يمكن القول أن شهر يونيو من عام 2009 قد شهد موضة خاصة يمكن أن نطلق عليها (موسم الخطابات) ، التي كان كل خطاب منها تنتظره الملايين من الساسة والجماهير والحكومات، لمعرفة الجديد في كل خطاب خاصة أن الخطابات كانت منتظرة من ساسة لديهم ملفات ساخنة يؤثر مضمونها على العديد من القضايا العالمية. بدأ هذا الموسم بخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو، وتلاه خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتينياهو في جامعة بار إيلان في الرابع عشر من يونيو، وتلاه خطاب ولي الفقيه الإيراني آية الله العظمى على خامئني (قدّس الله سره) في خطبة الجمعة بجامعة طهران في التاسع عشر من يونيو، ثم خطاب سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني غير المعترف به من حركة حماس في الحادي والعشرين من يونيو في جامعة القدس بقرية أبو ديس، قضاء القدس أي أن الخطاب والجامعة ليس في القدس ذاتها التي يعتبر الفلسطينيون القسم الشرقي منها الذي أحتل عام 1967 عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، بينما تعتبرها إسرائيل القدس الواحدة الموحدة العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل. وأخيرا وليس آخرا خطاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي ألقاه في الخامس والعشرين من يونيو في قاعة خاصة في العاصمة السورية دمشق، رغم التأجيل الذي طرأ على موعده أكثر من مرة، قالت المصادر أنه بسبب انتظار خطاب سلام فياض للرد على ما يجيء فيه، أو بسبب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدمشق، أيضا في انتظار ما تسفر عنه هذه الزيارة خاصة لقاء عباس مع الرئيس السوري بشار الأسد.

خطاب نعم... و... لكن
أيا كان موقفك من سياسة حركة حماس وممارساتها في قطاع غزة إلا أن الموضوعية تقتضي القول أن هذا الخطاب المشعلي كان متوازنا في أغلبه وأكرر في أغلبه وليس كله. من هذا التوازن تحت عنوان... نعم.. و.. لكن، قوله:
(لقد جاءت إدارة أمريكية جديدة وحصل تغيير في لغتها تجاه المنطقة.. و.. لكن السؤال من أحدث هذا التغيير، إنه الصمود العنيد لشعوب المنطقة الحيّة).
(إننا نلمس تغييرا في النبرة والخطاب الأمريكي تجاه المنطقة والعالم الإسلامي كما بدا في خطاب أوباما في القاهرة.. و.. لكننا لا نسحر بالخطابات، فمفعول اللغة مؤقت وعابر بل نبحث عن التغيير في السياسات على الأرض).
(إن الحديث الأمريكي عن تجميد الاستيطان وعن الدولة الفلسطينية أمر جيد.. لكنه ليس جديدا كما أنه ليس كافيا، فالأهم هو مدى الاستجابة لحقوق شعبنا).
(بعد خطاب أوباما، خطب نيتيناهو، ونطق بكلمة الدولة الفلسطينية، ولكن بعد أن أفرغها من مضمونها فهي مجرد حكم ذاتي تحت مسمى دولة).
(نحن وإن رحبنا بالتغيير في لغة أوباما، لكننا بكل وضوح لم نتجاوز هذا الحد طالما بقي التغيير في حدود اللغة).
وأعتقد أن خالد مشعل كان متوازنا في (نعم ولكن) هذه في المفاصل التي ذكرها، فالكل ينتظر خاصة من الرئيس الأمريكي أوباما، أن تمارس الولايات المتحدة دورها المنشود منها لتحقق للشعب الفلسطيني تطلعه لدولة مستقلة كاملة السيادة، بعيدا عن اشتراطات نيتينياهو التي تجعل من هذه الدولة مجرد محمية إسرائيلية كما قلت في مقالة سابقة عن خطاب نيتينياهو.

