يتزايد تطور وظهور ملامح إمارة حماس الطالبانية في قطاع غزة، بعد مرور عامين على انقلابها الأسود على السلطة الوطنية الفلسطينية المعترف بها رسميا ممثلا للشعب الفلسطيني في ما لا يقل عن مائة دولة عربية وأجنبية، وهو انقلاب لا يمكن تأييده مهما كانت الأسباب التي تطرحها حماس وأنصارها، فهو يعيد الشعب الفلسطيني لزمن عربي أكثر سوادا قبل أن يمتلك دولة مستقلة، مما يعني أن الصراع ليس من أجل الدولة أو الوطن أو التحرير، بقدر ما هو من أجل السلطة والكراسي والنفوذ، وكل ذلك تسترا بالدين بحكم أن الحركة تضع في اسمها كلمة (الإسلامية)، وهي الخارجة من رحم حركة الإخوان المسلمين، تلك الحركة التي لم تقدم إيجابية واحدة للشعوب التي عرفتها، خاصة في مصر وسوريا والأردن والسودان، بل صراعات وجرائم خاصة في سوريا والسودان لا تقل عن جرائم أعتى الأنظمة استبدادا ووحشية، مع ملاحظة أنها في السودان تتم من خلال نظام يدّعي الحكم باسم الشريعة الإسلامية، وكان بداية انقلابه مؤيدا من الإخوان المسلمين قبل أن ينقلب عليهم وباسم الإسلام أيضا.
معالم الإمارة الطالبانية في غزة
مرت سنتان وعدة شهور على استيلاء حماس على القطاع عبر انقلابها العسكري، وخلال هذه المدة القصيرة مارست حماس أعمالا صورة طبق الأصل أو استنساخا شرعيا لممارسات طالبان في أفغانستان قبل سقوطها بفضل المجاهدين الأمريكان في زمن المناضل المؤمن جورج بوش الابن. الاستنساخ الحماسي لممارسات وأفكار طالبان تجلى في:
أولا: سرقة الجامع
وهذا العنوان اقتباس من عنوان كتاب (من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة) للمفكر الليبي المرحوم (الصادق النيهوم)، وأستطيع القول بموضوعية أن هذا العنوان الذي صدر عام 2000، ينطبق على إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، الذي حرص منذ توليه رئاسة الحكومة في عام 2006 وحتى اليوم بعد إقالته على أن يلقي خطبة صلاة الجمعة في واحد من مساجد القطاع، وبشكل منتظم يكاد يكون أسبوعيا، وسرقة الجامع هنا تتجلى في استغلال الجامع من شخص سياسي ينتمي لحركة سياسية واحدة أي لا تعبر عن رأي مجموع الشعب الفلسطيني، لتقديم وجهة نظر حركته والتنظير لأعمالها بما فيها المرفوضة من غالبية الشعب الفلسطيني وباقي تنظيماته السياسية، وهذا يعتبر سرقة للجامع عندما لا يكون مسموحا للأحزاب والتنظيمات الأخرى تقديم أفكارها من خلال الجامع نفسه. وكذلك فهذا يعني أن يوم الجمعة ذهب للفتنة والتحريض من طرف ضد بقية الأطراف، لأن كافة خطب جمعة الشيخ إسماعيل هنية تبرير لأعمال حركته حماس ومواقفها، خيرا كانت أم شرا، قتلا لأبرياء أم سجنا أم تشريدا لعائلات بأكملها بحجة أن واحدا منها مسؤول في حركة فتح. هذا بينما خطبة الجمعة ينبغي أن تكون تكريسا لمبادىء الدين الإسلامي كي تتعزز لدى المصلين، وإسماعيل هنية كسياسي ليس مؤهلا لتقديم خطبة جمعة إيمانية غير مسيسة تنظيميا، ومنحه شهادة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الإسلامية المسيطر عليها من حركته حماس لا يؤهله أيضا لذلك.
