هل تمثل الأنظمة العربية القائمة حقيقة شعوبها لدرجة أن هناك تلاحما عضويا بين النظام وشعبه، يرقى لمستوى أن أي نقد للنظام يكون نقدا للشعب والبلد كاملة؟. فإذا انتقد كاتب مصادرة حقوق الإنسان وقمع الحريات ومنع التعددية السياسية والسجون المليئة بالسجناء والمعتقلين على خلفيات سياسية وحرية التعبير التي يمارسها نظام عربي معين، هل يعتبر هذا النقد موجه لشعب ذلك البلد الذي هو مادة ذلك القمع والسجون؟. إذا ارتكب نظام ما مجازر فردية وجماعية في سجون ومدن بلاده، فهل انتقاد ذلك وتعريته يعتبر تطاولا على البلد وشعبها، وهو في الأساس من ارتكبت تلك المجازر بحق ألاف من أبنائه؟ خلفية هذه التساؤلات من طرفي تعود إلى خلط بعض القراء بين النظام من جهة والبلد والشعب من جهة أخرى، والدليل على ذلك تعليق الدكتورمحمد برهومة على مقالتي الأخيرة (زيارة ملكية استدعت قرارات رئاسية)، إذ علّق قائلا: quot; الدكتور أحمد راضي اليوم عن سوريا وحكيه إيجابي عنها، إن شاء الله يظل هيك على طول). هذا التعليق جعلني أراجع كافة مقالاتي ودراساتي وكتبي، ولم أعثر على أي نقد أو تهجم أو تجني أو تطاول على أي شعب أو بلد عربي من المحيط إلى الخليج العربي، بالعكس لي مقالات ودراسات عديدة عن الثقافة والأدب والرواية والمسرح والسياسة في العديد من الدول العربية بشكل إيجابي يقدم تلك الفعاليات الثقافية في بلد عربي معين للقراء والمتابعين، وكذلك أية خطوات سياسية إيجابية تستحق التثمين في أي قطر عربي، إلى الحد الذي جمعت كل ما كتبته عن الأدب والثقافة والمسرح والسياسة في الكويت من عام 1968 إلى عام 2004 في كتاب بعنوان (مقالات كويتية) صدر عام 2005، وبالتالي فهل صدور كتابي (سقوط ديكتاتور) عام 2004 عن انهيار وزوال نظام صدام حسين يعتبر هجوما على العراق شعبا وبلدا، والكتاب توثيق للجرائم والتعديات التي ارتكبها ذلك النظام بحق العراق بلدا وشعبا وثروة؟ وهل انتقادي للولاية الخامسة للرئيس المصري حسني مبارك ومطالبتي بالإفراج عن المعارض السياسي أيمن نور يعتبر تهجما على مصر وشعبها؟ وهل انتقادي الحاد لممارسات معمر القذافي الاستبدادية التي حولت ليبيا إلى سجن كبير ومزرعة خاصة لأولاده وكتابه الأخضر ونهره الصناعي اللا عظيم يعتبر هجوما على الشعب الليبي وبلده ليبيا؟.وعودة لما يتعلق بسوريا فلم يحدث مطلقا أن كتبت كلمة واحدة تهجما على سورية البلد والشعب، فكل ما كتبته وسأظل أكتب حوله هو ممارسات النظام السلبية التي لا يعاني منها الشعب البريطاني ولكن الشعب السوري نفسه هو من يدفع الثمن من حريته وكرامته وإنسانيته وتقدمه ومكانه اللائق بين الشعوب، فهل هكذا كتابات تعتبر هجوما على سوريا كشعب وبلد؟. و لمزيد من التوضيح والإقناع أود أن أستعرض بعض السلبيات التي ترقى في أغلبها لحد الجرائم الفردية والجماعية من سجل النظام السوري، وأسأل الدكتور محمد برهومة وكل القراء: من يقبل أن ترتكب هذه الممارسات في بلاده؟ وهل تعرية هذه الجرائم يعتبر هجوما على سوريا الشعب والبلد؟ أم دفاعا عن كرامتهم وإدانة لمرتكبيها كي يتعاملوا معهم بما يليق بكرامة البلد وإنسانية المواطن؟ وهذه نماذج من ممارسات إجرامية ظالمة فهل الحديث عنها والتذكير بها له علاقة بالإساءة لسوريا والتهجم على شعبها، أم أن ذلك انتصار له وتضامن معه ومطالبة بمحاسبة المجرمين القتلة:

