أعتقد أن برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم من قناة الجزيرة مساء كل يوم ثلاثاء منذ عشرة سنوات، أصبح شئنا أم أبينا مقياسا ميدانيا لتوجهات الرأي العام العربي في الموضوعات التي يطرحها في كل حلقة، ليس من خلال استفتاء المشاهدين على موضوع الحلقة فقط، ولكن من خلال أطروحات المشاركين في حلقات البرنامج حيث أن كل طرف من أطراف الحوار بدون شك يعبر أيضا عن شريحة من المثقفين والسياسيين العرب أيا كانت نسبة هذه الشريحة ولأي طرف تميل، ويكتسب البرنامج هذه الأهمية القياسية من عدد المشاهدين إذ تفيد بعض القياسات أن هناك حوالي خمسين مليونا من العرب يتسمرون أمام شاشة الجزيرة ليلة كل ثلاثاء ليشاهدوا البرنامج. حلقة البرنامج لليلة الثلاثاء الموافق الثامن عشر من ديسمبر لعام 2007، كان موضوعها حسب تقديم الدكتور فيصل القاسم: (لماذا التهافت العربي على إرضاء أمريكا وإسرائيل بشكل أعمى، ألا تمرّ أمريكا و إسرائيل في أسوأ مراحلهما، أم أن العجز الأمريكي والإسرائيلي يبقى نسبيا مقارنة مع العجز العربي؟).
وقد كنت أحد المشاركين في الحلقة ومعي الكاتب السياسي اللبناني الأستاذ ميخائيل عوض. كنت أنا المدافع عن وجهة النظر القائلة بأن الولايات المتحدة ما زالت في أوج قوتها والدولة العظمى الوحيدة في العالم، وتمارس الرقابة والتحكم في كافة الملفات الساخنة في العالم، وبعد أن تتخذ قرارها بشأن أي ملف تلحقها غالبية الدول المؤثرة في العالم، وإن كانت هناك معارضة بشأن ملف ما من الصين وروسيا تحديدا، فهذا يرجع للصراع على النفوذ في العالم خاصة الاقتصادي منه، ومن الأمثلة التي سقتها دليلا على وجهة نظري هذه:

الركوض العربي لمؤتمر أنا بوليس وما أعقبه
لو كان العرب قادرين على الحصول على إنجاز ما من إسرائيل وهم جالسون في مضافاتهم ودواوينهم وكراسي حكامهم المزمنة من المهد إلى اللحد، هل كانوا ذهبوا زرافات ووحدانا ليس ليتوسلوا أمريكا وإسرائيل بل ليتسولوا ما تجود به هاتان القوتان، ورغم تقديري لحضور سورية من باب انه خطوة أولى للانفكاك من التحالف الخطابي مع النظام الإيراني، إلا أن مسألة احتلال الجولان التي أضيفت لجدول أعمال المؤتمر بناء على طلب سورية كشرط لحضورها لم يتطرق المجتمعون لها من قريب أو بعيد، ورغم ذلك كان تثمين المشاركين السوريين للمؤتمر يفوق تثمين المشاركين العرب والأمريكان والإسرائيليين. وفور العودة من أنا بوليس أقرّ الكونجرس اعتمادات مالية جديدة لدعم الوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، وأعلنت إسرائيل عن توسيع مستوطنات إسرائيلية قائمة في القدس والضفة الغربية، والتوسيع هذا يعني أنه لا تفاوض حولها أو انسحاب منها في أية مفاوضات قادمة مع السلطة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته توسيع الهجمات العسكرية على إمارة حماس في غزة واستمرار التوغل والاعتقالات في دويلة عباس في الضفة، واستجداء حكومة إمارة حماس لهدنة ومفاوضات مع دولة إسرائيل، كان آخرها توسل واستجداء اسماعيل هنية من خلال اتصاله المباشر يوم الأربعاء العشرون من ديسمبر 2007 مع مراسل القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، حيث أبلغه أن (حكومة حماس مع التهدئة المتبادلة بما يضمن وقف العدوان الإسرائيلي)، وكانت القناة الثانية الإسرائيلية قد أعلنت (أن هنية هو من بادر للاتصال بمراسلها في غزة سليمان الشافعي بعد دقائق من تعرض أحد مراكز شرطة حماس لغارة إسرائيلية، طالبا توجيه رسالة لإسرائيل لبدء حوار معها من أجل وقف إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه البلدات الإسرائيلية) وقال هنية للتلفزيون الإسرائيلي أثناء