام 2007 رئيس الجمعية الشيخ رمضان طنبورة، واستنكر نائبه العضو السابق في حماس عدنان أبو وردة هذا العمل وسيطرة القوة التنفيذية على الجمعية الخيرية وممتلكاتها.
ولاقت حرب الفتاوي بين إمارة حماس و دويلة عباس، صدى واسعا في دول الجوار العربي، فقد أكدّ العديد من علماء وفقهاء السعودية ومصر على جواز الصلاة في الساحات العامة، استنادا لقول الرسول ص quot; جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا quot;. وذهب للرأي نفسه الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
وقد رافق حرب الفتاوي هذه، مظاهر طالبانية منها إطالة اللحية لدى غالبية أعضاء حماس خاصة في ميليشيات القوة التنفيذية، وفرض الحجاب على الفتيات والسيدات بطرق مختلفة منها إشاعة ثقافة ازدراء غير المحجبات والتعرض لهن في الشوارع، خاصة بعد العثور العام الماضي على العديد من جثث الفتيات والسيدات مقتولات وسط المزارع والبساتين، وكانت حماس قد دشنت هذه الثقافة الرجعية الظلامية في أبريل عام 2005 عندما قام خمسة من كوادرها المسلحة بقتل علني للفتاة يسرى العزامي وهي محجبة، لأنها كانت على شاطىء غزة في سيارة خطيبها و معهم ابن عمها. و بعد استنكار واسع في القطاع، اعترفت حماس رسميا بأن الكوادر القاتلة من عناصرها و الاعتذار عن ذلك العمل الإجرامي. وتبع ذلك بعد الانقلاب العسكري الحماسي، فرض رقابة على مقاهي الانترنت، وتغيير اسم منطقة تل الهوى إلى تل الإسلام، والاعتداء عدة مرات على كنائس ومدارس مسيحية، توجت في أغسطس عام 2007 باختطاف وقتل رامي خضر عيّاد سكرتير جمعية الكتاب المقدس التابعة للكنيسة المعمدانية، وتمّ خطفه وقتله بعد ستة شهور من تفجير المكتبة التي يديرها، وفي كل هذه الاعتداءات على الكنائس والمدارس المسيحية، لم يحدث أن ألقت القوة التنفيذية على أي مشتبه أو لاحقت أي معتدي، والنتيجة هي حالة الفزع التي يعيشها المسيحيون في القطاع، التي عبر سنوات أبقت هذه الحالة حوالي 2500 مسيحي في القطاع فقط بعد هجرة الغالبية العظمى منهم.

خامسا: الحصار الكامل للقطاع
من الأمور الخطرة التي تدلل على ضيق أفق الذين خططوا ونفّذوا الانقلاب، أنهم لم يقدّروا ردود الفعل الإسرائيلية، لأن هذا الانقلاب وما نتج عنه من انقسام فلسطيني، عزّز الدعوى الإسرائيلية الدائمة حول عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، مستغلة ضبابية رؤى الانقلابيين التي تتذبذب بين الاعتراف بإسرائيل و الهدنة طويلة الأمد، إلى حد أن المواطن الفلسطيني ما عاد يعرف ما هو البرنامج السياسي لحماس؟ فهي ترفض الاعتراف بإسرائيل، ومع هدنة طويلة الأمد ودولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967، ويعزز هذه الضبابية الزيارات شبه الشهرية لخالد مشعل إلى طهران، ومن هناك يطلق تصريحاته النارية المنسجمة مع تصريحات أحمدي نجادي المستفزة للعالم أجمع، ولا ينتج عنها سوى جعجعة إيرانية خطابية كاذبةن ودعم دولي متصاعد لدولة إسرائيل. وقد نتج عن ضيق الأفق والتذبذب في الموقف السياسي، هذا الحصار الشامل الذي يعيشه القطاع مما أفقد سكانه الحد الأدنى من المعيشة الإنسانية في كافة المجالات بما فيها الطبية والعلاجية. وعندما فكّرت حماس في فكّ الحصار بدلا من التوجه نحو المعابر المؤدية إسرائيل، وجّهت جماهيرها لاقتحام معبر رفح بشكل أثار غضب السلطات المصرية، لأنه بشكل واقعي لا تستطيع مصر تحدي الدول الأوربية وإسرائيل كي تفتح المعبر من طرف واحد، بينما قبل أيام قليلة عندما طالبت حماس الفلسطينيين بالتظاهر أمام معبر بيت حانون لكسر الحصار المفروض على القطاع، تظاهر ألاف دون الإقدام على اقتحام المعبر.

القرارات و القدرة على مواجهة النتائج
ليس المهم اتخاذ القرارات فقط، ولكن أيضا دراسة نتائج هذه القرارات، وهل تستطيع مواجهتها أم لا؟. و ألآن بعد عام من الانقلاب هل تستطيع حركة حماس أن تعطينا نتيجة إيجابية واحدة لانقلابها هذا؟. والمهم ذكره هو أنه طوال العام الماضي،تتباكى جميع الأطراف الفلسطينية على الحوار الوطني و توحيد الصف، بعد إفشال اتفاقية مكة و حوار صنعاء وعشرات الحوارات في القاهرة، لسبب بسيط هو أن نجاح الحوار لا علاقة له بنوع الوساطة ومكانها ولكن بنية المتحاورين، لأن حوارا فشل في غزة و رام الله لن ينجح في مكة و صنع الله!.
هذه الانتقادات القاسية ليست فرحة بالانقلاب وترحيبا بالانقلابيين، بل هي نقمة على من أوصلوا الوضع الفلسطيني إلى هذا الوضع، وكل هذه الجرائم تتم باسم تحرير فلسطين والدولة المستقلة وعاصمتها القدس!!. وأتمنى أن لا أكتب في حزيران عام 2009 عن الذكرى السنوية الثانية للانقلاب، وذلك رهن بنهاية الانقلاب عبر قرار من حماس وإعادة الوضع الفلسطيني لما كان عليه قبل الانقلاب، لأن مجرد الترحيب بالمبادرات والحوارات لا يعني أية نية صادقة، و ختاما أقول: اللهم نجّنا مما هو آت !!.
[email protected]