تزخر الحياة العربية بالعديد من الظواهر والممارسات التي تكاد تكون حكرا على العرب، إذ حسب ملاحظتي لا وجود لهذه الظواهر في الحياة والثقافة الأوربية والأمريكية، ومن أشهرها عربيا وعالميا لدرجة ضرورة دخولها موسوعة جينس باسم العرب والعروبة:

أولا: في السلطة من المهد إلى اللحد

من هذه الظواهر ممارسات الطبقة السياسية التي تعودت على أن يبقى الشخص في السلطة أي الكرسي والنفوذ (من المهد إلى اللحد). فعند المقارنة نتذكر أن أعظم دولة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية لا يجوز لأي رئيس أمريكي أن يبقى في البيت الأبيض أكثر من دورتين مجموعها ثماني سنوات، وفي غالبية الدول الأوربية هناك مدة محددة لرئاسة الوزراء تتبع نتائج الانتخابات الدورية، فيشكل الحزب الفائز الوزارة ويتركها عند خسارة الانتخابات التي لا تزيد عن ستة سنوات في أغلب هذه الدول. بينما في الدول العربية تكفي هذه الأمثلة:

جمال عبد الناصر بقي في الرئاسة من عام 1952 حتى وفاته عام 1970.
أنور السادات بقي في الرئاسة من عام 1970 حتى وفاته عام 1981.
حافظ الأسد بقي في الرئاسة من عام 1970 حتى وفاته في عام 2000.
الحبيب بورقيبة بقي في الرئاسة من عام 1957 حتى وفاته في عام 2000.
ومن المؤكد أن الرؤساء الأربعة لو امتد بهم العمر حتى اليوم لبقوا في الرئاسة.
معمر القذافي في السلطة منذ عام 1968 وحتى اليوم.
الرئيس علي عبد الله صالح في السلطة منذ عام 1978 وحتى اليوم.
حسني مبارك في السلطة من عام 1981 وحتى اليوم.
عمر حسن البشير في السلطة منذ عام 1989 وحتى اليوم.
عبد العزيز بوتفليقة في السلطة منذ عام 1999 وحتى اليوم.

وأكاد أجزم أن هؤلاء الرؤساء الخمسة سوف يبقون في السلطة حتى الموت (من المهد إلى اللحد)، وهناك احتمالات كبيرة أن يتم توريث أبناء الرؤساء (حسني مبارك و القذافي و علي عبد الله صالح) على غرار توريث بشار الأسد بعد وفاة والده الرئيس حافظ الأسد، وبالتالي يصبح لا فرق بين الأنظمة الجمهورية العربية والأنظمة الملكية إلا في الاسم والشكل فقط.

حالة فريدة اسمها سوار الذهب

ومن باب الإنصاف من الضروري الإشارة إلى حالة واحدة فريدة في التاريخ العربي لم تتكرر لا سابقا ولا لاحقا، وهي حالة الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، الذي تسلم الرئاسة السودانية في أبريل 1985 أثناء انتفاضة أبريل 1985 بموافقة قادة الانتفاضة من الأحزاب والنقابات، ووعد بإجراء انتخابات رئاسية ديمقراطية خلال عام، وبالفعل أجريت تلك الانتخابات في أبريل 1986، وفاز فيها الزعيم السوداني الصادق المهدي، فتنازل له سوار الذهب بديمقراطية حضارية، أي أنه بقي في الرئاسة عام واحد فقط برغبته وإرادته، وكان قادرا على عدم إجراء الانتخابات أو تزويرها كما هو عادة العسكر والسياسيين العرب. وهذه السابقة الذهبية لم تتكرر في أية مرحلة من مراحل التاريخ العربي، وبالتالي فإن عبد الرحمن (سوار الذهب) هو اسم على مسمى، فهكذا (سوار من الذهب) لا يمكن تكرار وجوده. طبعا لم اذكر نماذج من الملوك العرب لأن النظام الملكي عند العرب والأوربيين يعني بقاء الملك في كرسي الملكية حتى وفاته، أي أنها ظاهرة عربية وأوربية وعالمية ليست حكرا على الأنظمة الملكية العربية. وهناك حالات نادرة تشبه الحالة العربية مثل بقاء الرئيس الكوبي فيديل كاسترو في السلطة منذ عام 1968 حتى توريث شقيقه راؤول عام 2008.