رسالته تلك (نريد بقدرتنا وقف إطلاق الصواريخ لكن الاغتيالات تعيق جهودنا تلك). ورغم أن اتصال هنية بالقناة الإسرائيلية مثبت وتم بث رسالته هذه على الهواء مباشرة، إلا أنه كالعادة يستمر مسلسل الخداع والتضليل الحماسي، فطاهر النونو الناطق باسم حكومة حماس المقالة أقرّ بحصول الحديث بين هنية ومراسل القناة الإسرائيلية،إلا أنه قفز عن مضمون الحديث الخطير مضللا المستمعين والشعب عامة بأن هنية ليس هو من بادر للاتصال، إذ كان نجل هنية يتحدث مع القناة الإسرائيلية، فطلب المراسل الحديث مع والده فكان حديث هنية للقناة الإسرائيلية. ولا أدري هل كان نجل اسماعيل هنية يتحدث مع القناة الإسرائيلية ليطلب سماع أغنية لهيفاء وهبي أو نانسي عجرم أو قريبتي وبنت عشيرتي مادلين مطر أم كي يمهد لحديث والده مع القناة الإسرائيلية؟. والتضليل هنا نابع من أن المهم هو رسالة هنية التي أرسلها لدولة إسرائيل وليس من الذي بدأ الحديث، وبالتالي فهل كل من يقوم بهذه الاتصالات وعرض الهدنة المتواصل مع إسرائيل ضد الاعتراف بإسرائيل، و إلا فالهدنة التي تعرضها حماس منذ أكثر من عشر سنوات ستكون مع من؟ مع دولة إسرائيل أم دولة المريخ؟. وضمن السياق كيف كانت ستتعامل القوة التنفيذية لحماس لو كان المتصل بمراسل القناة الإسرائيلية مواطنا عاديا وليس ابن اسماعيل هنية؟ أما كانت سترميه حيا من الطابق الثامن عشر لاتصاله بقناة إسرائيلية؟. وتصوروا أن هنية ذاته يتحدث مع القناة الإسرائيلية من خلال مراسلها في غزة المواطن الفلسطيني سليمان الشافعي، بينما قوته التنفيذية تمارس أبشع التعديات بخصوص الصحفيين الفلسطينيين. أليس هذه أدلة على الانكسار العربي والفلسطيني والتذلل أمام كل ما هو أمريكي إسرائيلي؟. منذ حرب النصر الإلهي لحماس الذي أسفر عن تحرير قطاع غزة من الاحتلال والاستيطان الفتحاوي، قتلت حماس واعتقلت وسجنت مئات من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة فتح، بينما الجندي الإسرائيلي المختطف لدى حماس ينعم بهدوء البال رغم أسره، ويجلب له الطعام ثلاثة مرات يوميا من مطعم خاص يعدّ له الوجبات على الطريقة اليهودية، بينما اسماعيل هنية يطالب الشعب الغزاوي أن يعيش على الزعتر والخبز الذي لم يعد متوفرا...كم أنت محظوظ يا جلعاد شليط!!.

الملف النووي الكوري والإيراني
وللتدليل على أن أمريكا ما زالت القوة العظمى الوحيدة في العالم، أوردت ملاحقتها للملف النووي الكوري حتى أجبرت كوريا الشمالية على تفكيك هذا البرنامج مقابل مساعدات اقتصادية، وقد بدأ التفكيك والرضوخ الكوري فعلا رغم تذبذب الموقف الصيني والروسي ومحاولة كل منها الحصول على دور إقليمي من خلال هذا الملف دون فائدة. ورغم اعتراف وكالة المخابرات المركزية لوقف إيران برنامجها النووي العسكري عام 2003 إلا أن الولايات المتحدة ما زالت تلاحق هذا الملف، وسط هلع وفزع حكومة الملالي في إيران الذين يراوغون ويتسترون بلمفات الشرق الأوسط تارة من خلال حزب الله أوالدعم الخطابي للشعب الفلسطيني، أو التهديد بتدمير دول الخليج العربي إن هاجمتها أمريكا أو إسرائيل، والعودة مجددا للتذكير بإمكانية احتلال البحرين، والاستمرار في احتلال الأحواز العربية والجزر العربية الثلاث، مثبتتة أنها دولة احتلالية توسعية لا تختلف عن دولة إسرائيل مطلقا، وهي تعرف أن كل تهديدها بالنووي تارة والصواريخ عابرة القارات تارة أخرى مجرد تهديد خطابي لدغدغة عواطف الجهلة العرب، لأنه في حالة امتلاكها السلاح النووي لن تجرأ على ضرب إسرائيل إلا إذا كان لديها القرار بتدمير إسرائيل والشعب الفلسطيني والدول العربية المجاورة، فالنووي لا يميز عند إلقائه بين الإسرائيلي والفلسطيني والعربي.

