أعتقد أن هذا العنوان ربما يستفز القارىء خاصة أن طريقة صياغته غالبا ما تحمل الإجابة بالنفي، أي أنه لقاء أو قمة غير ضرورية، في حين أنني أرى عبر قناعة واضحة ومبررة أنه لقاء ضروري، خاصة في هذه المرحلة التي يبدو أن القادة العرب توصلوا لقناعة مفادها: كفى تشرذما وخصومات لا علاقة لها بالمصلحة العربية العامة، بقدر ما هي مرهونة بحسابات أو مصالح شخصية، ومن المهم التأكيد على الرغبة السورية ممثلة في الرئيس بشار الأسد التي تهدف لإزالة العقبات أمام هذه المصالحة العربية، والعودة بسوريا كدولة عربية لها تأثيرها في السياسات العربية بحكم موقعها ودورها الإقليمي الذي لا ينكره أحد مهما كانت ملاحظاته على النظام السوري، بدليل أن الرئيس بشار توجه علانية بدعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لزيارة دمشق، وذلك في اللقاء الذي أجرته معه شبكة سكاي نيوز يوم الجمعة الثالث من يوليو الحالي، وفي لقاء آخر مع الشبكة نفسها، أكدت السيدة أسماء قرينة الرئيس الدعوة بعبارات ودية للغاية، إذ قالت: quot;إن حقيقة أنّ الرئيس أوباما شاب وأن الرئيس الأسد شاب أيضا، ربما يعني أن الوقت حان لهذين الزعيمين الشابين لإحداث تغيير في العالم quot; وأضافت بلهجة ودية عالية quot; أستطيع أن أرى نفسي أستضيف عائلة أوباما في دمشق القديمة، وهي تلتقي الناس وتتعرف على طريقة حياتنا ومن نحن وما هي سوريا quot;.
في حين أنّ طريقة دعوة الرئيس الأسد للرئيس أوباما كانت سياسية تريد العمل مع الولايات المتحدة على ما يتم الاتفاق عليه، لأن وجود نقاط خلاف لا تبرر القطيعة، إذ قال: quot; أية قمة بين أي رئيسين هي شيء إيجابي ..وهذا لا يعني أنك يجب أن توافق على كل شيء، لكنك عندما تتناقش فهذه هي الطريقة لسد الفجوة quot;. وهي التفاتة ذكية تعود بسوريا أيضا لوضعها الدولي بعد خطوات عديدة لرفع الحظر والعزلة عنها، من خلال زيارات أكثر من رئيس أوربي ووفود أمريكية رسمية، وإعلان الولايات المتحدة الشهر الماضي أنها ستعيد سفيرها إلى دمشق بعد انقطاع دام أربع سنوات، لذلك أكدّ الرئيس بشار في دعوته على أهمية دور الولايات المتحدة: quot; أعتقد أن الولايات المتحدة لها دور خاص بوصفها القوة العظمى . اعتقد أن على الرئيس أوباما أن يزور أكبر عدد من الدول من أجل إجراء هذه الحوارات ..وهذا بالتأكيد يشمل سوريا quot;.

وعودة للقمة السعودية السورية
المتوقعة، فمن الطبيعي أن تسبق القمة السورية الأمريكية المقترحة من الرئيس بشار الأسد، وتشير الدلائل أن الرئيس أوباما سيقبلها، لأنه من غير المنطقي سوريا وعربيا أن يحدث انفراج واضح في العلاقات السورية ألأمريكية والأوربية بمبادرات غالبا من الطرف السوري، وتبقى العلاقات السورية خاصة مع المملكة السعودية ومصر تسير في طريق مسدود وتوتر لا يستفيد منه أي طرف عربي . وهناك خطوات من الرئيس بشار الأسد شخصيا تدلل على أنه سيقود مبادرات تعيد الوفاق والوئام للصف العربي منها:

أولا: زيارة الأردن قبل القمة العربية الأخيرة
كانت مفاجأة لكافة الأوساط تلك الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد للملكة الأردنية قبل ساعات من انعقاد القمة العربية الأخيرة في قطر في نهاية شهر مارس الماضي، بعد أن لاحظ توترا في العلاقات الأردنية القطرية بسبب حلقة برنامج quot; مع هيكل quot; الذي تبثه قناة الجزيرة، التي كال فيها هيكل اتهامات وافتراءات باطلة للملكة الأردنية والملوك الهاشميين، وكان متوقعا أن لا يشارك الملك عبد الله الثاني في القمة، لكن زيارة الرئيس الأسد لعمّان واجتماعه مع الملك عبد الله الثاني، أعقبها استضافة قناة الجزيرة للسيد زيد الرفاعي الذي ردّ وفنّد كل اتهامات وافتراءات هيكل، لذلك شارك الملك عبد الله الثاني في القمة العربية في قطر، واستمرت العلاقات الأردنية القطرية في التقدم متوجة بزيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للملكة الأردنية يوم الأحد السابع من حزيران 200.

ثانيا: التسهيلات السورية في لبنان
تبقى سوريا لاعبا رئيسيا في الساحة اللبنانية رغم انسحاب جيشها من لبنان في أبريل 2005، وذلك عبر شبكة من حلفائها متعددي الانتماءات السياسية . وقد كانت خطوة جريئة من الرئيس السوري أن يعلن إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع لبنان، وهي العلاقات التي كانت غير موجودة منذ عهد الاستقلال الذي أعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تم فتح السفارتين فعلا اللبنانية في دمشق والسورية في بيروت، ووصل السفيران فعلا ليزاولا عملهم كباقي السفارات العربية والدولية في البلدين . وقد انعكست هذه الخطوة السورية على سير وإتمام الانتخابات اللبنانية الأخيرة في السابع من حزيران الماضي بهدوء، وفوز الأغلبية ( قوى 14 آذار ) التي كانت على خصومة مع النظام السوري منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق في فبراير 2005 . وقد كان ملفتا للنظر مسارعة السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله للاعتراف بخسارة حزبه وقوى المعارضة للانتخابات وفوز قوى 14 آذار بأغلبية مقاعد النواب التي بناء عليها يسعى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة الآن . ومن المؤكد أنه لولا النية والتوجه السوري الجديدين لما تمت هذه الخطوات اللبنانية بسهولة ويسر. خاصة أن ملف العلاقات السعودية السورية أخذ في التوتر عقب اغتيال رفيق الحريري، وبالتالي من المتوقع أن ينسج سعد الحريري علاقات ودية مع العاصمة السورية، وترك ملف اغتيال والده من شأن القضاء الدولي الذي اتخذ خطوة هامة تمثلت في الإفراج عن الضباط اللبنانيين الأربعة الذين كانوا موقوفين منذ أربع سنوات على ذمة القضية .

والدور السعودي لا يمكن إنكاره،
في السعي الدؤوب لإتمام المصالحات العربية، خاصة أنه لا يمكن فصل زيارة العاهل السعودي المرتقبة لدمشق عن تلك القمة المصغرة التي جمعت العاهل السعودي وأمير قطر والرئيس السوري والمصري على هامش القمة العربية الاقتصادية في الكويت في يناير 2009، وبعد ذلك استمرت رسائل حسن النية بين الطرفين السوري والسعودي خاصة زيارة مسؤولين كبار لعاصمتي البلدين، إذ زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم العاصمة السعودية الرياض في فبراير الماضي واجتمع مع العاهل السعودي، وردّ الزيارة بمثلها إذ زار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل العاصمة السورية دمشق في مارس الماضي والتقى الرئيس السوري بشار الأسد .
أعتقد أن العلاقات السورية السعودية قد تجاوزت خطوط القطيعة، سواء تمت زيارة العاهل السعودي المتوقعة لدمشق أم لم تتم، لأن في ذلك مصلحة سورية سعودية ومصلحة عربية عامة لأهمية العاصمتين السعودية والسورية في رسم السياسات والتحالفات العربية، وهذا هو أمل كل عربي يعرف أن الوحدة والتفاهم ربما تعطي للعرب بعض الشأن الدولي ..وأكرر القول بعض الشأن الدولي .

ملاحظة للقارىء
تناقشت مع أحد زملائي من الكتاب المعروفين في فكرة هذه المقالة، فقال لي: هل نسيت انتقاداتك الحادة للنظام السوري ؟ . فقلت له وأقول للقراء: انتقاداتي الحادة كانت حول ملفات معينة، ولكنني لست من أصحاب سياسة ( عنزة ولو طارت )، فعندما يقدم النظام السوري على خطوات إيجابية في الشأن الداخلي والعربي تتعلق بتلك الملفات، لا أخجل من تثمين ذلك والكتابة عنه، فالكاتب الموضوعي لا يعتمد في كتاباته على المواقف الشخصية بقدر المصلحة العامة للمواطن والوطن... وفي الملف الخاص بموضوع هذه المقالة مصلحة عربية ينبغي تشجيعها وتثمين عمل الساعين إليها .
[email protected]