الحلقة الأولى |
ومصدر الاستفزاز أن كل المجتمعات العربية
فيها مواطنون مسيحيون، ويوجد في بعضها مواطنون يهود، فكيف سيصبح النسيج الاجتماعي إذا وجدنا في دولة عربية الجمعيات أو الأحزاب التالية: (جماعة الإخوان المسلمين) و (جماعة الإخوان المسيحيين) و (جماعة الإخوان اليهود)، وعندئذ لن نعدم تنويعات جديدة تتعامل مع الحس الطائفي سنّة وشيعة، أو مع الحس الطائفي المسيحي كاثوليك وأرثوذكس وغيرهم، لذلك يبدو منطقيا أن لا تسمح بعض الدول بالترخيص لأحزاب ذات خلفية دينية حتى لو بالاسم فقط، لأن استعمال أي اسم أو صفة دينية لأي حزب أو تجمع يضعه في عيون أصحابه وملاكه أنه فوق النقد والمساءلة، كما هو في تسمية (حزب الله)، فمن يجرؤ أو يملك الحق في نقد ومساءلة (حزب الله)الذي هو لدى أصحابه والعاطفيين من المواطنين امتداد للذات الإلهية التي هي الحق المطلق، مما يعني أن النقيض ل (حزب الله) هو حتما (حزب الشيطان). وهذه الخلفية التي تستغل أسماء وصفات من الإسلام في مسمياتها وأمور أخرى هي ما جعلت (جماعة الإخوان المسلمين) في مصر محظورة وممنوعة من العمل السياسي باسمها الإسلامي هذا، وكل أعضائها الذين فازوا بعضوية مجلس الأمة المصري، خاضوا الحملة الانتخابية كمستقلين بدون الإعلان في برنامجهم الانتخابي أنهم ينتمون للجماعة، ورغم ذلك لهم اليوم في المجلس أكثر من ثمانين عضوا.
المسكوت عنه من جرائم إخوان سوريا
المتابع للحياة السياسية السورية في العقود الأربعة الماضية، يلاحظ أن غالبية وسائل الإعلام المؤيدة للمعارضات العربية، تركز على القانون السوري رقم 94 لعام 1980 الذي يحكم على المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام، وفي الوقت ذاته يقفزون إما عمدا أو نسيانا على الجرائم البشعة التي ارتكبتها تلك الجماعة بحق الأبرياء من المواطنين السوريين عبر ما تسميه (الصراع مع النظام البعثي العلوي). وبداية أقول إن القانون المذكور ظالم ومجحف ويجب إلغاؤه، ولكن ضمن نفس السياق من يحاسب هذه الجماعة التي تعطي نفسها صفة إسلامية على جرائمها تلك التي لن ينساها الشعب السوري، وبالطبع هذا التذكير ليس للتغطية على الجرائم التي ارتكبها النظام الحاكم وإن جاءت تلك الجرائم في سياق الصراع بين القوتين: الجماعة والنظام، خاصة ما جرى في مدينة حماة (فبراير 1982) على خلفية الصراع بين المعارضين المسلحين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين السورية والجيش النظامي ، وهو صراع ليس من أجل تطوير سوريا وتقدمها، بل صراع على السلطة رغم قلة عدد مسلحي الإخوان قياسا بقوات الجيش التي اقتحمت المدينة، وفي هكذا صراع تنعدم المقاييس الأخلاقية طالما هدف كل طرف تصفية الطرف الآخر وصولا للسلطة ومغرياتها خاصة في دول الشرق الأوسط، حيث من يحكم يستولي على البلاد والعباد بشرا وثروة.
