التقرير السياسي السري لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الذي تم تقديمه لمجلس شورى الجماعة الذي انعقد في الثالث عشر من أغسطس 2009، وأصبح علنيا بعد أن كشفته مصادر مقربة من الجماعة، ربما عن قصد لتعرف الحكومة الأردنية تحديدا هذه المواقف الجديدة للجماعة، يعتبر من أخطر الوثائق التي صدرت عن هذه الجماعة التي منذ نشأتها في أربعينات القرن الماضي، وهي تعيش في ظل وحماية العرش الهاشمي، حيث كانت جماعة خيرية مرخصة علنا بعكس حال الإخوان المسلمين في كافة الدول العربية الذين كانوا وما زالوا يتعرضون للسجن والاعتقال ومنع مزاولة العمل السياسي رسميا، وأعلنت الجماعة رسميا عن حزبها السياسي المرخص من قبل الحكومة الأردنية (حزب جبهة العمل الإسلامي) بعد الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989، واستمرت الجماعة تعمل في ظل وحماية العرش الهاشمي كحزب سياسي له الحق في التعبير عن رأيه وخوض الانتخابات، مما جعل من الجماعة وحزبها السياسي كتلة مهمة مؤثرة داخل البرلمان الأردني، وهذا هو حقها الذي تضمنه الديمقراطية الحقيقية. وظلت هذه المارسة السياسية الديمقراطية الراقية لعدة سنوات إلى أن برز تيار ما سمي (الصقور) في داخل الجماعة وحزبها خاصة من خلال شخصية (زكي بني إرشيد) الذي منذ توليه هذا المنصب القيادي في الجماعة، كان قد رسّخ سلوكين واضحين في ممارسات الجماعة وحزبها السياسي، أديا إلى النفور منه في أوساط الجماعة والحزب والحكومة، مما حدا بالجماعة لإقالته منذ شهور بشكل غير متوقع ويقترب من حالة الطرد:

الأول: النضال الانترنيتي في كافة ساحات الكرة الأرضية

لقد تفرغ إخوان الأردن في السنوات الماضية بشكل أساسي لما يمكن تسميته (نضال البيانات الإنترنتي) عبر كافة نواحي الكرة الأرضية، ويندر أن يكون هناك حدث في القارات الخمس ومحيطاتها لم يحظ ببيان من الجماعة، بما فيها إعصار كاترينا في أمريكا، وأحداث الصومال ومورياتانيا وتشكيل الحكومة الفلسطينية وتصريحات محمود عباس وأحداث باكستان والموقف من برويز مشرف، ولقد سبق أن رصدت مسيرة إصدارهم للبيانات التي شملت كافة نواحي المعمورة في مقالة طويلة بعنوان (ما هو موقف إخوان الأردن من إعصار كاترينا) بتاريخ الرابع والعشرين من أغسطس 2007. هذا بينما لم تشمل بياناتهم وأدبياتهم أية وثيقة شاملة للإصلاح والتطوير الديمقراطي والافتصادي في الأردن، متفرغين لبيانات الشجب والاستنكار لكل ما يحصل في الأردن، وكأن البلاد لا إيجابية واحدة فيها في أي مجال من مجالات الحياة.

الثانية: مشاكسة الحكومة على قاعدة quot;عنزة ولو طارتquot;
مقابل النضال البياناتي الانترنتي لما يحدث في كافة نواحي المعمورة، لم تحظ الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتطوير السياسي بأية دراسة للجماعة وحزبها، إذ تفرغت فقط لبيانات الشجب والاستنكار لكل ما يصدر عن الحكومة الأردنية والكتل النيابية الأخرى في البرلمان الأردني، وكأنهم فعلا يملكون الحقيقة المطلقة لمجرد وضع صفة (الإسلامي) في اسم حزبهم، وهذا يقترب من المرض النفسي لغالبية الأحزاب والجماعات التي تنتحل صفة إسلامية أو إلهية في اسمها.

تخرصات وأكاذيب لا تطاق

وضمن نفس مسيرتهم المعتمدة على التهويل والإثارة للبقاء تحت الأضواء دوما، جاءت الوثيقة السرية للجماعة التي انكشفت سريتها، واصبحت حديث الشارع الأردني خاصة أنها تعتمد بشكل صارخ على التخرصات والتلفيقات التي لا تطاق ولا يمكن تصديقها من ألد أعداء الأردن وطالبي السوء والشر له. وهذه الوثيقة ndash; الأكذوبة تطرح فعلا سؤالا مهما وهو: ماذا تريد هذه الجماعة للأردن؟ وهل هي حزب سياسي في دولة اسمها (المملكة الأردنية الهاشمية) أم دويلة (الإخوان المسلمين) داخل الدولة الأردنية؟