إسرائيل رابع دولة في تصدير السلاح
وللتدليل من وجهة نظري على أن أمريكا وإسرائيل ما زالتا في أوج قوتهما ذكّرت أن إسرائيل حسب آخر التقارير هي الدولة الرابعة في العالم في تصدير السلاح، بينما نحن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) تفوقنا على العالم أجمع في تصدير فتاوي التبرك ببول الرسول وإرضاع الكبير ومنع المرأة من الاختلاء مع الانترنت من غير محرم بسبب فساد طبيعتها وميلها للشذوذ والمنكر، وتحريم رؤية الرجل لجسد زوجته أثناء نكاحها في السرير، وتحليل ترقيع غشاء البكارة للفتاة التي فقدته أثاء عملية اغتصاب شرط أن تثبت لشيخ ورع فاضل أنها قاومت بكل ما تستطيع لكن الجناة ة تمكنوا من الوصول لغايتهم واغتصبوها مخترقين كافة خطوط دفاعها وآخرها غشاء البكارة، وكذلك صدارة العرب في صناعة لا وجود لها إلا عندهم وهي صناعة (قاطعوا المنتجات....)، مرة الأمريكية وثانية الدانمركية وثالثة الإسرائيلية والحبل على الجرّار، وكان أفضل من ردّ على نضال (قاطعوا...) صحفي دانمركي عندما قال: قاطعونا فهذا لن يؤثر على الاقتصاد الدانمركي، ولكن ماذا ستفعلون إذا أوقفنا تصدير دواء الأنسولين فقط لكم؟ وأنا أقول: ماذا ستفعلون إذا أوقف الغرب المارق الكافر تصدير الورق و ألآت الطباعة لبلاد العرب أوطاني، كيف ستطبعون كتاب الله تعالى القرآن؟ أم ستحفظونه في قلوبكم التي لا مكان فيها إلا للحقد على بعضكم البعض والدس والتآمر على بعضكم، بدليل أن الحروب العربية - العربية أكثر وأشرس من حروب العرب مجتمعين مع دولة إسرائيل!!.

ما هي أدلة الطرف القومي الإسلامي على انهيار أمريكا وإسرائيل؟
وجهة النظرهذه قدّمها و دافع عنها في البرنامج الكاتب اللبناني الأستاذ ميخائيل عوض، وقد كانت كافة أدلته تدور حول تقديم العديد من انتقادات كتاب وسياسيين أمريكيين لإدارة الرئيس بوش والصراع بين إدارته الجمهورية وخصومه الديمقراطيين، موردا كذلك حرب حزب الله مع الجيش الإسرائيلي في تموز 2006 التي حسب تعبيراته (مرّغت أنف إسرائيل في التراب وجعلت انهيارها وزوالها قاب قوسين وأدنى)، وكذلك مدللا على وجهة نظره ب (صمود حركة حماس وتحريرها لقطاع غزة)، هذا بالإضافة لسيل من الاتهامات الشخصية الخاصة بالعمالة للموساد والمخابرات المركزية والمخابرات البرازيلية، التي هي سلاح القوميين والإسلاميين العرب تحديدا،عندما يفقدون الدليل المدعم بالحقائق على وجهات نظرهم، فمن خلال تجربتي الشخصية لا يلجأ للاتهامات الشخصية المتجنية إلا هذا النفر من الكتاب والسياسيين الذين فرضوا أنفسهم مدافعين عن الفكر القومي العروبي الممانع الصامد والإسلامي الذي يتمتع بشرعية إلهية تملك حق التكفير والتخوين ومفاتيح الجنة كذلك. وسؤالي للزميل الأستاذ ميخائيل عوض وكل من يلجأ لهذا الإسلوب: هل هناك في أمريكا من اتهم الكتاب الذين انتقدوا إدارة جورج بوش بالعمالة لتنظيم القاعدة مثلا؟. الكتاب الأمريكيون الذين استشهدت بانتقاداتهم المريرة لجورج بوش شخصيا وإدارته، لم يحدث أن اتهمهم أحد من زملائهم الأمريكيين بالعمالة والتجسس لحساب جهات خارجية؟. ويكفي التذكير بأن ما كتبه فقط مايكل مور عن الإدارة الأمريكية من نقد لا يجرؤ عليه أي قومي عربي، ومع ذلك فلم يتعرض له أحد بسوء، بينما النظام السوري الذي تدافع عنه بحرارة يزج بمئات من السياسيين والكتاب في السجون بسبب أرائهم السياسية وانتقاداتهم لقمع النظام حرية الرأي.... هل تعرف لماذا؟ لأن هذه الدول لم تصبح قوية ومتفوقة إلا من خلال سماعها للنقد وتصحيح ما يتعرض له المنتقدين، أما نحن العرب فسنظل نهوي من حضيض إلى حضيض طالما غالبية كتابنا ومثقفينا وشيوخ ديننا من (وعاظ السلاطين)، يصفقون للطغاة والمستبدين ويجمّلون أعمالهم الإجرامية، ويحولونهم من مجرمين استولوا على السلطة بالسلاح وقتل من سبقهم في السلطة إلى أبطال صناديد. كيف سنتقدم يا صديقي عندما تقوم أنت شخصيا كلبناني بالدفاع عن أنظمة مستبدة استباحت وطنك وعرضك وحريتك وكرامتك، وليس هذا فقط بل تنصّب نفسك محاميا تهاجم كتاب تلك الأقطار العربية التي تناضل ضد المستبدين في بلادها. اقرأ ما كتبه ووجهه لك الكاتب السوري الطاهر إبراهيم تحت عنوان: (الموالون للنظام السوري من الهامشية إلى الانقراض) quot; ميخائيل عوض الذي يتفاني في الدفاع عن النظام السوري من دون أن يقدم أية حجة تدعم ما يقول، اللهم إلا ما يجد في نفسه من التصاق بنظام يأمل منه في أن يصل إلى ما وصل إليه غيره ممن التصقوا به خلال فترة التفويض الأمريكي للنظام السوري في لبنان قبل صدور القرار 1559، وإذا كنا في ما سبق لم نعلق على ما كان يقوله (عوض) في دفاعه المستميت عن النظام السوري، إلا أنه فاجأنا بهجوم غير مبرر على المعارضة السورية...وقد خلا هذا المقال من أية موضوعية تجعله يندرج في نطاق النقد البناء، بل مجموعة من الشتائم توحي بأن كاتبها يريد أن يسجل موقفا يحسب له في جدول الحوافز والمكافآت لا أكثر ولا أقل). و حتما قد قرأت ما وجهه لك الكاتب السوري ميشيل كيلو في جريدة السفير اللبنانية يوم السادس من أغسطس 2005 متساءلا: لماذا غيّر الأستاذ عوض رأيه في النظام السوري؟. مذكّرا بأنك كنت ترى في النظام (حالة مستعصية واجبة المعالجة) ثم تحولت إلى الدفاع عن النظام إلى حد قولك أن النظام بصدد تحرير فلسطين في أية لحظة، وها هي هذه اللحظة يا أستاذ ميخائيل عوض لم تأت طوال حكم النظام قرابة أربعين عاما، لا لفلسطين ولا الجولان.

هل النخب العربية تربت على أفكار القذافي؟
وهل هناك من نفاق وتزييف وتخدير لهذه الأمة المخطوفة من حكامها المستبدين وحاشيتهم من الكتاب والمثقفين، أكثر من قولك يا ميخائيل عوض في مداخلة لك في برنامج الاتجاه المعاكس ذاته بتاريخ الثالث والعشرين من أكتوبر عام 2001، في الحلقة التي استضافت العقيد القذافي، قولك حرفيا quot; quot; ألآن يطرح علينا وعليك ndash; يقصد القذافي ndash; سؤال من النخب العربية التي تربى جزء كبير منها على أفكارك وأفكار القائد الخالد جمال عبد الناصر والقائد الخالد حافظ الأسد)... ألا يخجل الزميل عوض من هذا النفاق؟. تصوروا للقذافي والأسد أفكار ونظريات تربى عليها جزء كبير من النخب العربية وفي طليعتها أو قائدها ميخائيل عوض شخصيا!!.