جرائم متبادلة
بمعنى أنها ارتكبت من الطرفين وهي مدانة بكافة المقاييس الأخلاقية والدينية، ويمكن القول بصراحة جارحة أن هذه الجرائم مسألة طبيعية في الشرق الأوسط، فلم يخل انقلاب عسكري سعيا للسلطة والحكم من هكذا جرائم أيا كان عدد وقودها من البشر من كافة الأطراف. وفي سياق جرائم الإخوان المسلمين السوريين بحق أبناء شعبهم الأبرياء، لا يمكن نسيان قتلهم للعشرات من الكوادر العسكرية السورية خاصة ما شهدته مدرسة المدفعية في مدينة حلب في السادس عشر من يونيو 1979، حيث قام الضابط المناوب النقيب (إبراهيم اليوسف) الذي تم شراؤه ورشوته من جماعة الإخوان المسلمين حسب الرواية الرسمية بدعوة الطلاب للقاعة العامة، وفتحت عليهم النار مجموعة كان قد استقدمها من خارج المدرسة يرأسها (عدنان عقلة)، مما أوقع 32 قتيلا و 54 جريحا، معلنة جماعة باسم (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين) مسؤوليتها عن العملية، بينما ظلت قيادة الإخوان المسلمين كعادتهاعلى الدوام تنفي مسؤوليتها عن هذه العملية، رغم أن قيادات سابقة في الجماعة اعترفت بأن هذه الجريمة من إعداد وتنفيذ الجماعة. ومن جرائم الإخوان المسلمين في سورية تفجير السيارة المفخخة الذي شهده حي الأزبكية في دمشق في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1981 وتبنته الجماعة رسميا وقد أوقع 175 قتيلا، والعديد من العمليات مثل تفخيخ السيارات التي تنقل طلاب المدارس العسكرية كما حدث في مدينة حمص. وتشير بعض المصادر السورية المستقلة لجريمة الاغتيالات التي قامت بها الجماعة للعديد من الخبرات الأكاديمية السورية ومنهم: الدكتور محمد الفاضل، الدكتور يوسف اليوسف، الدكتور علي العلي، الدكتور عبد الرحمن هلال، الدكتور نزار الحمصي، والدكتور محمود شحادة وآخرون.
انتهازية استراتيجية هدفها السلطة
إن العديد من مواقف جماعة الإخوان المسلمين في سورية لا يمكن وصفها إلا أنها مواقف انتهازية، هدفها وهمها الأساسي هو الوصول للسلطة والحكم أيا كانت الوسيلة، ففي عرفهم وعبر ممارساتهم (الغاية تبرر الوسيلة)، لذلك يتخذون الموقف ونقيضه خلال فترة قصيرة لا يمكن للأحمق أن ينسى هذا التناقض ذو الطابع الانتهازي العلني. فكم كتبوا ضد النظام البعثي الحاكم منذ عام 1963، ومارسوا ضده وضد شعبهم الجرائم كما أوضحنا، إلا أنهم فجأة يتحالفون مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري لما يزيد على ثلاثين عاما، أي أنه مسؤول عن كافة أعمال وسياسات النظام بما فيها الموجهة ضد جماعة الإخوان المسلمين، وفجأة عقب هروبه إلى باريس في ديسمبر 2005، يصبح في عرف الجماعة وطنيا مخلصا معارضا لسياسة النظام، ويشكلون معه في مايو 2006 الميني ماركت الذي عرف باسم (جبهة الخلاص الوطني). ولم تمض سوى قرابة العامين حتى يسحبوا بضاعتهم من هذا الميني ماركت معلنين انسحابهم من الجبهة (7 يناير 2009) وتعليق معارضتهم للنظام، الذي قال علي صدر الدين البيانوني شخصيا في مايو 2008 في لقائه مع برنامج بصراحة الذي يقدمه إيلي ناكوزي من قناة العربية (إن مسألة إسقاط النظام في سورية أصبح وشيكا...النظام فقد مبررات وجوده). فأي كذب ونفاق أكثر من ذلك؟ كيف توقف جماعته المسلمة معارضتها لنظام أصبح سقوطه وشيكا؟. أما لماذا اتخذوا قرار تعليق معارضتهم للنظام التي كانت أساسا معارضة على الانترنت فقط ؟ . يقول علي صدر الدين البيانوني عظّم الله أجره: ذلك تثمينا لمواقف النظام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة!!. وليت البيانوني أخذنا على قدر عقولنا الساذجة، وأوضح لنا هل تعدت هذه المواقف البيانات والتصريحات الخطابية؟ أم أن جبهة الجولان ومزارع شبعا قد اشتعلت في وجه الاحتلال ونحن لا ندري؟. وضمن نفس التناغم الانتهازي يهاجم إعلام الجماعة وكتابها قوى الرابع عشر من آذار في لبنان والسلطة الفلسطينية ورئاسة الرئيس محمود عباس وكل ذلك لإرضاء النظام السوري. ولكن خاب ظنهم فالنظام أذكى من انتهازيتهم، لذلك كانت صدمة البيانوني قوية حيث اعتبر أنه (لا ردود مباشرة من النظام على مبادرته ولكن ردود باهتة من بعض دوائره ). إن تاريخ الجماعة في العديد من الأقطار العربية لا يمكن أن يطرح الثقة فيهم مطلقا، فهم (يتمسكنوا حتى يتمكنوا) ثم تأتي بلاويهم بالجملة والقطاعي شاملة كافة نواحي حياة البلاد والعباد كونهم وكلاء الله في أرضه حسب أطروحاتهم.
