معسكر أشرف هو الاسم الذي يطلق على البقعة المكانية شمالي شرق العاصمة بغداد على بعد مائة كيلومترا تقريبا في منطقة العظيم، ويقيم فيه المدنيون الإيرانيون العزل من أي سلاح من جماعة (مجاهدي خلق) الإيرانية وهم من الرجال والنساء والأطفال، ويقدر عددهم حوالي ثلاثة ألاف وخمسمائة نسمة، موجودون في العراق منذ زمن نظام صدام حسين، وعرفوا بمناوأتهم الصارمة لنظام الملالي الإيراني، على خلفية أنه نظام ديني ظلامي متخلف، صادر كافة الحقوق الإنسانية للمواطن الإيراني، وعلى قاعدة (أهل مكة أدرى بشعابها)، فإن هذا التنظيم السياسي أدرى بشعاب وتفاصيل النظام الإيراني، لذلك أعلنوا مناوأتهم له مبكرا مما ألجأهم للعديد من الدول الأوربية والأمريكية، والعراق بحكم مناوأة نظامه السابق لنظام الملالي ودخوله حرب ضروس ضده لمدة ثماني سنوات، انتهت بهزيمة الخميني وعسكره، حيث اعترف بالهزيمة علنا واعتبر موافقته على وقف اطلاق النار أصعب من تجرع السم.
بعد انهيار نظام صدام حسين في أبريل عام 2003، قامت القوات الأمريكية بتجريد هذه الجماعة من سلاحها، ونقلتهم إلى هذا المعسكر (أشرف) حيث يقيمون في امن وسلام كلاجئين لا يختلفون عن ملايين اللاجئين العراقيين في مختلف بلدان العاالم الأوربية والأمريكية والعربية، إلى أن تتاح لهم الظروف الملائمة للعودة لوطنهم المسلوب من الملالي. و لم يسمع أو يعرف عنهم منذ أبريل 2003 أية مشاكل أو اضطرابات أو تدخل في الشأن العراقي، فقد تفرغوا لتطوير حياتهم البشرية خاصة أن من بينهم المئات من الخبرات من أطباء ومهندسين ومحامين، مما حوّل المعسكر إلى ما يشبه خلية حضارية فيها مدارس وجامعة ومستشفى وتصنيع بعض المواد الضرورية لحياة سكانه، كي لا يكونوا عالة على المجتمع والحكومة العراقية أو قوات التحالف، في حين أن كافة قوانين اللجوء الإنساني تجعل رعاية اللاجئين من مسؤولية الدول الموجودين على أراضيها.
أوامر النظام الإيراني واقتحام المعسكر
نقلت القوات الأمريكية في مايو الماضي مهمة الإشراف على المعسكر للقوات العراقية، ومنذ ذلك الوقت بدأ التهديد والوعيد ضد سكان المعسكر الذين تحميهم كافة القوانين الدولية كلاجئين، لكن أوامر النظام الإيراني لممثليه في الحكومة العراقية ، كانت الأكثر طاعة لذلك قامت قوات الأمن والشرطة والجيش التابعة لحكومة نوري المالكي في بداية أغسطس 2009، وبدون سابق إنذار بتطويق المعسكر ومنع الدخول والخروج إليه ومنه، ومنع دخول أية مواد بما فيها الدواء واالماء والغذاء، بحجة ضرورة بسط السيادة العراقية على المعسكر، ثم قامت هذه القوات بشكل همجي خال من أية معايير أخلاقية أو إنسانية باقتحام المعسكر موقعة حتى الآن ما لا يقل عن عشرين قتيلا وعشرات الجرحى واختطاف العشرات من سكانه العزل من أي سلاح، رغم أن الهدوء والسكينة كان يخيم على المعسكر عندما كان تحت سيطرة القوات الأمريكية التي نقلت الإشراف عليه للقوات العراقية قبل حوالي ثلاثة شهور وهي في سبيلها للإنسحاب من المدن العراقية. ومن الواضح أن حكومة المالكي (الذي لا يملك من أمره شيئا ما)، قامت بهذا العملية الإجرامية تنفيذا لأوامر النظام الإيراني خاصة أنها جاءت بعد الجرائم التي ارتكبها هذا النظام بحق الجماهير والقيادات الإيرانية التي تظاهرت بكثافة ضد تزوير الانتخابات لصالح أحمدي نجاد الصوت الصارخ للنظام. والدليل على ذلك أن قوات الأمن العراقية قامت باستدعاء ميليشيات قوات بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية المرتبط والممول من النظام الإيراني للمشاركة في اقتحام المعسكر، وتعتبر هذه المليشيات امتدادا علنيا لنظام الملالي في داخل العراق ولا تتحرك إلا حسب أوامر ومصلحة الملالي.