رأي من مواطن سوري
وضمن استطلاعات رأي القراء والمشاهدين التي يعتمد عليها البرنامج عادة، ومن باب الإطلاع على رأي أحد الذين شاهدوا الحلقة، وصلتني الرسالة التالية من مثقف سوري معروف اسمه (عدنان خليل) قال فيها حرفيا بعد التحية والسلام والشكر: (من صميم مدينة الحسكة في شمال شرق سورية المدينة الغارقة إلى الأعماق في مشكلات سياسية واجتماعية من فقر وبطالة وجوع وارتفاع أسعار وفوضى الاستبداد المتعاقب والحرمان من أبسط الحقوق للرجال والنسوة ة والأطفال، لا يغيب عن البال أن أزمات الكردي مزدوجة في كل مجال، فهو يتميز عن أشقائه لأنه محروم من مجالات كثيرة للعمل، وهو متهم بأنه منتمي إلى قوى خارجية، ورغم كل عذاباتنا نتلقى إطلالاتكم على الفضائيات المتنوعة تدافعون بحماس شديد عن حقوق الإنسان والقضايا العادلة في هذا الزمن الرديء الذي تحول الصديق إلى عدو والعدو أصبح صديقا،وحماة الأوطان تحولوا إلى ناهبي خيراتها، ومع كل الأسف على هؤلاء...عديمي الضمير من أمثال محاورك في قناة الجزيرة وهو المتحمس في تخدير الشعوب وتلفيق التهم والتلاعب بعواطف المواطنين بلغة عرف بهتانها وبطلانها وفشلها في خدمة البشر كما أسميتها لغة خشبية، وكنت ترفع من قيمتها بل هي لغة قذرة تسحق الشعوب و تنقلها من هاوية إلى هاوية ومن ضياع إلى ضياع، الآخرون يسبحون في الفضاء ولا زلنا نتبادل الاتهامات. إن ذلك المحاور من الذين يستخدمون الشعارات البراقة ويتلاعب بقضايا الأمة والشعوب، وهو عدو رقم واحد للشعوب، وكان خطابه يفتقد إلى الموضوعية ويرمي التهم الموجودة في عمقه قبل أن تطلقها أنت عليه، ولم يخلو حديثه من التجريح الشخصي، لكن أعرف أنك تحملته أكثر من المطلوب كي تدافع عن رأيك الواقعي. كنّا مجموعة من الشباب الكردي نتابع اللقاء على قناة الجزيرة بغضب من أسلوب محاورك الاستفزازي وغير اللائق وأعصابه باردة وميتة لأنه ينتظر نهاية الحلقة حتى يقبض، وهذا كان واضحا من سلوكه ومن كل كلمة كان يطلقها، تفتقر إلى أدنى حدود الاحترام لملايين المثقفين الذين تابعوا اللقاء بشديد الاهتمام. الله يكون في عونك ولا ننسى أنك صديق وفي ومخلص ومتحمس في الدفاع عن حقوق البائسين، ولا ننسى دورك في الاهتمام بقضايا الشعب الكردي الذي يكن لك كل التقدير والاحترام، وأذكرك بقول المعري: إذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادة لي بأني كامل).

والرأي الأخير للرئيس بشار الأسد
ما هو رأي الرئيس السوري بشار الأسد في موضوع حلقة برنامج الاتجاه المعاكس؟ هل هو مع رأيي القائل بأن أمريكا ما زالت في أوج قوتها وتحكمها في كافة ملفات العالم الساخنة والباردة، أم مع رأي الأستاذ ميخائيل عوض الذي اعتبر أن أمريكا في قمة ضعفها وانهيارها بسبب عوامل كثيرة منها صمود النظام السوري نظام الكبرياء والممانعة؟. في مقابلة مع صحيفة quot; داي برس quot; النمساوية يوم الأربعاء الموافق التاسع عشر من ديسمبر 2007، قال الرئيس بشار الأسد حرفيا (الآن هناك حاجة إلى حكم. الولايات المتحدة قبل كل شيء، وبالطبع بدعم من الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة. لكن بدون الولايات المتحدة لن ينجح شيء). أي أن الرئيس الأسد لم يأت بذكر لروسيا التي جاهد ميخائيل عوض في الدفاع عن فكرته أنها قادمة قوة عالمية تساعد العرب على مواجهة أمريكا وإسرائيل وتحرير أوطانهم المحتلة. وعن مؤتمر أنا بوليس قال الرئيس بشار الأسد: (أنا بوليس كان مناسبة تستمر يوما واحدا. كل شيء يعتمد على جهود المتابعة. يجب التحلي بالتفاؤل مع توخي الحرص....