ثانيا: الاعتداءات المتكررة على المؤسسات المسيحية
وكي نكون موضوعيين علينا القول صراحة أنه ليس بالضرورة أن تكون حماس وراء هذه الاعتداءات، ولكن ظهورها بالشكل الاستغلالي للدين، شجع ظهور جماعات تكفيرية متطرفة منها ما أطلق على نفسه (جند الإسلام)، وقد قامت هذه الجماعات أو الأفراد بعمليات لا يمكن التخيل أنه تحدث في المجتمع الفلسطيني، ويكفي التذكير ببعضها:
- تفجير المكتبة التابعة لجمعية الكتاب المقدس المسيحية في إبريل 2007، وقد ألحق الانفجار دمارا كبيرا بالمكتبة. وقد أدان رامي عياد المسئول في الجمعية هذا العمل الإجرامي، موضحا أن هذه الكنيسة تقدم مساعدات إنسانية جليلة للفقراء والمرضى في قطاع غزة. وبعد شهور قليلة في أكتوبر 2007 تم قتل رامي عياد ابن الثلاثين من عمره وينتمي للطائفة الانجليكانية، ولم تفتح حكومة إسماعيل هنية تحقيقا في القتل البشع، ولم تعلن عن اعتقال المجرمين القتلة.
- اقتحام مدرسة النور المعمدانية في فبراير 2008 من قبل رجال ملثمين، قاموا بالاعتداء على حراسها ضربا، وعاثوا فيها خرابا وتدميرا، وهددوا الحراس إن هم عادوا لعملهم في المدرسة.
- تفجير المدرسة الأمريكية شمال قطاع غزة في أبريل 2007 علما أن كافة طلابها ومدرسيها من الفلسطينيين، وقام الجناة بإبلاغ حراس المدرسة رسائل ذات طابع أصولي، إلا أن تقرير مركز الإعلام الفلسطيني الصادر في 25 أبريل 2007، ورد فيه: quot; إن معلومات أولية تشير إلى مسئولية مجموعة تعمل في إطار القسام، وهي تحمل نفس بصمات تفجير منتجع الواحة المملوك لصندوق الاستثمار، والذي يقع في المكان تقريبا quot;.
- حدثت صدامات مسلحة في منتصف فبراير 2008 بين جماعات من حماس وعناصر تابعة لما يسمى (جيش الإسلام) بقيادة المدعو ممتاز دغمش، وذلك بعد اعتقال حماس مجموعة من الجماعة تقف وراء تفجير مكتبة جمعية الشبان المسيحيين، وبعد تهديد علني من دغمش قامت حماس بالإفراج عن المعتقلين ومن بينهم واحد من عائلة دغمش، ونقلت وكالة فلسطين برس في التاسع عشر من فبراير 2008 ما نصه (أن مصالحة تمت بين قيادات القسام التابعة لحماس وجيش الإسلام بقيادة ممتاز دغمش، وقام الجانبان بإطلاق الرصاص في الهواء ابتهاجا بهذا الصلح الذي سعت له حماس لتأمن جانب جيش الإسلام، ولكي يقنعوا دغمش بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل). وهذا يفيد أن هناك نوع من التواطىء بين مجموعات من حماس وهذه الجماعات الإرهابية باسم (جيش الإسلام) الذين كانوا قد أعلنوا تسليمهم الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) لحماس، على اعتبار أنه كان في حوزتهم لأنهم كانوا مشاركين لحماس في عملية خطفه. وكان دغمش قد هدد المسيحيين في القطاع معلنا أن جماعته هي فرع تنظيم القاعدة في قطاع غزة.
هذه مجرد نماذج من نوعية هذه الجرائم التي تكررت عشرات المرات في أغلب مدن القطاع، من قبل عصابات تكفيرية إجرامية، لم يسمع عنها المواطن الفلسطيني في القطاع في زمن السلطة الوطنية الفلسطينية أي قبل انقلاب حماس العسكري وسيطرتها المطلقة على القطاع أرضا وشعبا، مما يشير علانية أن أجواء حماس المتسترة بالدين الإسلامي، ساعدت على ظهور هذه الجماعات التكفيرية الإجرامية، لأن حماس لا تستطيع منعهم وهي تمارس نفس الأعمال وبوحشية زائدة، ويكفي التذكير بقتل الشاعر المقاتل أبو علي شاور في يوليو 2007، وتهديد العديد من الكتاب والمثقفين توقف بعضهم نهائيا عن الكتابة كي يتفادوا غدر حماس المسيطرة على القطاع، وعمليات التطهير التنظيمي لكل ما هو فتحاوي لدرجة أنه في نوفمبر 2008 منعت الاحتفال بذكرى وفاة الرئيس عرفات، وفي أغلب مهرجاناتها لا ترفع العلم الفلسطيني بل رايات حماس الخاصة.