وهذا التساؤل خلفيته أن ما تضمنته هذه الوثيقة يطرح علامات استفهام عديدة حول غرض هذه الجماعة، وما تكنه للأردن دولة ومستقبلا، وأؤكد أن غالبية ما ورد في هذه الوثيقة لا يمكن السكوت عليه في أعرق الدول الأوربية والأمريكية ديمقراطية، ففي هذه الدول للديمقراطية حدود وضوابط، أما الافتراءات والتجني والأكاذيب فمصيرها القضاء والمحاكمة، فما هي الأكاذيب والافتراءات التي تضمنتها هذه الوثيقة الإخوانجية:

أولا: التوصيف المضلل الكاذب للدولة الأردنية

كنت أتوقع أن تحترم جماعة الإخوان في المسلمين في الأردن عقول المواطنين الأردنيين، وتنسى كل الفضائل والحسنات التي قدمتها لهم الدولة الأردنية طوال ستين عاما من وجودهم، لأن الدولة التي حمتهم رسميا طوال العقود الستة الماضية، ورخصت لهم حزبا سياسيا سمحت الديمقراطية الأردنية أن تكون له كتلة داخل البرلمان، في حين تعرضوا لمجازر وتصفيات طالت الألاف في دول مجاورة، هذه الدولة لا يمكن القبول بوصفها الذي جاء في تلك الوثيقة المفترية حرفيا: (إن الأردن ما زال منخرطا على الصعيد السياسي في المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يقضي بتصفية القضية الفلسطينية وفقا للرؤية الصهيونية المفروضة على المنطقة والذي يقضي بتحمل الأردن قسطا وافرا من آثار هذه التصفية والمتمثلة باستيعاب أكبر عدد من الاجئين والنازحين الفلسطينيين عن طريق التوطين الأبدي المصحوب بشطب حق العودة).
إن هذا التوصيف خال تماما من الحقيقة التي يعرفها الجميع ويعيشها الفلسطينيون سلطة وشعبا. فعن أي توطين يتحدثون والأردن كان هو السباق عام 1988 لفك الارتباط مع الضفة الغربية ترسيخا للكيانية والدولة الفلسطينية المرتقبة؟. وعن أي لاجئين يتحدث التقرير والكل يعرف أن الأردنيين من أصول فلسطينية اكتسبوا المواطنية الأردنية بحكم القانون والدستور الذي نتج عن ضم الضفة الغربية بعد عام 1948؟ ويعرف العديدون من قيادات الجماعة أنهم أصبحوا أردنيين ضمن هذه الحالة، فإذا كانوا يعتبرون أنفسهم لاجئين ويتمسكون بحق العودة، فلماذا لا يتنازلون عن جنسيتهم الأردنية، ويبيعون قصورهم وفيللهم في عبدون والضاحية والرابية والصويفية، ويذهبون للعيش مع اللاجئين في مخيم البقعة او النازحين من القطاع بعد هزيمة 1967 في مخيم جرش؟. إن الرؤية الأردنية في هذا المجال واضحة: لا تجنيس للاجئي ونازحي ما بعد عام 1967 تمسكا وتثبيتا لحقهم في العودة لوطنهم، وبعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود معترف بها دوليا، كل مواطن أردني من أصول فلسطينية من حقه التنازل عن الجنسية الأردنية والعودة للدولة الفلسطينية. وعندئذ سنرى من منهم سيعود بما فيهم الأجيال التي ولدت بعد عام 1950 فهي لا تعرف وطنا لها سوى الأردن الذي من مفاخره تعدد المنابت والأصول وتعايشها بسلام و وئام رغم بعض الفقاعات التي تطفو على السطح من حين إلى آخر، من قلة لا يدركون حجم الأمن والأمان الذي يتمتعون به قياسا على العديد من الدول العربية بالذات. لذلك فإن هذا التوصيف للأردن كما جاء في الوثيقة الإخوانجية وما فيه من الكذب والتجني والافتراء، فإنه من المفروض أن يحيل أصحابه للسؤال والمحاكمة.

ثانيا: اعتماد الخطابية المضللة في مواقف الجماعة
كيف ستواجه الجماعة هذه الأكاذيب التي اعتمدتها كحقائق وكأن الأردن في طريقة للضياع والتوطين أصبح حقيقة...إلخ تلك التخيلات المريضة؟. المواجهة عندهم بنفس الإسلوب المعروف عنهم وهو الخطابة والبلاغة التي تزخر بها اللغة العربية، فهم حسب وثيقتهم بصدد (أن تتقدم الحركة الإسلامسة بمشروع مواجهة شامل على مستوى الأمة العربية والإسلامية يشكل إطارا لكل القوى الفاعلة والمخلصة، يستند إلى رؤية واضحة وخطاب موحد مزود بإرادة شجاعة وعزيمة قوية من أجل إفشال المخطط الصهيوني على طريق اضعاف المشروع الصهيوني والحاق الهزيمة به والعمل على تحرير كافة الأرض المحتلة).