إن سورية وإسرائيل كانتا قد قطعتا 80 بالمائة من الطريق نحو السلام بشأن إعادة الجولان في عام 2001 قبل انهيار المحادثات). ولنا أن نتخيل الفرق بين لغة السياسة والمنطق التي يتحدث بها الرئيس بشار الأسد، ولغة الخطابة الخشبية الخالية من أي مضمون التي يتحدث بها أحد المدافعين عنه وهو ميخائيل عوض، وقد طمأن الرئيس بشار أمريكا وإسرائيل بشكل قطعي أن لا نية لسورية لامتلاك السلاح النووي بدليل أن سورية رفضت في بداية عام 2001 عرضا بذلك من العالم الباكستاني عبد القدير خان الذي أمدّ ليبيا وإيران وكوريا الشمالية بالمعرفة النووية ومكونات نووية، وحول الموقع الذي استهدفه القصف الإسرائيلي مؤخرا، قال الرئيس الأسدquot; كان منشأة عسكرية تحت الإنشاء، ولأنه منشأة عسكرية لا يمكنني تقديم تفاصيل، لكن ذلك لا يعني أنه كان منشأة نووية quot;. تلك هي مفارقات السياسة العربية أن يكون بعض الرؤساء كبشار الأسد أكثر حكمة وعقلانية من مداحيه والمصفقين له كميخائيل عوض.
ويبقى برنامج الاتجاه المعاكس ومداخلات الدكتور فيصل القاسم من الأمور المهمة في حياة المواطن العربي، ليكتشف بعض طرق التفكير لدى نخبته المثقفة، دون أن يعني هذا أنني على حق مطلق والزميل الأستاذ ميخائيل عوض على خطأ مطلق، فأنا متأكد أن هناك من ناصره وأيده ضد أطروحاتي بالكامل، وهذا الخلاف في الرأي دليل صحة وعافية شرط ألا يفسد المودة بين الناس وأن لا يعطي أحدا حق التكفير والتخوين، و إلا عندئذ سأقول للزميل الأستاذ ميخائيل عوض والمشاهدين (الله يعوض علينا انهيار التفكير العربي إضافة لانهيار الحياة العربية). وضمن سياق تثمين برنامج الاتجاه المعاكس ودوره في تنشيط التفكير والتعبير العربي الجريء الصريح، لا يمكن نسيان دور واحد من معدي البرنامج وهو الزميل (معن الشريطي)، الذي يقوم غالبا بالاتصال بالأسماء المقترحة للمشاركة في كل حلقة، لاستبيان مواقفهم وأرائهم لتقرير صلاحية مشاركتهم في موضوع الحلقة، وبصراحة فإن أسئلته ومناقشاته تحتاج لجهد لا يقل عن جهد المشاركة أمام الدكتور فيصل القاسم، إذ أن بعض الأسماء كل همها أن تظهر صورهم في فضائية مشهورة كالجزيرة وفي برنامجها الأشهر الاتجاه المعاكس، وبذلك يقول أثناء تلك الاتصالات المبدئية ما يغيره في الاستديو وأمام الكاميرا. وفي النهاية أقول: لا أحد يملك الحقيقة المطلقة بدليل أن القرآن الكريم كتاب الله تعالى وجد من لم يؤمن به ولم يصدق ما ورد فيه ومن قبيلة الرسول محمد (ص) تحديدا، فما بالك بكلام البشر في متغيرات سياسية، المهم هو أن ننقد وننتقد بهدف الإصلاح والتطوير، فما أقوله ليس جلدا للذات بقدر ما هو بكاء على الذات العربية، حيث تتقدم أمريكا وإسرائيل وأوربا يوميا العديد من الخطوات، وأمتنا العربية تتخلف عنها لسنوات ضوئية، وها نحن منذ مئات السنين نتغنى ب (خير أمة أخرجت للناس) و (أمة عربية واحدة)، ومنذ أيام قليلة أزيلت الحواجز الجمركية وتأشيرات الحدود بين 24 دولة أوربية، ونحن مشتتين يحتاج المواطن العربي لـتأشيرة دخول لأغلب الدول العربية، وهذه التأشيرة من المعجزات الحصول عليها، فلماذا أوربا لا تخاف تنقلات مواطنيها بما فيهم مواطني أوربا الشرقية الشيوعية سابقا، ونحن في هذا الحال الذي لا يرضي صديقا ولا يغيظ عدوا؟.
[email protected]