ثالثا: جرائم باسم حماية الأخلاق العامة
هذا النوع من الجرائم بدأته حماس قبل انقلابها العسكري، حيث قامت مجموعة منها بقتل الفتاة الفلسطينية (يسرى العزامي) في الثامن من أبريل 2005، وهي فتاة محجبة كانت هي وشقيقتها مع خطيب يسرى وخطيب شقيقتها في سيارة قريبا من شاطىء البحر، عندما هاجمتهم مجموعة من كتائب القسام التابعة لحماس، وقتلت يسرى واعتدت بالضرب على البقية، وقامت أجهزة السلطة الفلسطينية باعتقال اثنين من القتلة، واعترفا بانتمائهم لكتائب القسام بينما رأت حماس أنهم محسوبين على الحركة ولكن لم يتلقوا أمرا من الحركة بقتل يسرى العزامي. وقد شهد القطاع عمليات قتل لأكثر من فتاة و امرأة وجدت جثثهن في المزارع والغابات، وقد أعلن مركز الميدان لحقوق الإنسان أنه في الشهور السبعة الأولى فقط من عام 2007، بلغ عدد النسوة اللواتي وجدن مقتولات في ظروف غامضة 12 سيدة. وعقب استيلاء حماس على القطاع تصاعدت هذه الجرائم باسم (حماية الأخلاق العامة)، وتركزت على:
- تفجير مقاهي الانترنت التي من الصعب إحصاء عددها الذي لم تسلم منه أية مدينة من مدن القطاع، وأغلب التفجيرات يتم نشر بيانات بعدها باسم (جماعة سيوف الحق) معتبرة أن مقاهي الانترنت (أوكارا شيطانية) متناسين الخدمات المعرفية التي تقدمها هذه المقاهي لطلاب الجامعات تحديدا في ظل عدم توفر الانترنت في غالبية البيوت الفلسطينية في القطاع، والانقطاع المتكرر للكهرباء في حين أن هذه المقاهي تعتمد على مولدات كهربائية لتفادي انقطاع التيار. وحسب تقريرلمركز الميزان الحقوقي أنه في الشهور الأربعة الأولى من عام 2007 فقط تم تدمير 19 محلا خاصا، و 6 مقاهي انترنت، و 8 مؤسسات أهلية، و 19 مدرسة حكومية، ومركز تموين لوكالة الغوث.
- ومهرجانات نشاطات الأطفال لم تسلم من تفجيرات هذه الجماعات التكفيرية المجرمة المتسترة بالدين الإسلامي، فقد هاجمت مجموعة تسمي نفسها (السلفية) مهرجانا رياضيا للأطفال أقامته وكالة الغوث (الأونروا) في مدرسة العامرية للاجئين في حي تل السلطان غرب مدينة رفح في السادس من مايو 2007، قتل فيه مرافق أحد نواب المجلس التشريعي، وأصيب ثمانية مواطنين بجراح من بينهم طفلان.
