ورد في الأنباء يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من يوليو الحالي منسوبا إلى حسن قشقاوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن (صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات الفلسطينية، اجتمع مع منوشهر متكي وزير الخارجية الإيراني، على هامش اجتماعات قمة دول عدم الانحياز التي انعقدت في شرم الشيخ، وأن صائب عريقات طلب من متكي مساعدة إيران لإتمام المصالحة بين فتح وحماس). إلى هنا ينتهي هذا الخبر العجيب الغريب لأسباب كثيرة تدل على تخبط المسؤولين الفلسطينيين وخلطهم لألوان مختلفة لا علاقة لها بألوان العلم الفلسطيني، ولا بآلية التحالفات والعلاقات الفلسطينية التي هي أساسا (عربية) بحكم الموقع والجوار على الأقل. وغرابة هذا الطلب غير الصائب تنبع من عدة اعتبارات:

الأول: ما هي علاقة إيران بالقضية الفلسطينية ؟
سوف تجد من يقول لك أن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية بحكم وجود المسجد الأقصى في مدينة القدس، لكن هذا مجرد وهم يفتعل في عواطف البعض، وأكرر البعض إذ أتحدى أن تكون غالبية المسلمين فيما عدا الدول العربية يعرفون معلومة واحدة عن القدس كمدينة أو فلسطين كبلد، بدليل أن تركيا وهي من أكبر الدول الإسلامية وأقواها اقتصاديا وعسكريا من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل، وتربط الدولتين علاقات اقتصادية وعسكرية من المستحيل وجودها بين دولتين عربيتين أو إسلاميتين. وفيما يتعلق بإيران ستجد من يقول لك : هل نسيت أن الإمام الخميني قطع علاقات إيران بإسرائيل وفتح سفارة لفلسطين محل السفارة الإسرائيلية ؟ وهل نسيت تصريحات أحمدي نجاد المهددة بتدمير إسرائيل ومحوها من الخريطة ؟ وهل نسيت تصريحات نجاد المنكرة للهولوكست ؟. أقول كل ذلك لم أنساه، ولكن تقييمي له أنه لا يعدو أن يكون للاستهلاك المحلي والعربي لكسب عواطف الجماهير (الغفورة)، وهذه التصريحات كسبت منها دولة إسرائيل أكثر مما خسرت، بدليل تثمين ساسة إسرائيليين لتهديدات نجاد الورقية الغوغائية لأنها جلبت تعاطفا دوليا مع إسرائيل غير مسبوق خاصة ضد برنامجها النووي، وقال بعض الإسرائيليين حرفيا : (إن نجاد قدّم من حيث لا يدري أكبر مساعدة للدولة العبرية). ولا أحد يستطيع نسيان فضيحة (إيران جيت) التي أمدت إسرائيل من خلالها الإمام الخميني بالسلاح طوال حربه مع العراق في زمن صدام حسين.
والغريب الملاحظ دليلا على غوغائية أحمدي نجاد هو تنقله من موقف إبادة إسرائيل إلى موقف اسمه (القبول بما يقبل به الشعب الفلسطيني حتى لو كان حل الدولتين)، أي أنه يقبل بوجود إسرائيل التي يقبل بها الشعب الفلسطيني ضمن حدود عام 1967. فكيف يمكن الاطمئنان لصاحب هكذا مواقف بهلوانية كي يطلب منه صائب عريقات الوساطة بين فتح وحماس؟. ومن المهم التذكير بتصريح أحد نواب نجادي وهو صهره اسفنديار رحيم مشائي (ابن نجاد متزوج من ابنة مشائي) الذي أطلقه يوم العشرين من يوليو 2008 في مؤتمر إيراني حول السياحة ونقلته حرفيا وكالة أنباء فارس الرسمية، حيث قال : (إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والإسرائيلي، ما من أمة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا). وبالتالي فلا يمكن تمييز مواقف إيران السياسية بخصوص القضية الفلسطينية عن مواقف باقي الدولة الإسلامية، مما يجعل طلب عريقات الوساطة من إيران تحديدا لا معنى له وخارج عن السياق.