مجزرة سجن تدمر

من يصدق أنه في السابع والعشرين من يونيو 1980 أي قبل سبعة وعشرين عاما، قامت سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد باقتحام سجن تدمر العسكري الذي كان يعج بالمعتقلين من التيار الإسلامي تحديدا،وكانت نتيجة تلك العملية الإجرامية التي أشرف عليها رفعت الأسد شخصيا مقتل ما لا يقل عن ألف معتقل في ساعات محدودة بشكل عشوائي أي القتل لمجرد القتل، وهذه المعلومات موثقة عبّر اعترافات جنود شاركوا في العملية، ويمكن الاستدلال عليها وعلى غيرها من الجرائم من حديث مصطفى طلاس وزير دفاع النظام آنذاك في تصريحه المشهور لمجلة (دير شبيجل) الألمانية أنه كان يصادق على إعدام 150 معتقل سياسي أسبوعيا لسنوات طويلة، أي بمعدل 600 معتقل شهريا، أي 7200 معتقل سنويا، و لك أن تتصور عدد هؤلاء الأبرياء الذين صادق على قتلهم مصطفى طلاس وحده عندما يقول (لسنوات طويلة)، فلو اعتبرنا السنوات الطويلة هذه خمسة سنوات فقط من فترة توزيره البالغة حوالي خمسة وعشرين عاما، يكون من صادق طلاس وحده على إعدامهم ستة وثلاثون ألفا. فمن يحاسب هؤلاء القتلة أمثال مصطفى طلاس و رفعت الأسد؟ وهل أتهجم على سورية الشعب والبلد عندما أسأل القاتل رفعت الأسد من أين له المليارات التي يمتلكها منذ سنوات ويعيش منها ويستثمر في منتجع (ماربيا الأسباني)؟ هل جاء عام 1970 من قريته القرداحة وهو يملك تلك المليارات أم أن هذه المليارات نهبا وسرقة من ثروة الشعب السوري؟. وحسب تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بمناسبة مرور سبعة وعشرين عاما على تلك المجزرة فقد (بلغ عدد الذين ابتلعهم سجن تدمر واختفت آثارهم فيه سبعة عشر ألفا من الأطباء والمهندسين والعلماء والعمال والفلاحين والمدرسين والطلاب والشعراء والأدباء والشيوخ القاصرين، ولم تكشف سلطات النظام السوري الأمنية أو الرسمية شيئا من هذا الملف الذي تكتنفه الظلمات..... السلطات السورية التي ارتكبت هذه الانتهاكات الخطيرة تجاهلت الموضوع برمته ولا تزال مستمرة في تجاهلها له بعد 27 عاما على بداية مسلسل التصفية الجسدية الجماعي داخل المعتقل، وتتعامل ببالغ القسوة مع كل حالة استفسار عن مفقود، غير عابئة بقيمة الحياة الإنسانية وغير مهتمة بمشاعر ذوي المفقودين وغير مقدرة أيضا للحاجة المدنية والقانونية المترتبة على فقدان هذا العدد الكبير الذي يتطلب تسوية أوضاع عديدة: أسرية وقانونية واجتماعية). فهل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عندما تعلن وتوثق ذلك تكون قد تهجمت على سورية البلد والشعب أم انتصرت له؟. لذلك ولعدم وجود مواقف شخصية مني اتجاه النظام السوري ثمّنت عاليا قرار الرئيس بشار الأسد بالإفراج عن 18 معتقلا سياسيا أردنيا، وأثمن عاليا استمراره في العودة للبيت العربي كما ظهر من خلال زيارة وليد المعلم وزير الخارجية السوري قبل أيام قليلة للأردن و تفعيل عمل اللجان المشتركة بين القطرين الجارين، فدور سوريا الإقليمي مهم ولن يكون فعالا إلا بإقفال كافة الملفات التي تعكّر صفو العلاقات السورية مع بعض الأقطار العربية.