وأخيرا فرض الحجاب على المحاميات
وآخر أنباء هذا الصعود الطالباني في إمارة حماس الغزاوية، هو ( قرار مجلس العدل الأعلى التابع لحكومة حماس في غزة قبل أيام قليلة، بفرض الحجاب على المحاميات حتى لو كنّ مسيحيات، من خلال إلزامهن بارتداء الزي الشرعي المخصص لهن أثناء مثولهن أمام المحاكم في غزة). وينص القرار الطالباني (على ضرورة ارتداء المحاميات كسوة من القماش الأسود المعروف بالروب الخاص بالمحاميات، أو البالطو أو ما يماثله، إضافة إلى غطاء يحجب الشعر كالمنديل أو ما يماثله). وقد استنكرت نقابة المحامين الفلسطينيين هذا القرار معتبرة أنه اعتداء على الحريات الشخصية. ومن جانبه اعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن هذا القرار الحمساوي (مخالف للقانون ويشكل تدخلا غير مبرر في شؤون المحامين، وينطوي على مساس بالحريات الشخصية وحقوق المرأة من خلال فرض ارتداء الجلباب والحجاب على المحاميات). وطالب التجمع الديمقراطي الفلسطيني للمحامين والقانونيين بإلغاء القرار لأنه (ينطوي على مخالفة للقانون وانتهاك للحريات العامة التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 خاصة المادتين 10 و 11).
وماذا بعد من خيرات طالبانية تخلفية؟
من يتخيل هذا التدهور والتخلف خلال عامين من سيطرة حماس على القطاع؟ مما يعني أنه كلما استمرت سيطرة حماس المنفردة على القطاع ستسير الأمور نحو الأسوأ تحت شعار (أسلمة قطاع غزة) الذي تسعى له حماس رغم نفي بعض مسؤوليها الخجول لذلك، وهو ما يجمع عليه العديد من الباحثين الفلسطينيين المقيمين في القطاع مثل الأستاذ ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، إذ يرى (أن حماس تستند إلى الدين لتطبيق أهداف كبرى...إن هدف حكومة حماس البعيد هو أسلمة غزة). وكذلك الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل الذي يرى (إن حماس تقوم بإجراءات تدريجية لأسلمة المجتمع وتعزيز الثقافة والقواعد الإسلامية، وهذه الإجراءات سياسة منهجية مقصودة من قبل الحركة).
ولنا أن نتخيل اهتمامات حكومة حماس موجهة نحو ماذا، بدلا من فك الحصار ووحدة البيت الفلسطيني مثلا؟. إن حركة أوصلت الشعب الفلسطيني إلى كل هذا الإحباط والتخلف خلال عامين من السيطرة والحكم، وما تزال مصرة على السيطرة والحكم، يثبت أنها تتعلق بالسلطة والكرسي والنفوذ فقط، أما النتائج فلتكن هي الهاوية بعينها ما دام من يسير نحو الهاوية هو الشعب الفلسطيني باستثناء قياداتها المؤمنة من كل النواحي في الداخل والخارج.
تذكير للسيد إسماعيل هنية
وإزاء هذا التراجع في كافة الميادين في ظل سيطرة حماس على قطاع غزة، أذكر السيد إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في عرف السلطة الفلسطينية والشرعي بامتياز في عرف حماس، بما قاله في الحادي عشر من نوفمبر لعام 2006 في كلمته بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الرئيس ياسر عرفات، فقد قال السيد إسماعيل هنية حرفيا: (إذا خيروني بين رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وبقائي في الوزارة، فأنا أختار رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني). فلماذا التشبث بالوزارة يا سيد هنية رغم استمرار الحصار، وهذا التراجع والتخلف في كافة ميادين الحياة الفلسطينية، واستمرار الانقسام بين الفلسطينيين بين إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله؟ هذا الانقسام الذي جعل الشعب الفلسطيني بعد كل هذه التضحيات ميدانا للضحك والتندر في كافة أنحاء العالم، حيث يتقاتلون على لا شيء...على دويلات كرتونية على الورق إلى حد أن العديد من الفلسطينيين يترحمون على أيام الاحتلال المباشر. لقد سمعتها بأذني في رفح وخان يونس وغزة ورام الله ونابلس (سقا الله عأيام الاحتلال)...أليس هذا نتيجة بلاويكم جميعا في حماس وفتح..ويظل السؤال الذي يحتاج لمعالجة مستقلة: أين المنظمات والفصائل الفلسطينية الأخرى التي تزيد عن خمسة عشر دكانا؟ لماذا يقتصر دورها على بيانات على شبكة الانترنت فقط؟.
[email protected]
التعليقات