ثانيا : تجاهل الدور المصري المستمر منذ سنوات
إن هذا الطلب من عريقات لا يمكن فهمه من البعض إلا أنه تجاوز للوساطة المصرية منذ سنوات، وقد انتهت آخر جولات حوارها الفتحاوي الحمساوي منذ أيام على أساس العودة للحوار في نهاية الشهر القادم. ولا يستطيع إنسان منصف إلا أن يعترف بأن الساسة المصريين تحملوا ما لا يحتمله الكثيرون في وساطتهم التي لم تنقطع منذ عدة سنوات، خاصة الفريق عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية الذي أبدى صبرا منقطع النظير مع المماطلات التي يبديها الطرفان الفلسطينيان، وهي مماطلات لا علاقة لها بمصلحة الشعب الفلسطيني بقدر ما هي حرص على الاستئثار بالسلطة والنفوذ والمال والشرطة. وأن يأتي طلب صائب عريقات الوساطة الإيرانية والجهود المصرية ما زالت مستمرة بموافقة فتح وحماس، فهذا الطلب لا يعني سوى مراهقة سياسية لا تقدر الجهود المصرية، وطلب غير صائب ممن لا يملك النية ولا القوة لتحقيق مصالحة فلسطينية.

ثالثا : تنظيمات تحتاج لوساطة خارجية لا تستحق الاحترام
وهذه المسألة من النادر أن يتوقف عندها المحللون والمتابعون السياسيون، رغم أنها توحي بسبب فشل الحوار الفلسطيني. لقد سبق الوساطة المصرية المستمرة وساطة سعودية أسفرت عن توقيع (اتفاق مكة) في الثامن من فبراير 2007 بين وفدي حركة فتح وحماس، وما إن وصل الطرفان إلى غزة ورام الله حتى بدأت الحرب والتطهير التنظيمي بين الحركتين متجاهلين الوساطة السعودية والاتفاق الذي نصّ على حرمة الدم الفلسطيني. وبعد ذلك جاء (اتفاق صنعاء) في الثالث والعشرين من مارس 2008، ليتنصل منه الطرفان فور مغادرتهم صنعاء، متهمين بعض بالتنصل من الاتفاق وهم لم يصلوا غزة ورام الله بعد. وبعد ذلك استأنفت مصر وساطتها التي لم تتوقف أساسا، وما زال الطرفان يتفسحان في فنادق القاهرة للسنة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، وكل جولة بينهم تنتهي بمزيد من تأصيل الانقسام بين إمارة حماس في غزة ودويلة فتح في رام الله. والسؤال لصائب عريقات : تنظيمات فلسطينية لم تسمع صراخ وآلام شعبها، ولم تنجح معها الوساطة السعودية واليمنية والمصرية، هل كان منطقيا أن تطلب وساطة إيران؟

طلب غير صائب وخارج عن السياق
لذلك فإن هذا الطلب من صائب عريقات غير صائب بالمطلق وخارج عن السياق الفلسطيني والعربي،و سيؤدي إلى نتائج سلبية، خاصة في ظل التوتر العلني بين مصر و إيران، وقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران اعتبارا من السادس من شهر مارس 2009. وأيضا استغلت إسرائيل هذا اللقاء بين عريقات و متكي كي تستعمله حجة ضد السلطة الفلسطينية، فقد رفض عوزي آراد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي لشؤون الأمن القومي لقاء صائب عريقات بسبب هذا اللقاء، في حين نفى عريقات أنه طلب لقاء مع المسؤول الإسرائيلي....هذا ولم تصدر عن الجانب الإيراني حتى الآن أية خطوة أو تصريحات على طلب عريقات الوساطة، ربما لأن الجانب الإيراني يعرف أنه لا يستطيع تقديم أية خطوة إيجابية في هذا الشأن...فحوار فشل في مكة وصنعاء والقاهرة، لن ينجح في طهران خاصة في ظل الرؤية الفلسطينية بأن إيران منحازة لمواقف حماس، رغم أن التصريحات الإيرانية التي سبق ذكرها تدلل على أن إيران ليست في خصومة مع إسرائيل رغم تصريحات أحمدي نجاد التي تراجع عنها. بالإضافة إلى أن الموقف داخل إيران غير مستقر بعد المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة ضد النظام، مما يوحي بأن النظام نفسه ربما يحتاج لوساطة بينه وبين الرموز الإصلاحية التي أعلنت موقفا صريحا ضد النظام....وهنا ربما تقوم الصومال بالوساطة بين الفلسطينيين وبين النظام الإيراني وخصومه.
[email protected]