ومنها العلاقة مع لبنان

فلماذا فقط مع لبنان يرفض النظام السوري ترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية؟ ولنقلها بصراحة: ما هو موقف النظام السوري من دولة عربية تقطع العلاقات الدبلوماسية معه على غرار ما هو فاعل مع لبنان الدولة المستقلة العضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة. وأنا أرى في الأفق العديد من الخطوات للرئيس بشار الأسد من شأنها إعادة سوريا لوضعها العربي الطبيعي حيث التعاون والعلاقات التي تعيد لها دورها الإقليمي الفاعل بناءا على قدراتها الحقيقية، وليس التحالف الشكلي الخطابي مع أنظمة من خارج الحدود العربية كالنظام الإيراني الذي يريد استعمال هذا التحالف الشكلي لخدمة مصالحه الإقليمية والدولية، بدليل أن سورية قررت المشاركة في مؤتمر أنابوليس بعد إدراج مسألة الجولان المحتل على جدول أعماله، وهذه مصلحة وطنية سورية بحتة لكن النظام الإيراني جنّ جنونه وسيّر المظاهرات في طهران ضد المؤتمر وهتف المتظاهرون الإيرانيون علنا (اخجلي يا سورية)!. ومن ناحيتي سوف أنتصر دوما وأتضامن مع سورية الشعب والبلد والنظام الذي ينهي ملفات سجناء الرأي والمعتقلين على خلفيات سياسية من سوريين وأردنيين ولبنانيين ويسمح بالتعددية السياسية الحقيقية، لأن سوريا الديمقراطية أقوى في مواجهة كل ما تتعرض له، فالأوطان يدافع عنها أحرارها وشعبها المتمتع بحريته وكرامته وإنسانيته، بدليل أن ما يزيد عن ستة ملايين من جيش صدام النظامي وفدائيي صدام لم يطلقوا رصاصة واحدة على قوات التحالف التي دخلت بغداد وأطاحت بالنظام.. لماذا؟ لأن هذه الملايين كان هاجسهم: ندافع عن سجون صدام أم معتقلاته أم مجازره الجماعية أم نهبه وولديه لثروات العراق أم احتلاله وتدميره لدولة الكويت؟. وأفضل من عبّر عن علاقة الحرية بالدفاع عن الأوطان هو الشاعر المتألق محمد الماغوط في مسرحيته (ضيعة تشرين). هذا الماغوط الذي يقول: (عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح، ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف من يضع رأسه؟). وليت القراء يعودون لمشاهدة مسرحيته (ضيعة تشرين) وقراءة أو سماع لقاءه مع قناة الجزيرة في العاشر من أبريل لعام 2006 في حلقة (من أدب السجون) وهو يحكي عن فترة سجنه وزوجته الشاعرة المرحومة سنية صالح والشاعر أدونيس في سجن المزّة.

وضمن نفس السياق النظام الإيراني

وانطلاقا من نفس النظرة يكتب لي بعض القراء والزملاء خاصة من العراقيين، معبرين عن فهمهم وقناعتهم أن نقدي لسياسات النظام الإيراني هي نقد وتهجم على المذهب الجعفري أو مذهب آل البيت رضي الله عنهم. وأنا أود القول علانية بالنسبة لي لا تداخل عندي بين هذا وذاك، فمذهب آل البيت قناعة إسلامية لمعتنقيه أحترمه وأجلّ آل البيت من الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليوم. أما سياسات النظام الإيراني سواء في زمن الشاه أم زمن الجمهورية الإسلامية في إيران، فهي عندي أعمال سياسية لا علاقة لها بالمذهب الديني، من حقي وأي كاتب أن ينتقدها إذا استحقت النقد فالمذهب الديني لا علاقة له بهذه الأعمال السياسية. فما دخل المذهب الديني باستمرار احتلال الجزر العربية الثلاث منذ نوفمبر عام 1971؟ وما دخل المذهب الديني باستمرار احتلال ألأحواز العربية منذ أبريل عام 1925 ومصادرة أبسط الحقوق الإنسانية لشعبها بما فيها استعمال لغته العربية؟ وما دخل المذهب الديني باستمرار التلويح بإعادة احتلال وضم دولة البحرين العربية؟ وما دخل المذهب الديني بالمظاهرات التي سيّرها النظام قبل أسابيع قليلة أمام السفارة الأردنية ضد مؤتمر أنا بوليس؟ مع العلم أنه مؤتمر خاص بالقضايا العربية والأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل فما دخل النظام الإيراني بذلك؟ أم أنه يعتبر نفسه وصيّا على ثلاثمائة وخمسين مليونا من العرب، وهو يقرر لهم سياساتهم و تحركاتهم السياسية؟. وكمثال استفزازي ما هو موقف النظام الإيراني من مظاهرات عربية أمام السفارات الإيرانية تطالب بوقف قمع حقوق الإنسان في إيران وتدين القتل الذي يمارس في السجون الإيرانية على خلفيات سياسية؟.

لذلك أكرّر بالنسبة لي لا تداخل بين مذهب آل البيت الديني وسياسات الأنظمة الإيرانية، هذه سياسات يومية دنيوية من حق أي كاتب أن ينتقدها، ولا تداخل عندي بين النظام السوري وشعبه وبلاده، فالأنظمة طرف وشعوبها وبلادها طرف آخر، أما بالنسبة لسوريا كبلد عربي يهمني أمره سأظل مع سوريا الحرّة الديمقراطية الخالية من سجناء الرأي والسجناء السياسيين، سوريا التعددية السياسية لأن ذلك قوة وحصانه لها،سوريا ذات العلاقات الطيبة المبنية على الاحترام والمساواة مع كل الدول العربية، وسأدعم علنا نظام الرئيس بشار الأسد في كل خطوة يقوم بها في هذا الطريق لتعود سورية قوة إقليمية لها دورها الذي تستحق.
[email protected]

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه