اتجهت أنظار العالم إلى لبنان والعدوان الإسرائيلي عليها، خاصة بعد قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فيها، وبدء انسحاب القوات الإسرائيلية، ثم إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الضربات الإسرائيلية. ومن المؤسف أن تبقى جبهة غزة على حالها، فلا يوجد حديث جدي عن هدنة أو تهدئة وسط انشغال العالم بما يجري في لبنان، ووسط تساؤلات عمّا ينقص القطاع المنكوب لجذب انتباه العالم بجدية أكبر.

أهالي قطاع غزة يدفعون ثمن المعاناة المستمرة دون أن ينظر إليهم أحد، فأصبحوا بلا طعام ولا وقود ولا مياه ولا كهرباء ولا إنترنت مع استمرار القصف العنيف كل ليلة. ومع تحوّل أنظار العالم إلى جنوب لبنان، يخشى سكان غزة أن يصيروا في طي النسيان، فما الذي قد يحدث لمحنتهم بعد أكثر من عام من الحرب التي دمرت حياتهم وأفقدتهم الأهل والأبناء وشردتهم في مناطق الإيواء؟

والآن، يشعر سكان غزة بالرعب من تحول الاهتمام الدولي، والتخلي عنهم من قبل جميع الأطراف، وأن تصبح الظروف البائسة في غزة دائمة. فبعد تخلي حماس عنهم ووضعهم على فوهة بركان الحرب، يخاف أكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني من نسيانهم من قبل الدول الوسيطة في ملف المصالحة، خاصة مع ازدياد العدوان الإسرائيلي تجاههم وتوحش هجمات الاحتلال ضدهم في مناطق الإيواء، وكذلك منعهم من جميع مناحي الحياة الأساسية التي تعينهم على البقاء أحياء وسط كل هذا الدمار والخراب.

الوضع الحالي مأساوي بعد أن حل الشتاء، وأكثر أهالي القطاع في العراء وفي خيام غير آدمية تكشف أكثر مما تستر، إذ تم تدمير نحو 80 بالمئة من البنية التحتية أو تضررها بشدة. الوضع الراهن يجعل الجميع، خاصة الأطفال وكبار السن، عرضة لأمراض الجهاز التنفسي وغيرها، مع عدم قدرتهم على مواجهة الأجواء الباردة التي باتت تسيطر على حالة الطقس في الأيام الماضية. ما يتطلب مزيداً من الاحتياجات الطبية والشخصية للأشخاص الذين يعيشون في هذه الظروف اللاإنسانية، والجميع يعلم عجز القطاع الطبي والمنظومة الصحية في غزة.

وتشير الأرقام إلى أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة تسبب خلال 13 شهراً بمقتل وجرح 150 ألف فلسطيني، بينهم معاقون ومدفونون تحت الأنقاض، وأن 70 بالمئة من القتلى نساء وأطفال. ويوجد أيضاً من بين القتلى 17 ألف طفل، 700 منهم لم يبلغوا عامهم الأول. كما تيتم عشرات الآلاف وبُترت أطراف أعداد كبيرة من المدنيين.

إقرأ أيضاً: حزب الله ودعم محور إيران على حساب الشعب اللبناني

ومع تركيز الاحتلال على التسوية مع لبنان وتفادي خطر اندلاع حرب شاملة مع حزب الله، لا يزال الأهالي ينتظرون حلاً للتسوية في غزة، رغم تضاءل الآمال في التوصل إلى اتفاق مع فقدان الولايات المتحدة، الوسيط الرئيسي في المحادثات، قدرتها على التأثير على أقرب حلفائها، فلا تظهر رؤية واضحة لمستقبل غزة حتى الآن.

وإذا اعتبرنا أن سبب الانصراف عن غزة هو عدم انتباه حركة حماس لأهمية الوحدة ولملمة البيت الفلسطيني والانضواء تحت لواء منظمة التحرير، حتى لا تبقى الحركة وحيدة تغرد خارج السرب في ظل مؤامرة تحاك ضد الشعب الفلسطيني، فقد سقطت رهانات حماس على حزب الله أو الحوثيين أو إيران، وبات الشعب الفلسطيني يعيش وحيداً في ظروف سيئة. المطلوب من حماس الآن هو المضي نحو تسليم الملف بأكمله إلى منظمة التحرير الفلسطينية. ما جرى في لبنان هو أن حزب الله سلم الملف بالكامل للدولة اللبنانية، وهو ما يجب على حماس فعله على جبهة غزة.

إقرأ أيضاً: نهاية السنوار.. بين البطولة والتوريط!

أرجوكم، لا تنسوا أهل غزة. فهم يحتاجون إلى انتباه العالم إليهم، فالحرب الإسرائيلية والتضييق عليهم ما زال مستمراً، في ظل مجاعة شديدة تفتك بهم وشح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود. ومع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع إلى الخلاء، لم تظهر أي مؤشرات على توقف الهجوم الإسرائيلي عليهم. الأخطر من كل ذلك ليس فقط في انتقال التركيز الإعلامي إلى لبنان، ولكن في الحقيقة أن لا أحد يتحدث عن صفقة أو وقف إطلاق نار. وهذا يمنح إسرائيل الحرية لاستكمال تنفيذ مخططاتها وعمليتها العسكرية في قطاع غزة وإبادة ما تبقى. فمن ينقذ هؤلاء الأهالي المحاصرين والمشردين منذ أكثر من عام؟