تخيلوا هذه الخطة الإخوانجية،

كم هي سهلة وبسيطة عند كتابتها في موضوع إنشاء لطالب في الثانوية العامة، فأنا متأكد أنه سيحصل على أعلى الدرجات، لكنه بهكذا خطابة لن يحصل على متر من (كافة الأرض المحتلة). وكون برنامج الإخوان يشمل حسب قولهم (الأمة العربية والإسلامية) فهذا يعني علنيا أن المقصود ب (كافة الأرض المحتلة) هو: كامل فلسطين من النهر إلى البحر، والأحواز العربية والجزر الإماراتية المحتلة من إيران، ولواء الإسكندرونة السوري المحتل من تركيا، ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة من إسرائيل، ومدينتي سبتة ومليلة المغربيتين المحتلتين من أسبانيا . وبالتالي فأنا أصبحت في شك حول مسألة نوع الأسلحة النووية والجرثومية والبلاستيكية والصواريخ العابرة للقارات التي يملكها الإخوان المسلمون في الأردن لتنفيذ خطتهم التحريرية هذه!!!. ثم تذكرت أن سلاحهم الوحيد هو هذه البلاغة الخطابية التي ما عادت تخدع الجماهير الغفيرة والغفورة لأكاذيبهم هذه.

رابعا: موقف الإخوان من السلطة الفلسطينية ومؤتمر فتح
السؤال الذي تفرضه الديمقراطية الحقيقية هو: ما دخلكم كجماعة أردنية وحزب سياسي أردني بمواقف السلطة الفلسطينية ومؤتمر فتح الأخير؟ أليست هذه شؤون فلسطينية بحتة لا دخل لكم بها كحزب أردني؟ وأؤكد أنه من المستحيل أن يصدر حزبا سياسيا أوربيا بيانا عن مسألة محلية داخلية بحتة في دولة أوربية أخرى، فلماذا هذا التدخل من الجماعة الأردنية فيما ينبغي أنه لا علاقة لهم به، إلا إذا كانوا امتدادا أردنيا لحركة حماس الفلسطينية، لأن ما ورد في وثيقتهم عن مواقف السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس ومؤتمر فتح الأخير، هو نفس مواقف حركة حماس وتمت صياغته بلغة حماس حرفيا، وإيراد مقاطع كاملة من وثائقها السياسية، مما يطرح السؤال الطبيعي: هل هذه الوثيقة صادرة عن جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين أم حركة حماس؟. وأنا أميل إلى انها وثيقة حماسية مائة بالمائة مضمونا وصياغة ومراوغة وتضليلا، تبنتها الجماعة التي لا يعرف أحد حدود العلاقة والامتداد والتداخل بينها وبين حماس، مما يطرح التساؤل مجددا: هل هي حزب سياسي داخل الدولة الأردنية أم دويلة إخوانية حماسية داخل الدولة الأردنية؟
وبالطبع وحسب عادة حليمة الإخوانجية، فقد أسهبت الوثيقة في إنشائها عن الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأزمة المالية العالمية، وقضايا التصحر والفقر والبطالة، والوضع العسكري في الصومال وأفغانستان وباكستان وكافة أنحاء المعمورة، فهم جماعة شمولية وقوة عظمى يملكون الحلول لكل مشاكل الكون بما فيها مشكلة ثقب الأوزون.

ويبقى أردنيا أن مواقف الجماعة غير منطقية ومليئة بالافتراءات ونكران الجميل لدولة حمتهم حتى أصبحوا حزبا سياسيا رسميا معترفا به، وهذا لا يعني ولا يستدعي منافقة الدولة والحكومات الأردنية فهذا أيضا مرفوض، لأن النقد الهادف البناء ضروري ومن واجبهم الشعبي ممارسته بقوة وشجاعة، ولكن بدون هذه الافتراءات والمبالغات والتدخل خطابيا في شؤون كافة دول العالم. تفرغوا للشأن الأردني بهدوء ضمن سقف الحريات الديمقراطية الأردنية، وضمن مجلس النواب الأردني، وسترون كم ستكسبون من جماهير وشعبية، أما إسلوب هذه الوثيقة فلا يهدف إلا لصدام علني مع كافة مؤسسات الدولة، وهذا ليس من مصلحة الأردن دولة وشعبا، ولا من مصلحتكم كحزب سياسي أردني مرخص حسب القوانين والدستور الأردني.
[email protected]