ماذا جنت حكومة المالكي وميليشيات بدر؟
بعد هذه الجرائم اللا إنسانية وما خلفته من قتلى وجرحى ومخطوفين، هل يستطيع عاقل أو مجنون أن يجيب عل سؤال: ماذا جنت حكومة المالكي وميليشيات بدر من هذه الجرائم؟. المعسكر ما زال موجودا بمن تبقى من سكانه رغم حصار نلك القوات والميليشيات له، وبالتالي فالمشكلة الإنسانية ما زالت قائمة، وهي أن هولاء اللاجئين الإيرانيين لا يستطيعون العودة لبلادهم في ظل تهديد ووعيد شرطة ومخابرات الملالي لهم، وبالتالي إما سيبقون في العراق أو يتم التنسيق مع دول أخرى لاستقبالهم، وهذا هو المنطق الإنساني الذي لو وعته حكومة المالكي لما أقدمت على تلك الخطوة المجرمة التي كانت تنفيذا لأوامر إيرانية فقط .
الأسف.. كل الأسف على التصرفات العربية
لماذا وصلت التصرفات العربية إلى هذا الحد غير الإنساني؟ وهذا ليس دفاعا عن لاجئي معسكر أشرف، ولكن بكاء على الحال العربية التي وصلت بين العرب أنفسهم إلى مستويات سمتها القتل والدم والخراب والقطيعة. من يفهم هذه التفجيرات الدموية التي تطال العراق منذ خمسة سنوات، ووصلت ذروة بشاعتها الأسابيع القليلة الماضية؟ من المستفيد من هذا القتل الذي يتم كله بأيدي عراقية وعربية؟ من يفهم الحرب بين فتح وحماس في قطاع غزة؟ من يفهم هجوم حماس الدموي على مسجد ابن تيمية وتدميره في مدينة رفح، لمجرد ظهور إسلاميين ينافسونها في وكالتها الإلهية في القطاع؟ ممن يفهم ما يجري من دموية في الصومال؟ من يفهم عدم قدرة الأحزاب اللبنانية على تشكيل حكومة واحدة موحدة؟ لماذا هذا التوتر العلني والسري في علاقات غالبية الدول العربية بينما هي مثل السمن على العسل مع الأمريكان والأوربيين والإسرائيليينن أيضا؟
ماذا لو كانت الجرائم ضد أشرف من الأمريكان؟
هل تتذكرون كيف قامت قيامة الأخلاق والشرف العربي عندما كشف الإعلام الأمريكي وليس غيره عن بعض التجاوزات في سجني أبو غريب وجوانتينامو؟ يا إلهي كم أطنان من ورق المقالات تم تسطيرها بكاء على الإنسانية والأخلاق، بينما الجرائم ضد معسكر أشرف لم تسترعي انتباه سوى قلة قليلة من الكتاب والصحفيين العرب!!. لماذا كان المعسكر آمنا هادئا في ظل وجود القوات الأمريكية وكذلك العاصمة بغداد، وما إن تسلمت مسؤولية الإشراف عليه حكومة المالكي بعد انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، حتى شهد المعسكر والعاصمة بغداد هذه الجرائم؟
وأكرر هذا ليس دفاعا عن معسكر أشرف واللاجئين الإيرانيين فيه، بقدر ما هو بكاء على التصرفات العربية بحق بعضهم البعض قبل الغرباء، ويكفي أن ملايين اللاجئين العراقيين والفلسطينيين والعرب من كافة الجنسيات في أوربا وأمريكا، يرفضون العودة للعراق أو أية عاصمة عربية، مما يعني أنهم مصرون على البقاء حيث الأمن والأمان وسيادة القانون واحترام الإنسان،ومع ذلك ما زلنا نتغنى ليل نهار ب (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة).
[email protected]
التعليقات