التحول الجذري في خطاب مشعل
الجديد في خطاب مشعل هو تصريحه بوضوح وصراحة عن التوجه السياسي الجديد لحركة حماس، وهو الذي كان مطلوبا منها من العديد من الجهات الفلسطينية والعربية والدولية، وهو اعترافه بأن كل ما تطمح له حماس هو دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي في القطاع والضفة والقدس الشرقية، إذ قال حرفيا: (إن البرنامج الذي يمثل الحد الأدنى لشعبنا، وقبلناه في وثيقة الوفاق الوطني كبرنامج سياسي مشرك لمجمل القوى الفلسطينية، هو قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة). ورغم أن هذا التصريح يعني الاعتراف العلني الرسمي من حماس بدولة إسرائيل، إلا أنه سيصطدم بتحفظات إسرائيلية مصدرها الإصرار على نقطتين:
الأولى، هي النطق علنا وصراحة بالاعتراف بدولة إسرائيل، وهذا كما أعتقد ليس صعبا أن يصدر عن حماس إذا لمست جدية في الموقف الإسرائيلي حيال حقوق الشعب الفلسطيني.
الثانية، هي الطلب الإسرائيلي بالاعتراف بأن دولة إسرائيل يهودية الطابع فقط، وهو ما ترفضه السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل الفلسطينية ومنها حماس، لأنه ينطوي على خطر تهجير وترحيل مليون وربع فلسطيني يقيمون في دولة إسرائيل منذ عام 1948، ويحملون الجنسية الإسرائيلية ويشاركون في الانتخابات ولهم ممثلوهم في الكنيست الإسرائيلي.
وهذا يعني أن الشروط الإسرائيلية تناقض تماما مع الحقوق الفلسطينية، مما يعني أنه لا أمل في سلام شامل وعادل في المستقبل القريب، خاصة أن هناك تناقض بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي فيما يتعلق بالمستوطنات، وتحاول إسرائيل الالتفاف على الطلب الأمريكي بوقف الاستيطان عبر مراوغات منها وقف الاستيطان ثلاثة شهور، وماذا بعد؟ هذا هو السؤال !.

التذكير بجرائم فتح ونسيان جرائم حماس
أفاض خالد مشعل في الحديث عن تجاوزات وجرائم فتح في الضفة الغربية ضد عناصر حماس، وأغلب ما قاله حقيقة لا يمكن نسيانها أو تجاوزها من أي منصف وموضوعي، لكنه تناسى نهائيا أن من بدأ هذه التجاوزات والجرائم في قطاع غزة ضد عناصر فتح، هي حركته حماس بعد انقلابها العسكري في يناير 2007، وهي جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم فتح في الضفة، شملت الاعتقال والقتل والتطهير التنظيمي، وهذا يعني أن حماس وفتح في الجرائم والتجاوزات لا يختلفون عن بعض، مما يؤكد للشعب الفلسطيني أن الصراع الفتحاوي الحمساوي ليس من أجل الدولة الفلسطينية ولا من أجل رفاهية الشعب الفلسطيني، لكنه صراع من أجل السلطة والكراسي والمال والنفوذ، بدليل فشل جولة الحوار السادسة الأخيرة في القاهرة، وإعلان تأجيلها لوقت لاحق، وضمن عقلية السيطرة والاستفراد لن ينجح الحوار الفلسطيني حتى لو وصل للجولة الستين، وهو حوار أعلنت في مقالة سابقة عن تشييع جنازته لمثواه الأخير، وللأسف المبكي أن من يعاني هو الشعب الفلسطيني وليس قيادات فتح وحماس، فهذه القيادات من الحركتين تعيش في العسل، ولا ينقصها أي أمر من متطلبات الحياة المريحة، لذلك ليس غريبا أن تسمع العديد من الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، يصرخون قائلين (سقى الله على أيام الاحتلال)!!!وهل هناك كارثة أكبر من هذه المصيبة؟؟.
ahmad64@hotmail. com