النتيجة المرعبة
هي أن أي نظام علماني يمكن إصلاحه مهما كان مستبدا وطاغيا، إلا الأحزاب والجماعات التي تحكم باسم الدين إسلاميا أو مسيحيا أو يهوديا، فهي تقيم أنظمة شمولية تغلق كافة مسارب العقل والتفكير، فلماذا العقل والتفكير طالما هي تحكم باسم الله تعالى، وبالتالي تصبح سياستها الميدانية (التكفير بدلا من التفكير)، وليت أصحاب هذه المدرسة الشمولية يفسرون لنا خلفية تمجيدهم ومدحهم لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وهو مسلم ورئيس لنظام علماني يعتقل ويسجن كل من يحاول الإخلال بقيم العلمانية التركية، ويمنع حجاب المرأة المسلمة في الجامعات والعديد من دوائر الحكومة. لماذا العلماني التركي المسلم يمجد كبطل، بينما يسعى نفس الإخوان الممجدين المطبلين لإقامة نظام إسلامي شمولي يدعون من خلاله أنهم حماة الأخلاق، هذه الأخلاق التي شرّعت الانتهازية كسلوك استراتيجي لهم وتصفية الخصوم قتلا أحد أساليبهم، منذ اغتيال الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في مصر لرئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في الثامن والعشرين من ديسمبر لعام 1948، ثم محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 في الحادث الذي عرف باسم منشية البكري، وقام بالمحاولة المدعو محمود عبد اللطيف الذي كانت الجماعة تعتبره أحد أمهر رماتها للرصاص. ويستطيع الدارس لتاريخ الفرع المصري لجماعة الإخوان أن يعتبر هذا الفرع الأب الشرعي لكافة فروع الجماعة في الأقطار العربية، فمن تأثيراته وامتداداته ولدت فروع الجماعة التي ما زالت تعتبر الفرع المصري كقيادة دولية للجماعة، وهو الفرع الذي تم استنساخ غالبية جماعات التطرف والعنف من سياساته وتنظيرات قياداته.
[email protected]
هي أن أي نظام علماني يمكن إصلاحه مهما كان مستبدا وطاغيا، إلا الأحزاب والجماعات التي تحكم باسم الدين إسلاميا أو مسيحيا أو يهوديا، فهي تقيم أنظمة شمولية تغلق كافة مسارب العقل والتفكير، فلماذا العقل والتفكير طالما هي تحكم باسم الله تعالى، وبالتالي تصبح سياستها الميدانية (التكفير بدلا من التفكير)، وليت أصحاب هذه المدرسة الشمولية يفسرون لنا خلفية تمجيدهم ومدحهم لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وهو مسلم ورئيس لنظام علماني يعتقل ويسجن كل من يحاول الإخلال بقيم العلمانية التركية، ويمنع حجاب المرأة المسلمة في الجامعات والعديد من دوائر الحكومة. لماذا العلماني التركي المسلم يمجد كبطل، بينما يسعى نفس الإخوان الممجدين المطبلين لإقامة نظام إسلامي شمولي يدعون من خلاله أنهم حماة الأخلاق، هذه الأخلاق التي شرّعت الانتهازية كسلوك استراتيجي لهم وتصفية الخصوم قتلا أحد أساليبهم، منذ اغتيال الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في مصر لرئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في الثامن والعشرين من ديسمبر لعام 1948، ثم محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 في الحادث الذي عرف باسم منشية البكري، وقام بالمحاولة المدعو محمود عبد اللطيف الذي كانت الجماعة تعتبره أحد أمهر رماتها للرصاص. ويستطيع الدارس لتاريخ الفرع المصري لجماعة الإخوان أن يعتبر هذا الفرع الأب الشرعي لكافة فروع الجماعة في الأقطار العربية، فمن تأثيراته وامتداداته ولدت فروع الجماعة التي ما زالت تعتبر الفرع المصري كقيادة دولية للجماعة، وهو الفرع الذي تم استنساخ غالبية جماعات التطرف والعنف من سياساته وتنظيرات قياداته.
[email protected]
التعليقات