ثانيا: في السلطة ساكتون فاسدون وخارجها صادقون نظيفون

الظاهرة العربية الثانية بامتياز هي أن غالبية المسؤولين السياسيين طالما هم في صدارة السلطة، فهم من مؤيدي الرئيس وحكومته على الشر والخير (إن وجد)، على الباطل و الحق (إن وجد). يسبحون بحمد الرئيس ويصفقون له وينحنون أمامه إجلالا واحتراما، ولولا ذرة من خجل لقبلوا يديه وقدميه، لأن بقاءه في السلطة والقمة يعني بقاءهم وا متيازاتهم التي هي نسبة من امتيازات الرئيس وعائلته. وإذا حدث وغضب عليهم الرئيس أو قلّص من صلاحياتهم وبالتالي امتيازاتهم أو لم ينجحوا في انتخابات ما مزورة في الغالب، فعندئذ يتذكرون الكرامة والصدق والشرف والنضال والشفافية وتقوى الله وضرورة مصارحة الشعب، فينشقون ويصبحون من المعارضة التي تملك من الأسرار والفضائح ما لا يمكن السكوت عليه، متناسين أنهم سكتوا (صم بكم) طوال عشرات السنين، فلماذا هذه الاستعادة لشرف ضائع أو غير موجود أساسا؟. ومن أشهر هذه النماذج العربية:

عبد الحليم خدام

هو وزير الخارجية السورية منذ عام 1970، ونائب الرئيس حافظ الأسد منذ عام 1984 وحتى وفاته في يونيو عام 2000، وظل في قمة السلطة في زمن وريثه الرئيس بشار الأسد وبنفس الصلاحيات والامتيازات والنفوذ حتى ديسمبر 2005. أي أنه مسؤول رئيسي ومشارك في كل ممارسات النظام السيئة والجيدة (إن وجدت)، وعندما بدا الرئيس بشار الأسد يغير في مراكز النفوذ والقوة والصلاحيات، وبدأت تطال عبد الحليم خدام، أعلن انشقاقه عن النظام في ديسمبر 2005، وهرب إلى باريس كي يعيش متمتعا بالمليارات التي سرقها هو وأولاده من ثروات الشعب السوري. وفجأة تذكر خدّام النظام هذا الصدق والنضال، فأسس في باريس جبهة معارضة انترنتية أطلق عليها (جبهة الخلاص الوطني)، ضمته مع بقايا الإخوان المسلمين الذين يكررون أحاديثهم عم مجازر النظام بحقهم في زمن أن كان خدام الشخص الثاني في النظام، فأية معارضة هذه وأية جبهة خلاص هذه؟. ثم بدأ خدام يفجر قنابله الصوتية التي كان ساكتا عليها طوال ما يزيد عن ربع قرن، وأهمها تصريحه بأن الرئيس بشار الأسد هو من أصدر قرار اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير 2005. ثم بدأ يتحدث عن حقوق الإنسان والتعذيب في السجون ومصادرة الحريات، متناسيا أنه من أهم المسؤولين عن كل ذلك. طبعا وما زال ساكتا عن سرقات ونهب أولاده وشركاتهم، خاصة فضيحة إدخال النفايات النووية في بداية ومنتصف الثمانينات التي أصبحت مؤكدة، إذ تمّ إدخالها عن طريق الموانىء السورية و اللبنانية بواسطة ابنه عندما كان خدام الأب نائبا لرئيس الجمهورية الرئيس حافظ الأسد، وقام بعملية تسهيل دخولها اللواء مصطفى طيارة مسؤول أمن وحراسة الموانىء السورية آنذاك، وهو من أخوال عبد الحليم خدام، وتم دفن تلك النفايات في صحراء تدمر....ساكت ومتآمر وناهب وهو في السلطة ومناضل وثوري ونظيف للغاية وهو خارجها!!!.

فاروق القدومي

قيادي في حركة فتح منذ تأسيسها، وعضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن حركة فتح، ورئيسا للدائرة السياسية في المنظمة منذ عام 1973 وحتى اليوم. عاش مع حركة فتح في الأردن ولبنان وسوريا وتونس، وكان من المقربين لياسر عرفات حتى عودته للقطاع والضفة في عام 1996، أي أنه مسؤول مباشر عن كل ممارسات حركة فتح ومنظمة التحرير. وظل ساكتا ومصفقا لياسر عرفات حتى وفاته، ولمحمود عباس من بعده عندما تسلم رئاسة فتح والسلطة الفلسطينية. ولم يتحدث مطلقا عن أية فضائح أو مخالفات فكل الأمور والسياسات والممارسات سليمة وشفافة بما فيها مالية مكتبه في تونس. ومنذ شهور عندما قررت حركة فتح عقد مؤتمرها السادس بعد غياب عشرين عاما في الضفة الغربية، والقدومي يريد عقده في الخارج وخاصة عاصمته المؤيدة المفضلة دمشق، رفضت كافة أطر حركة فتح ذلك، ولما بدأ يشعر أن نصيبه من الكعكة سوف يطير لغيره، تذكر النضال والشرف والصدق والشفافية والتحرير من النهار إلى البحر، وبدأ مشاكله مع قيادة السلطة الفلسطينية لدرجة الشتائم الشخصية، ثم كان ادعاؤه أن الرئيس عباس هو من اغتال عرفات بالسم الإسرائيلي، واعدا بقنابل دخانية أخرى.
ونفس السؤال: لماذا سكت القدومي على هذه الفضائح إن كانت صحيحة كل هذا الوقت، ولم يفجرها إلا عندما بدأ نفوذه يتلاشى، وصلاحياته تستنفذ فترتها الزمنية؟. وهل يستطيع القدومي الجديد المناضل والشفاف والصادق أن يجيب على الأسئلة المشروعة التالية:

1. من اغتال الفنان الفلسطيني ناجي العلي في لندن قبل عشرين عاما.
2. ماذا عن الفضائح والتجاوزات المالية لمكتبه في تونس؟
3. هل من الأخلاق والشرف صفع سفيرة فلسطين في مالطة نهى تادرس على وجهها في مكتبه في تونس، على مرأى من الجميع لأنها اختلفت مع أحد موظفي مكتبه؟

ساكت مصفق أصم أبكم وهو في السلطة ومراكز النفوذ، ومناضل وشفاف وصادق وهو خارجها!!!

