في الوقت الذي تشتعل فيه الأحداث في غزة على وقع الحرب الإسرائيلية التي تجاوزت العام، تعيش مناطق ومدن الضفة الغربية حالة من القلق والتوتر، خاصة بعد شن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية حملة كبيرة ضد المسلحين في مخيم جنين، الذي يعتبر ثاني أكبر مخيمات الضفة، تحت شعار "حماية وطن"، في محاولة للسيطرة المطلقة على المخيم الذي تحوَّل إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين.
وسعت أجهزة السلطة الفلسطينية إلى حصار المخيم من أجل فرض القانون، واعتقلت بعض المسلحين ونزعت أسلحتهم، ولاحقت الخارجين عن القانون الذين يشعلون الأوضاع ويزيدون التوتر في مناطق مختلفة بالضفة لأسباب تتعلق بتحقيق هذه الجماعات مكاسب سياسية على حساب الشعب الفلسطيني، وإضعاف السلطة الفلسطينية وتحجيم موقفها، خاصة في ظل الحديث عن وجود نية من إسرائيل لإسناد قطاع غزة إليها للعودة لإدارته عقب انتهاء الحرب. وأكدت تلك العملية العسكرية أن السلطة الفلسطينية أكثر صلابة في التعامل مع القوات الخارجة عن القانون، لحفظ الأمن وحماية المواطنين.
ومن الواضح أن العملية الأمنية الأخيرة في مدينة جنين كانت إجراءً ضرورياً يعزز تصميم السلطة على تأكيد حقها في إدارة الشؤون الفلسطينية. لذلك تصاعدت الاشتباكات بين السلطة وكتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وسقطت إصابات من الجانبين. لكن السلطة تصر على تطبيق القانون وحماية المواطن الفلسطيني ووأد أي تحرك من قبل أي جماعات تستهدف النيل من قوتها وصمودها وقدرتها على إدارة شؤون البلاد، وتجنب تكرار سيناريو قطاع غزة الذي اختطفته حركة حماس بقوة السلاح وفرضت سلطتها عليه، وأعلنت غزة منطقة منفصلة عن فلسطين، ولكنها انتهت بتدمير وخراب غزة على يد الاحتلال بسبب عدم وجود سلطة حكيمة تستطيع إدارة شؤون البلاد بالسياسة والمفاوضة بعيداً عن قوة السلاح.
إقرأ أيضاً: العين على لبنان.. لكن لا تنسوا غزة!
وبالفعل، نجحت أجهزة السلطة في تفكيك مجموعة من العبوات والسيارات المفخخة التي زرعتها كتيبة جنين في المخيم، وهذا يؤكد على نية هذه الحركات الجهادية في إضعاف السلطة لصالح جهات أخرى تدعمها لتنفيذ أجندات خارجية في فلسطين، وقد تكون إيران مستفيدة من هذه الأحداث لتقوية نفوذها، خاصة مع قرب انتهاء قصة حماس داخل البلاد.
والحملة في جنين مؤجلة منذ فترة طويلة، تجنبت فيها السلطة الدخول في مواجهات داخلية فيما هي محاصرة من قبل إسرائيل سياسياً ومالياً. لكن الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، والتغييرات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وضعتا السلطة على المحك.
إقرأ أيضاً: عشاء القيادات الفاخر على حساب الشعب المسكين
ووجدت السلطة نفسها في مواجهة مستعجلة مع المسلحين، بعدما بدأت تشعر أنهم يملؤون الفراغ ويهددون بقاءها في أعقد ظرف ممكن. وتراقب إسرائيل ما يحدث في جنين عن كثب. وقالت "القناة 12" إنَّ السلطة تلقت رسالة ساخنة من إسرائيل قبل فترة وجيزة مفادها: "ابدأوا بالتحرك وإلا فسنضطر إلى الدخول بأنفسنا". لكن السلطة لا تربط بين إسرائيل وعمليتها في جنين، التي ستتوسع إلى مناطق أخرى لاحقاً.
ويعمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إحداث أوسع تغيير ممكن في السلطة، استجابةً لمطالب دولية بإجراء إصلاحات وتغييرات تمكن السلطة من تسلم قطاع غزة. وأجرى خلال الشهور الماضية تغييراً حكومياً، وعيَّن محافظين جدداً، وأجرى تنقلات لقادة الأجهزة الأمنية، وفي السفارات الفلسطينية، وأصدر مرسوماً يحدد فيه من يتسلم منصبه في حال شغوره فجأة.
إقرأ أيضاً: صيدنايا وسجون غزة.. وجهان لعملة واحدة
وعلى السلطة الفلسطينية الآن مسؤولية كبيرة في إعادة ضبط المشهد وإعادة التوازن من جديد لمناطق الضفة المختلفة، ووأد أي محاولة للعب بالنار المشتعلة، بل وإخمادها بكل الطرق السلمية والدبلوماسية. لأن حق الوطن يستلزم وأد الفتن، والتأكيد على أنها قوية وقادرة على فرض سيطرتها وقوة القانون على أي منطقة تابعة لها، وكذلك إرسال رسائل للجميع بأنها قادرة على ضبط الموقف والتحكم في كل كبيرة وصغيرة بالضفة، وجاهزة أيضاً لأي خطط مستقبلية، كما أنها جاهزة لحكم غزة وفرض الأمن والأمان بها بقوة القانون وليس بقوة السلاح.
التعليقات