وأخيرا أحمد قريع

أحمد قريع (أبو العلاء) العضو البارز في حركة فتح، ومجرد ذكر المشهور من صلاحياته يحتاج لعدة صفحات، منها:
- كان رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني.
- مدير إدارة الاستثمارات الخارجية في منظمة التحرير الفلسطينية.
- مدير إدارة الفرع الاقتصادي في منظمة التحرير الفلسطينية.
- المدير العام للشؤون الاقتصادية والتخطيط في منظمة التحرير الفلسطينية.
- أحد أهم مفاوضي اتفاقية أوسلو.
- رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض مع الإسرائيليين.
- التقى الرئيس الإسرائيلي بينيامين نيتينياهو على الأقل خمسة عشر مرة متتالية، أسفرت عن التوصل لمذكرة (واي ريفر) التي تم التوقيع عليها في الولايات المتحدة في أكتوبر 1998.
- أول مسؤول فلسطيني يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي (الحي الميت) شارون عقب تشكيل حكومته الأولى في مارس 2001.

وطوال ما يزيد على أربعين عاما،

من خلال كل هذه المسؤوليات المهمة والخطيرة، لم نسمع مطلقا أية انتقادات سياسية أو تنظيمية أو اقتصادية صادرة عن أحمد قريع (أبو علاء)، فكل الأمور خاصة ما تحت يده وصلاحياته طبيعية وشفافة ونظيفة ضمن كل المعايير الأخلاقية الأفلاطونية.

وفجأة عندما لم ينجح في انتخابات مؤتمر فتح

الأخير الذي عقد في مدينة بيت لحم، ولم يفز بعضوية اللجنة المركزية للحركة التي نالها 14 كادرا من الشباب الجدد على قيادة الحركة، فجأة تذكر أحمد قريع الشفافية والصدق والنظافة الانتخابية والتنظيمية وعيب الاجتماعات مع الإسرائيليين. فقد استل سلاح الصدق والطهارة عقب عدم فوزه وأطلق التصريحات النارية النظيفة الشريفة التالية:

- quot; إن هناك علامات استفهام حول الانتخابات وطريقة إجرائها وفرز نتائجها quot;. لماذا سكت قريع على طريقة الإجراء والفرز وهو يملك كل الصلاحيات ولم يتكلم إلا بعد خسارته الانتخابات؟

- quot; لقد اتفقنا أن تكون أصوات انتخابات أعضاء اللجنة المركزية في صندوق واحد، وإذا بها تجرى في عشرة صناديق quot;. لماذا سكت قريع عندما شاهد البدء بوضع الأصوات في عشرة صناديق؟ لماذا لم يحتج ويرفض مسبقا وهو يملك صلاحية وقف ذلك؟.

- لفت الانتباه إلى فوز أربعة من قادة الأمن المنسقين مع الاحتلال متسائلا: (هل تم ذلك بمحض الصدفة؟). متناسيا أنه هو أكبر وأهم واشهر وأقدم منسق ومفاوض مع الاحتلال، فلو نجح في الانتخابات فهذا ليس عيبا، أما بعد أن خسرها فالتنسيق مع الاحتلال عيب وصاحبه يربح الانتخابات!!!.

وهل يملك قريع الجرأة

للرد على ما أصبح معروفا ومتداولا في الشارع الفلسطيني من أن شركات الباطون التي يملكها هي التي قامت بالجزء الأساسي من بناء مستوطنة (أبو غنيم) الإسرائيلية؟. إلى درجة أن أكثر من بيان لبعض لجان حركة فتح كان عندما يرد اسمه في ثنايا البيان، يوضع اسمه كالتالي (أحمد قريع ndash; أبو غنيم) (بدلا من أبو علاء)، وعندما تسأل أحد مسؤولي فتح عن هذا الخطأ في كتابة اسمه يجيبك: (عمي مو غلط..إحنا وضعنا أبو غنيم بدلا من أبو علاء إشارة لبناء شركات الباطون التابعة له لمستوطنة أبو غنيم الإسرائيلية). فلماذا لا يخرج أحمد قريع ويجيب على هذه الأقوال والمعلومات المتداولة عنه؟.

ألم اقل لكم إنها ممارسات عربية بامتياز: سكوت صم بكم عمي وهم في السلطة والمسؤولية يتمتعون بنهبها وامتيازاتها، وشرفاء مناضلون شفافون صادقون أفلاطونيون خارجها أو عندما يبدأون بفقدها!!.
[email protected]